الإثنين 16 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

جارى سنايدر.. الشَّاعر الأمريكى الذى فتنته الثقافة اليابانية والصينية

جارى سنايدر
جارى سنايدر

- فى عام ١٩٥١ درس سنايدر اللغويات الأنثروبولوچية فى جامعة إنديانا

- إقامة سنايدر فى اليابان مدة عشر سنوات أفادته كثيرًا فى الترجمة

- حاز جارى سنايدر على عدة جوائز أدبية كبرى غير البوليتزر والبولينجن

تسلَّقَ جبل هود أكثر من أربعين مرَّة

ذهب إلى العمل فى الجبال صيف عام ١٩٥٥ فى خدمة الحدائق الوطنية 

نقَّبَ عن الآثار.. وقصائده تتسم بالغرابة

عمل مراقبًا للحرائق وأقام فى اليابان عشر سنوات

لديه ديوان شعر ظل يراجعه مدة أربعين عامًا

أوجد نوعًا جديدًا من الشِّعر

«إذا أردنا أن نُعيد الشَّرق إلى مَنزلته الأولى من التقدُّم وَجَبَ علينا أن نقتبس من الغرب كل جديد يجمل به، ونَبذ كُلّ قديم رثّ بالٍ عَفاه الدهر وقَتلته العُصور، فإنّ الحياة كون خاضع لِناموس التَّغيير والتَّجدُّد، ولا يخلق بهما أبدًا الرفو والترقيع».

عبدالعزيز الثعالبى «١٨٧٦-١٩٤٤»

صاحب الرُّوح الوثَّابة من يستطيع أن يُجدِّد ويخلق ويُبدع وينتقل من حال إلى حال، هو من لديه القُدرة على حمل العالم على كتفيه بجرأة من دون خوف من فشلٍ أو تغيير.

جارى سنايدر

الشَّاعر المُجدِّد إضافة إلى مجتمعه الأدبى والثقافى، ينتفع منه محيطه والعالم، هو من يسلك طُرقًا لم يسلكها أحدٌ قبله، من يبحث عن الجديد والتجديد، من يحول الحُزن إلى فرحٍ، والاكتئاب إلى النشوة والشغف، والإحباط إلى الإنجاز والإقبال على الحياة.

هو أيضًا من لديه القدرة على تعلُّم الجديد وتقديمه بشتَّى الصور. إنَّه الشَّاعر الأمريكى جارى سنايدر الذى يعتقد الكثيرون أنه بالأساس كاتبٌ من جيل البيت Beat Generation أو عضوٌ فى نهضة سان فرانسيسكو. و«جيل البيت» هم مجموعة من الكتَّاب والشعراء ظهرت فى الخمسينيات من القرن العشرين لرفض الشكلية الأدبية والثقافة الأمريكية المبنية على الرَّأسمالية والمادية ومن مؤسسى تلك المجموعة شعراء من الولايات المتحدة الأمريكية: آلن جينسبرج Allen Ginsberg «١٩٢٦-١٩٩٧» وجون كيرواك Jack Kerouac «١٩٢٢-١٩٦٩» وجارى سنايدر Gary Snyder «١٩٣٠» وجريجورى كورسو Gregory Corso «١٩٣٠-٢٠٠١» ولورنس فيرلينجيتى Lawrence Ferlinghetti «١٩١٩-٢٠٢١» وآخرين.

كان جارى سنايدر فى بدايته المهنية مُرتبطًا بشكل وثيق بتلك المجموعة من الشعراء، ولكن كتاباته كانت أكثر نتاجًا لمنطقة الشمال الغربى وبالأخص ولاية أوريجون.

