الثلاثاء 01 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

المظلوم الأبدى.. صفحات من حياة الروائى محمد عبدالسلام العمرى

محمد عبد السلام العمري
محمد عبد السلام العمري

- مات العمرى ولم ينقطع أدبه ولم تتوقف كتاباته فبعد وفاته صدرت روايته «مسيرة الأكفان»

- فى ثورة اندفاعه قابله الجند الذين قبضوا عليه وأودعوه سيارة لهم

- الغزالى طعنه فى دينه بعد نشر قصته «بعد صلاة الجمعة»

- محمد عبدالسلام العمرى كان يؤمن بأهمية الأدب وكونه وسيلة لجعل الحياة أفضل

- لا تزال أعمال محمد عبدالسلام العمرى موجودة لكنها مهجورة تمامًا

هذا كاتب لا يعرفه كثيرون، جرب واسأل عموم قراء الأدب فى مصر عنه. 

قل لهم: ماذا تعرفون عن محمد عبدالسلام العمرى؟

لن تجد لديهم قليلًا أو كثيرًا يمكن أن يتحدثوا به عنه. 

عاش محمد عبدالسلام العمرى 66 عامًا، ولد فى إيتاى البارود بالبحيرة فى 29 أكتوبر من العام 1944 ومات فى 14 يوليو من العام 2010، قضى منها فى تغريبة مهنية ما يقرب من ثمانى سنوات، فقد عمل بالمملكة العربية السعودية بين العامين 1976 حتى العام 1984. 

تخرج العمرى فى كلية الهندسة فى العام 1967، وظل لعشر سنوات هنا فى مصر فى محاولات لكسب عيشه كمهندس معمارى، لكن ولأنه لم يجد ما يضمن له الحياة التى يريدها، فقد قرر أن يجرب السفر، وهو سفر المضطر مثله فى ذلك مثل ملايين المصريين الذين تغربوا ليس حبًا فى الغربة ولكن إجبارًا عليها. 

بعد عودته وخلال الستة عشر عامًا التى قضاها العمرى فى مصر قبل وفاته، قرر أن يهب الأدب عمره، ولأن التجربة التى خاضها فى غربته كانت قاسية، فقد قرر أن يكشف ما وجده من عنت ومشقة وقهر، فجعل من الممالك الخليجية أرضًا لمعظم رواياته ومجموعاته القصصية التى بدأت بمجموعته «إلحاح» التى صدرت فى العام 1987. 

توالت مجموعات العمرى القصصية، فصدرت «شمس بيضاء» و «إكليل من الزهور» و«بستان الأزبكية»، كما صدرت له روايات هى «اهبطوا مصر» و«صمت الرمل» و«مأوى الروح» و«قصر الأفراح» و«الجميلات». 

لم ينس العمرى دراسته وتخصصه وعمله، وبروح الأديب أصدر كتابين مهمين هما «عمارة الفقراء أم عمارة الأغنياء.. دراسة فى عمارة حسن فتحى» وكتابه الأخير الذى أصدره قبل وفاته وهو «عمارة الأضرحة»، الذى صدر عن سلسلة «كتاب اليوم»، وتناول فيه بالبحث والدراسة عمارة عدد من أشهر الأضرحة فى مصر. 

فى تراث العمرى كذلك كتاب مهم هو «ثقافة الهزيمة»، الصادر فى العام 2005، وهو مرثية عظيمة لما وصلت إليه أحوالنا الثقافية، وأعتقد أنه لا يزال صالحًا للقراءة والاعتبار حتى الآن.

مات العمرى ولم ينقطع أدبه ولم تتوقف كتاباته، فبعد وفاته صدرت روايته «مسيرة الأكفان» التى كان قد انتهى من كتابتها أواخر العام 2009، وتنبأ فيه بثورة 25 يناير، ورسم من خلالها بعض المشاهد التى وقعت فى أيام الثورة، وكأنه كان يراه رأى العين. 

تقاطعت مع العمرى فى أكثر من مفصل، مرة بالمتابعة ومرة بالتورط فى مواجهاته التى شكلت حياته. 

أما المتابعة فكانت لمعركته الشهيرة التى تعاقبت أحداثها بعد نشره لقصته القصيرة «بعد صلاة الجمعة» فى جريدة الأهرام فى 19 يوليو 1991، وهى المعركة التى بدأت بطلقة تكفير من الشيخ محمد الغزالى، عندما كتب له مهاجمًا ومكفرًا، وتوالت الردود والمساندة والدعم. 

أما التورط معه فكان على هامش روايته الموسوعية «الجميلات» التى وصلت به إلى محكمة الجنايات، وبعدها تعرفت عليه وسمعت منه ما كشف به مرارته من الوسط الثقافى الذى لم يكن ينزله المنزلة التى يستحقها. 

هنا لن أحدثكم عن محمد عبدالسلام العمرى فقط، ولكن سنظل معه فى بعض تجلياته الأدبية، من خلال دخولى إلى عالمه الروائى الواسع، ثم من خلال إعادتى لنشر قصته «بعد صلاة الجمعة» ولتفاصيل المعركة التى دارت على هامشها، أفعل ذلك وأنا أتحسر على ما نضيعه من بين أيدينا من قيم وقمم أدبية، نهدرها دون أن ندرى أننا نفرط بسهولة فى قوتنا الناعمة التى هى أهم وأعظم ما نملك. 

