فاضل الكعبى: نعيش خطر إدمان الأطفال للإنترنت.. والأسرة فقدت زمام الأمور
- أدب الطفل العربى تشوبه الضبابية فى الرؤية والافتعالية فى جوانب الرأى والتشخيص
- لدينا قدرات خلاقة فى عوالم الكتابة للأطفال مُكبّلة بالأمراض الاجتماعية والنفسية
يحتفظ الكاتب العراقى فاضل الكعبى بخبرة واسعة فى مضمار أدب الطفل إبداعًا ونقدًا، فعلى مدار ما يقرب من خمسة وأربعين عامًا قدّم الكثير من الإبداعات الموجهة للطفل شعرًا ورواية ومسرحًا التى وصل عددها إلى 200 كتاب تقريبًا، والعشرات من الدراسات والبحوث النقدية حول أدب الطفل وثقافته. مسيرة استحقت ما نال من تتويج؛ إذ منح الكعبى درجة باحث دولى متخصص بامتياز من المعهد العربى الأوروبى فى فرنسا تقديرًا لإبداعه الدولى فى مجالات الكتابة للأطفال وعنهم، كما نال عددًا من الجوائز الإبداعية والعلمية كان من أبرزها جائزة عبدالحميد شومان لأدب الأطفال فى مجال الدراسات النقدية عام 2010، وجائزة تازة الدولية الثانية فى الكتابة المسرحية للأطفال عام 2015.
انطلاقًا من هذه المسيرة الحافلة، جاء حوارنا مع الأديب والناقد العراقى للتعرف عن كثب إلى أبرز منجزاته فى أدب الطفل إبداعًا ونقدًا، ولمناقشة قضايا الطفل الملحة التى يفرضها واقعنا اليوم.
■ صدر لك حديثًا كتاب «شعر الأطفال.. أغنية الأطفال- التقارب وإشكالية التلقى».. ما الدواعى التى جعلتك تركز اهتمامك على شعر وأغانى الأطفال؟ وما أبرز الملاحظات التى خرجت بها من دراستك لهما؟
- أنا شاعر متمرس بالشعر منذ السنوات الأولى من السبعينيات، شاعر قصيدة للكبار وشاعر قصيدة وأغنية للأطفال قبل أن أكون ناقدًا وباحثًا، وما بين هذا وذاك أمارس فعل الكتابة الدرامية فى المسرح إلى جانب الكتابة السردية قصة ورواية، ولى فى كل هذه الأجناس والتوصيفات المنجز المنشور، ثم تحفَّزت للبحث فى شغف شديد لكتابة الدراسة المعمقة فى قضايا الشعر بحثًا ونقدًا منذ عام ١٩٧٩، حتى توالت بهذا الاتجاه الدراسات القصيرة والموسعة على اختلافها فى الرؤى وفى المنهجية.
وجاء كتابى الجديد «شعر الأطفال، أغنية الأطفال.. التقارب وإشكالية التلقى» الصادر فى عمان وبغداد هذا العام ليدرس دراسة فنية ونقدية وتطبيقية معمقة وموسعة أبرز التجارب فى عموم تجربة شعر الأطفال وأغانيهم فى العالم العربى، وباعتقادى أن هذه الدراسة فى هذا الكتاب تشكل مادة مرجعية مهمة للدارسين والباحثين فى مسارات التجربة العربية الكبيرة لشعر الأطفال.
سعيت فى هذا الكتاب علميًا وموضوعيًا وفنيًا ومنهجيًا لإثبات أهمية الشعر والغناء فى حياة الطفل، هذا من جهة، والرد العلمى الحاسم على الناشرين العرب من جهة أخرى، فالنسبة الغالبة من هؤلاء الناشرين يتخوفون من نشر كتب الشعر لفقدان فرص التسويق لها فى ظنهم، وهو اعتقاد خاطئ تمامًا، وهذا ما بيَّنته بالدلائل وعمق القرائن فى هذا الكتاب، فمن الخطأ الفادح والقصور الأكيد فى الوعى التغاضى عن الشعر وإغفال أهميته وأثره وضروراته للطفل، فالشعر يتجاوب مع عوالم الطفل الإيقاعية والحركية ويسمح له بالتذوق الجمالى العالى وينشّط مخيلته ويدفع بخياله إلى مديات واسعة، مثلما يثرى قاموسه اللغوى بمفردات ومعارف جديدة، وغير ذلك مما يولّده الشعر من مستويات شعورية وحسية ونفسية وعقلية لطاقات الطفل ويدفعه إلى سعة من المعرفة والانطلاق بالتعبير والنقد والابتكار وغير ذلك.