وُلد سنايدر فى ولاية سان فرانسيسكو عام ١٩٣٠. انتقل والداه عندما كان عمره عامين إلى منطقة ريفية بالقرب من شمال بحيرة واشنطن وتطلَّقا بعد ذلك، وانتقل سنايدر مع والدته إلى بورتلاند حيث التحق بمدرسة لينكولن الثانوية. كان مُهتمًّا بالصحافة والتمثيل وبخاصة الجبال. انضم إلى نادى التسلُّق الجبلى «مازاماس» Mazamas وقرأ بنهم وشغف كبيرين فى مكتبته، وبخروجه من المدرسة الثانوية كان قد تسلق جبل هود أكثر من أربعين مرَّة ونشر مقاله الأول فى مجلة النادى الجبلى مازاماس «Mazamas» وكتب فى كتابه «الجبال والأنهار بلا نهاية» Mountains and Rivers Without End»: «ذلك المكان من الصَّخر والسماء غيرنى إلى الأبد».

منحةٌ إلى كلية ريد فى عام ١٩٤٧ قد غيرت حياة سنايدر كثيرا وتحت إشراف الخطَّاط والأكاديمى الأمريكى بكلية ريد لويد رينولدز Lloyd Reynolds وغيره من المعلمين فى ريد، أصبح منبهرًا بالثقافة الآسيوية والشعوب الأصلية فدراساته جعلته يتعرف بالمناظرالطبيعية فى موريس جريفز وصور الطبيعة فى اللوحات الصينية، فكان عنوان أطروحته للبكالوريوس «الرَّجل الذى صاد الطُّيور فى قرية أبيه: أبعاد أسطورة هايدا». 

وأسطورة هايدا Haida Myth هى ديانة أصلية يمكن وصفها بأنها دين الطبيعة حيث تعتمد على العالم الطبيعى والأنماط الموسمية والأحداث والأشياء والأسئلة التى تدور حولها يقدم لها مجمع الهايدا تفسيرات، كما تركز هذه الأسطورة على قوة الترابط بين جميع الكائنات الحية وعلى فكرة أن البشر والحيوانات والكائنات الخارقة للطبيعة جميعها جزء من عالم واحد مترابط.

لم تكن كلية ريد وتسلق الجبال هما الأساسان فقط فى تعليم سنايدر فى المنطقة الشمالية الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية، ففى فصول الصيف، كان يعمل فى خدمة الحدائق الوطنية فى معكسر عند بحيرة سبيريت كما أنه نقَّب عن الآثار فى فورت ڤانكوفر وعمل بوصفه مراقبا للحرائق فى شمال كاسكيدز لمدة صيفين ولذلك فأساس اهتمامه فى مرحلة الشباب كان فى الثقافات الآسيوية والأصلية الأمريكية والجبال والغابات كأنه وُلد بكل تلك الأشياء أى فى تكوينه العقلى والمعرفى والقلبى.

وفى عام ١٩٥١، درس اللغويات الأنثروبولوچية فى جامعة إنديانا، ولكنه قرر أن يبدأ فى الكتابة لذلك عاد إلى السَّاحل الغربى بعد فصل دراسى واحد. وسجَّل بعد ذلك فى برنامج اللغات الآسيوية بجامعة كاليفورنيا ليتعلم اللغتين الصينية واليابانية وبدأ فى نشر قصائده فى المجلات الأدبية، وفى عام ١٩٥٥ قرأ قصيدة «وليمة التوت» فى القراءة الشهيرة لستة شعراء فى سيكس جاليرى وكان من الحاضرين الشعراء الأمريكيون: چاك كيرواك وروبرت فيرلينجتينى وقرأ الشاعر آلن جينسبيرج قصيدته «عواء» لأول مرة وكثيرين قالوا إن هذا الحدث كان بداية عصر النهضة فى سان فرانسيسكو.

سافر سنايدر بعد ذلك إلى كيوتو باليابان فى عام ١٩٥٦ لدراسة بوذية الزن Zen Buddhism وعمل مع رائدة البوذية الأمريكية روث فولرساساكى. 

