الثلاثاء 01 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أيقونات جيل الستينيات

فريدة النقاش.. أمينة سر صحف اليسار

فريدة النقاش
فريدة النقاش

- مجلة أدب ونقد استطاعت أن تقدم صحافة طليعية بديلة وعظيمة

- كانت مجلة إبداع فاتحة لشهية كتّاب ومبدعى ومفكرى اليسار لكى يكون لهم منبرهم المستقل

منذ أول مقال لها فى مجلة الآداب اللبنانية فى ديسمبر عام 1959، وكانت فى التاسعة عشرة من عمرها، وهى تقدم دائمًا مادة فكرية وأدبية ونقدية تليق بصحافة متميزة، وكان مقالها الأول فى عالم الصحافة يشتبك بقوة مع كل مفردات الحياة الثقافية والفكرية وكذلك الاجتماعية، حيث إنها أرادت أن تبث أفكارها عبر وسيط فكرى بارز، ذلك الوسيط كان «سيمون دى بوفوار»، وكان عنوان المقال «مذكرات فتاة رصينة .. تجربة جيل يبحث عن نفسه»، وتتجلّى قدرة فريدة النقاش الشابة على التحليل والقراءة المنحازة للحرية والانفتاح على كل الظواهر الاجتماعية والفكرية والدينية والإنسانية كما عاشتها سيمون فى حياتها، وكانت الأفكار تطاردها وتفرض نفسها على حياتها، وذلك منذ طفولتها حتى أصبحت رمزًا أدبيًا وفكريًا فى باريس والعالم الأوروبى كله، وزادتها قوة علاقتها بمفكر وفيلسوف هو جان بول سارتر.

ربما كان اختيار الموضوع قد جاء بتكليف من المجلة، ولكن قبول الكاتبة المثقفة الشابة للإبحار فى عالم سيمون دى بوفوار، شجاعة منها، ولم تكن آنذاك إلا طالبة فى كلية الآدب فى قسم اللغة الإنجليزية، وبالتأكيد لن ننسى دعم شقيقها الناقد الذى كان قد أصبح علامة فى مجال النقد والكتابة، وهو الأستاذ رجاء النقاش، وبعيدًا عن اختيارها أو تكليف المجلة لها، فإنها اشتبكت بقوة مع الأفكار التى كانت مطروحة بتوسع فى تلك الفترة، أى الأفكار الوجودية التى كانت تجذب الشباب المثقف، ليس هربًا من الماركسية المحفوفة بالعمل السياسى المنظم، والصدام مع السلطة، لكن الكتب الوجودية التى وجدت طريقها إلى الترجمة فى ذلك الوقت، انتشرت، وأصبحت أسماء وأفكار جان بول سارتر، وألبير كامىّ، وكير كيجارد، وسيمون دى بوفوار وغيرهم من الرموز القوية للفكر الوجودى، تزاحم الأسماء والأفكار العربية مثل الدكتور عبدالرحمن بدوى، وسهيل إدريس، وعايدة المطركجى، وجورج طرابيشى، وهكذا، وكانت ترجمة النصوص الفكرية والأدبية للفلسفة الوجودية مغرية، للدرجة التى تم عرض مسرحيات الأيدى القذرة، والذباب، والمومس الفاضلة، لسارتر فى المسارح العربية، وقد أثارت تلك المسرحيات جدلًا طويلًا عند عرضها، مثل «المومس الفاضلة» التى تم عرضها على خشبة المسرح القومى فى القاهرة، وقد قامت ببطولتها سميحة أيوب وعمر الحريرى، ولذا كان مقال فريدة النقاش الذى شغل ثلاث صفحات من المجلة لافتًا ومثيرًا، ولاقى قبولًا وترحيبًا آنذاك، لأنه كان مكتوبًا بكل مهارة واندفاع الفتاة الشابة التى تسعى نحو التحرر.

ورغم أن البداية كانت قوية ولافتة، وكذلك رغم وجود رجاء النقاش كشقيق لها، فإن تلك الكتابة الجادة والجيدة، أثارت الانتباه لها بشكل لافت، وكانت كتاباتها محسوبة عليها، وليست لها، فإذا لم تجد كتاباتها قبولًا عند الأدباء، فالاتهام جاهز تمامًا، كما كتبنا عن واقعة الأستاذ إحسان عبدالقدوس، عندما كتبت مقالًا طويلًا عن إحدى رواياته، وانتقدت صورة المرأة فى رواياته، وراح إحسان يشيع أن أحدًا من خصومه هو الذى كتب المقال، ودفع فريدة لكى تضع اسمها على المقال، وأظن أنه كان يعنى شقيقها رجاء، وذلك الاتهام يكاد يكون شائعًا فى مجال الكاتبات، وهو اتهام للأسف يجد رواجًا ملحوظًا فى حياتنا الثقافية.

لذلك كانت وجهات نظر فريدة التى كانت تكتبها، كانت تجد بعضًا من الإيلام لها، وذلك ليس من زاوية الأدباء فحسب، ولكن من زاوية السلطات الصحفية أيضًا، ومن ثم وجدت عنتًا فى ممارسة الكتابة فى الصحافة المصرية التى تعمل فيها بشكل منتظم، فلاقت بعضًا من المنع، وأحيانًا النقل إلى مؤسسات غير صحفية، فوجدت ضالتها فى مجلات عربية أكثر انفتاحًا، بل أكثر حرية، مثل مجلة الآداب كما أسلفنا القول، كذلك مجلة «المسرح»، التى كانت تكتب فيها عن العروض المسرحية فى مصر، ولها رصيد كبير سوف نتعرض له فى حلقات مقبلة إن شاء الله، بل كذلك فى الترجمة، ومن ثم قامت بترجمة مسرحية «الطريق» للكاتب الإفريقى وول سونيا، ونشرتها فى مجلة «المسرح» فى عدد مارس ١٩٦٩، وكتبت لها مقدمة رصينة، وأظن أن تلك المقدمة النقدية كانت أول تعريف لذلك الكاتب الكبير، وبدأت مقدمتها قائلة: «وول سونيا، واحد من أهم الكتاب المعاصرين فى إفريقيا، ولد فى نيجيريا، وتعلم فى جامعة آبادان، قبل أن يشد رحاله إلى لندن، وتشرب تراث إفريقيا وعصارة فكرها وحضارتها قبل أن يرى الغرب، حيث بهره التقدم، ولكنه عجز عن فصله عن الواقع الإفريقى الحق، الذى نبع منه، فكان شعره ومسرحه فيما بعد انعكاسًا صادقًا لهذا الواقع دون زيف أو قسوة..»، وجدير بالذكر أننى لم أر تنويهًا موسعًا فى المراجعات التى عملت على تدوين الأدب الإفريقى الذى ترجم إلى العربية، كذلك لم تصادفنى تلك المسرحية مطبوعة ومنشورة فى كتاب، أتمنى أن تكون نشرت فى سلسلة معروفة، ولو لم يكن ذلك قد حدث، فأرجو من المعنيين نشرها لكى نتعرف على إنجازات فريدة النقاش المتنوعة فى النقد والفكر والترجمة، فضلًا عن أن كل ما كتبته عمل على تطوير الصحافة الثقافية فى مصر، صحافة يسارية وطنية تقدمية بامتياز.