القصة: بعد صلاة الجمعة

هكذا بدا مَيْدان بَرْحة القزَّاز صباح يوم الجمعة. يندفعون إليه واحدًا إثر الآخر بجلابيبهم البيضاء والغُتَر الحمراء المتوه بالعِقَال والشوارع المحيطة حتى امتداد الشوف خالية من الأشجار والهواء، وقد أغلقت الشوارع المحيطة بالبَرَحة الحواجز الحديدية الثقيلة ذات الألوان البيضاء والحمراء. ورغم أنه بداية يوم جديد إلا أن نار الشمس الحارقة تُسيطرُ على الميدان والشوارع سيطرة كاملة، وتحيلُ المنازل المجاورة إلى اللون الأبيض الذى لا يستطيع أحدُ أن يفتح عينيه فيه، أثناء ذلك ترسل الأزقةُ الضيقةُ صَهْدَهَا الكامن عبر منازلها القديمة فتساعد فى اكتمال دائرة الحَرْقِ. ليلة الأمس وهو ممددُ يستمعُ إلى نشرة الأخبار فى التليفزيون نبَّه المذيع وهو ينظر إلى المشاهدين بغيظٍ وتشفٍ إلى أن هناك إقامة للحدود ستنفَّذُ غدًا الجمعة فى عدة مدن. استمع أثناء انكماشه إلى اسم برحة القزاز فى المدينة التى يعمل بها. لقد جاء إلى هذه البلاد منذ فترة واستمع كثيرًا لتفاصيل إقامة الحدود لكنه عندما يقِّرر مشاهدتها ويحين وقت التنفيذ يُحجمُ عن الذهاب خاصة بعد أن رأى السياف وتعرف إليه وقَبل عزومته وأعضاء مكتبه، وأتيح له أن يرى الرعب قائمًا فى منزله. ومنذ مجيئه الذى مر عليه حَينُ من الدهر وأيامه تمر على وتيرة واحدة، ليس بها جديدُ، وإذا ما غادر تلك البلاد لن يحمل لها إلا ذكرى تطاير وبر الخيام، وذكرى الأعداد والأرقام، وحياة البدو الرُّحل الغليظة، وأفكارهم الشكَّاكة، وستبدو وكأنها ذكريات متعثرة لأزمنة غابرة يصعب الإمساك بها بسبب رمل الصحارى الذى ترسب على ذاكرته. وتساءل عما دفعه هذه المرة إلى الإصرار على مشاهدة إقامة الحدِّ الذى سيقصون فيه رقبةَ شابٍ حُكم عليه بالموت، ساعد فى ذلك وجود السيّاف فى مكتبه الليلة، فستعد ونام فور انتهاء برامج التليفزيون لأن عليه أن يأخذ مكانه فى الصفوف الأولى ليتمكن من مشاهدة تنفيذ تلك الطقوس كما أخبره زملاؤه، يسكنون معه منزلًا استأجره لهم كفيلُهم، يعملون لديه، اتصل به منذ مدة وأوصاه على رجل هام قادم إلى المكتب الآن، عندما دخل أزاح الهواء وضغطه بجسده العريض وطوله الخرافى فحَجَبَ لوهلة الإضاءة الكهربائية المنبعثة من السقف، وتنبه هو الجالس إلى ترابيزة الرسم لنظرته الحادة، القلقة والبغيضة، وإلى وجهه الأسود اللامع البريق فاسترجعت ذاكرته صورًا من عصور قديمة، وتساءل كيف دَخَل هذا الجل من هذا الباب؟ فالمقاييس الإنسانية المتعارف عليها هى التى أقَّرت نظريات العمارة، وحددت ارتفاعات الأبواب والشبابيك وعروضها، لكن قامة هذا الرجل وعباءته البنية الخفيفة فوق جلباب أبيض يُضفى عليه رهبةً خاصةً، تعلو رأسه الفترة الحمراء المزركشة بالأبيض يعلوها العقالُ، نبهته إلى ضرورة رعادة النظر فى كل المقاييس. ألقى الرجل السلام جالسًا دون استئذان، وبدأ يفك حزامه الأسود العريض الذى بات من الصعوبة على بطنه تَحَملُه، ظهر فى جانبه مقبضُ خنجر مقوس مشغول بالذهب والفضة. هو الجالسُ إلى مكتبه لم ينتبه إلى الآخر الذى جاء معه، يقفُ فى تراخ ممسكًا بعصا خيزران رفيعة تنتهى بمهماز، أبدى الرجل رغبته فى عمل خرائط التصميم المعمارى لأرض فلته الواقعة ضمن مخطط الأمير الذى منحها له كهبة بصفته السياف الملكى للمدينة، وهو على قدر ما شرح الرجل بتأنٍ واضح استطاع أن يفهم طلباته. والشىء الذى لم يستطع المعمارى استيعابه أو فهمه هو رغبته فى بناء حظيرة للطيور والدواجن فى الحديقة التى اقترح مساحة كبيرة جدًا لها لا تتناسب مع المساحة الكلية وتؤثر على التصميم المعمارى الذى يريده. هذا أول طلب من نوعه منذ أن قَدم بيديه أحد ويرغبه ودر استطاعته تخَيل مكان تلك الحظيرة حتى لا تتعرض مع قوانين البلدية، ثم اتفقا على كل شىء، وميعاد آخر ليرى الرجل التصميم ويوافق عليه. الرجل البدوى الفطرة لاحظ دهشة المعمارى من طلب مكان لحظيرة الدواجن فدعاه وأعضاء مكتبه على الغداء فى منزله، ناقش المعمارى ذلك مع الرجل وزملائه وأفاضوا فى المناقشة واكتشفوا أن الساعة قد جاوزت العاشرة وعليهم غَلق المكتب والنزول حتى لا تتعرض لهم الدوريات اللاسلكية، ويُطْلَب منهم تصاريح المرور ليلًا، ونبه زملاءه إلى أهمية الاطمئنان على إذن الإقامة الخاص بكل منهم. بَرَحَةُ القَّزاز ساحة كبيرة ملحقةُ بالمسجد الجامع، تم تصميمُها بحيث يستطيع رجال الأمن التحكَم فيها فور سد الطريق حولها، ورأى أثناء قدومه عديدًا من سيارات الشرطة التى أخذت مواقعها فى أماكن عدة، وانهال الغزو التلقائى للجلابيب البيضاء التى تترى، وتأخذ فى تؤدة مواقعها منبسطة الأسارير ضاحكة الوجه متبلدةً وباردة الأحاسيس. الخناجرُ المعلقة بأحزمة أوساطهم تَّذكره بتلك الغرفة القديمة التى رآها فى حديقة منزل السياف بجوار حظير الدواجن والطيور والخرفان، ففور أن وطد السيافُ عَلاقَتَه بهم سمح لهم بزيارته فى منزله القديم، وكشف عن تلك الغرفة المليئة بالخناجر المقوسة اللامعة والصدئة لصديقه المعمارى، لاحظ السيوف المعلقة بأطوالها وأحجامها المختلفة والكثافة الثقيلة لحديد سلاحها، وتطلع مذهولًا محاولًا أن يمسكَ أحدَها فلم تُسعفه قوته وساعده الرجل فى تثبيت السيف مكانه. ينظر إلى زملائه الذين يتناوبون النظر بإمعان إلى الخناجر المعلقة الدقيقة المُطعمة بالذهب والفضة والجرابات المصنعة منها، والمطعمة أحيانًا بالأحجار الكريمة التى انطفأ بريقُ لمعانها. وفى أحد السيوف لاحظ بقايا دماء وضبط ارتعاشة أطرافه واصطكاك أسنانه، ولم ينتبه أحدُ من الجمع المحتشد لذلك، واستمد طاقته من الأجانب الموجودين على مبعدةٍ منه، وتأكد أيضًا أنهم يستمدون مقاومتهم منه. بقيت مدةُ على إقامة صلاة الجمعة، وكلما مر وقت ازداد ضغط كثافة الجلابيب البيضاء النظيفة والزاهية والفرحة، ورأى البعض منهم على مبعدة يهرولون ويسندون عقالاتهم بأيديهم، وعلى مسافة أبعد قليلًا لاحظ المطوع الملتحى ماسكًا بالعصا رافعًا إياها فى الهواء داقًا أبواب المحلات فيسرع أصحابها إلى غلقها، حينئذ يعرفُ أن ميعاد الصلاة قد قرُب، ورأى أحدَهَم يتلقى ضربًا على مؤخرته جاريًا محاولًا إغلاق محله، تلفح شمسُ يومهم الوجوه فيتناسون فى زحام رغبة مشاهدة أخاديد