الإثنين 28 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أمينة حسن تكتب: بذلة

أمينة حسن
أمينة حسن

- بعد أن نام الجميع سَمِعْتُ صوت شجرة البرتقال تنادينى

- البدلة مصنوعة من نسيج اللحم والجلد والعضلات ونحتفظ بتوصيلات كل الشرايين والأوردة

د. صفاء النجار: قصة تمزج بين الأبعاد السيكولوجية والفنتازيا على خلفية واقعية خافتة

القصة الجيدة هى التى لا تحتاج نقطتها الأخيرة، لعلامة ترقيم بعدها.. فلا تساؤل عما سيحدث بعد.. لقد اكتفيت وتشبعت رغم الدهشة والإعجاب، لكن الصمت المتأمل قد يجعلك ترغب فى استعادة الحكاية، مراجعة السرد، التدقيق فى الحبكة التى لا تخطئ مسارها، تتبع الكلمات والإشارات التى تقودك فى اتجاه واحد حتى النهاية.. مع كل سطر تقترب من النهاية.. تشعر بهسيس النار، بحفيف الشجر، بوشوشة البحر، تتوقع النهاية، ورغم ذلك تكمن الروعة فى هذه الابتسامة المباغتة التى ترتسم على شفتيك إعجابًا وتقديرًا للعبة الحلوة، لمهارة الصنعة. اسمحوا لى أن أقدم لكم واحدة من القصص الجيدة، القصة كما أحب أن تكون مزيجًا من الأبعاد السيكولوجية والأحداث المنتمية للفنتازيا على خلفية واقعية كنغمة خافتة تدرك حواسك وجودها، لكنها تتفلت من بين يديك. 

القصة تكثف حياة امرأة شديدة الحساسية، تمنحنا منظارًا جديدًا لرؤية عالم شديد القهر والتعاسة، لا نرى تفاصيل عذابها الخارجى، تشير له بكلمات مقتضبة عن عمد هو العادى والمعتاد والمعاش والواقع الذى لا مفر منه، وتصف بسخاء ودربة، الأهم وهو استجابة جسدها لهذا الضغط والألم، لا يحاول أحد أن يصلح الخلل المسبب لمرضها، تلاشى وجودها هو خلاصها.. ورغم قتامة الواقع تومض من خلف السحب الرمادية الثقيلة حنو شجرة وبراءة طفلة تعرف السر.

فى السنة الأولى من الزواج فاجأتها أولى نوبات الغضب، إثر شجار تافه على ملح زائد فى الطعام. لم تظن أبدًا، بعد قصة الحب الطويلة، وكل ما تحملاه ليصبحا معًا، أن تسوء الأمور لدرجة تمكنه من أذيتها إلى هذا الحد.

حاولت الرد، والدفاع عن نفسها. جعله ذلك أكثر غضبًا، وصب كامل لعنته عليها. عندها أصابتها أول نوبة من الألم. حكة جلدية بذراعها اليسرى، لكنها كانت حكة من نوع لم يصبها من قبل. لا أثر لتورم أو تغير على سطح الجلد، وكأن سبب الحكة يأتى من اللحم نفسه! 

مع الوقت استمرت نوبات الغضب تتلوها نوبات موازية من الألم. لم تتحسن الحكة، لكنها اضطرت للاعتياد عليها. كلما تعرضت لنوبة جديدة شعرت باحتراق فى عظامها ورغبة فى نبش اللحم من فوقه لتهدئة تلك النار التى لا يوقفها شىء. بدأ الألم فى الذراع اليسرى، ثم استمر فى الانتشار لباقى الأطراف، وكان يشتد أحيانًا لدرجة تجعلها ترغب فى الصراخ حتى تضمر أحبالها الصوتية. لم يصدقها أحد فى شكواها، فلا شىء يبدو على جلدها يوحى بأى نوع من أنواع الالتهاب أو الحساسية. تناولت المسكنات فى صمت. ربما لا يوجد فعلًا أى ألم، ربما تكون كل هذه مجرد هلاوس. حتى هو أصبح يستجيب لشكواها بغير اكتراث وكأنه يخبرها بأنها تتمارض لتكسب تعاطف الآخرين.

