الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

ميكانيكا الفكـر.. دراسة الأفكار علميًا

الفكر
الفكر

ميكانيكا الفكر عبارة عن دراسة الأفكار علميًا من خلال اكتشاف قوانين الفكر العلمية التى تحكم صفات الأفكار وارتباطها. تهدف ميكانيكا الأفكار إلى صياغة القوانين العلمية التى على ضوئها تتمّ بناء الأفكار، والتى تسمح بقياس قوة الأفكار وترابط صفاتها. من هنا، تكمن أهمية ميكانيكا الفكر فى تأسيس منهج علمى ناجح فى تفسير الأدوار المتعدّدة للفكرة نفسها كدورها الاستنتاجى، مما يؤدى إلى فهم شمولى لتصرّف الأفكار وفاعليتها. ميكانيكا الفكرة آلية فهم الفكرة وأبعادها المتنوّعة والمختلفة. 

بالنسبة إلى ميكانيكا الفكر، من الممكن اكتشاف القوانين العلمية المتحكمة بقوة الفكرة وفاعليتها وانتشارها. من هذا المنظور، أحد قوانين الفكر هو القانون الأساسى التالى: قوة الفكرة = كثافة الفكرة × تسارع الفكرة. هذا يعنى أنَّ قوة الفكرة تساوى كثافتها مضروبة رياضيًا بتسارعها. تتكوّن كثافة الفكرة من القوة الاستنتاجية التى تمتلكها الفكرة. أما القوة الاستنتاجية للفكرة فهى مقدار ما تحتوى الفكرة من استنتاجات حتمية واحتمالية وممكنة. فكلما احتوت الفكرة على استنتاجات أكثر ازدادت كثافة الفكرة فقوتها. أما الفكرة التى لا تؤدى إلى استنتاجات فهى فكرة ضعيفة لا تثير أى استنتاج مغاير أو جديد مما يدلّ على ضعفها. لكن الفكرة القوية فكرة تستدعى استنتاجات عديدة ومختلفة مما يشير إلى قوتها الاستنتاجية ونجاحها فى إثارة التفكير. بلا كثافة الفكرة الكامنة فى القوة الاستنتاجية تضعف الفكرة فالأفكار الخالية من استدعاء الاستنتاج أفكار ضعيفة بضعف فعاليتها. لذلك قوة الفكرة كامنة فى كثافتها أى مقدار ما تستدعى من استنتاجات. 

مثل ذلك فكرة الجاذبية فهى فكرة قوية من جراء كثافتها. وهى فكرة كثيفة لكونها استدعت استنتاجات متعدّدة، منها أنَّ كل الأجسام محكومة بالجاذبية، وبذلك كل الأجسام تجذب بعضها بعضًا، مما يسمح مثلًا بوجود كواكب متعدّدة تحافظ على فرادتها ووجودها دون أن تتساقط على بعضها بفضل التجاذب المتبادل فيما بينها. هكذا الكون يحقق التوازن من خلال الجاذبية فيسمح بنشوء الظواهر الكونية وتنوّعها كوجود الكواكب والأقمار. ولفكرة الجاذبية تسارع عالٍ يزيد من قوتها، ويتمثل هذا التسارع فى سرعة حضور فكرة الجاذبية فى الذهن متى أدرك العقل أو البصر تصرفات الأجسام المختلفة المحكومة بالجاذبية. وتسارع فكرة الجاذبية يكمن أيضًا فى سرعة الاستنتاج التى تحتويها هذه الفكرة. فمتى حضرت فكرة الجاذبية تسارعت قوة الاستنتاج التى تؤدى إلى استنتاج لماذا تتصرّف هذه الأجسام أو تلك كما تفعل من جراء محكوميتها بالجاذبية عينها. من هذا المنطلق، تسارع الفكرة، كعنصر أساسى فى بناء قوة الفكرة، يكمن فى سرعة حضورها فى الذهن وسرعة اعتمادها فى بناء استنتاجات متعدّدة. 

بالإضافة إلى القانون السابق، من الممكن صياغة قوانين أخرى منها القانون التالى: لا مُحدَّدية الفكرة = القوة التفسيرية للفكرة × القوة التأويلية للفكرة نفسها. هذا يعنى أنَّ لا مُحدَّدية الفكرة تساوى قوتها التفسيرية مضروبة رياضيًا بقوتها التأويلية. إذا ازدادت لا مُحدَّدية الفكرة «أى لا مُحدَّدية مضمونها» ازدادت تفاسيرها وتأويلاتها. لذلك لا مُحدَّدية الفكرة تساوى قوتها التفسيرية مضروبة رياضيًا بقوتها التأويلية. فالقوة التفسيرية هى مقدار التفاسير التى من الممكن إنتاجها حيال الفكرة نفسها بينما القوة التأويلية فهى مقدار التآويل التى من الممكن بناؤها حيال الفكرة ذاتها. مثل على لا مُحدَّدية الفكرة قول الشاعر نزار قبانى «جئتُ بعد مرور الزمن». فمن غير المُحدَّد مثلًا إن كان هذا القول الشِّعرى يدلّ على أنَّ الشاعر يحيا بلا زمن أو أنه يموت باستمرار فى اللا زمن. هكذا القول الشِّعرى السابق يستدعى تفاسير وتآويل متعدّدة مما يؤكِّد لا مُحدَّدية معانيه ومقاصده فيزيد من قوته الدلالية وجماليته. 

القوانين التى تهدف ميكانيكا الفكر إلى اكتشافها هى قوانين علمية لأنها قابلة للاختبار. مثلًا، القانون القائل بأنَّ قوة الفكرة تساوى كثافتها الكامنة فى قوتها الاستنتاجية مضروبة رياضيًا بتسارعها هو قانون علمى لأنه قابل للاختبار. فإذا وُجِدت فكرة قوية لكنها لا تستدعى سرعة حضورها و لا تستدعى استنتاجات عديدة ومتنوّعة فحينئذٍ القانون السابق خاطئ. وبذلك من الممكن اختبار القانون السابق مما يدلّ على علميته. كما أنَّ القانون القائل بأنَّ لا مُحدَّدية الفكرة تساوى قوتها التفسيرية مضروبة رياضيًا بقوتها التأويلية هو أيضًا قانون علمى بفضل إمكانية اختباره. فإن وُجِدت فكرة لا مُحدَّدة المضامين ولكنها تفتقر إلى استدعاء تفاسير وتآويل متعدّدة فعندئذٍ القانون السابق خاطئ. وبذلك القانون السابق قابل للاختبار. ولذا هو قانون علمى.