بوذية الزن هى مدرسة من مدارس ماهايانا البوذية التى نشأت فى الصين خلال عهد أسرة تانج باسم مدرسة تشان «مدرسة التأمل أو مدرسة العقل»، وتطورت فيما بعد إلى مدارس فرعية مختلفة ومن الصين انتشرت تشان جنوبًا إلى فيتنام، وأصبحت ثين الفيتنامية ومن الشمال الشرقى إلى كوريا لتصبح بوذية سيون وشرقًا إلى اليابان لتصبح زن اليابانية.

خلال إقامة سنايدر باليابان، عاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية لنشر ديوانه «قصائد الركام الصخرى والجبال الباردة» فى عام ١٩٥٩ وديوانه «أساطير ونصوص» فى عام ١٩٦٠، لكنه رجع نهائيًّا إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى عام ١٩٧٠ وبنى منزلًا اسمه «كيتكيديزى» عند جبال سييرا نيڤادا.

انتقل سنايدر من الشهرة الإقليمية إلى الشهرة الوطنية عقب فوزه بجائزة البوليتزر عن ديوانه: «جزيرة السلحفاة» Turtle Island فى عام ١٩٧٤، أما عن كتابه التالى «مقابض الفأس» Axe Handles الذى نشر فى عام ١٩٨٤ فكان الكتاب الأكثر مبيعًا. بعد ذلك نشر سنايدر العديد من الأعمال الأخرى (معظمها نثرية) وألقى العديد من المحاضرات ودرَّس الكتابة الإبداعية فى جامعة كاليفورنيا بديفيس وانتخب عضوًا فى الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب فى عام ١٩٨٧ وفى عام ١٩٩٦ صدرت له مجموعة شعرية باسم «الجبال والأنهار بلا نهاية» Mountains and Rivers Without End والتى ظل يراجعها مدة أربعين عامًا، كما حصد جائزة بولينج فى الشعر فى عام ١٩٩٧، كما أنه يعمل بوصفه أستاذًا جامعيًّا فى اللغة الإنجليزية ويعيش الآن عند جبال سييرا نيڤادا.

ظل جارى سنايدر مُتأثرًا برحلاته حتى أن استعارة الرحلة ظهرت كثيرًا فى قصائده وتأثر أيضا بحبه للطبيعة وإيمانه بأن البشر فى ترابط وتوحُّد مع الطبيعة والكائنات الحية بمختلف أنواعها ولكنه على عكس الشعراء الرومانسيين الذين استخدموا الطبيعة لتعكس مشاعرهم الداخلية، لم يستخدم سنايدر الطبيعة فى قصائده ليعبر عن ذاته ومشاعره الخاصه، بل قدَّر أهمية الطبيعة ومدى غرابتها وسكينتها وتأثيرها علينا كمكوِّن أساسى فى الحياة.

أهم ما يميز شعر سنايدر هو استخدامه للغة التجريبية وأسلوب المحادثة وفواصل الأسطر غير التقليدية واستخدامه الكثير للحوارات، أى أنك تشعر كأنه يحاور شخصًا ما داخل قصيدته، وهنا يشبه الشاعر الأمريكى چيمس رايت أى أنهما يعتمدان على تداخل الأصوات فى قصائدهما، كما أن التناقض بين المناظر الطبيعية الأمريكية وبخاصة فى شمال غرب المحيط الهادى والإشارات والصور الشرقية جعل شعر سنايدر مميزًا وقويًّا، كما تشابه سنايدر أيضا مع چيمس رايت وغيره من الشُّعراء الأمريكيين كروبرت بلاى ودابليو إسموروين W.S.Merwin (١٩١٧-٢٠١٩) فى اللجوء إلى الطبيعة كدواء لمشكلات الحداثة والحضارة الصناعية، 

فتحدثت الكثير من قصائده عن شمال غرب المحيط الهادى كهروب من العالم الحديث الذى يتسم بالإيقاع السريع والجفاف والتكلف فكان سنايدر يؤْثِر البساطة عن التكلُّف والطبيعة عن الصناعة والأعمال اليدوية عن المُصنَّعة آليًّا، كل ما هو طبيعى وأصيل يلفت انتباهه كأنه ابن الأرض.

