السبت 23 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

بوكا.. هل أرسل أنوبيس «كلب الهرم» لدعم السياحة؟

كلب الهرم
كلب الهرم

- مشهد الكلب حدث فى نفس موقع قصة «لوحة أبى الهول»

- الكلاب فى مصر القديمة كانت تعد ضمن «سكان البیت»

- أجدادنا بجّلوها لارتباطها بـ«أنوبيس» إله الموت والتحنيط والآخرة

حين تمتزج الحقيقة بالخيال تنتج لنا نوعًا من الأساطير والحكايات المثيرة، التى تجتذب عشاق الحضارة المصرية المليئة بالأدبيات والقصص، وتعبّر عن ثلاثية: الحلم والأسطورة والواقع فى نفس اللحظة.

من بين هذه الأساطير والحكايات «لوحة الحلم» أو «لوحة أبى الهول»، القائمة بين ذراعى أبى الهول، وهى لوحة تذكارية أمر بوضعها الملك تحتمس الرابع بين اليدين الممتدتين لتمثال «أبوالهول» فى الجيزة، تخليدًا لحلم رآه هذا الملك فى منامه قبل أن يعتلى عرش مصر عام 1401 قبل الميلاد.

تقول القصة إن الملك تحتمس الرابع كان أميرًا شابًا فى عصر الدولة الحديثة، وفى أحد الأيام خرج إلى الصيد على هضبة الجيزة، وعندما أصابه التعب لجأ إلى أبى الهول، الذى كانت تغطيه رمال الصحراء ولا يظهر منه سوى رأسه. هناك خلد الأمير إلى النوم، فراوده حلم بأن ظهر له أبوالهول فى المنام، وبشّره بأنه سيتبوأ عرش مصر، وطلب منه أن يزيل فيما بعد ما تراكم عليه من رمال.

وبعد عدة سنوات حدث بالفعل أن اعتلى الأمير تحتمس الرابع عرش مصر، فأمر خلال السنة الأولى من حكمه بتسجيل هذا الحلم على لوحة كبيرة توضع بين يدى أبى الهول الممتدتين، بعد إزالة الرمال عن التمثال الخالد.

وقصة الكلب الذى تسلّق الهرم ونزل منه فى رشاقة وخفة، خلال الأيام القليلة الماضية، والتى أدهشت العالم بأسره، وأصبحت حديث الإعلام المحلى والدولى، ما شكّل دعاية مجانية فى بداية الموسم السياحى- حدثت فى نفس موقع قصة «لوحة أبى الهول»، وكأن هذا الكلب الذى أُطلق عليه «بوكا» يعيد رحلة تعود عليها فى مصر القديمة.

وهناك نوع من الكلاب يطلق عليه «الكلب الفرعونى»، ويعتبر إحدى أقدم سلالات الكلاب، وموطنه مصر القديمة، وكان يستخدم لصيد الظباء والطرائد الأخرى. وعُرفت الكلاب فى اللغة المصرية القديمة باسم «إوو»، ويرجع اسمها إلى نفس الصوت الذى يصدره الكلب.

ومنذ بداية العصر «النيوليتى» عُرفت الكلاب بالصيد، عبر مرافقة صاحبها فى مطاردة الحيوانات. وكانت تعد ضمن سكان البیت المصرى القديم، إذ تنام على مقربة من سيدها، أو فى سريره، وترافقه فى أشغاله الیومیة. وبعد ذلك تمت الاستعانة بها لحراسة القطعان، وكانت تصاحب سيدها فى المعارك الحربية.

وتعد لوحة الملك «أنتف» من ملوك الأسرة الحادية عشرة «٢١٢٠- ٢٠٧٠ ق.م»، وكلابه الأربعة، خير دليل على مكانة الكلاب فى مصر القديمة. وتتميز الكلاب الفرعونية بطول ما بين ٥٣ و٧٠ سم عند ارتفاع الكتف، وتزن ما بين ١٥ و٢٣ كجم. فَرْوُها لامع، أسمر ضارب للصفرة أو أحمر قانٍ، أطراف أصابعها بيضاء، واشتهرت باستخدام حاستى البصر والشم فى الصيد، وتتحرك فى سرعة ورشاقة تتوافق مع لياقة الكلب «بوكا». 

