الأربعاء 22 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رامبــو.. انتقام جديد من فهمى الكاشف

حرف

بعد خوض رحلته فى المهرجانات العالمية بدءًا من مهرجان فينيسيا ويليه قرطاج والبحر الأحمر وغيرها، بدأ العرض التجارى فى مصر لفيلم «البحث عن منفذ آمن لخروج السيد رامبو» للمخرج خالد منصور فى 1 يناير الجارى.

قوبل الفيلم باحتفاء شديد من الصناع ومحبى السينما من الشباب والجمهور العام، حيث تم وصفه بأنه فيلم يقع فى المنطقة بين التجارى والفنى، وهو طموح كبير لصناع السينما فى الوقت الحالى؛ لأن التوفيق بين التجارى والفنى معادلة شديدة الصعوبة، ويسعى صناع السينما فى الآونة الأخيرة للوصول إليها، أملًا فى جذب الجمهور لقاعات السينما من جديد واستعادة تراث السينما المصرية الثرى جدًا منذ بدئه، عبر الاستمرار فى صناعة الأفلام، التى دومًا ما نجحت فى التعبير عن المواطن المصرى، كما نرى فى أفلام محمد خان وعاطف الطيب وصلاح أبوسيف وغيرهم.

لقطة من فيلم سواق الأتوبيس

تلك الميزة المتفردة للفيلم غطت على بعض مشاكله، التى تمثلت فى كتابة بعض الشخصيات، مثل شخصية كارم، الشرير النمطى، والحبيبة السابقة المسالمة على طول الخط، والعم اللزج الذى لا نراه إلا فى مشهد واحد؛ ليشير للبعد الرمزى للفيلم، ومشاكل فى الحكبة تظهر قبيل النهاية.

يبدأ فيلم رامبو بلقطة عن قرب لأحد الضباع وهو يقوم بفعل الافتراس، بينما لُطخ وجهه بالدماء، والافتراس كما نعرف هو مبدأ أساسى لقانون الغاب، ومن اللقطة القريبة ومن ثم الابتعاد تدريجيًا نجد أنفسنا فى منزل حسن «عصام عمر»، ونراه بينما يشاهد التلفاز، تسأله أمه

«سما إبراهيم» عمّا ينوى فعله فى يوم ميلاده المقبل، ليجيب: «هتفرج على فيلم الغول.. زى كل سنة».

ومن خلال الانتقال المباشر من منزل حسن إلى ورشة كارم «أحمد بهاء»، نرى كارم وهو يشبه الضبع الذى شاهده حسن فى التلفاز، نفس السمات الشكلية، والطباع أيضًا، بالتالى نعرف أن عالم حسن وكلبه رامبو هو عالم محكوم بقانون الغاب الذى تمت الإشارة له فى البدء، كما نعرف من خلال الحوار الذى يدور بين كارم وأم حسن بأن كارم لا يختلف أبدًا عن ذلك الضبع المفترس لأنه يصر على طرد حسن وأمه من البيت بدون رحمة، رغبة فى توسيع الورشة- على حد قوله، بينما يظهر من خلال المشهد انهزامية شخصية حسن وضعفه، عجزه الكبير عن مواجهة وحش مثل كارم.

وتبدأ الأزمة بين حسن وكارم بإصرار الأخير على التعدى على حسن عند عودته من عمله ليلًا، وأثناء مشادة بينهما يفتعلها كارم يبادر رامبو الكلب، والذى نعرف أنه الصديق المقرب لحسن- من المشهد الأول- بعضِّ كارم لإبعاده عن صاحبه.

يستمر التصاعد بعد تلك الواقعة؛ فيصر كارم على موقفه بطردهم من البيت إلا فى حالة تسليم حسن للكلب رامبو ليأخذ كارم بثأره منه.

يرفض حسن الأمر؛ لأن رامبو يعنى له كل شىء ويبدأ فى البحث عن مأوى آمن لرامبو، ليبعده عن أيدى كارم الذى تتضح نيته للبطش برامبو.

يذهب حسن فيما بعد لعمه، الذى يحدثه عن والده الغائب، وعن كونه «رجلًا ذا طابع طفولى» بينما يرفض حسن تلك الفكرة عن أبيه، ونراه متعلقًا فيما بعد بشرائط أبيه المسجلة التى يغنى له فيها.

موقف العم كموقف جميع أهل المنطقة التى يعيش فيها حسن، فالجميع يرى من اليسر تسليم رامبو لكارم لتحل المشكلة، بينما يرفض حسن تسليم الكلب ليقينه بأن كارم سيؤذيه.

وفى محل العم الذى يقترح تسليم رامبو تظهر فى الخلفية صورة من جريدة قديمة تحتفى ببطل السلام الرئيس الراحل محمد أنور السادات.

الإحالة السياسية للعمل تبرز هنا، ويظهر سخط صناع العمل المستمد من جيل السينمائيين الذى سبقهم، وهو جيل الواقعية الجديدة المتمرد، الذى حارب بوضوح الانفتاح الساداتى ورفض فكرة السلام مع الكيان المحتل.