يعتبر سنايدر الطقوس والعادات الخاصة بالسكَّان الأصليين فى أمريكا والبوذية القديمة نموذجًا لتعلُّم الحكمة، كما يؤمن بأن الطبيعة والتأمل نافذتان إلى الذات، كما أن حب سنايدر للطبيعة والحرية والانطلاق والسفر جعله يكتب الشعر الحر البعيد عن التكلف والزخرفة والصور البلاغية والتعقيد، فروحه تشبه قصيدته فى الحرية والانطلاق والأصاله كما أن حبه للطبيعة جعله يزرع خضرواته بنفسه، ويقطع الأخشاب، كما أنه يهوى الصيد واستقل تماما عن الحضارة الحديثة بتعقيداتها وتكلفها.

إقامة سنايدر فى اليابان مدة عشر سنوات أفادته كثيرًا فى الترجمة، حيث ترجم العديد من الأعمال الشعرية اليابانية القديمة والحديثة.

وفى كتاب «الشعر الأمريكى فى القرن العشرين» لاحظ الشاعر الأمريكى كينيث ريكسروث Kenneth Rexroth (١٩٠٥-١٩٨٢) أنه على الرغم من أن سنايدر قدَّم «أخلاقيات جديدة وجماليات جديدة وأسلوب حياة جديد» فإنه فنىٌّ محترفٌ أيضا تعلم من شعر العالم وطور أسلوبًا راسخًا مرنًا وقادرًا على التعامل مع أى مادة يرغب فيها.

كما تحدث عنه الكاتب الأمريكى تشارلز ألتيرى Charles Altieri (١٩٤٢) فى كتاب «توسيع المعبد: اتجاهات جديدة فى الشعر الأمريكى خلال فترة ١٩٦٠» وقال: «إن إنجاز سنايدر كبير من الناحية الجمالية ووفقا لمعايير الدقة والذكاء والخيال والعمق» يعتبر من بين أفضل الشعراء فى جيله لذلك «نجح فى تقديم منظور جديد للموضوعات الميتافيزيقية وجعلها مترابطة ومقنعة».

وكتب الشاعر الأمريكى ريتشارد تلينجاست Richard Tillinghast (١٩٤٠) عن سنايدر قائلا: «عند سنايدر، محتوى العالم مبهج ومتوهج ويقدمه بإحساس مفعم بالحيوية وجمال الأرض، لديه أشياء يخبرنا بها وتجارب ينقلها ومجموعة من القيم يبسطها».

لقد أثَّر على جيلٍ كامل، كما أنه أضاف فى نيوريورك تايمز بوك ريفيو أن سنايدر «على دراية كاملة بعلم البيئة والأنثروبولوچيا وعلم الأحياء التطورى ولا يضاهيه أحدٌ فى ذلك من الشعراء المعاصرين».

حاز جارى سنايدر على عدة جوائز أدبية كبرى غير البوليتزر والبولينجن، فقد حصد جائزة روبرت كيرش لإنجازاته مدى الحياة من صحيفة لوس أنجلوس تايمز وجائزة شيلى التذكارية وجائزة روث ليلى، كما حصل على زمالة جوجنهايم، وهو أستاذ فى قسم الأدب الإنجليزى بجامعة كاليفورنيا، ديفيس.