■ من واقع اهتمامك بالمتابعة النقدية لأدب الطفل.. كيف ترى واقع أدب الطفل على المستوى العربى؟
-للأسف الشديد واقع أدب الطفل العربى اليوم تشوبه الضبابية فى الرؤية والافتعالية فى كثير من جوانب الرأى والتشخيص لمحاوره ومحدداته الفكرية والفنية والنقدية، وتتحكم فيه أمزجة البعض ونرجسية ما يسود نفوس وأعمال هؤلاء البعض من الكتاب والناشرين وحتى البعض من متلقى نتاج هذا الأدب والمطالعين لنماذجه من الراشدين، الأمر الذى يدفع بالبعض من المنتسبين إلى هذا الأدب إلى الواجهة رغم أنهم ما زالوا فى بداية الطريق ولم يقدّموا ما يجب من المنجز. وبالنتيجة ينعكس هذا الأمر سلبًا على المطلوب من أدب الطفل، ولو تمعنا جيدًا بعديد من الواجهات والمؤسسات وما شابهها من مسميات تقدم نفسها باسم أدب الأطفال ورعايته ستجد العديد منها تدار من كتاب ليسوا بالمستوى المتقدم من التجربة والمنجز وتراهم يبحثون عن الشهرة وتعزيز ذواتهم الشخصية أكثر من تعزيز موقع أدب الطفل ورصانته فى المنجز وفى المستوى المطلوب من الإبداع والتقدم، ومن هنا تبرز المشكلة السائدة مع استفحال إشكالية ما يعيشه واقع أدب الطفل العربى على أكثر من مستوى واتجاه.
■ ما حجم الفجوة إذن التى يمكننا الوقوف عليها بين أدب الطفل عربيًا وعالميًا؟
-البون شاسع جدًا، ومع أن الجانب الإيجابى فى هذه المقارنة يتيح لنا القول بكل موضوعية إن لدينا قدرات ومنجزات خلاقة ومتميزة وكبيرة فى عوالم الكتابة للأطفال، ففى المساحة الكلية لميدان أدب الطفل وكتّابه على اختلاف درجاتهم ومستوياتهم، تجد العجب العجاب، فهنا تجد جملة من الأمراض الاجتماعية والنفسية كالأنانية والنرجسية والحسد والغيرة تتسع وتسود نفوس وسلوكيات بعض الكتاب المحسوبين على هذا الأدب عندنا، وسائدة بشكل مرضى وخطير لدى البعض الآخر من هؤلاء وتكاد تنعكس حتى على نتاجهم وتعاملاتهم، البعض مع البعض الآخر.
■ بدأت فى الكتابة للطفل منذ ما يزيد على أربعة عقود.. فكيف تغيّرت كتابتك على امتداد تلك العقود استجابة للمتغيرات التكنولوجية التى وضعت الكلمة المكتوبة للطفل فى خطر؟
- الكاتب الجيد والحقيقى لا يمكن له أن يكون مبدعًا وخلاقًا ما لم يتوافق مع ما يحصل من تغيرات فى واقع الحياة ويسايرها كما يجب، خصوصًا أن ما حصل من تغيرات فى واقع الحياة على مختلف الجوانب والاتجاهات ومنها ما يتشكل من التغيرات فى المعطى التكنولوجى الذى احتل معظم جوانب الحياة إن لم نقل كلها، بات يشكل التحدى الأكبر للكاتب، وهو تحدٍ مصيرى يتهدد وجود الكاتب ووجود كتابته، وممكنات الانتصار أو النجاح فى مصائر هذا التحدى تحددها قدرة الكاتب على مسايرة قدراته الكتابية لممكنات التطور التى يؤطرها هذا التحدى، الذى تأتى خطورته وصعوباته على كاتب الأطفال أكبر وأخطر بكثير من كاتب الكبار، لأن الكتابة الرقمية المتطورة باتت أكثر قدرة ومهارة لجذب الطفل المتلقى إليها بأى شكل من الأشكال، وهذا الأمر، يدفع الكاتب إلى بذل المزيد من الجهود وركوب مراكب الخيال الواسع والاستعانة بأكثر الطاقات والتقنيات مهارة وجذبًا وابتكارًا حتى يستطيع مسايرة ما يمكن من التطور فى عوالم الكتابة والواقع، وهذا ما أضعه فى البال على مدار الوقت لكى تكون كتابتى على قدر من التطور والمهارة التى تعبر عن روح العصر ومتطلباته فى الكتابة للطفل.