العرق وضربات الشمس. حاول أن يشبَّ على أظافره حتى يقبض على الهواء الذى تعذَّر وجوده رافعًا رأسه إلى السماء تجوبُ عيناه المكان الذى قفزت منه يدُ مقطعة ومعلقة على عمود الإضاءة القريب منذ يوم الجمعة الماضى تتأرجح بفعل الريح العالية غير الموجودة، ورأى أن اليد منكمشة. وضامرةُ، وتبدو من تكاثر الذباب عليها كأنها بقايا جيفة يحوم حولَهَا حتى يتمكن من إيجاد مكان له عليها. والحواجز الحديدية تحتجزُ عشرات السيارات فى كل اتجاه، والمنازل المحيطة بشرفاتها مليئة بالناس وأصدقائهم، وكلما مر الوقت تأتى طوفانات إثر أخرى من الناس الحليقى الذقون، يبرز شعر رءوسهم الأسود الناعم بصورة لافتة من غتراتهم، تفوح منهم روائحهم العطرة الناعمة، يهمسون بالأحاديث الطرية المخنثة، وتبدو همساتهم موحية، وقد بات واضحًا من الجمع المحتشد أن ناس المدينة وقراها قد جاءوا جميعًا ليشاهدوا، ويضيفوا يومًا جديدًا لأيامهم وذكرياتهم، قبل أن يأتوا إلى البرحة التى يأملون أن يحجوا إليها أسبوعيًا يجوبون السوق المجاورة، فيشاهدون باعة الصقور المغطاة رءوسها، وهو يقف أمام تراث السلطانيات الخشبية المصنوعة خصيصًا للبن النوق والمحلاة بالنحاس الأصفر والفضة، ومقاساتها الصغيرة والكبيرة. تدفعه الجموع فيندفع، وتتراخى فيتراخى، وأضحت محاولة الخروج من هذا المكان ضَربًا من العبث فانصاع لمصيره بفعل الصَبْر الذى تعلمه من دراسة العمارة الذى حقق له الامتياز على دفعته، وهُيئ له أن المكان ملىء بالخناجر والسيوف، وأن أغَلَبَها خناجرُ مقوسةُ مثلومة النصل تسيطر دقة الصنَعْة وفنيتها عليها. ولم يشغله هذا الزحام عن أن يشاهد باهتمام وتركيز اثنين من العسكر قد قبضا على أوروبى مختبئُ يخرجانه بعنف ووحشية، وفى جهة أخرى لاحظ أنهم قد قبضوا على آخر مخبئًا إحدى الكاميرات فى جيب جلبابه الأبيض الواسع. لا تبرح مُخيلته وقائع تلك الزيارة التى قام بها وزملاؤه لمنزل السياف والتى بات عليه أن يحملها عبئًا ثقيلًا على كاهله كلما واتته فرصة الاستيقاظ والانتباه، ولم يكن البيت الشعبى القديم منفصلًا عما يحتويه، إذ أن واجهاته الخارجية تبدو للناظر من بعيد كأنها واجهة لسجن من العصور القديمة، وكانت أخشاب سقفه تئن أنينًا موجعًا، وخيل إليهم أن أرواح القتلى الذين أريقت دماؤهم جاءت الآن لتشتكى وتنتقم، وأنهم يكادون أن يشاهدوها من بين شقوق وتنميلات المنزل القديم. تأتيه وهو مازال واقفًا لهول ما ورّط نفسه فيه الرائحة الزنخة لزرق الطيور اللزج الدافئ المنبعثة من الحظيرة، وتمر على مخيلته الأوعية النحاسية والفضية وأباريق القهوة المتناثرة والمتراص بعضها على بعض، والتى فَقَدَت بريقها بسبب التراب الذى تجمع عليها لمدة طويلة، فأخذت شكلًا متسقًا خارج الخزين المجاورة للحظيرة وداخلها. عندما جاءوا لاحظوا جميعًا أن المدينة مليئةُ بالأسواق والمحلات الكثيرة والمتعددة للدجاج الذى تدعمه الدولة، ولم يستوعبوا هرولة الرجل واقفًا ومُقعيًا، جاريًا ولاهثًا يُحضر المياه والحبوب للدواجن التى يمكن الحصول عليها جاهزة بسهولة. وعندما ذهب ليطمئن على إعداد الغذاء فتح أحدهم بابًا آخر مجاورًا للحظيرة فصفعتهم رائحة لجِيف العفنة والنتنهة الزَنَاخَة التى اندفعت، والمنظر البشع لجثث الدجاج المكومة بكميات هائلة، والديدان التى تتنطط وتشفى. لقد بدت كمقبرة جماعية لمزرعة دواجن أصابتها الكوليرا فقضت عليها جميعًا. ظهرت الرءوس المكومُة على جانب منها فاغرة أفواهها إلى السماء بتوازٍ رأسيًا وأفقيًا مستنجدة فى صمت الموت متأهبة للصعود. وبدا لهم منظر الدجاج الهرمى المتدرج فى فوضوية بألوانه البيضاء المكتسبة ألوانًا أخرى صفراء وسوداء متداخلة منظرًا طاردًا وجاذبًا للروح متدثرًا بها، وما لبثت تلك الروائح أن رجَّت أمعاءهم. قلبتها بأسرع من استعدادتهم لتجاوزها وبدا منظر التقيؤ وقذف ما فى جوفهم باعثًا على الشفقة والقرف والهروب ولم يستطيعوا غلق الباب فانكفأوا على أنفسهم. جاء السيافُ الضخمُ الجثة مسرعًا إثر اندفاع الروائح الكريهة وانتشارها فى الهواء الذى اخترق التنميلات والشقوق وشيش الشبابيك المفتوح زجاجها، والذى من خلاله تتمكن نساء الرجل من النظر والتمعن فى ضيوفه ويشفين غليلَهُن من الفتحات المُوصدة. ومع اشتداد حرارة الشمس يوم القصِّ الذى بدا أن ليس له نهاية تأتى الرائحة الثقيلة للموتى كأنها الغراءُ الساخنُ المختلطُ بالثوم والبهارات الحارة، لتثير الأعصاب المنتظرة والمتوترة وتلفح أفواههم تلك الروائح التى تهب من المدافن التى لا يفصلها عن برحةٍ القزاز إلا شارع وامتدادُ سوق الخضار، ومبنى صغيرُ منعزلُ يسمى الشرشورة معدًا إعدادًا خاصًا لاستقبال الموتى وغسيلهم قبل الدفن. ومن الخلف أمام مستشفى الملك تأتى إليهم روائح قنوت صرف المجارى الراكدة والمفتوحة والتى يتكاثر عليها الذبابُ والبعوض والديدان، والحشراتُ الطائرةُ والزاحفةُ والتى يكَثر الأولاد فى بعض الأحيان من الخوض فيها. وقد لاحظ رغم ما يعتريه من خوف ورعب توقع المشاهدة الأولى نسبة كبيرةً من الوجوه السوداء والسمراء التى ترتدى الزى الوطنى لهذا البلد، وخَطَرَ فى ذهنه أنهم ربما جاءوا لتشجيع هذا السياف الأسود المهيب، والذى يراه فى حالة هياج شديد يحمل سيفه فى حديق منزله لابسًا كامل ملابس الخروج التى يلبسها يوم الجمعة رائحًا وغاديًا فى الحديقة منتظرًا ومستمعًا لصوت الميكروفون الذى يمِّهد للقصِّ. فقبل صلاة الجمعة بوقتٍ كافٍ قام بتكثيف أعداد الدجاج الذى يرى دمه كافيًا وشافيًا والذى يصيح ويفرد أجنحته مستنجدًا فى خوف جماعى، والذى أضحت قرقرته رعيًا واستنجادًا. وعندما يستمع خياله لنداء لا إله إلا الله، محمد رسول الله يقوم برصّ الدجاج، بعضه بجوار بعض، بواسطة حبلين متوازيين، الأول لسيقان الدجاج وأجنحتها، الآخر لمناقيرها والذى بواسطته يستطيع أن يشد رقبة الدجاج ويجعله مرتفعًا وثابتًا، يبعد الدجاجة عن الأخرى بمسافة لا تقل عن متر يشد حباله بين سورى الحديقة المتوازيين بواسطة الحلقات الحديدية المثبتة فى الحوائط يفتحُ الشبابيك لنسائه وأولاده، ويصيحُ صيحاته الهستيرية مستشهدًا، ومكبرًا، وتندفع شبابيكُ الجيران المطلة على حديقته، ويرى الوجوه التى تبص