ازداد الحال سوءًا مع الوقت. فى إحدى النوبات القاسية، فقدت وعيها تمامًا، ولم تستطع استرداده إلا فى عيادة الطوارئ، حيث أجرى لها الأطباء عدة فحوصات ظاهرية، لكنهم لم يجدوا شيئًا. قاموا بعمل تحاليل وأشعة عديدة أشارت نتائجها إلى درجة مرتفعة من الالتهاب بجسدها النحيل. لاحقًا، وجد الأطباء نزيفًا وكدمات داخلية، لم يعرف أحد سببًا لها، خاصة مع عدم وجود أى آثار لعنف خارجى. اكتشف أحد الأطباء فى الأشعة وجود بروز غريب فى العظام يشبه الأطراف المسننة. يا للهول!. تبدو تلك الأطراف كما لو كانت أشواكًا عظمية- برغم أنه، طبيًا، لا يوجد شىء بمثل هذا الوصف- تنبت من عظامها الطرفية، وتنغرز فى لحمها كإبر حادة، فتتسبب فى النزيف والآلام الشديدة التى تترجم على شكل حكة داخلية!

لم ير الطبيب المعالج أى شىء كهذا من قبل. بادر بإعطائها بعض المسكنات القوية لتخفيف حدة الألم حتى يتمكن من إيجاد حل. سألها عن تاريخها المرضى، وكيف بدأت الأعراض وما هى محفزاتها. كان يستشير الأطباء من كل التخصصات. لم ير أحد منهم أى حالة مشابهة. الحل الذى توصل إليه- على فرض جدلى بوجود تلك الأشواك العظمية- كان بإبعاد طبقات الجلد واللحم والعضلات، بما تحتويه من أوردة وشرايين وأعصاب عن تلك الشوكات الحادة بشكل مؤقت، حتى يتم تنعيم تلك العظام تمامًا ثم إعادة الطبقات ثانية. وكان ذلك يبدو ضربًا من الجنون، لكنه الحل الوحيد الذى استطاع تخيله لإنهاء الألم.

حاول الطبيب الشرح: لا سبيل لنا إلا بالمخاطرة، والسرية، فمحاولة العلاج كلها تجريبية، بغير ضمانات، فنحن إزاء عملية معقدة يتم فيها فصل كل الطبقات الحية عن العظام المسننة، حتى يتم تنعيمها وإزالة كل الشوكات، ثم نحاول إعادة كل شىء مكانه، إما هذا، أو ستضطرين للعيش على مهدئات، ومسكنات قوية جدًا، لن يلبث الجسم أن يعتادها، فيكون الاضطرار إلى زيادة الجرعة، كما أنها ستؤدى مع استخدامها بشكل مزمن إلى إتلاف أعضاء مهمة كالكلى والكبد، كما أنك ستضطرين لزيارة المستشفى بشكل دورى لمتابعة النزيف الداخلى.

قالت إنها لا يمكنها قبول هذا، فحتى لو نجحت تلك الفكرة المجنونة، فسوف تحتاج لتكرارها، إذ ستأتى نوبات الغضب مجددًا، وستعود العظام المسننة فى الظهور من جديد ماذا سيحدث عندها؟

أطرق الطبيب ساكتًا ثم قال: سأفكر فى شىء ما.

عادت إلى المنزل، تحاول ممارسة حياتها العادية بين زيارات المستشفى الروتينية. بدأت فى تعلم الرسم، أمضت معظم وقتها صامتة تحاول تجنب نوبات الغضب قدر المستطاع. تختبئ فى حجرتها، تحتمى فى وحدتها القاتلة حتى تهدأ الأمور. تحاول قدر طاقتها. لكن النوبات استمرت فى الحدوث على أى حال، وإن كانت بوتيرة أقل. شعرت أن جسدها يتآكل يومًا بعد يوم، حتى أصبح أكثر ضعفًا من تحمل أقل النوبات حدة.

