الإثنين 28 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

المتألقة.. «إبداع الكلمة وتوهج الرسم» سناء البيسى تتجلى فى معرض استعادى

سناء البيسى
سناء البيسى

- الحصان يحتل مكانة محورية فى لوحاتها وتصفه بأنه «فارس اللوحة» ليس بوصفه مجرد كائن بصرى ذى حضور جمالى بل باعتباره رمزًا متجذرًا فى ذاكرتها ووجدانها

أطلّت سناء البيسى على جمهورها من نافذة الفن التشكيلى مرة أخرى بعد أن اقتربت منه عبر نافذة الكتابة، ففى أمسية فنية شهدها جاليرى «بيكاسو إيست»، بالتجمع الخامس، فُتحت أبواب المعرض التشكيلى «إبداع الكلمة وتوهج الرسم»، وكان لافتتاحه طابع احتفائى يشبه ما يُقام لتكريم رحلة كاملة ومسيرة استثنائية.

حضر رجال فكر وصحافة وفن، وكان من بينهم عبدالصادق الشوربجى، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، ومحمد فايز فرحات، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، والمفكر مصطفى الفقى، والكاتب محمد سلماوى، لكن الحضور الأهم كان على الجدران لتسعين لوحة تمثل استعادة لمسيرة أدبية وفنية بارزة. 

جاءت سناء البيسى، الصحفية التى تمرست على الكلمة، من خلال معرضها الاستعادى، الذى يستمر حتى الثامن من الشهر المقبل، لتؤكد أنها لم تغادر الفن قط. تلك العلاقة الأولى التى ربطتها منذ الصغر بالحُصان، وباللون، ورافقها من مكتبها فى «أخبار اليوم» إلى مقعدها فى «نصف الدنيا»، صار اليوم ماثلًا فى لوحات تعرضها باعتبارها صاحبة مشروع بصرى ناضج ومتكامل.

تفيض لوحات البيسى بانفعالات مكثفة، تُبقى أثرًا إنسانيًا يقود العين والقلب، فهى تنقل من خلال اللون الرؤية التى طالما صاغتها بالكلمة؛ رؤية تحنو على التفاصيل، وتُعلى من قيمة الشعور، وتفتح النافذة على ما خلف المشهد. من هنا يمكن اعتبار اللوحات الماثلة على جدران المعرض بمثابة تاريخ شخصى ومهنى، تداخلت فيه الصحافة والكتابة مع الفن بما يجعل سناء البيسى كمن يكتب بريشة أو يرسم بقلم.

تأتى لوحات البيسى لتنقل أصداء زمن كامل مشحون بالحكايات، أو تلتقط زاوية من حلم قد تعجز الكلمات عن الإمساك به. وربما يحضر الحنين من خلال عدد من الموتيفات، مثل الحصان، الذى يمثل استعادة لفترات براقة من العمر ولّت، فيعود أشبه بكائن أسطورى يتنقل بين العوالم؛ من الطفولة إلى النضج، ومن الصحافة إلى الفن، ومن الأرض إلى الحلم. يتأمل زائر المعرض الحنين إلى الصفاء والمعنى والجمال الذى لا تشوّهه العجلة أو التصنّع، فكل لوحة تصرّ على التمهّل والتأمل، وعلى العودة إلى الجذر الإنسانى الكامن فينا. 

فى حديثه عن لوحة «طواف»، التى تمثل أحدث أعمال سناء البيسى، يكتب الفنان فريد فاضل: إنها لوحة تستند إلى جذور ضاربة فى عمق الحضارات، لكنها فى الوقت ذاته تنظر إلى المستقبل برؤية تنفتح على اللا نهائى. 

يشير فاضل إلى حضور اللون الأصفر فى خلفيتها، والذى يبعث دفئًا يوازن برودة الألوان الأخرى، كما يفصل بين الظلمة والنور فى المشهد. ويرى أن الحركة الدائرية البطيئة التى تتجلى فى التكوين تمنح المتلقى فرصة للتأمل، وتفرض إيقاعًا داخليًا متناسقًا مع الإيقاع البيولوجى للجسد.