ودون هذا التفكير وهذا المسعى تبقى الكلمة المكتوبة منعزلة فى زاوية محصورة وتتراجع شيئًا فشيئًا أمام سرعة التقدم لما يغرى الطفل من كلمة وصورة وحركة فى وسائط التكنولوجيا ووسائلها الرقمية المشبعة بالدهشة والإثارة لنوازع الطفل. ومن هنا أسعى دائمًا إلى أن تكون كتابتى على اختلافها جديدة ومغايرة وأصيلة ومتجددة بكل أفكارها وتطلعاتها لتكون حقًا إضافية نوعية لما يجب من الفكر ومواكبة للتطور التكنولوجى ومستجيبة له لما يتطلبه المتلقى لها، على أن تفتح له الطريق السوى والواسع نحو النماء والتطور كما يجب.
■ نشهد اليوم ارتفاع معدلات إدمان الإنترنت لدى الأطفال من مختلف الأعمار، واعتماد فئات شتى منهم على الريلز «الفيديوهات القصيرة» فى الحصول على المعلومات والمعارف المختلفة.. ما الآثار السلبية التى يمكن أن تقود إليها تلك الحالة على المدى البعيد لا سيما على مستوى الفكر والسلوك؟
- نعم، ما نشهده اليوم من ارتفاع معدلات الإدمان الخطر على تقنيات الإنترنت لدى الأطفال هو الأكثر خطورة على الأطفال، ونلاحظ تأثير ارتفاع منسوب هذه الخطورة فى معدلات منتوجه وفاعليته يومًا بعد يوم. لقد باتت الوسائط التكنولوجية وبرامج الإنترنت متعددة الاتجاهات بخليطها المتجانس وغير المتجانس فى آن واحد تتغلغل بسرعة فائقة إلى أعماق الطفل لتحتل عقله وخياله وتفكيره ومجمل حواسه وطاقاته الأخرى، ولتصير له قدوة أكثر من اقتدائه بأبويه. نجد انعكاس ذلك فى وضوح التناقض بين التوجيه الأسرى والتوجيه الإلكترونى للطفل، وكثيرًا ما ينحاز الطفل ويميل إلى الثانى أى التكنولوجى بسبب قوة تأثيره وسطوته على مقدرات الطفل، سواء بوعيه أو دون هذا الوعى.
وقد فقدت الأسرة العربية زمام الأمور فى السيطرة على حواس الطفل ووعيه، لأن الغالبية العظمى ترك الطفل على هواه وكما يشاء أمام دهشة الوسائط التكنولوجية ولم يدرك الخطر بل غول الخطر الكامن فى هذه الوسائط، ومنها ما يأتى بالضرر الصحى على صحة الطفل العقلية والنفسية والحركية وعلى ضعف النظر عند الطفل، وغير ذلك من مضار وأخطار شتى باتت رائحتها تزكم الأنوف وتصل إلى عنان السماء دون أن يعى الكثيرون ذلك.
وقد كتبت عن ذلك وبحثت فيه كثيرًا وبعدة اتجاهات إبداعية وعلمية ونقدية، فعلى مستوى الإبداع عالجته بأكثر من نص شعرى وقصصى ومسرحى وأصدرت فى ذلك أكثر من كتاب أبرزها مسرحية «عذاب بائع الألعاب» وقصة «يوميات آيباد» وغيرهما، مثلما تناولت ذلك فى أكثر من ورقة علمية ألقيتها فى أكثر من ندوة ومؤتمر عربى، كذلك عالجت هذا الأمر وتناولته فى أكثر من دراسة وبحث نشر بعضها فى جانب من كتبى العلمية والنقدية، وما زلت أبحث وأكتب فى هذا الاتجاه، لأن مضاره وأخطاره على الطفل العربى لم تتوقف بعد ولم تعالج كما يجب، بل أنها تزداد صعوبة وتعقيدًا كلما تطورت الحياة وازدادت الوسائط والبرامج التكنولوجية فى واقع الحياة، وكلها تنذر بمخاطر ومضار لا حدود لها على الطفل العربى فكرًا وقيمًا وسلوكًا ومعرفة.