جارى سنايدر شاعرٌ مُختلف فى اتجاهاته واهتماماته، وذلك الاختلاف كان سببًا فى فرادته الشعرية، فهو شاعر يرى أن الكون كله فى قالب واحد، أى أن الإنسان وجميع الكائنات والطبيعة بينها ارتباط كونى وأن الطبيعة أساس الحياة، حتَّى اختياراته لموضوعات قصائده تتسم بالغرابة إلى حد ما، وعندما قرأت قصائده لاحظت أنه يربط عالمه بالطبيعة حتَّى فى المقارنات، ففى قصيدته «أمَّا الشعراء» As for Poets، وجدته يقارن بين أنواع الشعراء وربط الاختلافات التى توجد بينهم بالبيئة، فكتب عن شاعر الفضاء، وشاعر النار، وشاعرالأرض، وشاعر الهواء، وشاعر الماء، وذلك يدل على ارتباطه النفسى والعقلى بالبيئة والطبيعة وكذلك فى قصيدة «للجميع» For All، نجده يتحدث عن الصخور، والنهر، ورائحة الشمس، والنظام البيئى، والجدول المائى، والثلج، كل هذه العناصر تشكل بناء سنايدر الشعرى والفكرى وما تميل إليه نفسه فى الحياة، ولكن برغم غرابة شعره؛ فإنه نجح فى جعله سلسًا، بلغته البسيطة، وقدرته الذكية فى إيصال أفكاره للمتلقى بسهولة ويسر من دون أن يشعر بتلك الغرابة المُستمدة من حبه للطبيعة ومن تأثره بالنظام البيئى والثقافة الصينية واليابانية، فتلك الثقافات تختلف كلية عن ثقافات الغرب من حيث الطقوس والعادات والتقاليد والاهتمامات.

وقد نجح سنايدر فى أن يقوم بنقلة مزاجية لمتلقى الشعر، فنقلنا من انتحار الشاعرة الأمريكية سيلفيا بلاث إلى الإقبال على الحياة، ونقلنامن اكتئاب وإصابة الشاعر الأمريكى چيمس رايت بثنائية القطب إلى المزاج المعتدل القادر على خلق سعادته الذاتية بممارسة كل ما تميل إليه نفسه، سواء فى حياته اليومية أو فى عمله بوصفه شاعرًا.

وجارى سنايدر نوع خاص من الشعراء لا يُنسى، فقد ترك بصمة نفسية وروحية لدىَّ وأشعرنى بأن الأمل موجود حتمًا، وأن الحياة بما فيها من شمس وقمر وجبال وطبيعة خلَّابة قادرة بأن تجعلنا سعداء، أو حتى تشعرنا بالرضا بأن الله خلق لنا كل ذلك الجمال من دون جهد منا.

وفى حوارٍ مع جارى سنايدر مع الكاتب الصحفى إليوت وينبرجر فى مجلة «ذا باريس ريڤيو»، سأله إليوت إنه لأمرٍ مدهش ظهور أعمالك بشكل مكتمل تقريبًا فى كتاب «الركام الصخرى» وكتاب «قصائد الجبل البارد»، اللذين نُشرا فى عامىْ ١٩٥٨ و١٩٥٩، ولكنهما كُتبا فى فترة السبعينيات عندما كنت فى العشرين من عمرك. القصائد الموجودة فى كلا الكتابين هى قصائدك بلا شك وعلى ما يبدو وعلى خلاف معظمنا، أنك لم تشعر بالإحراج من أعمال فترة شبابك، فقد اخترت ثمانى عشرة قصيدة من بين ثلاث وعشرين قصيدة فى كتابك «الركام الصخرى»؟.

أجاب سنايدر قائلًا: إن قصائد كتابى «الركام الصخرى» ليست قصائد شبابى، تلك القصائد التى ألقيتها لأننى شعرت بأنها كانت بداية حياتى، فقد بدأت كتابة القصائد عندما كنت فى الخامسة عشرة من عمرى. كتبت عشر سنوات من الشعر قبل «الركام الصخرى»، المرحلةالأولى كانت شعرا رومانسيًّا للمراهقين عن الفتيات والجبال.