وجاءت السبعينيات بكل ثقلها، وبكل قيودها الحديدية، وبكل عدائها لليسار، والثقافة اليسارية، وتم إغلاق كل المجلات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة، وظلّت مجلة الكاتب تعانى كثيرًا من الويلات، حتى تمت الإطاحة بمجلس تحريرها التقدمى فى أواخر عام ١٩٧٤، وكانت مجلة «الثقافة» قد تم إنشاؤها فى مطلع أكتوبر ١٩٧٣، لتقف فى وجه الثقافة التقدمية فى كل صورها العديدة، وها هو الدكتور عبدالعزيز الدسوقى يكتب ويعترف، فى رثاء يوسف السباعى قائلًا: «.. وأعترف بأن هذه المجلة خاضت أعنف المعارك مع مراكز القوى الثقافية والشيوعية وحركت الحياة الثقافية الراكدة، وألهبت الصراع بين المثقفين..»، وفى موضع آخر من المقال يقول: «... أقرر أننا كنا على حق فى محاربة هؤلاء المشبوهين والقرامطة والخوارج والمنحرفين والماركسيين الذين حاربناهم وكشفناهم وعريناهم، فهم لا يزالون حتى اليوم يوجهون إلى مصر وقادتها ومفكريها أقسى العبارات البذيئة..»، وكان فى ذلك الوقت قد تمت إغلاق مجلة الطليعة، بعد إقالة مجلس تحرير مجلة الكاتب، وكانت مجلة الطليعة هى الحصن الأخير الذى كانت تكتب فيه فريدة النقاش وتتمترس بين جدرانه، وكتبت عددًا من المقالات والدراسات والمتابعات الممتازة، ذات الصبغة التقدمية، والمفعمة بقدر عال من البعد الطليعى والثقافة الراقية المفتوحة على كل التيارات الفكرية فى العالم، ومن بين تلك الدراسات، دراسة مهمة عن رواية «الزينى بركات» لجمال الغيطانى، فى عدد أبريل ١٩٧٥ تحت عنوان «الزينى بركات ودولة البصاصين»، ولا أعتقد أنها نشرت فى أحد كتبها، كما كان مصير كثير من الدراسات.

جاءت بعد ذلك بعامين جريدة الأهالى، التى فجّرت كل طاقات فريدة فى الكتابة، وبالإضافة إلى القسم الثقافى، كانت تكتب مقالًا طويلًا فى الصفحة الأخيرة فى «يوميات الأهالى»، وتلك المقالات وجدت طريقها إلى كتاب «يوميات المدن المفتوحة»، وفى تلك المقالات، أو فى ذلك الكتاب، عبّرت فريدة عن كثير من همومها الانسانية العديدة، وبثّت فيها كل شجونها، فضلًا عن المادة الثقافية الدسمة التى كانت تقدمها الصفحة الثقافية، كذلك مطبوعات التقدم التى كانت تنشر بعض إبداعات الأجيال الجديدة المتعاقبة، وكانت الصفحة الثقافية، تنشر وتغطى أحداث وأحوال الثقافة الطليعية بامتياز، بعد أن كانت شبه ممنوعة أو مقموعة فى السبعينيات، وهربت معظم تلك الطاقات التى كانت مؤجلة، إلى مطبوعات بيروتية أو بغدادية أو سورية، أو يمنية، أو كويتية، ولكن الأهالى استطاعت أن تعيد بعضًا من تلك التجارب الثقافية الجادة.

وبعد سنوات من صدور الأهالى فى فبراير عام ١٩٧٨، واشتداد الخصومة والعداء بين ثقافة اليساريين، والسلطة الساداتية، واشتهر السادات بمهاجمته لليسار ولبعض مثقفيه فى خطاباته، وكما أطلق على انتفاضة ومظاهرات الخبز فى يناير ١٩٧٧، بانتفاضة الحرامية، أطلق على المثقفين بأنهم الأراذل، وهناك سجالات كثيرة حدثت فى صحف ومجلات مثل مجلة روزاليوسف على وجه الخصوص، ولكن بعد اغتيال محمد أنور السادات فى ٦ أكتوبر ١٩٨١، بعد أن تم التحفظ أو اعتقال أكثر من ١٦٠٠ شخص من الرموز الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية، مثل لطيفة الزيات ومحمد حسنين هيكل وصلاح عيسى وفخرى لبيب وغيرهم من شتى التوجهات، وجاء الرئيس محمد حسنى مبارك ليعقد ما يشبه المصالحة مع كثير من مثقفى مصر، ويستقبلهم، ويفتح صفحة جديدة مع المثقفين، وبالتالى مع مثقفىّ اليسار، وفى البداية تم إصدار مجلة «إبداع» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتم اختيار أحد النقاد والمثقفين الكبار، الذى كان يحظى باحترام كل المثقفين، وهو الدكتور عبدالقادر القط، واختار اثنين من كبار المثقفين كمساعدين لرئيس التحرير، وهما سليمان فياض، وسامى خشبة، وتم اختيار مجلس مستشارى تحرير محترم، ضم كلًا من: بدر الدين أبوغازى، وعبدالرحمن فهمى، وفاروق شوشة، وفؤاد كامل، ونعمان عاشور، ويوسف إدريس، وصدر العدد الأول فى يناير ١٩٨٣، وكتب دكتور القط مقدمة طويلة، لكى يعلن عن عهد جديد فى الثقافة المصرية، ومنذ ذلك اليوم ستكون الثقافة محل جدل وسجال بين الكتاب والمبدعين، كما تم نشر إبداعات ذات صبغة طليعية، وأسماء لم تكن مدرجة فى دفتر اليمين الثقافى، مثل أمل دنقل، ومحمد مهران السيد، وعبدالمنعم رمضان، ومحمد المخزنجى، ومحمد أبوالعلا السلامونى، ودكتور صبرى حافظ، وهكذا حفل العدد بمجموعة من الكتاب والمبدعين، تمثل شتى تيارات وتوجهات الثقافة المصرية فى ذلك الوقت.

