ورق
راح يدور حول نفسه داخل غرفته متمنيًا أن تطلع الشمس، حتى تجفف ملابسه المعلقة خارج النافذة.
اليوم يوم إجازة..
ودّ أن يخرج مبكرًاً، السحب ما زالت مسيطرة على الشمس.
يحفر بأظافره على الجدار، يرسم صورة لقطار بدون سائق، عيناه دارتا فى أرضية الغرفة، تذكّر أن منفضة السجائر فى غرفة المدير..
أمسك بقلمه يقلبه بين أصابعه، ويقلّب معه ذكريات أعوام طوال قضاها بين قلمه، وعصا مقشة المكتب وتكشيرة المدير المتتابعة على وجهه دون فائدة..
ما الفارق ببننا؟
لا شىء.. الجحيم.. «المدير يكسب»
ورجع إلى نفسه فوجد أنه إنسان محدود الأجزاء، يكاد يكون بقعة فوق سطح زجاج المكتب.
قدماه تمشيان بخفة كإصبعين.. تلال كثيرة من الفِكَر تحلق حولها أجنحة خيالاته.
يده تمسك بالكتاب.. الحروف ترتعش على الصفحات، لقد قرأ كثيرًا.
«الماديات كلمات تقرأ خلف الڤاترينات»
ملابسه الداخلية مرتقة مثل وجه الصفيحة، أمعاؤه تتلوى فى داخله تقرأ قرقعات الجوع..
لاك قطعة من الورق فى فمه، تقف بين فكيه، تنغرس بين أسنانه، يمد إصبعيه وينتزعها ويحدق فيها بعينيه ثم يقرأ حروف أسنانه «الكلاب المسعورة تلتف حول مائدة واحدة» فى صالون الحلاقة أشخاص كثيرون يحبون سماع قصائده..
رسائله لم يصل عنها رد..
يحتفظ بنسخ كثيرة منها، عم عبده البقال أراد أن يشتريها منه بقروش، والتفت إلى الشمس وجدها تصارع السحب، النهار فقد نصفه.
يرتدى ملابسه نصف مجففة..
على الطريق لافتة من الخشب لم يُكتب عليها شىء بعد.
مجموعة من الناس تتزاحم حول جسد كلب دهمته سيارة.
السائق يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة بين الأيدى الممتدة حول عنقه أحدهم يقول: كلب ممتاز والآخر يطلق عليه لقب نمر.
وتكاثرت الكنايات على ألسنة الجميع، حاول الحديث معهم، ضاعت كلماته وسط الزحام.
يجرى مسرعًا نحو اللافتة المرفوعة على الجانب الآخر من الطريق، قدماه تتعثران فى قطعة صلبة على الأرض، قلمه يقع إلى جانبه على الطريق.
عربة بيضاء تحمله فى داخلها وتذهب به بعيدًا عن اللافتة.
يغلق عينيه مرة واحدة.
المحقق يبحث عن شخصيته..
يمد يده، يخرج أوراقًا كثيرة..
يقرأها متعجّبًا ويصيح:
كان يصلح أن يكون فنانًا.