■ كيف يمكن جذب طفل اليوم إلى القراءة الهادئة المتأملة والمتأنية بينما هو منخرط فى نمط حياة يعتمد السرعة والاستهلاك الفورى؟
- يكمن ذلك باسترجاع وعى الطفل واهتمامه بكتبه الأدبية والعلمية المشوقة، وسحبه من عالم التكنولوجيا ووسائطها الرقمية إلى عالم الكتاب ووسائطه الورقية المناسبة والمشوقة والمثير لنوازعه الداخلية ولاهتماماته النفسية والعلمية بعد تدريبه على مهارات القراءة وتنمية قواه الحسية والعقلية والفكرية بأهمية المقروء بعد تحفيزه ووضع استعداداته للقراءة فى الاتجاه الصحيح لهذه القراءة عبر توفير الكتب المناسبة له وتشجيعه عليها، على أن نشعره بأهميتها وأثرها وضروراتها لتنمية قدراته ومهاراته ومعارفه، وفى ذات الوقت نبين له أن القراءة هذه تعود له بالفائدة والمتعة أكثر من استهلاكه برامج التكنولوجيا، هذا إلى جانب أن تكون هناك خطط استراتيجية فى هذا الاتجاه تبدأ من الأسرة التى تهتم بالكتاب والقراءة لتكون قدوة محفزة للطفل، وتوفر له المناخ المناسب للقراءة مع توفير الكتب والمجلات ومجمل وسائط القراءة المشوقة الأخرى.
هذه الخطوة الأولى لا بد أن تتواصل وتمتد بالخطوة الثانية التى يتعين على المدرسة القيام بها عبر تأسيس المكتبة المدرسية وتشجيع الطفل على القراءة واعتبارها درسًا مهمًا يحفز الطفل ويكافئ قدرته على القراءة، وهكذا فى الخطوات اللاحقة الأخرى التى يمكن أن تجعل من الطفل كائنًا قارئًا ومتعلمًا وواعيًا ومبتكرًا.
■ إلى أى مدى يمكننا القول إن الكتابة الموجهة للأطفال واليافعين تتحمل جانبًا لا يستهان به من المسئولية إزاء انصراف الطفل عن القراءة؟ وما الذى يتعين على كاتب الأطفال اليوم القيام به كى يجذب الطفل والمراهق إلى ساحة القراءة؟
- الكتابة الموجهة للأطفال واليافعين تتحمل جانبًا كبيرًا فى هذا المجال وتقع عليها الجوانب الأساسية من المهام ومن المسئولية الأخلاقية والفنية والثقافية والتقنية فى جذب الطفل إلى عوالم القراءة وإنعاش اهتماماته وقدراته وطاقاته بآثار ومؤثرات القراءة، أما كيف يتم هذا، وأى الطريق والأساليب التى يجب على كاتب أدب الطفل وأدب اليافعين اتخاذها فى ذلك فهى عديدة لا مجال لذكرها هنا ويمكن لمن يريد الاستزادة من ذلك أحيله إلى بعض ما كتبته وما بحثه فيه من كتبى بالدراسات العلمية المتخصصة التى من أبرزها كتابى الموسوم «الطفل والقراءة: أفكار علمية وعملية لخلق طفل قارئ»، الصادر فى الشارقة عام ٢٠١٩، وهو كتاب مهتم بدراسته التى توضح مفاتيح الدخول ومعرفة المبادئ الأساسية لجعل الطفل قارئًا مهمًا وجيدًا، وما يجب على الآباء والأمهات من واجبات فى هذا المجال، وكذلك فى كتابى الآخر الموسوم «الثقافة العلمية فى أدب الأطفال»، الصادر فى دمشق عام ٢٠١٧، وغيرهما.
ويبقى الأمر المهم فى كل ذلك متعلقًا بمدى استعدادات الأسرة ودورها فى جذب الطفل من عالم التكنولوجيا إلى عالم الكتاب والقراءة، وأعتقد أن هذا الأمر ليس بالهين بل أن النجاح فيه يسجل النجاح العظيم لقدرة الأسرة وتفوقها فى جعل الطفل بالاتجاه الصحيح من التنشئة والتهذيب والتدريب والإعداد السليم.