وكانت، فى فترة خروجه من المنزل، تحب أن تمضى وقتًا أطول مع أطفالها وأطفال آخرين. وجدت أن ذلك يخفف من الألم. كما أحبت أيضًا الجلوس كل يوم أسفل شجرة البرتقال القابعة بطرف الحديقة المحيطة بالمنزل، تتحدث إليها طويلًا. أخبرتها عن نوباتها وعن الحل الذى اقترحه الطبيب، وهى جالسة ترسم لوحات بها وردات سوداء أغصانها تمتلئ بأشواك ضخمة بارزة. حين تجلس مع صغيرتها قبل النوم كانت تخبرها أن شجرة البرتقال الطيبة كونٌ بأكمله، بكل ثمرة منها كوكب مستقل يحوى فصوصًا كاملة من الكائنات بكل واحد منها ملايين النطف، لكل منها حكاية. وأخذت كل ليلة تقص عليها إحدى حكايات شجرة البرتقال، وكانت، فى الحكاية، يمكنها أن تصبح بطلة خارقة تستطيع الطيران، لا تشعر بالألم، تجوب العالم، وترسم لوحات لأزهار بيضاء زكية الرائحة وفراشات ملونة، فتقل الآلام كثيرًا وهى تحكى لصغيرتها تلك القصص البرتقالية.

جاءتها مكالمة هاتفية من الطبيب يخبرها بأنه قد وجد حلًا، وبأن عليها زيارته للأهمية.

قال: سنصنع بذلة

هكذا أخبرها ببساطة، لكنها طلبت توضيحًا.

لا شىء، سنصنع بذلة من نسيج اللحم والجلد والعضلات، ونحتفظ بتوصيلات كل الشرايين والأوردة، ونضع نسيجًا فاصلًا بين الأشواك العظمية والنسيج الحى فلا تشعرين بالألم. ويمكننا تصميم البذلة بحيث يمكنك خلعها بالمنزل فى حجرة يتم تصميمها خصيصًا، ونزودك بجهاز لصقل تلك الأشواك من العظم، ثم بعدها يمكنك ارتداء البذلة مرة أخرى وممارسة حياتك بشكل طبيعى. طبعًا، سيكون من الأفضل تجنب نوبات الغضب، لكن عند حدوثها سيمكنك خلع البذلة وتشذيب العظام متى شئت.

ثبتت نظراتها على وجهه فى محاولة لاستيعاب ما يقوله.

هل أخلع جسدى، وأحيك منه بذلة! هل هذا ما تقصد؟ وهل هذا، حتى، ممكن!

لا شىء أكيد بالطبع، لكن تكرار عملية فصل الجسد الحى عن العظم وتشذيب الشوكات أوحت لى بالفكرة. لدىَّ صديقٌ خبيرٌ بشبكة الأعصاب وآخر متخصص فى الأوعية الدموية وثالث يجيد معالجة الألم، يمكننا بشىء من الدقة فعل هذا، لكن الأمر لا يخلو من المخاطرة والاختيار كله لك.

بعد تفكير لبضعة أيام أتت الموافقة.

استغرق الأمر عدة أيام حتى انتهى كل شىء.

أدخلوها حجرة ضخمة تمتلئ بأجهزة كثيرة. تم إخضاعها للمخدر، فدخلت فى حالة تشبه النوم. رأت فيها طفلتها تبتسم، رأت أيضًا شجرتها البرتقالية تمد لها يدًا بها برتقالة حمراء، تفتح قشرتها وتخرج أحد الفصوص، وتشقه طوليًا، يخرج منه آلاف الرجال الصغار، ينتشرون على جسدها كله. بعد ذلك، تذهب فى نوم عميق بلا أحلام، وحين تستيقظ تجد نفسها فى غرفة عادية، وقد وضعت تحت الملاحظة للتأكد من أنها سوف تتمكن من ممارسة الحياة كشخص طبيعى، والقيام بالمهام العضوية الأساسية كالأكل والشرب وخلافه. أخذت فترة أخرى أطول، للتدرب على إجراءات خلع البذلة وتشذيب العظام المسننة وارتداء البذلة مرة أخرى.