أما الفنان عصمت داوستاشى فيتوقف أمام معالجة البيسى لمشهد الطواف حول الكعبة المشرفة، واصفًا إياه بالطرح المختلف الذى يمزج البساطة بالجمال، كما يلفت إلى الطريقة التى استخدمت بها عين الطائر لتصميم المشهد، إذ تتوسط الكعبة اللوحة المربعة، فيما تحيط بها دوائر حلزونية أشبه بممرات ترمز لحركة الطائفين، الذين تظهرهم بالملابس البيضاء وسط تدرجات لونية تتراوح بين الأزرق فى الممرات والأسود فى خلفية اللوحة، فى استدعاء رمزى لمركزية الكعبة بوصفها قلب العالم.

ويشير داوستاشى إلى أن معظم لوحات البيسى كبيرة الحجم، وهو ما يعكس جهدًا واضحًا وحضورًا بصريًا كثيفًا. ويرى أن أعمالها تقترب فى روحها من نسيج «الجوبلان»، فى دقّتها وحرصها على التفاصيل. 

ويتتبع داوستاشى مسيرتها عبر مراحل مختلفة، بدأت من التجريد العربى فى معرضها الأول عام ١٩٧٢، مرورًا بلوحات المرأة التى تميزت بجماليات لونية وموسيقية، ثم الوجوه النسائية التى رسمتها بأسلوب تعبيرى يميل إلى الحزن، وكذلك رسوم الحصان العربى، فضلًا عن لوحات تتنوع بين الزخم الزخرفى أو التبسيط الشديد، كما فى عملها عن الحمام.

فى حديثها مع «حرف» تقول سناء البيسى إن الحصان يحتل مكانة محورية فى لوحاتها، وتصفه بأنه «فارس اللوحة»، ليس بوصفه مجرد كائن بصرى ذى حضور جمالى، بل باعتباره رمزًا متجذرًا فى ذاكرتها ووجدانها. منذ الطفولة وهى تركب الخيل وتأنس له، فارتبطت روحها بعالمه، حتى صار أحد أبطال عالمها التشكيلى. لا يغيب الحصان عن أعمالها، لأنه يشكّل فى نظرها تعبيرًا عن القوة والانطلاق وحرية الروح.

وترى البيسى أن هناك ما يشبه الثبات فى ملامح لوحاتها، رغم تغير الموضوعات وتبدل الألوان. تقول إن تطور التجربة بدا واضحًا فى اتساع المساحات التى تشتغل عليها، وفى استخدامها خامات مثل الألوان الزيتية، التى تمنح اللوحة صلابةً وعمرًا أطول. وهى تفضل الزيت لأنه يحتفظ باللون ويصمد أمام الزمن.

وعلى صعيد الموضوعات، تتوقف البيسى عند لوحتيها الأحدث «طواف»، و«العودة»؛ ففى الأولى رؤية تشكيلية مغايرة لمشهد الطواف حول الكعبة، أما اللوحة الثانية فتلتقط مشهد عودة أهالى غزة محاطين بمزيج من زرقة البحر وأطلال الحرب.

وتحضر المقارنة بين الكتابة والرسم فى حديثها، إذ تصف الكتابة بأنها مجهدة وتتطلب تركيزًا، لأنها تتعامل مع المعنى والدقة والمعلومة، بينما يمنحها الرسم مساحة للتنفس والتأمل. تقول: «الرسم إجازة لروحى، أما الكتابة فهى معاناة ذهنية متواصلة». 

ترى البيسى فى الألوان عالمًا حرًا، لا تقيّده اللغة، وتؤكد أنها حين ترسم تشعر بأنها تتنزّه داخليًا، وتدخل فى علاقة مباشرة مع الشكل والحس والحركة.

وتشير كذلك إلى شغفها بالطيور، وحرصها على حضورها فى العديد من أعمالها، إذ ترى فيها رمزًا للرشاقة والانفلات من القيد. ولعل هذا الشغف جزء من نظرتها العامة للفن بوصفه محاولة دائمة للتحليق فوق التفاصيل اليومية. 

ولعل وصف الفنان حسين بيكار تجربة سناء البيسى فى معرضها الأول يعكس بصدق جوهر أعمالها الظاهر فى معرضها الاستعادى، فما زال الخيال المرن الذى وصفه ممتزجًا بالحساسية الفنية والطيف الطفولى مانحين إياها عفوية تعبيرية وطاقة متجددة.