■هل يمكننا القول إن الطفل العربي اليوم ما زالت تستهويه حكايات الأجداد والجدات والتوظيف الفني للتراث والأساطير؟ وما الأهمية التي يمثلها ذلك التوجه اليوم برأيك؟
-مهما تطورت الحياة ووسائلها، وحلّقت معالم السرد في آفاق أوسع وأكثر سحراً في مهابات الحكايات والقصص المنتجة، المكتوبة والمحكية، لا يمكن لها أن تكون بديلاً عن حكايات الجدات التي تحمل خصوصيتها وطعمها وسحرها مهما تقادم عليها الزمن، ولكن هناك مشكلة كبيرة في هذا الاتجاه وهي فقدان الصلة والتواصل بين الأجيال الجديدة مع هذه الحكايات، فما عادت الجدات كما كن من قبل منشغلات بحفظ الحكايات المشوقة وسردها للأطفال من الأحفاد وغيرهم، وهذا أمر مهم لابد من الانتباه إليه ودعوة المعنيين في عموم الوطن العربي بضرورة تبنيه وإعادة إحياء الموروث الشعبي من هذه الحكايات المهمة والساحرة، بعد تشذيب البعض منها وتنقيته من بعض الأفكار والمواقف والعبارات الخاطئة والمغرقة بالخرافة.
الحكايات الشعبية خصوصا منها المحكية على لسان الجدات أمر في غاية الأهمية لأطفالنا وفتياننا ويشكل علامة مهمة من علامات ربطهم بتراث أمتهم الخالد وإدامة صلتهم بهذا الموروث وتبني مواقفه وقيمه العظيمة التي تنبع من قيمة ثقافتنا العربية الأصيلة بما أنجزته من منجزات حضارية تبقى خالدة وحية في كل بقعة من بقاع وطننا العربي على مر التاريخ والعصور.
بهذه المناسبة لابد من الإشارة إلى ما قامت به مؤسسة عبد الحميد شومان العريقة في الأردن الشقيق والإشادة بما قامت به مشكورة بهذا الاتجاه، حين جعلت موضوع جائزتها المهمة في أدب الأطفال لدورة عام 2022، والتي تشرفت أنا أن أكون أحد أعضاء لجنة التحكيم فيها خاصة في موضوع "استلهام الحكاية الشعبية من الثقافة العربية"، إذ طالعنا خلالها ما يقرب من600 حكاية شعبية في غاية الروعة وتنبه إلى ضرورة الاهتمام بالحكاية الشعبية وإدامة الصلة بها، وهذا أمر مهم نتمنى لباقي مؤسساتنا الثقافية أن تقوم بمثل هذا الفعل لتعم فائدته وتشعر الأجيال الجديدة من الأطفال بضرورات الحكاية الشعبية، مثلما نرجو من الجدات أن يتركن الجوال والوسائط التكنولوجية جانباً لبعض الوقت وينبهن الأطفال ويمتعنهن بسحر الحكايات الشعبية التي لا يعرفها الآن السواد الأعظم من أطفالنا العرب، وهذا موضوع في غاية الأهمية والضرورة والحاجة إليه ماسة جداً، وتقع مسئولية الاهتمام به على جميع أفراد الأسرة العربية الحديثة، وعلى المدرسة ومناهجها وعلى شتى مسميات المجتمع وقنواته المتنوعة والمتعددة الثقافية والإعلامية والتربوية وغيرها، وأنا واثق غاية الثقة لو قدمت هذه الحكايات، خصوصياً الدال والمشوق والمعبر منها بطريقة حكائية سلسلة ومناسبة ومتوافقة مع حاجات الطفل بحسب تدرج مراحله العمرية سيتذوقها الطفل ويتابعها وربما ستسحبه من عالم التكنولوجيات ووسائطها المستخدمة الآن في عالم الطفل.
■ برأيك.. هل ثمة أدب خيال علمي موجه للطفل بمقدوره استثارة رغبته في المعرفة العلمية أم أن ثمة قصورًا بهذه المنطقة؟
-نعم هناك أدب خيال علمي في أدب طفلنا العربي استطاعت بعض نماذجه استثارة قدرات واهتمامات الطفل العربي، ولكن يبقى هذا الأدب محصوراً في نطاقه الضيق، لأن كتابه يعدون بأقل من أصابع اليد، والنجاح فيه ليس بالأمر اليسير، وهذا الأدب يحتاج في كتابته إلى كتاب علماء وإلى علماء كتاب لهم القدرة على تسخير العلم في خيال الأدب وتحليق الخيال بعوالم العلم بما يحقق المتعة والفائدة وسحرهما للمتلقي في آن واحد.