كانت مجلة إبداع فاتحة لشهية كتّاب ومبدعى ومفكرى اليسار لكى يكون لهم منبرهم المستقل، ولذلك فكرت قيادة حزب التجمع فى إصدار مجلة مستقلة، تعبّر عن ثقافة ومثقفى اليسار فى ذلك الوقت، واستقر الأمر على اختيار نموذج محترم، يحظى بالتقدير من الجميع، وهو دكتور أحمد الطاهر مكى، حيث كانت له إسهامات مجيدة فى حقل الثقافة العامة، وكتب كتابًا مهمًا عن الشاعر بابلو نيرودا، نال تقديرًا كبيرًا بين المثقفين، وشاع كذلك بين حشود القراء عمومًا، وفى الكتاب ترجم كثيرًا من أشعار نيرودا عن اللغة الإسبانية، وكان كتب مقدمة رصينة جدًا لديوان «عيون الكلام» للشاعر أحمد فؤاد نجم، عام ١٩٧٦، عندما كان كثيرون من المثقفين المرموقين يخشون أن ترتبط أسماؤهم به، وكذلك قرأ الجميع تلك المقدمة الحافلة بصنوف شتى من الأفكار العظيمة التى وجدت رواجًا واحتفالًا إيجابيًا بين المثقفين، ولذلك كان اختيار اسم دكتور الطاهر مكى موفقًا إلى حد بعيد، وكانت فريدة النقاش هى الدينامو المحرك للمجلة، رغم أنها تولت مهمة «مدير التحرير»، واختير كوكبة من مثقفين لكبار لكى يكونوا مستشارى التحرير، وهم: بهجت عثمان، وجمال الغيطانى، ودكتور عبدالعظيم أنيس، ودكتورة لطيفة الزيات، والشاعرة ملك عبدالعزيز، وكان المشرف الفنى الفنان أحمد عزالعرب، وسكرتير التحرير ناصر عبدالمنعم، أى هيئة تحرير قوية جدًا، هيئة تحرير بمثابة كتيبة ثقافية وفنية وفكرية وإبداعية ونقدية فى غاية الاكتمال، واحتوى العدد الأول على مواد مختلفة، لتعمل على إنشاء ثقافة طليعية مكتملة، ووجدنا أسماء ذات إيقاع تقدمى خاص، منها مقال يوسف إدريس عن الشاعر أمل دنقل تحت عنوان «قانون موت الشاعر»، وجاءت الأسماء تتوالى فى الأعداد التالية، كأنها زغاريد فى فرح جديد لليسار المصرى الطليعى، وكانت فريدة النقاش تدير كل تلك الاحتفالات المتتالية، وظلّت تعمل كمدير تحرير حتى عام ١٩٨٧، لتنقل المجلة إلى مجال أعلى، ذلك المجال الذى انفتح على تعضيد ثقافة كانت شبه خائفة، وبدأت تعد ملفات قوية جدًا عن شخصيات ذات شأن ثقافى جديد، وصدر تحت رئاسة تحريرها عدد تاريخى عن الكاتب الكبير يوسف إدريس، وكُتبت له مقدمة جاء فيها: «رغم الصخب والرواج التجارى والضجيج، لم تلتفت أى مؤسسة ثقافية- على كثرتها- لهذه المناسبة التى نحتفل بها، وهى بلوغ كاتب فى ضخامة يوسف إدريس سن الستين، ستون عامًا من الفن الجميل، من تنوع الأشكال، وثراء العالم الذى نظل نكتشف فيه الجديد مع كل قراءة، الشىء الذى يتضح فى سياق هذا العدد الذى بين أيديكم، وهو ما نبدأ به رحلة الأعداد الخاصة التى تتناول كاتبًا بعينه، أو ظاهرة، ويجمع يوسف إدريس بين الصفتين، إنه كاتب كبير وظاهرة»، وضم العدد أقلامًا ذات أهمية خاصة فى الثقافة المصرية، والنقد المصرى، منها: صبرى حافظ، وشكرى عياد، وسيزا قاسم، ولطيفة الزيات، وفريال جبورى غزول، وفؤاد دوارة، ومحمد روميش، وغيرهم من أسماء مهمة، وسنّت فريدة النقاش سنّة ثقافية حميدة وإيجابية، وهى الكشف العميق عن كل ما ينطوى عليه المبدع سلبًا وإيجابًا دون أى تجريح، لذلك قرأنا- إلى جانب الدراسات التحليلية العميقة- كتابات تكون غاضبة من يوسف إدريس، منها رسالة إليه من نجيب سرور، كان يحتفظ بها صلاح عيسى فى أرشيفه، وفيها يلوم سرور صديقه يوسف إدريس عندما مدح السيدة جيهان السادات، كذلك جاءت الشهادات الأدبية لبعض من عاصروا يوسف إدريس فى الستينيات والسبعينيات، بعض تلك الشهادات كانت تدرج بعض الملاحظات السلبية من تلاميذ كبار فى مدرسة يوسف إدريس العظيمة.

