تحسين الشيخلى: الرفقة الاصطناعية قد تتحدى قيم المجتمعات العربية
تعد تطبيقات الأصدقاء الافتراضيين المدعومة بالذكاء الاصطناعى ظاهرة لافتة للنظر، أثارت اهتمامات المختصين بعلم النفس والاجتماع فى العديد من البلدان، وأُجريت أبحاث لدراستها، لكن مع الأسف لم أقرأ أى بحث من مختصين عرب يتناول هذه الظاهرة رغم انتشارها فى عالمنا العربى.
تشهد المجتمعات العربية تغيرات متسارعة فى التفاعل مع التكنولوجيا، ويأتى الذكاء الاصطناعى بصفته شريكًا اجتماعيًا أو رفيقًا اصطناعيًا Social companionship with artificial intelligence ليضيف بُعدًا جديدًا لهذا التحول. فبينما توفر هذه التكنولوجيا حلولًا لبعض التحديات الاجتماعية والنفسية، فإنها تحمل أيضًا تأثيرات اجتماعية متنوعة، يمكن تقسيمها إلى إيجابيات وسلبيات تحتاج إلى معالجة متأنية فى السياق الثقافى والاجتماعى العربى.
يستحق التأثير الاجتماعى طويل المدى لهذا التحول النظر بعناية، فإضافة إلى التسهيلات التى قدمها الذكاء الاصطناعى للتواصل بين الإنسان والآلة من تقنيات معالجة اللغة الطبيعية وخوارزميات التعلم العميق، أسهم الذكاء الاصطناعى فى تعزيز الاعتمادية على أجهزة الرفقة الاصطناعية كثيرًا والمتوفرة عبر منصات متعددة.
توفر هذه التطبيقات سهولة الوصول إلى «رفيق» افتراضى فى أى وقت وأى مكان مع عدم الحاجة إلى التفاعل وجهًا لوجه، هذه السهولة فى الوصول، مع طبيعة التفاعل غير المقيد، تجعل هؤلاء الرفقاء جذابين لشريحة واسعة من المستخدمين، بمن فى ذلك الذين يعانون من القلق الاجتماعى أو الوحدة أو تحديات الصحة العقلية. وبالتالى يمكن أن يؤدى إلى تقليل مهارات التواصل الاجتماعى والعلاقات الإنسانية الحقيقية، كما أن هناك خطر زيادة العزلة الاجتماعية والانطواء إذا فضّل الأفراد التفاعل الافتراضى على العلاقات الواقعية.
ويعتمد نجاح تطبيقات الرفقاء الاصطناعيين بشكل كبير على قدرتها على تخصيص التفاعلات؛ فمن خلال تحليل بيانات المستخدم وتفضيلاته وأنماط سلوكه، يمكن للرفقاء الاصطناعيين تكييف ردودهم لتلبية احتياجات كل مستخدم بشكل فريد. بالإضافة إلى ذلك، يسمح الذكاء الاصطناعى العاطفى لهؤلاء الرفقاء بالتعرف على مشاعر المستخدمين والرد عليها، ما يعزز الشعور بالتعاطف والارتباط.
وعلى الرغم من أن المجتمعات العربية لديها قيم ثقافية واجتماعية راسخة حول العلاقات الإنسانية والتفاعل الاجتماعى، فربما يؤدى انتشار الرفقة الاصطناعية إلى تحدى هذه القيم وإحداث تغييرات فى كيفية فهم الأفراد للعلاقات والصداقة والدعم الاجتماعى.
وتعد القيم الثقافية والاجتماعية فى المجتمعات العربية من الأسس التى تُبنى عليها العلاقات الإنسانية والتفاعل الاجتماعى. هذه القيم تشمل الترابط الأسرى، الضيافة، الدعم الاجتماعى المتبادل، والتفاعل الشخصى المباشر. تُعزز هذه القيم من أهمية العلاقات القريبة والمباشرة بين الأفراد، سواء داخل الأسرة أو بين الأصدقاء والجيران. فى هذا السياق، يلعب التفاعل والاتصال الشخصى دورًا مركزيًا فى بناء الثقة وتعزيز الروابط الاجتماعية، كما أن الصداقة فى الثقافة العربية ليست مجرد علاقة عابرة، بل هى علاقة عميقة تقوم على الالتزام والولاء والدعم المتبادل. الصديق فى الثقافة العربية يلعب دورًا محوريًا فى حياة الفرد، سواء فى الأفراح أو الأحزان.
ومن ثم، قد يؤدى انتشار الرفقة الاصطناعية إلى تغيير فى فهم الأفراد لمفهوم الصداقة والدعم الاجتماعى، ومن المحتمل أن يفضل البعض التفاعل مع رفاق افتراضيين يمكن التحدث إليهم دون خوف من الحكم أو الانتقاد، ما قد يؤدى إلى تراجع العلاقات الإنسانية التى تتطلب وقتًا وجهدًا لبنائها والحفاظ عليها.
مع مرور الوقت، حتمًا ستؤدى الرفقة الاصطناعية إلى إعادة تشكيل الهوية الاجتماعية للأفراد، خاصة إذا ما أصبحت التكنولوجيا جزءًا أساسيًا من حياتهم اليومية. هذا طبعًا بالنتيجة يؤدى إلى تحول فى القيم والأولويات، إذ يمكن أن يتغير مفهوم الفرد عن العلاقات الاجتماعية وما يريده من الآخرين.
وإذا اعتمد الشباب فى مرحلة بناء هويتهم الشخصية وتحديد دورهم فى المجتمع بشكل كبير على الرفقاء الاصطناعيين، سيؤثر ذلك على تطور هويتهم الشخصية والنفسية، وقد يصبحون أقل قدرة على مواجهة التحديات الواقعية وبناء مهارات التعامل مع المشكلات الحياتية.
وعلى صعيد العائلة التى تحتل مكانة مهمة فى المجتمعات العربية، قد تثير الرفقة الاصطناعية تساؤلات حول مكانتها ودورها إذا ما بدأ الأفراد فى الاعتماد بشكل أكبر على الذكاء الاصطناعى لتلبية احتياجاتهم العاطفية والاجتماعية بدلًا من اللجوء إلى أفراد الأسرة.
وبالتأكيد يُثير صعود الرفقة الاصطناعية تساؤلات أخلاقية مهمة، تتعلق هذه القضايا بالإدمان، والتلاعب، وإمكانية استبدال العلاقات البشرية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مخاطر تتعلق بالتحيز فى تفاعلات الذكاء الاصطناعى، إذ ربما يعزز الذكاء الاصطناعى الصور النمطية الضارة أو يقدم نصائح غير ملائمة بناءً على خوارزميات معيبة.
*باحث عراقى ومدير مركز بحوث دراسات المستقبل فى لندن