الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

وول سوينكا: فوزى بنوبل عرضنى لمخاطر جمّة

وول سوينكا
وول سوينكا

أصبح وول سوينكا أول إفريقى أسود يفوز بجائزة نوبل فى الأدب عام 1986، وهو الآن واحد من أبرز المؤلفين فى القارة. ولكن قبل عقدين من الزمن، أُرسل إلى السجن دون محاكمة بسبب تحدثه علنًا عن الحرب الأهلية فى موطنه نيجيريا.

أثناء وجوده فى الحبس الانفرادى، دوّن ملاحظات وقصائد باستخدام عظام اللحم والحبر المصنوع يدويًا وورق المرحاض. أصبحت هذه الأفكار هى مذكرات «مات الرجل» التى نُشرت عام 1972، والتى أصبحت الآن إطارًا لفيلم يحمل نفس الاسم يروى حياة الكاتب المسرحى والروائى فى ذروة الحرب الأهلية.

يبلغ سوينكا من العمر الآن 90 عامًا، فى منزله فى أبيوكوتا، جنوب غرب نيجيريا، تحدث مع مراسل شبكة CNN، لارى مادوو، حول التأثير الذى أحدثته تلك الفترة من السجن، وقدراته التى اكتسبها نتيجة لذلك بينما ينظر إلى الوراء؛ إلى حياته الاستثنائية ويتطلع إلى الأحلام التى لم يحققها بعد.

■ ما هو شعورك عندما تذهب إلى السجن لمجرد أنك كنت تطالب بما شعرت بأنه صحيح؟

- لقد كانت فترة اختبار صعبة بالنسبة لى. اثنان وعشرون شهرًا فى عزلة تامة، محرومًا من الكتب والورق، وأتعرض لتفتيش زنزانتى باستمرار، ولا شىء على الإطلاق يعزز عقلى.

فى فترة الحبس الانفرادى، كنت أبحث عن أكثر الأنشطة التى يمكننى القيام بها بمساحة ضيقة. فقررت التركيز على الأنشطة الذهنية مثل الحسابات والرياضيات. تمكنت من صنع حبر من التراب واستخدمت عظام الطعام لصنع قلم، ما أتاح لى إنشاء عالم ذهنى خاص ومستدام. لكن تلك كانت أيضًا فترة خطيرة على عقلى.

أتذكر أننى كنت أتعرض للهلوسة، وكانت تسيطر علىّ صور غريبة أستيقظ بعدها لأحاول تدميرها. لكن مع الوقت، تمكنت من السيطرة على تلك الهلوسات وبدأت أتذكر الصيغ الرياضية فى الهندسة وعلم المثلثات. من المدهش أننى استطعت إعادة اكتشاف نظرية التباديل والتوافيق، هذه الأمور التى كنت أبغضها فى المدرسة أصبحت زادى.

■ لقد كتبت عن سنوات السجن تلك فى مذكراتك التى تحولت الآن إلى فيلم بعنوان «مات الرجل».. هل شاهدته؟

-لا، دعنى أوضح الأمر، يؤلمنى تحويل أى شىء فى حياتى إلى شىء يمكن للآخرين مشاهدته. لقد ساعدتهم فى محاولة تحديد المنزل الذى اختبأت وعملت فيه خلال الحرب الأهلية. كانوا يبحثون عن شىء قريب من المنزل الذى كنا فيه خلال تلك الفترة. الأمر لا يتعلق بى وحدى فحسب، بل يخص أيضًا فترة معينة. قد أشاهده فى النهاية، لكن ليس على الفور. حتى هذه المقابلة التى نجريها، لن أشاهدها. يستغرق الأمر دائمًا بعض الوقت حتى أتمكن من مشاهدة نفسى.

■ أنت لا تثير ضجة كبيرة بشأن عيد ميلادك، ولكنك بلغت للتو ٩٠ عامًا، وهذا حدث مهم.

- حسنًا، الشىء المزعج هو أننى لا أشعر بأننى بلغت التسعين من عمرى. لكننى سأعترف بأننى أنخرط نوعًا ما فى بعض الاحتفالات بعيد الميلاد. لذا فالأمر ليس مسألة كراهية، ولكنى فقط أحب الاحتفال بمفردى. عادة الاختفاء فى الغابة هو ما أفعله فى عيد ميلادى. هذه هى طريقتى المعتادة لقضاء أعياد الميلاد.

■ هل تتذكر متى صرت ناشطًا سياسيًا؟

- كنت أتنصت جيدًا على محادثات والدى، خاصة مع زملاء والدى «مدير مدرسة وكاهن فى الكنيسة الأنجليكانية». أتذكر الجلوس خلف كرسى بذراعين والاستماع. وكانت والدتى تأتى لتخبرنى بما حدث، وكل دائرة والدى كانت مشتركة فى هذا. لذلك أود أن أقول إن هذه كانت بداية مشاركتى السياسية.

عندما اعتصمت النساء فى هذه المدينة التى نحن فيها الآن، أبيوكوتا، كانت والدتى مشتركة باعتبارها ناشطة فى مجال حقوق المرأة، لذلك فى طفولتى وأثناء حدوث تلك الاعتصامات، كنت أسعى لنقل الرسائل بين المعسكرات النسائية المختلفة. 

■ يبدو أن رؤية والدتك تشارك فى هذا النشاط السياسى قد زرعت بذرة عمل حياتك؟

- هذا صحيح. أن تكون فى الواقع داخل بيئة من النضال والكفاح ضد الوضع غير المقبول الذى كانت تواجهه النساء، إذ كانت الشرطة تستولى على بضائعهن فى الأسواق. وإذا لم يدفعن الضرائب، فإن بعضهن يتعرض للضرب والتعنيف والانتهاك إلى آخره.