بعد ذلك العدد، دأبت فريدة النقاش على إعداد أعداد كاملة عن كتاب ونقاد ومفكرين ومبدعين تركوا آثارًا عظيمة فى الثقافة المصرية، وكتبت مقدمات عظيمة، تصلح أن تنشر مستقلة فى كتاب لكى تعم الفائدة على القارئ المصرى والعربى، من هؤلاء: لويس عوض، ويحيى حقى، ودكتور محمد مندور، ودكتور لويس عوض، ودكتور فرج فودة، ودكتور زكى نجيب محمود وغيرهم، أعداد تصلح لكى تدرس من قوة بيانها وتنوعها ومذاقها الخاص الذى كان مفقودًا قبل ذلك، أى أنها ملفات كانت ساخنة تشتبك مع الآنى والماضى والمستقبل فى جرعة واحدة، وكذلك كانت هناك بعض السمات الصحفية الجديدة، مثل إجراء حوارات مع ذوى المحتفى به، مثلما حدث مع الدكتور محمد مندور، إذ ذهب الشاعران حلمى سالم وإبراهيم داود لإجراء حوار مطول مع الشاعرة ملك عبدالعزيز زوجة مندور، وكذلك إعداد ببلوجرافيات موثقة عن كل هؤلاء المحتفى بهم.

كان ذلك فى مجال التوثيق الأدبى والفكرى والثقافى، لكن المجلة أيضًا تخصصت بشكل متتابع فى التصدى لظاهرة التطرف الرجعى، الذى يعمل على تأويل النصوص المقدسة لأغراض رجعية سياسية، تلك الظاهرة التى وقفت فى وجه الإبداع والفن المصريين والعربيين، ولم تقتصر المجلة على تقديم ذلك الجانب فى مصر فقط، بل شملت التغطيات كثيرًا من البلدان، على رأسها السودان، ذلك البلد الشقيق الذى عانى كثيرًا من ويلات ذلك التطرف.

مجلة أدب ونقد، استطاعت أن تقدم صحافة طليعية بديلة وعظيمة فى عهد رئاسة تحرير فريدة النقاش التى امتدت من ١٩٨٧، حتى عام ٢٠٠٧، ليحل محلها الشاعر حلمى سالم رئيسًا لتحريرها عليه رحمة الله.