فى تراخ وانتظار. وعندما يرى كومة من الأولاد والرجال ينتظرون على باب حديقة منزله يفتحه لهم، وهم قد تعودوا النظر وعدم الدخول. بسكينته الفضية اللامعة والباترة التى ما يفتأ يسنُها على الحجر المُعدِّ خصيصًا، يقوم مؤديًا طقوس الذبح الجماعى رافعًا يدهُ مُبعدًا بين ساقية قاصًا بتؤدة وهدوء وإحكام شديد رقبة الدجاجة الأولى التى يندفُعُ دُمها ضعيفًا وواهنًا. ترتخى رقبتُها إلى أسفل فى استسلام ومذلَّة، فتتساقطُ دماؤها تحت ثقل جسدها المعلق من الجناحين والساقين بالحبل الذى ينفك ويَنَسابُ ويهدأ. ثم يتركها إلى أخرى فتتصاعد صيحات الخوف المجلجلة وصرخات الاستغاثة الجماعية، ويأخذ بعد الانتهاء من مهمته فى قطف الرؤوس من الحبل الأول الذى ما زال مربوطًا مرتخيًا ويضعُها فى الشنطة البلاستيكية المخَّرمة الصغيرة. ويضع جثث دجاجه الملوث بالدماء فى شنطة أكبر من الأولى ثم يفتح باب مخزنَه المجاور بتأن واضعًا الرؤوس فى الجانب المعد لها بطريقة عشوائية، وفى الجانب الآخر يقذفُ تلك الجثث النابضة لتتلقفها فى مودةٍ وشبقٍ جثث الدجاج القديمة. يرى رءوس الدجاج تنتفضُ. وتعتدلُ، وتتوازى متجاورةَ صانعةً خطوطًا متسقةً مع الرءوس القديمة ناظرةً إلى السماء فاغر أفواها داعيةً ومستنجدةً. يزيل آثار الدماء من الحديقة، وتختلطُ الروائحُ العطنةُ المنبعثةُ من مخزن الدجاج من الروائح النتنة للأماكن المحيطة بالموقع، وتؤكدها رائحة هذا العرق التى لا تطاق، المنبعثة من الأجساد حوله فيحترق فى وقفته بلظى القيظً الذى أفسدت هواء تُلك الروائح والذى يسلب الأنفاس ويرج الأمعاء. ينتبه إلى الصمت الذى رانَ، وإلى الحركة غير العادية فى الطرف الآخر للبَرحَة بجوار المسجد مباشرةً، فقد تغير الميدان فجأة، فبالإضافة إلى الجنود الموجودين فيه تدفقت أعداد أخرى كثيرة. وتوالى قدوم السيارات فى الشارع المخصص لها وبان واضحًا فيه السيارات الأخرى الخاصة بالإسعاف والقاضى، وانزوت على مَبْعدَة فى ركن سيارة الأمير المجهزة بدائرة تليفزيونية مغلقة. من موقعه المضغوط فيه ضغطًا محكمصا رآهم يدفعون الصفوف الأمامية محاولين إبعادهم. يرتجُ على أثره الجمعُ فى الخلف الذى علا صحبه وهَاج بصوت مكتوم إلى الداخل، أنَبَت زومًا جماعيًا غير واضح المعالم، وبَدَتْ أصواتهم متآلفة مع أصوات قادمة من مزارع الخنازير لم يستبن كلمة واحدة مُحددة. وظهرت المساحة الخالية من الناس التى سمحت بمرور السيارة التى جاءت مخترقة طريقها وسط سيارات الشرطة بتؤدة متوجهة إلى وسط الميدان الذى توقفت فيه بتأنٍ ونعومةٍ. بان للناظر عن قرب الرشاقة التى قَفَز بها السيافُ من الخلف، ورأى حزامه الأسود العريض المخَّرم حول صدره والنطاق المحمَّل بسيفه حول الوسط، وعلى قدر معرفته به لم ير قبل الآن على وجهه كل علامات الفَرَح والسعادة هذه، ولم يحاول الفهم لأن الرعب الذى انتابه والقشعريرة قربا المسافة بين الذهول والجنون حتى اختلطا تمامًا، وكاد يُغمى عليه أو ربما أغمى عليه دون أن يعى أو يحس أحد من هذا الجمع به فالصخب وثبات وقفته بفعل ضغطهم عليه من جميع الجهات أذابا كل إحساس واهتمامٍ. ولم ير إلا علامات الرضا والبهجة على وجوههم التى لا شىء يؤرقها مطلقًا، وفرحة المشاهدة التى انتظروها وبات تحقيقها وشيكًا. أدرك بضغينة وكره لنفسه لم يعهدهُما من قبل أنه أوشك على مشاهدة الذى سمع عنه كثيرًا ورفض المشاركة فيه وأنه سيرى قص رقبة إنسان علنًا، ولعلن الفكرة والذين شجعوه على ذلك، والسبب الذى جاء من أجله هذا البلد، وبات الخروج من هذا المأزق قبل تنفيذ الحكم ضربًا من الجنون، عاقبته وخيمةُ لمن يحاوله. تنامى إلى سمعه همهماتُ وتأييدُ كما يحدث فى سباق رياضى له مريدوه ومشجعوه وهو وَحده الخصم الوحيد فى هذ الخضم وربما هناك كثيرون مثله من الأجانب الذين لا يظهر منهم أحد، وعلت الأصوات والدق بالأرجل والصَخَب المستطير، ثم استحال الهديرُ إلى غليان متفجر بالفرح والتهليل، وعندما نزلَ المتهم ابن التاسعة عشرة خَيَّم صمت القبور على الجميع إلا أن العيون التى أتيح له أن يراها كانت تبظ من مآقيها فى متابعة نزوله وحركاته. فرأى يديه واضحتين فى قيدهما من خلفه وعينيه مغماتين بعصابة سوداء محكمة الربط، وشعر رأسه محلوقًا، وجلبابه الأبيض مكرمشًا ومتسخصًا ورآه سلس القيادة وديعًا، ولم يسمع خَطبةَ الجمعة التى ترج المكان وتنتقم منه، والتى على إثرها نُودى لإقامة الصلاة فركع كل فى مكانه، وبدا للمشاهد أن كل هؤلاء المكدسين بعضهم فوق بعض لم يأتوا لإقامة الصلاة أو لمشاهدة قطع الرقبة، وإنما جاءوا هكذا للالتصاق بذويهم والصلاة فوقهم، وعندما انتهت الصلاة انتشل من غرف محقق أنهك فيه وكتم نفسه. وبلا إرادة التفت إلى الخلف فرأى مستشفى الملك المجاورة لعمارة السبيعى العالية فلاحظ الشرفات مكتظة عن بَكرة أبيها بالرجال والنساء الممنوع وجودهن فى البَرحة، ورأى الغل والنظرات تَعبَر كل الحواجز والعوائق وقنوات الصرف الصحى المكشوفة، وبانت للعيان الخيوط الخفية والقوية من السلوك اللامرئية، إذ وضحَ أن كلًا منهم وضع قوته فى نظرته والذين لا تسعفهم قوة إبصارهم خبأوا النظارات المكبرة والكاميرات التى يشاهدون بها المنظر من خلف شيش الشبابيك بمهارة شديدة خوفًا من الجلَد تسعًا وثمانين جلدة. ورأى الرءوس المحيطة تلف حَوْل محورها برتابة وتلقائية، وتوقفت حركة رقبته عندما رأى تلك المساحات الخالية من برحة القزاز بتركيز وانتباه لأول مرة، إذ وَجد الأرضية مكسوة بالرخام الإيطالى الأبيض الذى يعكس أشعة الشمس، ولا يحتفظ بالحرارة لامعًا ونظيفًا رائقًا إلى حدِّ التشابه مع المرايا، ووجدهم يقتادون الشاب إلى المكان المخصص الذى وقف السياف عنده متأهبا تجوب نظراته المكوكية القلقة والحادة فى خطوط لولبية فى جميع الاتجاهات. السياف الذى لا يؤرق أحلامه إلا الخَلاص من مَهمته ينتظر نتيجة براعته على وجوه المشاهدين، وود لو تُتتاح له فرصة النظر إليهم أثناء قطع رقبة اليوم التى جاءوا بصاحبها الشاب من مقوده باديًا عليه الإعياء والذلة والكَدمات الزرقاء المتورمة، ورأى من مكمنه اثنين من الجنود يحملان قطعة كبيرة من الورق المقوى مساحتها كافية لتمديد الجسد عليها. وأحسَّ من ثقلِ الصمت أنه الوحيد الذى يرى مُساعد السياف الذى سبق أن تعرف به فى مكتبه، وهَّبت مع رؤيته رائحة الموتى التى جاءت مُحملة بالغراء السائح المخلوط بالثوم والبهارات الهندية التى تعافُها النفسُ، وركز بصره أثناء ضغط مساعد السياف على كتف الشاب، وبلا أى مقاومة أو صوت أو إبداء أية حركة ركع تحت ضغط يديه اللتين لم تهتزا ولم تنتابهما شفقة أو رحمة. فلما التفت تلقائيًا حواليه رأى علامات التشفى والانتظار التى تصطلى بصمتها على ملح النار، مرتسمة على الوجوه البادية النعومة والرائقة البهجة وانتبه إلى صوت الميكروفون الذى يذيع آية من آيات الذكر الحكيم ثم الشهادة. إثر ذلك قدم ثلاثة رجال بذقونهم الطويلة المهيبة البيضاء بلون جلابيبهم وأرضية رخامهم وعباءاتهم البيج الخفيفة يمسك أحدهم كتابًا كبيرًا، فتحه بعد سماع الشهادة ليعلن ببطء السكينة المثلومة وبصوت واضح النبرات حُكَمَ القصَاص، ودوى صوت حُكمه فى المكان، وردد الصمت صَدَاه. كأن الصوت قادم من أعماق الجبال والوديان المحيطة وكأن الصمت الثقيل المخيم هو صوت محاكمة يوم القيامة لكن الجمع المحتشد زاد تبلده فلم يأبه للقاضى الذى انسلت من جبينه نظراتُ سخريته واستهزائه، وبدت الرسالة واضحة تمامًا. وَجَدَ السياف الطويل النطع مشمرًا عن ساعده الأيمن القوى وكلوة يده اللحيمة يَبك منها القطران الأسود السائل وعضلات ساعديه مفتولة وبارزة، متناسقة ومرتبةُ، انتزع سيفه من جرابه بحركة سريعة رشيق ومُدربة، فأحدث صوت احتكاك السيف صليلًا وجلبةً وبان أنه ذو حدين، وأن طوله الذى لا يقل عن متر بهر الناس وأثار البهجة فى نظراتهم المشدودة فازدادوا التصاقًا بعضهم بالبعض وبدا السيفُ كالفضة لمعانًا فى ضوء هذه الشمس المركزة التى لا يحس بها أحدُ، كأنه يقوم باستعراض تدرب عليه مئات المرات، فأخذ يجوب المكان بنظراته الحادة والقلقة، ولو تأخرت إشارة البدء قليلًا لأعطاها لنفسه، واستشعر الجمعُ المحتشدة قوة السياف الذى بدا فى وقفته رشيقًا، جامحًا، تملؤه الرغبة القوية فى سفك الدم ومشاهدته مندفعًا، وحركة السيف مع خُطوته الأولى متناسقة فى هارمونية راقص الباليه، وأشار بطرف عينه الجاحظة لمساعده الذى يقف بجوار المتهم ولا يحس به، فور ذلك رفع المساعد عصاه المدببة بسرعة ثم غَرَزَها فى جانبه، ارتفعت على أثرها رأسه المنكسة ثم نكَّسها ثانيةً، فاندفع المساعد وغَرَزَ عصاه فى مكان أكثر حساسية وابتعد ناطًا عدة خطوات. تلك اللحظة لم يترك السياف الفرصة تتخطأه، وحتى لا تكتبُ عنه التقارير تَصمه بالتردد وبأنه غير صالح للجزِّ، فرقص بسيفه عدة رقصات برقيةٍ، وفى لمحة العين التى انتظرها المشاهدون طويلًا، وودوا لو طالت، وهو لم يُعطهم الفرصة للتركيز والرؤية بتشفق، إذ أنه باعَدَ بين ساقيه وأثناء ذلك رفع السيف الثقيل الكثافة اللامع المسنون كحَدَّ الموسى إلى أعلى وهوى بكل ما يملك من طاقة وقوة ليجزِ ويفصلَ رأس المتهم عن جسده. هَجَم رجلُ من الجمع المحتشد فى ثورة قهر عاتية صارخًا بقوة: يا ابنى. . يا ابنى، وفى ثورة اندفاعه قابلة الجند الكثين الذين قبضوا عليه وأودعوه سيارة لهم. أرتبك مساعد السيَّاف إذ لاحظ أن الضربة جاءت تحت الأذنين مباشرةً، إثر ذلك اندفعت لأكثر من مترين نافورة الدم الأحمر القانى من جميع الشرايين والأوردةة، وطارت الرأس التى انتفضت عدة خطوات، وسَرْسَبتَ دمها قدر قوة دفع طاقتها. نطّ الجسدُ واقفًا ثم سقط عنوةً، وتخصَّب جلبابهُ بدمه ورأى الجمع تقلصاته وخوارَه واليد التى تروح وتجيء بقوة فاردة أصابعها زاحفة ببطء بمساعدة حرقة دمه باحثة عن الرأس التى تأتى مقتربة، والسيقان التى تنكمش وتنفردُ، وأصابعها المشدودةُ والمعقوصة كأنها لحظة القذف الجليلة. ولاحظوا فورة الجسد تهدأ، وتقلصاتُه تقلُّ، ودماءه الكثيرةُ تنداحُ، ثم يتككورُ ليستجمعَ قواهَ التى كانت منذ دقيقة واحدة مكتملةً، ثم ينتفض ثانية ناطًا ومتكورًا إلى الرأس التى اقتربت. وخوفًا من أن يتلاقيا ثانيةً ويثيرا الفتنة لفوا الرأس بالشاش الأبيض الذى أضحى دمًا، وكلما لفوه ازدادت دمويته ثم وضعوه هكذا على طرف الترابيزة الشازلونج الزرقاء، ورفع أربعة من رجال الشرطة الجسد الذى انفرد من على الورق المقوى وأخذ وضعه الطبيعى من بركة الدماء، وضموه إلى جوار الرأس على الترابيزة. كان صمتُ القبور ولًذَةُ الفعل فى آن مرتسمين على الوجوه التى بات واضحًا أنها وصلت إلى قمة النشوة والبهجة برؤية الرأس مقطوعًا، والدم نازفًا، وأثناء وضع الجسد على الترابيزة ارتفعت الأصوات مهللةً ومكبرةً راضيةً ومستحسنةً، ورآهم يشيرون إلى السياف الذى أخذ ينظف دمَ سيفه ببقايا شاش القطن الموجود، يحيطه العسكر من كل جانبٍ. نظر إليهم بإمعان واستعادت ذاكرته حديقة السياف الذى ما زال واقفًا وأخذ يعيدُ ترتيب أفكاره، هو الذى تأكد أنه فقد وعيه للحظة بعد أن أفقدته الصاعقة النطق واستمر ذهوله حتى حملوه فى سيارة إسعاف الشرطة والأب أحاطوه داخل السيارة بكردون من السيارات الأميرية. ووضحت معالم تلك الوجوه الشمعية التى لا تظهر أى نوع من أنواع الألم أو المشاعر أو الشفقة، وتأكد أن المسألة قد بدت عادية بالنسبة لهم، وأن مجيئهم للمشاهدة هو شحنة وزاد للأسبوع القادم الذى أخذوا يتساءلون عن نوعية القصاص فيه. ثم تفرقوا فى تلاشق صامتٍ، وبان هدوءهم الذى يلتحفون ويتدثرون به كأنه ثوب من رمالٍ، وتأكد له ذلك أكثر عندما حدق فى بِركَة الدم المُراق التى صار لونها بنيًا ثم متدرجًا إلى السواد، وأضحت جيوش الذباب المختلفة الأنواع والألوان تلعق لزاجته وثقل كثافته تحت نيران أشعة الشمس، واستدعت بأزيزها ما تكاثر منها على اليد المقطوعة التى باتت ضامرةً ومكرمشةً وناشفةً ورأى الأرض الرخامية البيضاء التى اندلق فيها الدم كالفيضان فوجد أنها لا تتشربه. وأنه تختر وبانت سماكته واضحة. وجاءته من الداخل الضربات القوية الظالمةُ التى رجت أمعاءه رجًا وأحسَّ بنوبةٍ من الغثيان والقىء قوية، دفعت معها أعصابُ سيقانه وكتفه ونخاع عظامه الشوكى، وأحس بالدوار والدوخة، وأن الدنيا تظلم وتُضىء أمامه بألوف من الشموس المتوهجة والمنطفئة، وألوانها الطيفية المتداخلة، وفى إضاءتها رأى بروقًا وطوفانًا من النار والظلال.