وقد اطلعت على بعض الكتابات لكتاب عرب في هذا المجال بعضها أخفق في تحقيق نسبة من المتعة والتشويق في تأثير المعرفة المطلوبة لدى المتلقي لأن كتابته التي جسد فيها بعض المواقف أو الحقائق والمظاهر العلمية جاءت بطريقة تقريرية مباشرة غير مستساغة بينما هناك من الكتاب من نجح في جعل الخيال العلمي شائقاً في كتاباته، وقد نجح في هذا المجال الكاتب طالب عمران من سوريا ومحمد الشمسي وطالب ناهي وصلاح محمد وخالد رحيم من العراق على ما أذكر ومؤكد هناك غير هؤلاء في عالمنا العربي، وكنت قد كتبت في مجال الخيال العلمي مسرحية للأطفال والفتيان عنوانها "صقر على سطح القمر" صدرت في القاهرة عام 2020، وكذلك بحثت في أمور الخيال والخيال العلمي في كتاب مهم عنوانه "العلم والخيال في أدب الأطفال".
■ كيف تنظر إلى أدب الطفل المترجم وكذلك إلى المحتوى المرئى المترجم الموجه للطفل عبر الشاشات المختلفة.. هل تغلب فوائده أضراره برأيك أم العكس؟
- هناك إشكالية كبيرة وخطيرة فى أدب الطفل المترجم كنا من قبل تحدثنا فيها وأشرنا إلى مواقعها مثلما تتبعنا أثرها فى كثير من النتاج المترجم المقدم إلى الطفل العربى بطباعة أنيقة على طبق من الذهب لكن السم مخبوء تحتها وبين سطورها.
للأسف الشديد هناك من مترجمى هذا الأدب مَن لا ينتبهون إلى المزالق وأوجه التباين فى هذا الأدب المكتوب لثقافة غير ثقافتنا، ويحمل من الأفكار والقيم والسلوكيات والعادات ما يخالف أغلبها ما لدى طفلنا من القيم والأفكار والمعايير الأخلاقية التى نشأ عليها، ومن هنا يأتى التقاطع بين ثقافتين ومعيارين وسلوكين.
نحن لا نعارض الترجمة وهى مطلوبة وتزيدنا اطلاعًا وتماسًا مع ثقافة المجتمعات الأخرى ولكن على ألا تكون الترجمة هذه مهددة لقيمنا، ولذلك نحث دائمًا المترجمين على أن يقدموا لأطفالنا ما ينفعهم ويعزز من ثقافتهم ونظرتهم الحضارية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات الأخرى لا أن ينقلوا أدب أطفال هذه المجتمعات بكل ما فيه دون تمحيص وتدقيق وتشذيب.
وقد كثرت منزلقات ذلك بما هو مفتوح من الأفكار والسلوكيات والمعارف التى يجسدها وينطلق منها الجانب الكثير من نصوص أدب أطفال المجتمعات الأخرى، ومنها التجاوزات على الطبيعة الإنسانية والدعوة إلى المثلية والانفلات الجنسى والاستقلال العائلى والعلاقات المفتوحة وغير ذلك من إشكالات تتعارض مع ثقافة طفلنا العربى، لهذا فالأدب المترجم مثلما له نسبة من الفوائد له نسبة كبيرة من المضار.
■ كيف يمكن تأسيس جهد جماعى للنهوض بثقافة الطفل؟
- الأمر يحتاج إلى تعاضد جملة من الجهود العلمية الفردية والمؤسسية على مستوى الوطن العربى، على أن تكون هناك خطط استراتيجية يتم وضعها من خبراء معنيين بثقافة الأطفال وتأخذ مسارها إلى التطبيق العملى فى جميع أقطارنا العربى، وتكون الأسرة العربية بيئة الانطلاق وقاعدته بمؤازرة وتقويم وتحفيز ودعم الحكومات والمؤسسات الثقافية والتربوية والإعلامية بجميع اتجاهاتها، وهذا لا يحصل إذا لم تكن هناك جهود مخلصة وفاعلة يرافقها خطط العمل والدعم المادى اللامحدود. وقد كتبت عن ذلك فى دراسة مهمة أصدرتها فى كتاب «الطفل والمدينة: نحو استراتيجية مستقبلية للتنمية البشرية والعمرانية».