الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الفن متعة أم رسالة؟

حرف

منذ أسابيع قليلة، صرحت الفنانة سلوى محمد على بأن الفن ليس له دور غير المتعة، وأثار هذا التصريح حفيظة العديد من المهتمين بالشأن الفنى، وأخذوا فى الهجوم عليها بحجة أن الفن رسالة، ويجب أن يكون العمل الفنى محملًا برسالة وإلا يكون بلا قيمة.

الأسباب التى دفعت الإنسان منذ القدم للجوء للفن غير محددة، وأغلب الدوافع هى تكهنات، فهناك قول إن الإنسان لجأ للفن للتسلية، ورأى آخر يقول إن الغرض كان التعليم من أجل تلافى أخطار الطبيعة، وتسجيل اللحظة الآنية، وغيرها من الأسباب التى يطول شرحها.

مع تطور البشرية أصبحت القيمة الجمالية هى الهدف الأساسى، ومن هنا المحاكاة هى الأسلوب الأساسى للفن التى تستمد منه القيمة الجمالية، ومن الحكايات المشهورة أنه كانت هناك مسابقة للأمهر فى محاكاة الطبيعة، فقام أحد الفنانين برسم طبق للفاكهة فاعتقدت الطيور أنها حقيقية فجاءت تأكل منه، وفاز بالمسابقة الفنان الذى رسم ستارة، فقام أحد الحضور ليفتحها معتقدًا أنها حقيقة.

ظلت المحاكاة هى الأساس حتى مع اختلاف المدارس الفنية بين الرومانسية أو الواقعية، حتى ظهرت المدرسة الانطباعية التى كانت تهتم بتأثير النور والظل على العمل المراد تصويره.

ظهرت بعد ذلك المدارس الفنية التى تهتم بالأفكار، مثل السوريالية والتكعيبية، وتلك المرحلة التى تحمل اسم الفن للفنان، وهذه المدارس كانت رد فعل بعد فترة الحرب العالمية، ولم تتخل عن القيم الجمالية، فالمتعة البصرية هى المتسيدة حتى لو لم يعلم المتلقى موضوع العمل.

هذا لا ينفى أن هناك بعض الأعمال كانت تحمل رسالة صريحة ومباشرة مثل لوحة الحرية تقود الشعب لـ«ديلاكروا» التى رسمها سنة ١٨٣٠ لامرأة شبه عارية حاملة راية الثورة وهى علم فرنسا بيد، وباليد الثانية بندقية.

وتسمى الفنون البصرية الثلاثة، النحت والتصوير والعمارة، بالفنون الجميلة، فلا هدف لها إلا نشر القيم الجمالية، فما هى الرسالة التى تحملها واجهات المبانى؟ لا شىء سوى قيمة الجمال. نفس الشىء بالنسبة للتماثيل التى تحمل موضوعًا ولكنها لا تحمل رسالة. فمشاهدة تمثال ما فى إحدى الساحات أو الميادين دون معرفة اسم التمثال لن تمنع من قيمته الجمالية.

ينصب هذا على الموسيقى البحتة والتى بلا غناء، وعلى التقاسيم الموسيقية للآلات الشرقية التى لا تعكس إلا مهارة العازف.

حتى الأدب أو الشعر - ألف الإنسان الأدب فى البداية شعرًا قبل مرحلة التدوين- ليس له دور إلا المتعة والحفاظ على اللغة.

ونأتى أخيرًا للسينما.. الفن المستحدث، وآخر أنواع الفنون الذى يحمل بداخله كل الفنون السابقة، فلا هدف من ورائه إلا متعة المشاهدة. 

فما الرسالة التى تقدمها أفلام مثل عائلة زيزى، و٣٠ يوم فى السجن، وابن حميدو؟ عظمة هذه الأفلام هى المتعة عند تكرار المشاهدة، فحتى لو لم نضحك، فسوف نبتسم.

هناك أفلام حملت رسالة من خلال طرح مشكلة اجتماعية مثل «أريد حلًا، جعلونى مجرمًا» اللذين ساهما فى تغيير قانون الأحوال الشخصية للأول، وقانون السابقة الأولى للثانى، فهل بعد حل المشكل لن تتم مشاهدة هذه الأفلام ويتم إلغاؤها من تاريخ السينما ومن تاريخ صانعيها؟

فكرة الفن رسالة هى أفكار ظهرت مع المد الاشتراكى، والفن هو مرآة المجتمع، وغيرها من المصطلحات العجيبة التى كان الغرض منها عرض الجنة فى ظلال الاشتراكية، وأفرزت هذه المصطلحات فنًا مباشرًا، قليل المتعة الجمالية، أو كما قال أحد الأصدقاء «متعاص فن».

المصطلحات التى حملت الفن أكثر مما يحتمله، أسهمت فى نشوء مصطلحات أخرى مثل السينما النظيفة، وأفلام تناسب الأسرة التى بدأت فى تفريغ الفن من محتواه، وصنع أعمال سينمائية تافهة، أشبه بسيجارة مضرة بالصحة، ولا تذكر منها شيئًا بعد انتهائها.

القيمة الوحيدة للفنون عامة وفن السينما خصوصًا هى المتعة، وقد يتضمن هدفًا أو رسالة ولكنها تأتى تالية، ومن الممكن ألا تأتى، فليس للفن هدف إلا الجمال، وتلقى الجمال متعة فى ذاته.