صاحب القصة.. هل مات محمد عبدالسلام العمرى بالحسرة؟

كان الخبر عاديًا. 

وفاة المعمارى والأديب والكاتب محمد عبدالسلام العمرى. 

مساء ١٤ يوليو ٢٠١٠ وهو فى بيته أُصيب بهبوط فى الدورة الدموية، حاولت أسرته أن تنقله إلى أقرب مستشفى، لكن يد القدر كانت أسرع إليه من سيارة الإسعاف. 

وقتها كانت قد باعدت بيننا السنون والأيام، فلم أكن أعرف عنه ولا عن حالته الصحية شيئًا. 

ورغم أنه كان فى عامه السادس والستين، وإصابته بهبوط فى الدورة الدموية أمر وارد وقد يكون طبيعيًا، إلا أننى استشعرت أن سبب الوفاة أكبر مما أعلنته أسرته، أو لأكون دقيقًا فإن ما أدى إلى سبب الوفاة حتمًا كان أكبر بكثير من الأسباب العادية التى تدون فى شهادات الوفاة. 

أغلب الظن وهو ما أميل إليه أن هذا الأديب مات بالحسرة مطاردة بحالة حصار فرضت عليه وعلى أعماله. 

ربطت بينى وبين محمد عبدالسلام العمرى صداقة لعبت فيها المكالمات التليفونية دور البطولة المطلقة، لم ألتق به سوى مرتين فقط، على هامش ما خلفته روايته «الجميلات» من صخب وصل إلى محكمة الجنايات، لكن تحدثنا كثيرًا، وكنت أعرف همه وهمومه وشكواه الدائمة من أنه لم يلق التقدير الذى يستحقه، ومن أن قلبه لا يتحمل ما يلاقيه فى الوسط الثقافى. 

صاحب القصة 

ذات مرة قال لى: أشعر بأننى أسبح فى بحر مظلم تحيطنى فيه الثعابين من كل جانب. 

فى ديسمبر من العام ٢٠٠٢ أصدر العمرى روايته «الجميلات»، رواية تجاوزت صفحاتها الـ٥٠٠ صفحة من القطع الكبير. 

اقتنيتها، وأجّلت قراءتها، لكن فجأة وبعد شهور من صدورها اشتعلت النار فيها وفى كاتبها. 

أحد طلاب الأزهر تقدم ببلاغ إلى النائب العام يتهم الرواية بأنها خارجة عن الآداب وتزدرى الأديان ويطالب بمصادرتها، لم يكن الطالب الذى طواه النسيان الآن - فلا أحد يعرف اسمه - صاحب المبادرة، بل كان مدفوعًا من أحد أساتذته لمطاردة الرواية ومحاصرة كاتبها. 

توقعت أن تقف وزارة الثقافة إلى جوار العمرى، أن تقول كلمة تنصفه بها، لكن المفاجأة الكبرى أن وزير الثقافة فاروق حسنى الذى كان يدير الثقافة بمنهج السياسى المحترف، فهو مع حرية الرأى والإبداع، لكن إذا كانت هذه الحرية ستقترب من كرسى الوزارة ومن مصالح الحكم فلا مانع من سحقها. 

فى أحد حواراته الصحفية سُئل فاروق حسنى عن رواية «الجميلات»، بمناسبة استدعاء النائب العام لمؤلفها والتحقيق معه. 

قال فاروق: هذا الكتاب فضيحة جنسية، إنه رهيب جدًا، ومن حق كل منطقة أن تضع برنامجها فى النشر ومن حق القارئ أن ينتقى. 