إنها على أتم الاستعداد الآن للعودة إلى البيت، يمكنها رؤية طفلتها واستكمال القصص المسائية، ستعود إلى رسم لوحات جديدة من الأزهار والفراشات، ستزور ثانية شجرتها البرتقالية.

كانت تلك البذلة أشبه ما يكون برداء الغوص. حين تتعرض لعدد من نوبات الغضب، ويشتد بها الألم يمكنها دخول الغرفة المخصصة للخلع- حيث أعدت واحدة منها فى البيت- تنزع ملابسها تمامًا، ثم تبدأ فى التخلص من البذلة التى تفتح بسَحَّابٍ شِبْه شَفَّاف يَضُم أسنَانًا عريضة من النسيج الحى، وتبدأ فى التعرض لجهاز التنعيم لصقل مكان البروز الذى لا يتجاوز مليمترًا أو اثنين، وبعدها يتم تعقيم كل شىء. تمضى بضع الدقائق حتى ينهى جهاز الصقل عمله. حين تخلع البذلة لا تمكنها الوصلات بالابتعاد عنها إلا لمسافة قصيرة لا تتجاوز بضعة أمتار، تترك فيها قشرتها وتتحرر قليلًا، صحيح أنها لا تستطيع التخلى عن جسدها طويلًا، لكن مَنْ مِنَ البشر لديه فرصة مماثلة؟

حاولت أن تتخيل نفسها فى هذه الدقائق كشبح شفاف أو كوحش الهيكل العظمى فى أفلام الرعب، تلاحق الأشرار، وتحاول النيل منهم. ترى دائمًا أصدقاءها الصغار من الشجرة البرتقالية ينتشرون فى الغرفة أثناء انتظارها، يتأكدون من أن كل شىء يتم على الشكل الصحيح. لم تكن شجرتها الحبيبة تسمح لأى أذى أن يلحق بها. حين تسمع صافرة الجهاز التى تعلن أن الوقت حان لارتداء البذلة الحيوية، ترتدى بذلتها وتهم بإغلاق السحَّاب، حيث تتخلل أسنانه العريضة مجسات ذكية تتصل تلقائيًا فور التلامس، لاستكمال توصيل الدوائر العصبية وشبكة الشرايين والأوردة، بعدها ترتدى ثيابها، وتخرج من الغرفة التى يقوم الرجال الصغار بإعادتها إلى حالتها الأولى كل مرة.

تعود لتمارس حياتها بشكل طبيعى قدر المستطاع، تترك العمل رغبة منها فى تجنب أى ضغوط إضافية تستلزم عددًا إضافيًا من جلسات التعافى. تقطع صلتها بكل الشخوص غير الحقيقية، تلك التى تدعى محبة زائفة، بينما يسكنها كره دفين غير مبرر بالنسبة لها. تمضى معظم الوقت مع صغيرتها، ولوحاتها وشجرة البرتقال، سعيدة بأن بذلتها لا يلاحظها الغرباء. هم فقط يتعجبون من قدرتها على التخلى عن كل ما يزعجها دون ندم على خسارة أى شىء!

لوحاتها الآن أغلبها لفراشات داكنة اللون ترتبط أجنحتها بأسنان متداخلة بدقة تشبه سحَّابَ أى معطف شتوى.

مع تعدد الزيارات لحجرة التعافى وهن عظمها، إذ تتآكل منه بضعة مليمترات مع كل زيارة، حتى أصبحت عظامها رقيقة جدًا، وسهلة الكسر. استخدمت العكاز لفترة، وبعد ذلك احتاجت لكرسى متحرك، ومع الوقت أصبح حتى مجرد جلوسها فيه أو قيامها منه أمرًا شاقًا، ومؤلما، وهى مَنْ اعتادت طويلًا الألم.