وكانت الكلاب محبوبة فى مصر القديمة ولها بُعد دينى؛ لارتباطها بالمعبود «أنوبيس»، إله الموت والتحنيط والحياة الآخرة، وعادةً ما يتم تصويره على شكل كلب أو رجل برأس ناب. و«أنوبيس» معبود مصرى قديم على شكل ابن اوى، اُعتبر رمزًا للإقليم ١٧ من أقاليم الصعيد، ثم أصبح حارسًا للجبانة ومشرفًا على تحنيط الموتى، وكان مركز عبادته قرية «القيس» بين «البهنسا» و«بنى مزار».

وكان يُعتقد فى مصر القديمة أن الكلاب تعمل رفيقة ومرشدة للبشر فى الحياة الآخرة. وهناك أنواع مميزة للكلاب فى مصر القديمة، على رأسها الكلاب «السلوقى»، التى تتمیز بالرشاقة الواضحة، وهى ممشوقة القوام منتصبة الأذنین وملتوية الذيل، وغالبًا كان يقتنيها الأمراء وأثرياء القوم، وقادرة على العدو فائق السرعة، بنفس سرعة «بوكا». وربما يتخذها أصحابها رفقاء مخلصین. وعلى ما يبدو أن أصلها من بلاد «بونت». ويوجد من سلالاتها الآن الكثير فى أنحاء مصر.

وكان يُطلق على الكلاب بعض الأسماء منذ عصر الدولة القديمة، مثل «نب» أى «السید»، بالإضافة إلى أسماء أخرى تدل على صفات الكلب، منها «الرفیق المخلص»، و«المهاجم الجسور». وفى فترات أخرى انتشرت بعض الأسماء الأجنبیة التى تطلق على الكلاب. فأسماء كلاب الملك «أنتف» الأربعة على سبيل المثال هى: «بحتى» أى «غزال»، و«بحتيس» بمعنى «أسود»، و«أبیكور» الذى قد يعنى «خنزير وحشى»، و«تكرو».

ونحن مطالبون باستثمار هذا الحدث لصالح الترويج السياحى، من خلال الاهتمام والرعاية بمجموعة كلاب يُطلق عليها «الكلاب السياحية»، على شاكلة «الكلاب البوليسية»، على أن تُنشأ لها وحدة بيطرية فى منطقة الأهرامات، كنموذج أولى يختص بالرعاية الصحية وتوفير الطعام لها، وتطعيمها حتى لا تشكل خطورة على الزوار، خاصة مع انتشارها بكثرة فى منطقة الأهرامات.

ويمكن ربط ذلك بالدعاية السياحية، خاصة فى الدول العاشقة للكلاب بشكل كبير مثل إسبانيا، والتى سبق أن زرتها من قبل، وشاهدت فيها الكلاب ترافق أصحابها فى الشوارع والميادين والفنادق، بالتالى يمكن اجتذاب أعداد كبيرة من السياح الإسبان لزيارة مصر.

وينبغى أن نربط بين ذلك وبين اهتمام المصرى القديم برعاية الحيوان، والاهتمام به حيًا وميتًا عبر تحنيطه، فالمتاحف المصرية تضم نماذج كثيرة من مومياوات الحيوانات، خاصة فى «متحف التحنيط» بالأقصر، الذى يتضمن مومياوات لقطط وأسماك وتماسيح.

بل ويمكن خلق نوع خاص من السياحة مرتبط بالحيوانات، يربط بين الماضى والحاضر، بداية من مشاهدة الحيوانات المحنطة فى مصر القديمة، والحيوانات فى بيئتها الطبيعية داخل العديد من المحميات الطبيعية المتفرّدة فى مصر، لتجمع هذه السياحة بين السياحة التاريخية والبيئية فى نفس الوقت.