أنيس منصور الذى كان يتحسس رضا القارئ فيكتب له ما يجذبه ويداعبه به، لا فرق فى ذلك بين مداعبة عواطفه الدينية أو دغدغة غرائزه الجنسية، كان رأس حربة فى الهجوم على العمرى وعلى روايته. 

كتب أنيس فى عموده «مواقف» بجريدة الأهرام أن العمرى قرر أن يتعرّى ويحشر نفسه ضمن عشرات العاريات الصارخات، مستخفًا بالمقدسات الدينية، وهذه هى الغلطة التى لن يغفرها له أحد، ومعنا الحق إذا فعلنا ذلك. 

محمد الغزالى

ويضيف أنيس: المؤلف على يقين من رد الفعل، إذن لماذا؟ السبب هو: أن المؤلف قرر أن يموت بأيدينا وعلى أيدينا وأعيننا، يموت شهيدًا، مع أنه ليس شهيد واجب ولا قيمة أدبية أو أخلاقية، وإنما هو مختل أراد أن يكون شهيدًا.. شهيد الرعونة والهوان. 

كانت الأرض معدة للاشتعال، أصبح محمد عبدالسلام العمرى هدفًا للجميع، كل من يريد أن يتطهر أو يغتسل من آثامه يتهمه فى دينه وأخلاقه. 

فى ليلة واحدة - ورغم كبر حجم الرواية - إلا أننى انتهيت منها، وقررت أن ألخصها استعدادًا لنشرها على صفحتين فى جريدة «صوت الأمة»، وهو ما حدث وقتها، فقد رأيت أن دعم الكاتب - الذى لم أكن أعرفه وقتها - لا بد أن يكون بشىء عملى، وإذا كان الجميع يطاردونه ويطاردون ما كتب، فلا أقل من أن نعلن عن انحيازنا لما كتبه من مبدأ حرية الإبداع، ثم لنزيل بذلك كثيرًا من الأساطير التى لحقت بالرواية فى محاولة لشيطنتها بشكل كامل. 

كان العمرى ممتنًا جدًا لما فعلت، شعرت وهو يحدثنى تليفونيًا للمرة الأولى أنه على وشك البكاء، فحتى الذين كانوا معه لم يساندوه علنًا، بل اكتفوا بأن دعموه فيمن بينه وبينهم، عبر برقى شديد عن شكره واتفقنا على لقاء. 

كان عبدالسلام العمرى يشعر أنه مختلف عن الآخرين، حكى لى عن تجربته فى الغربة، فقد سافر إلى المملكة العربية السعودية فى العام ١٩٧٦. 

عن هذه التجربة قال: عايشت الناس فى هذه البلاد ثمانى سنوات، قضيتها فى عمل دائم كمعمارى فى بلاد يعاد بناؤها من جديد، كان لهذا العمل وقع وقيمة، إنه يشبع رغبات الخلق فيك، ويشبع النزعة التى ترضى خيالك وغرورك والمجسدة فى أن لعملك قيمة وأنك تسهم فى إرساء جزء من الحضارة، فى الوقت الذى تحل بعملك هذا مشاكلك المادية. 

مدحت الجيار

لم يكتب العمرى شيئًا من وحى ما رآه فى الغربة إلا بعد عودته واستقراره فى مصر، يقول عن ذلك: تختزن الذاكرة واللا شعور أحداثًا لم أكن أضعها يومًا نصب عينى، فأنا لم أجئ لأكتب، وإنما جئت لأبنى، وإن كانت الكتابة بناء من نوع آخر، لذا لم أدون شيئًا فى مذكرة ما لأستعيدها وقت الحاجة. 

ويتساءل العمرى: هل كانت الأحداث من القسوة بحيث إن الذاكرة لا تستطيع إسقاطها، وإنك إذا استدعيتها فى أى لحظة وجدتها، أم أن مشروع الكتابة عن هذه المنطقة لم يكن ضمن مشروعى الملىء بالأحداث الغرائبية والعجيبة، أجد الذاكرة تستعيد الآن حتى الدقائق المنسربة، التى كنت أعتقد أنها بلا فائدة، أجدها محملة حد التضارب والتشويش بأحداث كثيرة جدًا تريد أن تندفق وتنطلق فلا يسعنى أحيانًا إلا الكتابة. 

ظل العمرى يكتب حتى احتل المشهد الأدبى بقصته «بعد صلاة الجمعة». 

كانت القصة ضمن مجموعته الثالثة «إكليل الزهور»، فقد سبق أن أصدر مجموعتين، الأولى كان اسمها «إلحاح الجسد المنهك» وصدرت فى طبعة أخرى باسم «إلحاح» ومرت دون أن يلتفت لها كثيرون، لكن اسمه بدأ يلمع مع مجموعته الثانية «شمس بيضاء» التى صدرت عن مختارات فصول. 

مع المجموعة الثالثة «إكليل الزهور» انفجر اسم محمد عبدالسلام العمرى، وأصبح هدفًا للمطاردة بعد أن هاجمه الشيخ محمد الغزالى، فقد نبه الشيخ إلى العالم الذى يتناوله العمرى فى كتاباته، فقد اختزن تجربته فى الغربة، وبدأ ينسج منها أعماله الأدبية. 

يكتب الكاتب منا حتى يجمع من حوله الناس، لكن ما حدث مع عبدالسلام العمرى كان العكس. 

فى ملف أعدته جريدة «القدس العربى» عن العمرى ونشرته فى مارس ١٩٩٤ يكشف عن هدفه من كتابة «بعد صلاة الجمعة» والعالم الذى سجله فيها. 

يقول: لم يكن هناك ثأر بينى وبين هؤلاء الناس، وإنما كان هدفى هو التنبيه والتحذير من قسوة وخطورة ما يلجأون إليه، إذ الإنسان هو المعنى بكل هذا فى المقام الأول، إنها المشاعر والأحاسيس تلك التى تصل إلى درجة من التبلد إزاء أى قسوة أو غلظة أو خطورة، لا ينفع فى علاج هذا التبلد أى شىء مطلقًا. 

من هذا المنطلق كتب العمرى أيضًا قصته «النصب التذكارى» ونشرها فى جريدة الأهرام، لكن حدث ما لم يكن يتوقعه. 

يقول: بسبب هذه القصة وجدت الأصدقاء يتباعدون واحدًا إثر الآخر دون سبب معروف، وتأكدت أن المقصود هو الحصار والانزواء والإيحاء إلىّ بعدم الكتابة حيث كل الأماكن التى كنت أنشر بها أعمالى قد أغلقت تمامًا، إضافة إلى لجوئهم إلى كل ما هو غير أخلاقى من شائعات مغرضة، إلى تجريح فى الكرامة، إلى معوقات فى كسب الرزق وفى العمل وفى الإبداع. 

ويقول: وضعتنى هذه القصة وهذا الملف أمام مسئولية ضخمة وعلى البداية الصحيحة لمشوار الخلق والإبداع الطويل، ولفتت أنظار الناس إلى أعمالى، وبدأوا يبحثون عنها، وقد سببت لى هذه القصة عينها مشاكل كثيرة جدًا، فبدأوا التنقيب فى أعمالى وقراءتها بشكل آخر، ومن مآثرها أن الأماكن المتاحة للنشر قد أُغلقت أمامى بما فيها الأهرام، وبسببها أُصبت بمكاره كثيرة وتزامن مع هذا إصابتى بذبحة صدرية، وتعطلت عن الكتابة وعن القراءة أيضًا، ولم أستطع التركيز والانتباه، لذا كاد حادث لسيارتى أن يودى بحياتى. 

