محسن يونس: نحتاج لأدب طفل يستقصى الحاضر والمستقبل
يمكننا الآن أن نرى غزو التكنولوجيا جميع مناحى الحياة، وعلى كل الأصعدة؛ إذ لم يقتصر الأمر على تكنولوجيا التواصل فحسب، بل امتد إلى وسائل التعليم الأساسية، والعمل ووسائله، وأكثر بكثير ممّا كان عليه الوضع فى السّابق. بدأت الدائرة تتسع، والكتابة الأدبية ليست غائبة عن ذلك التحول، بل هى الأجدر بحمل لواء هذا التحول فهى التى تُلبى حاجة داخل الإنسان تدفعه للقراءة.
بناء على تلك التغيرات، هجر أدب الأطفال تلك المنطقة التى عاش فيها طويلًا معتمدًا على الخرافات أساسًا تنطلق منه الكتابة الموجهة للطفل، وكذلك المتون المكتظة بالوعظ والإرشاد، وحكايات الخوارق غير المبنية على أساس موضوعى وكل ما هو غيبى، إلى جانب كتابات خاصة بوهم التسلية وقضاء وقت الفراغ، ففى مثل هذه الكتابات نفتح الباب للأطفال على الكسل، والنظر للحياة على أنها ثابتة وغير متحولة، ما قد يقدم أشخاصًا فيما بعد لا يتحلون بالوعى والقدرة على التغيير.
كانت النظرة إلى الطفل بهذه الكيفية تبعده عن أن يكون كائنًا بشريًا، كأنه إحدى التجارب المزمع ضمها فيما بعد إلى القافلة الإنسانية. يؤمن الإبداع الحالى، أو ينبغى عليه، أن الطفل كائن بشرى يستوعب ما حوله بطريقة خاصة على الكُتّاب اكتشافها، وعدم التعالى عليها بوهم أننا كبار نعرف ما لا يعرفه الأطفال. الطفل شريك فى صناعة الحياة، من هذا المنظور نبدأ فى التعامل مع الكتابة الموجهة للأطفال مع مراعاة النمو النفسى لكل مرحلة عمرية.
لدينا تصور لكتابة تعتمد على التوجه إلى الطفل والوقوف على مشكلاته الخاصة فى عالمه الطفولى، فعلى كاتب الطفل أن يكون إيجابيًا فى اقتحام مشاكله، وألا يهرب من مواجهتها، كل هذا إلى جانب الولوج إلى عالم الفضاء والروبوتات والشبكة العنكبوتية، وأن تساعد الكتابة على تنمية حس الاكتشاف والتجربة والاختراع لدى الطفل.
نريد كاتبًا من نوعية مختلفة، والاختلاف يكمن فى رؤيته لعمله الإبداعى أولًا، وقدرته على اكتشاف ومجايلة عوالم جديدة تتماشى مع العالم الحاضر والمستقبل القريب على الأقل، وثانيًا قدرته الخاصة على أن يكون متسلحًا بوعى نقدى علمى يكتشف وجوده بداخله، وغير مستجلب أو وهمى يشبه موجة يركبها بينما هو أقرب إلى كل ما هو خرافى وغيبى ونكوصى. كاتب الأدب الموجّه للأطفال نموذج حى على الباحث العالم القارىء المتواصل الفاهم لهؤلاء القراء الصغار، نستطيع أن نردد مجتزأ من مقولة للدكتور عبدالرحيم الكردى فى كتابه عن بنية القصة: «النص التخييلى أوسع من الماضى والحاضر معًا، لأنه انقذاف جمالى معرفى حتمى صوب المستقبل الجمالى والمعرفى معًا».