ولكونى جزءًا لا يتجزأ من هذا، فقد كنت شاهدًا على تمرير المزيد من التشريعات القمعية، وبالتالى انحزت إلى جانب النساء بشكل طبيعى وهو ما انعكس فى كتاباتى بدون شك. 

■ هناك من يقول إنك تسللت إلى محطة إذاعية وبدّلت خطابًا سياسيًا بخطاب أكثر انتقادًا، ما هى الحقيقة؟

-حسنًا، أول شىء يجب أن أذكركم به هو أننى حوكمت وتمت تبرئتى. نعم، هذا صحيح، لم تعد هناك جدوى من إنكار أننى شعرت بأننى مضطر لوقف بث المزيد من النتائج الكاذبة.

لقد شهدت بنفسى تدمير صناديق الاقتراع، وحتى إتلاف النتائج. كنت بالفعل منخرطًا بشدة فى السياسة بذلك الوقت، ولكن عندما رأيت هذا النظام القمعى على وشك إعادة تثبيت نفسه، وعلى الناس أن يتذكروا أنه كان النظام الأكثر سفهًا، والذى وصل به الأمر إلى حد التصريح عبر الراديو ليقول «نحن لا نهتم إذا ما صوّتم لنا»، أثار ذلك حسى النضالى الذى كان قد تم صقله بالفعل. لذا كان ذلك جزءًا من صراع مستمر على عدة مستويات. نعم، كنت مذنبًا، ولكن لم يكن هناك بديل فى ذلك الوقت.

■ بعد نيل جائزة نوبل فى الأدب عام ١٩٨٦، استغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن ينال هذا التكريم إفريقى أسود آخر.. كيف كان شعورك فى ذلك الوقت؟

- شعرت بالوحدة، ولكن عندما جاء الإفريقى التالى شعرت بارتياح كبير لأنه كان مطلوبًا منك الكثير. كان الأمر كما لو أنه بين عشية وضحاها اتسعت دائرتك الجماهيرية لمجرد أنك من القارة الإفريقية. فمن ناحية، هناك بالطبع شعور بالاعتراف، وهو أمر جيد للغاية، فتح بعض الأبواب، ولكن لم يكن هناك الكثير من الأبواب التى كنت أتطلع إلى دخولها على أى حال، لقد استمتعت فقط بعملى، وهذا هو الأهم. 

ولكن فى الوقت نفسه، خاصة فى مجتمعات مثل مجتمعنا، فقد كشف لك الكثير. أذكّر الناس دائمًا بأن أحد أكثر الطغاة وحشية لدينا هنا، سانى أباتشا «الرئيس الأسبق لنيجيريا»، كان سيذهب إلى قبره سعيدًا لو أنه شنق الحائز على جائزة نوبل؛ إذا كان بإمكانه أن يضع ذلك فى سيرته الذاتية. لكن كما هو الحال، كان عليه أن يكتفى بشنق ناشط وكاتب ورفاقه الثمانية. أقصد كين سارو ويوا «ناشط نيجيرى».

لذا فقد عرّضنى الفوز لمخاطر كبيرة جدًا لأننى رفضت التراجع عن معتقداتى، عن نشاطاتى لمجرد أننى أصبحت حائزًا على جائزة نوبل. لماذا يجب أن أتوقف عن أشياء كانت تشغلنى قبل نوبل؟

ومع ذلك، كان الأمر عظيمًا عندما حصل أفارقة على نوبل الواحد تلو الآخر. والآن، أصبحت قادرًا على الاستمتاع منذ بعض الوقت بكونى حائزًا على جائزة نوبل بدلًا من أن أشعر أحيانًا بأننى تحفة نادرة.

■ لقد أخبرت بعض طلاب برنامج التبادل الذى يحمل اسمك أنك لا تزال تأمل فى الذهاب إلى الفضاء. ما سبب انبهارك بالفضاء؟

- بدأ الأمر فى طفولتى، إذ كنت مفتونًا بالنجوم والأفلاك. وكتبت فى مقال لى أننى كنت أغمض عينى وأتخيل حالة من العدم التام، ومن هنا جاءت فكرة الذهاب إلى الفضاء بالفعل. أتذكر أنه عندما صعد أرمسترونج على سطح القمر، كنت فى السجن، لذا فإن تمرين الطفولة هذا أفادنى أيضًا. فقد ذابت قضبان سجنى بين عشية وضحاها بمجرد تخيلها على سطح القمر. ثم بدأ استكشاف الفضاء.

ذات يوم، عن طريق البريد، كان لدى إحدى جمعيات التنمية البشرية التى أنتمى إليها بعض التذاكر المجانية لجهاز محاكاة الطيران فى حالة انعدام الجاذبية؛ وكنت حينها فى السبعين من عمرى. وذهبت إلى سان خوسيه «كاليفورنيا» وخضت تجربتى فى الفضاء، وكانت تلك واحدة من أكثر التجارب إثارة فى حياتى.

■ يأخذ ريتشارد برانسون الناس إلى الفضاء هذه الأيام؟

- لو جاء برانسون الآن وقال: لقد وجدت لك مكانًا فى الفضاء، لكنت أنهيت هذه المقابلة الآن. ما زلت فى حالة جيدة إلى حد معقول وأعتقد أننى أستطيع تحمل ضغط الجاذبية؛ أنا مقتنع بأننى أستطيع ذلك، وعلى استعداد لفعل أى شىء. أطلقنى إلى الفضاء، لا أمانع حتى لو حدث شىء ما هناك، لا بأس بذلك. حينذاك أكون قد اختبرت هوس الطفولة.