فاروق حسني

أورثت حالة الحصار هذه محمد عبدالسلام العمرى قهرًا شديدًا، كان سببًا فى أنه لم يستطع لفترة طويلة الاقتراب من الكتابة رغم أن كيانه كله يشتعل بالاستعداد والرغبة فى التجديد والتجاوز لكل ما سبق أن مارسه أو ما كتبه غيره. 

بدأ العمرى يكتب من جديد، وضع كل جهده الإبداعى فى الدفاع عن الإنسان فى محاولة لرفع القهر عنه رجلًا كان أو امرأة، ومع كل عمل جديد يصدره كان يجد المجتمع يحتشد ضده، وهو ما تجسد بقوة بعد روايته «الجميلات» التى كانت سببًا فى معرفتى الشخصية به. 

فى لقائى الثانى به أهدانى كتابه «بعد صلاة الجمعة... القصة مع كامل الملف» الذى صدر فى العام ١٩٩٨ عن مركز الحضارة العربية، ووثق فيها كل ما جرى بعد نشر القصة وردود الأفعال عليها. 

كنت أشعر به يعانى وهو يحاول أن يصل للناس بحقيقة رأيه ووجهة نظره ورغبته فى أن يجعل من الأدب أداة لرفع الظلم عن الإنسان فى كل مكان، ولم تكن مفاجأة له أن يقف أمام محكمة الجنايات التى برأته من تهمة ازدراء الأديان فى قضية روايته «الجميلات»، لكننى أعتقد أنه لم يخرج من هذه القضية سليمًا معافى، بل شعر أن حالة الحصار حوله تكاد تخنقه، وهو ما أورثه همًّا مقيمًا لم يغادره حتى مات.. بل يمكننى أن أقول إنه مات فى الغالب به. 

محمد عبدالسلام العمرى شاء من شاء وأبى من أبى هو واحد من الأدباء المرموقين الجادين المجدين والمجيدين أيضًا، لم يكن هازلًا أبدًا وهو يكتب، كان يأخذ نفسه بكل الجدية اللازمة للكتابة، لكنه للأسف لم يلق التقدير الذى يستحقه، ولا الالتفات اللائق بمنجزه الأدبى. 

منذ آخر عمل أدبى صدر له بعد وفاته وهو روايته «مسيرة الأكفان» ولا أحد يتحدث عن العمرى ولا عما تركه لنا من أعمال أدبية، ولفت انتباهى وأنا أبحث عنه خبر واحد عن ندوة أقيمت لتأبينه بعد أيام من وفاته فى اتحاد الكتاب. 

فى هذه الندوة تحدث الكاتب والناقد الدكتور مدحت الجيار الذى قال إن بعض الأدباء والكُتاب تسببوا فى إيذاء الروائى محمد عبدالسلام العمرى، وأكد أن الحكومة المصرية بريئة تمامًا مما تعرض له من مصادرات، وألقى بمسئولية ما حدث معه على عاتق الكُتاب أنفسهم، وقال: نرتكب المصائب، ونحملها على شمّاعة السلطة، وما يحدث للكُتاب يحدث منهم، فأنا أعرف بعض الكُتاب الذين أبلغوا عن أنفسهم مثلًا لترويج كتبهم. 

أشار الجيار أيضًا إلى أن الغيرة بين الأدباء هى التى تدفع بعضهم للإبلاغ عن زملائهم لدى جهات أمنية ما، فى محاولة منهم لعرقلة زملائهم ممن يكتبون أفضل من هؤلاء الغيورين. 

لم يتحدث الجيار عن واقعة معينة، لكن من سياق كلامه عن العمرى نفهم أنه تعرض لمثل هذه المضايقات. 

لا أتحدث عن مقال الشيخ محمد الغزالى عنه، وهو المقال الذى طعنه به فى دينه بعد نشر قصته «بعد صلاة الجمعة»، فقد تم التعامل معه بما يليق به، وهنا أجدنى أثنى على ما قامت به مجلة «أدب ونقد» التى خصصت ملفات نشرت فى ثلاثة أعداد للدفاع عن حرية العمرى وردت عنه هجوم الشيخ الغزالى. 

ولكننى أتحدث عما حدث بعد ذلك، فقد شعر الوسط الأدبى والثقافى أن هناك أديبًا قادمًا بقوة، يحتل مساحة لا بأس بها من الاهتمام والتقدير، فقرر من يسميهم مدحت الجيار الغيورين أن يقطعوا الطريق عليه، خاصة أنه كان يعمل وحيدًا منفردًا ومتفردًا، لا ينتمى إلى شلة ولا مجموعة، وليس لديه أصدقاء فى الوسط يمكنهم أن يمهدوا الطريق أمامه، ولذلك كان لُقمة سهلة وسائغة سرعان ما تم التهامها. 

فى لقائى الثانى بالعمرى قال لى: لقد تعلمت فى هذا الوسط أنه إن لم تكن لك شلة فلا يجب أن تقتحم هذا الوسط.. ابتعد عنه.. إنهم قتلة محترفون.. يقتلونك بدم بارد.. والغريب أنهم يفعلون ذلك وهم يأخذونك بالأحضان. 

كان محمد عبدالسلام العمرى صادقًا مع نفسه كل الصدق، كان يؤمن بأهمية الأدب وكونه وسيلة لجعل الحياة أفضل، لم يفطن إلى أن للأدب أهدافًا أخرى، كتب بوضوح وصراحة، وكان هذا سببًا فى القضاء عليه. 

قد تكون هذه مناسبة للتذكير بكاتب وأديب وروائى جمع الأخلاق من أطرافه، اعتبر البعض صمته ضعفًا، وتعامل كثيرون مع رغبته فى الابتعاد عن الوسط وعدم الانخراط فيه تعاليًا وتكبرًا وغرورًا، فقرروا أن يكسروا ظهره، رغم أنه لم يكن يستحق منا أبدًا ذلك. 

لا تزال أعمال محمد عبدالسلام العمرى موجودة، لكنها مهجورة تمامًا، لا تُعاد طباعتها، فلا أحد يهتم بذلك، وإذا بحثت عنها فلن تجدها متوافرة على شبكة الإنترنت، فكأن هناك من قرر أن ينفيه حيًا أو ميتًا. 

لا أعرف أحدًا من عائلته. 

ولا أعرف ماذا يفعلون الآن. 

فخلال معرفتى به لم أتعرف على أحد من أسرته، كانت علاقة بين صحفى ومصدر، وهو ما يجعلنى أطالب أسرته بأن تعيد طباعة أعماله مرة أخرى، لأنها تستحق أن تُقرأ من جديد، ولأنه هو أيضًا يستحق أن يكون حاضرًا فى مشهدنا الأدبى والثقافى من جديد.

فهل يفعلون؟

أتمنى ذلك جدًا.

اقرأ أيضًا: 

المعركة.. كتيبة تنوير فى مواجهة تدليس الغزالى وفهمى هويدى