ويتضح ذلك الأثر هنا فى رغبة كارم بطرد حسن وأمه من البيت «لتوسيع الورشة» كما نرى تقاربًا بين شخصية حسن فى رامبو وحسن فى فيلم «سواق الأتوبيس» لعاطف الطيب، فيتعرض حسن لنفس الخذلان من جميع من هم حوله حين يصرون على تسليم رامبو، بينما هو يرفض الفكرة، وهو نفسه الخذلان الذى عانى منه حسن «نور الشريف» من أهله فى الفيلم المذكور حين حاول الحفاظ على ورشة أبيه، كما يتشابه البطلان فى كونهما «بطلًا سلبيًا» يتطور على مدار الأحداث حتى يقوم بفعل إيجابى فى النهاية.

لقطة من فيلم الغول

يبدو حسن متيمًا بفكرة البطولة، عبر حبه لفيلم الغول، حيث يتخلص الخير من الشر فى النهاية، وحكيه عن إعجابه بفيلم رامبو حين ذهب مع أبيه لمشاهدته واندهاشه من قدرة رامبو على محاربة الأشرار وصرعهم واحدًا تلو الآخر، ويبدو ذلك مناقضًا تمامًا لشخصية حسن، العاجز تمامًا عن القيام بأى فعل إيجابى فى حياته، فحينما يلجأ لحبيبته السابقة أسماء «ركين سعد» لمساعدته نعرف أنها مخطوبة لشخص آخر ويظهر عدم الرضا والانكسار على وجهه.

هنا تتجلى انهزامية حسن الذى نتيقن بهزيمته على كل المستويات، انهزامه أمام كارم، وانهزامه فى عدم الحصول على الحبيبة التى يتمنى، ثم انهزامه الأكبر بعدم قدرته على الوصول إلى والده ومعرفة إن كان حيًا أم ميتًا. 

هنا يتضح أن انهزام حسن نابع فى الأساس من سببين، الأول هو افتقاد الأب، والأب هو الرمز الأول للبطولة عند الطفل، والسبب الثانى هو قسوة واقعه، واقعة المهزوم فيه بضراوة، والذى لا يشبه الخيال الذى يحب، حيث ينتصر الأخيار بسهولة فى النهاية.

ومن خلال افتقاد حسن الأب الغائب- القدوة ورمز البطولة- تتضح أكثر العلاقة الوطيدة لحسن برامبو، فحسن مفتقد الأب، ذلك الرمز الغائب، وهو يحاول تعويضة دومًا، عبر استحضار ذكرياته معه، إيجاد أى خيط يقود إليه ومن ثم التمسك به، بالتالى يصبح رامبو هو الأب، هو الحامى، ويتجلى ذلك فى مشهد دفاع رامبو عنه أمام كارم؛ لذلك تتخطى علاقة حسن ورامبو علاقة إنسان بحيوان، فهى علاقة تعويضية فى المقام الأول، اعتمادية من حسن نتيجة افتقاده الرمز الأبوى.

قبيل النهاية بقليل وحين اطمئنان حسن على رامبو أخيرًا، حينما يجد مأوى للكلاب، يجدهم كارم ويقوم بإطلاق النار على رامبو ويصيبه فى عينيه، حينها يقرر حسن الانتقام من كارم، وهنا يكون التناص بين «حسن» وبين عادل عيسى «عادل إمام» من فيلم الغول، حينما قرر الانتقام من فهمى الكاشف «فريد شوقى».

طريقة الانتقام فى فيلم الغول تشير لغياب القانون، وهو ما نجده هنا فى عالم رامبو مرارًا، فلا يتجسد ذلك فقط فى توحش كارم المستمر، بل يتجلى فى المشهد الذى يذهب فيه حسن مع الحلاق الذى عمل ممرضًا فى السابق- إلى مكان مجهول، فيرى الكلاب تتصارع فى حلبة حتى الموت- بينما تتم المراهنات عليها، وهنا يتيقن حسن بالغياب التام للقانون.

يذهب حسن إلى كارم ويحرق سيارته ويصيبه فى جسده بعد عراك معه، لينتهى الأمر بحسن وأمه وحيدين فى الخلاء بعد طردهما من البيت.

فعل حسن ينطوى على وعى كبير بواقعه وحدود قدراته، فهو إدراك أوَّلى لواقعه المختلف عن الخيال، حيث لا ينتصر الخير بشكل كامل، وثانيًا فهو إدراك لحتمية الخسارة، ورغم اليقين بتلك النتيجة لا يجد حسن سوى حتمية المواجهة، الفعل الإيجابى مهما كانت العواقب.

ينتهى الفيلم بحسن وأمه بينما يراقبان القاهرة كلها من أعلى، كدلالة على عمومية الهزيمة، هزيمة جيل بأكمله وسرقة أحلامه، وفى الخلفية كلمات أغنية «شجر الليمون» بصوت منير للتأكيد على تلك الحالة وتوثيقها:

«كل شىء بينسرق منى.. العمر مالأيام

والضى مالينى.. وكل شىء حواليا يندهلى.. جوايا بندهلك.. يا ترى بتسمعنى»

وهى كلمات كتبها الشاعر عبدالرحيم منصور وغناها ولحنها فى الأصل أحمد منيب، وفيها يرثى عبدالرحيم منصور شجرة الليمون، ويحزن لذبولها، رغم كونها نادرًا ما تذبل.