سأله إليوت: «ألا تزال تكتب هذه النوعية من الشعر؟»

أجابه سنايدر: «أدركت أننى لا ينبغى أن أقول هذا بمجرد أن خرجت الكلمات من فمى، أعتقد أنها ليست قصائد رومانسية ولكنها قصائد كلاسيكية عن الفتيات والجبال. كان الروائى والشاعر الإنجليزى دى إتش لورانس D. H. Lawrence «١٨٨٥-١٩٣٠» هو أول من أثَّر علىَّ كشاعر عندما كنت فى الخامسة عشرة، قرأت «عشيق الليدى تشارترلى».

واعتقدت أنها رواية رائعة، لذا ذهبت إلى المكتبة لأرى ما إذا كان لديه المزيد من المؤلفات، وكان هناك شىء اسمه «الطيور والحيوانات والأزهار». استعرت ذلك وخاب أملى عندما اكتشفتُ أنه ليس رواية إثارة ولكن قرأت القصائد وشكَّلَتْنِى بعمق فى تلك اللحظة من حياتى.

ثم المرحلة الثانية، أثناء الكلية، ترددت أصداء شعر العديد من الشعراء كيتس وإليوت وباوند ووليامز وستفينس.

خمس سنوات كاملة من التدريب على أساليب مختلف الأساتذة من القرن العشرين. تخلصت من كل ذلك، لا يوجد إلا القليل من آثاره الباقية. ألقيت الكثير منها فى برميل حريق عندما كان عمرى حوالى خمسة وعشرين عامًا، لذلك عندما كتبت القصائد الأولى فى «الركام الصخرى» كان ذلك بعد أن تخليت عن الشعر، ذهبت إلى العمل فى الجبال صيف عام ١٩٥٥ لخدمة الحدائق الوطنية كعامل فى فرق الممرات، وكنت قد بدأت بالفعل فى دراسة الصينية الكلاسيكية، 

اعتقدت أننى تخليت عن الشعر، ثم خرجت وبدأت فى كتابة هذه القصائد عن الصخور والسناجب الزرقاء، ونظرت إليها ولم تبد كأنها قصائد قد كتبتها من قبل، لذا قلت لابد أن تكون قصائدى الخاصة لذا فأنا أؤرِّخ عملى بوصفى شاعرًا بدءًا من قصائدى فى كتابى «الركام الصخرى».

وقد سأل إليوت وينبرجر جارى سنايدر قائلا: «ما الذى أعادك إلى الشِّعْر فى ذلك الوقت؟ هل كان المشهد الطبيعى هو السبب الرئيس؟».

أجاب سنايدر: «لا، فقد حدث ذلك بشكل تلقائى، الذى أعادنى إلى الشِّعر هو أننى وجدتُ نفسى أكتب قصائد لك أعتزم كتابتها أصلًا».

وسأله إليوت أيضا عمَّن هم الشعراء المهمون له فى ذلك الوقت؟ من كانوا المعلمين البارزين بالنسبة إليه فى ذلك الحين؟.

أجابه سنايدر: «بدأت العمل باللغة الصينية ووجدت نفسى أتشكل بما كنتُ أتعلمه من الشعر الصينى، سواء فى الترجمة أو فى الأصل. وكنت قد بدأت فى قراءة النصوص الأصلية للأمريكيين الأصليين ودرستُ اللغويات».

جارى سنايدر شاعر متمرد على التقليدية عمومًا ولكنه فى الوقت نفسه يميل إلى الأصالة وكل ما هو طبيعى وخاص، يسعى إلى الحداثة فى الكتابة وفى اختياره موضوعات جديدة فى شعره لم يسبقه أحد فيها، كأنه فى سباقٍ ذاتىٍّ مع نفسه فى إحداث عملية تغيير وتحديث فى الحركة الشعرية الأمريكية، وقد نجح فى ذلك بالفعل وبشهادة أقرانه من جيله.

استمتعت كثيرا بكتابتى عنه وبترجمتى لقصائده، وأحسب نفسى من المحظوظات بأننى التقيت به عبر سطوره الشعرية، وعبر قراءتى عنه، وعن شعره بصفة عامة.