رغم مرور السنوات، لكن صغيرتها لم تتخل أبدًا عن حكايات قبل النوم. أقسمت عليها أن تسمع كل قصص الكواكب البرتقالية التى لا تنتهى، وكانت كل ليلة تخبرها بحكاية جديدة عن كائنات الشجرة الصديقة، كيف يحلمون، يتداخلون فى كل الخيوط التى تربط الواقع بالحلم، يسافرون إلى كل الأنحاء، يسجلون مغامراتهم على جذع شجرتهم الضخم. الآلاف من المغامرات مكتوبة هناك، فقط صغيرتى لو تستطيعين أن تقرئيها مثلى.

فى تلك الليلة أتت صغيرتى لسماع حكاية جديدة.

أخبرها فى همس بأنه ربما تكون هذه هى الحكاية الأخيرة، ابتسمت لى غير مصدقة، طلبت منى ألا أرحل الآن، لكننى سألتها بتوسل أن تذكر جيدًا كل الحكايات التى أخبرتها إياها على مدار كل تلك السنوات الماضية، وأن تعدنى ألا تنساها، فأقسمت لى أن تدونها جميعًا.

أخبرتها عن حكايتى الأخيرة، وكيف ستمنحنى شجرة البرتقال، أجنحة بيضاء ضخمة، لأتمكن أخيرًا من الطيران عاليًا كما كنت أحلم دائمًا. سأصبح طائر نورس أو ربما حصانًا مُجنَّحًا. سأعبر كل المحيطات والبحار، وأطير عاليًا بين الغيمات البيضاء. سآتى لزيارتها يوميًا، وأصحبها فى جولة للتحليق. ابتسمت وقالت لى: تصبحين على خير يا أمى.

بعد أن نام الجميع سَمِعْتُ صوت شجرة البرتقال تنادينى، ووجدت بى قدرة- لا أعلم من أين أتتنى- على الحركة بمفردى. بمساعدة العكاز فقط، استطعت الخروج إلى الحديقة، وبخطوات بطيئة اقتربت من شجرة البرتقال، وبدأت أشم رائحة أزهارها المميزة. أفلتُّ العكاز من يدى، وحاولت الاقتراب منها واقفة على قدمى رغم الإجهاد والظلام، لكن يبدو أنه كان هناك حجر صغير، أو ربما حفرة لم ألحظها فى الظلام. اختل توازنى، وسقطتُّ أرضًا. صوت تكسر العظام ملأ أذنىَّ، كما ضربنى ألم مبرح. حاولت الاستمرار فى الاقتراب زاحفةً ببطء شديد. أخيرًا تمكنت من الوصول إلى جذع الشجرة. تضررت بذلتى كثيرًا من الاحتكاك بالتراب وأغصان النباتات الجافة، كما أن الآلام التى داهمتنى إثر تكسر العظام صارت لا تحتمل. لا مفر الآن. لن أستطيع طلب المساعدة، ولا أن أصل إلى غرفة الخَلع. بدأت فى الخروج من بذلتى الحيوية. حدة العظام المتكسرة ساعدتنى فى قطع معظم الوصلات الرئيسية للشرايين والأعصاب. سرعان ما بدأ نزيف غزير بدأتُ معه أفقد الإحساس بالألم. تكوم ما تبقى من أعضائى وهيكلى العظمى تحت هيكل تلك البذلة الفارغة من الحياة. دفنت رأسى فى ظلمتها حتى أَطبَقَتْ عَلىَّ، وساد الصمت.

تعاونت شجرة البرتقال مع الموقف. خرج الرجال الصغار، وبدأوا بإسقاط الكثير من أجزاء الشجرة عَلىَّ حتى صَنَعَوا كومة كبيرة من الأغصان والأوراق وزهور حديثة الرائحة، جفت جميعها بحلول الصباح فأصبحت تبدو كمهملات عامل الحديقة. غطت رائحة الأزهار الفواحة على أى رائحة للعفن أو الدماء.

عندما استيقظ الجميع، وبدأوا فى البحث عنها لم يجدوا لها أى أثر.

فى المساء أتت الصغيرة، وجلست فى مقابل الشجرة، بدأت تقص عليها حكاية المساء الأولى، وبعد أن انتهت، نظرت إلى الشجرة بعين باكية، وقالت لها: تصبحين على خير يا أمى.