الفتية الغامضون.. مكان وزمن «أهل الكهف».. بالأدلة التاريخية والأثرية
- مؤرخون يؤكدون حدوث الواقعة فى غار الرقيم بالأردن وآخرون يرجحون تركيا
- رواية تقول إن فتية الكهف أنامهم الله 300 عام بعد ميلاد السيد المسيح
تعددت الرؤى والأبحاث حول موقع قصة أهل الكهف، الذى هربت إليه مجموعة من الشباب الموحدين ومعهم كلبهم من ملك وثنى، فأنامهم الله بداخله 300 عام وازدادوا تسعة، حتى أيقظهم الله ليجدوا أنفسهم وقد طالت أظفارهم وشعورهم، وأرادوا أن يبتاعوا طعامًا من مدينة قريبة من موقع الكهف، لكن انكشف أمرهم لدى أهل المدينة والحاكم الصالح، وأماتهم الله من وقتها. جاءت قصة هؤلاء فى سورة «الكهف» بالقرآن الكريم، ولم ترد فى الكتاب المقدس، لكنها وردت فى آثار أخرى للمسيحيين، من خلال قصة «النيام السبعة». وذهب الباحثون عن الكهف إلى موقعين مشهورين له: «الرقيم» فى الأردن، و«أفسوس» فى تركيا، ومن بين هؤلاء المهندس محمد عبدالرازق جويلى، الباحث فى علوم القصص الدينى، الذى قدم دراسة تحليلية عن الموقعين كما يلى:
الرقمي فى الأردن
يقع هذا الكهف بجنوب عمان فى الأردن. وحسب الدكتور مهندس يحيى وزيرى، أستاذ العمارة الإسلامية فى جامعة القاهرة، فإن الكهف أو الغار كان مفتوحًا فى ظل النهار، لكن لم تصب الفتية الشمس، فى طلوعها ولا فى غروبها، لأن الله حجبها عنهم.
وقدم «وزيرى» أدلة تاريخية وأثرية، من بينها ما يذكره رجال الآثار، من أن العديد من الصحابة وقادة الجيوش الإسلامية قد ذكروا أن موقع الكهف الشهير موجود فى جبل «الرقيم» بالأردن.
وأوضح أستاذ العمارة الإسلامية أن هؤلاء الصحابة والقادة زاروا الموقع وعرفوه، ومنهم الصحابى عبادة بن الصامت، الذى مر على الكهف فى زمن عمر بن الخطاب، وأيضًا معاوية بن أبى سفيان، وحبيب بن مسلمة، وابن عباس، والذين «دخلوا الكهف ورأوا عظام أصحابه».
وعن القصة وتفاصيلها التاريخية، قال المهندس محمد جويلى: «فى زمن اضطهاد المسيحيين، استغل الإمبراطور ديكيوس العداء الشعبى للمسيحيين كوسيلة لتوحيد الإمبراطورية، وأصدر مرسومًا لقمع المسيحية، فى وقت مبكر من عام ٢٥٠م، ليبدأ اضطهاده الشهير للمسيحيين، والذى كان اضطهادًا على المستويين السياسى والشعبى».
كان «ديكيوس» من الرومان التقليديين، يرغب فى استعادة المجد القديم لروما، ومع ذلك فقد كانت هناك عدة عوائق لذلك، بينها عمليات التوغل البربرية للإمبراطورية، التى أصبحت أكثر جرأة، والتقاليد القديمة التى كانت منسية، فضلًا عن مواجهة الإمبراطورية أزمة اقتصادية خطيرة.
واعتقد الإمبراطور الرومانى أن هذه المشاكل ناجمة عن إهمال الشعب للآلهة القديمة، وبالتالى هناك حاجة للعودة إلى الدين القديم لاستعادة المجد القديم فى روما، لذا وجه جهوده للقضاء على المسيحيين، بالتزامن مع تحول المزيد والمزيد من الناس بعيدًا عن ممارسات العبادة التقليدية.
لذا هرب بعض الشباب الموحدين من القمع المفروض عليهم ومعهم كلبهم، وعثروا على كهف خارج المدينة، فقرروا دخوله للاختباء والاستراحة فيه، لكن الله أنامهم ٣٠٠ عام، حتى استيقظوا فى عصر بولس الطرسوسى «٦٤م»، فى عصر الإمبراطور نيرون.
وبولس الطرسوسى هو الذى يُعرف عند المسيحيين بـ«بولس الرسول» أو «القديس بولس»، وهو أحد قادة الجيل المسيحى الأول، وينظر إليه البعض على أنه ثانى أهم شخصية فى تاريخ المسيحية، بعد يسوع المسيح نفسه.
يطلق عليه بعض المسيحيين «رسول الأمم»، ويعتبرون إياه مِن أبرز مَن بشر بالديانة المسيحية فى آسيا الصغرى وأوروبا، وكان له الكثير من المريدين والخصوم على حد سواء، واحتفل العالم المسيحى، بين ٢٩ يونيو ٢٠٠٨ و٢٩ يونيو ٢٠٠٩، بـ«اليوبيل الألفى» الثانى على مولده، فى طرسوس، أى آسيا الصغرى.
وحسب المهندس «جويلى»، فإن التقويم وقت حدوث الواقعة كان تقويمًا نجميًا مصريًا قديمًا وقمريًا عبريًا، ومتوسط السنة النجمية التى كانت فى الأردن «كانت تابعة لمصر وقتئذ»= ٣٦٥.٢٥ يوم، بينما متوسط السنة العبرية التى كان عليها أهل الكهف = ٣٥٥ يومًا.
٣٠٠ سنة نجمية= ٣٠٩٥٧٥ يومًا.
٣٠٩ سنة عبرية= ٣٠٩٦٩٦ يومًا.
الفرق= ٣٠٩ عبرية تزيد بـ١٢١ يومًا.
النتيجة= أهل الكهف أنامهم الله فى الكهف، بعدما هربوا من الملك «ديكيوس»، فى سنة ٢٥٠ بعد ميلاد المسيح، وأيقظهم الله فى زمن بولس الطرسوسى والإمبراطور نيرون، فى سنة ٥٠ بعد ميلاد المسيح.
أفسوس التركية
كانت «أفسوس» أحد أهم المنافذ التجارية منذ القرن الثامن قبل الميلاد، وكانت تعتبر من أعظم المدن حينها، مع احتوائها على هندسة معمارية رائعة، مثل معبد «أرتميس»، الذى يعد إحدى عجائب الدنيا السبعة فى العالم القديم، وبُنى لتقديس الإلهة «أرتميس». وفى بداية الجمهورية الرومانية، كانت «أفسس» عاصمة آسيا التى تقع فى غرب آسيا الصغرى، وتقع على أرض منخفضة.
وقال المهندس محمد جويلى إنه وفقًا للرواية الثانية، وقعت حادثة أهل الكهف قبل عهد المسيح عليه السلام، واستدل أصحاب ذلك الرأى على ذلك بما ورد من أن اليهود أوصوا بتحدى النبى، صلى الله عليه وسلم، بسؤاله عن خبر فتية فى غابر الزمان، ولو كان هؤلاء الفتية من أتباع المسيح لما تساءلوا عنهم، لما يُعلم من عداء اليهود لأتباع المسيح، خاصة فى ذلك الزمن. واختبار أحبار اليهود لم يقصدوا به نقل الحادثة من كتابهم، بل أرادوا التحدى بمعرفة الخبر مطلقًا، وأنه واقع فى التاريخ، وليس أنه مثبت فى التوراة.
قال وهب بن منبه: «هم فتية من الروم دخلوا الكهف قبل المسيح، وضرب الله سبحانه على آذانهم فيه، فلما بعث المسيح عليه السلام أخبر بخبرهم، ثم بعثهم الله بعد المسيح، فى الفترة بينه وبين النبى، صلّى الله عليه وسلم».
ملوك مدينة «أفسوس» مجهولة حتى الآن، ربما فى فترة الحروب «البونيقية»، وهى سلسلة من الحروب وقعت بين عامى ٢٦٤ و١٤٦ قبل الميلاد، بين روما وقرطاج. وقعت ٣ صراعات بين هذه الدول فى البر والبحر عبر منطقة البحر الأبيض المتوسط الغربية، بلغ مجموعها ٤٣ عامًا من القتال. وتشمل الحروب «البونيقية» أيضًا التمرد الذى استمر ٤ سنوات ضد قرطاج، الذى بدأ فى عام ٢٤١ قبل الميلاد. عانى كلا الجانبين من خسائر مادية وبشرية هائلة فى كل حرب.
أيقظ الله أهل الكهف فى عصر اليهودى بولس الطرسوسى، فى عصر الملك هيرودس أغريباس الثانى، المولود ٢٧م ومتوفى ٩٣م، أى أن أهل الكهف ناموا فى سنة ٢٥٠ ق. م، وأيقظهم الله تعالى سنة ٥٠م.
التقويم وقتئذ: رومانى قديم وقمرى عبرى.
متوسط السنة الرومانية القديمة= ٣٦٥.٢٥ يوم.
السنة الرومانية كانت ١٠ أشهر فقط قبل الميلاد، ثم زادوا السنة شهرًا، ثم شهرين، وغيروا فى عدد أيام الشهور.
متوسط السنة العبرية= ٣٥٤.٦ يوم.
٣٠٠ سنة رومانية= ١٠٩٥٧٥ يومًا.
٣٠٩ سنوات عبرية= ١٠٩٥٧١.٤ يوم.
الفرق= ٣ أيام تقريبًا.
وهو ما يمكن حدوثه خلال فترة التقويم الرومانى، واضطراب الشهور والأيام الذى كان فى تقويمهم وقتئذ.
أخيرًا
بعد عرض الرؤيتين، يعرض المهندس محمد جويلى سؤالًا على القارئ: هل ترى أن فتية أهل الكهف قد أنامهم الله ٣٠٠ عام بعد ميلاد السيد المسيح، أم أنامهم الله قبل ميلاد المسيح وأيقظهم بعد ميلاده؟