الخميس 30 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

متعددة المواهب.. الكاتبة البريطانية جين راى: أبث الأمل للأطفال حتى لو افتقده!

الكاتبة البريطانية
الكاتبة البريطانية جين راى

- نصيحتى للكُتّاب والرسامين الشباب: «كن إسفنجة.. امتص كل شىء حولك»

- نحن مدينون لأطفالنا بالحقيقة وإخفاء «قتامة العالم» عنهم خاطئ

فى عالم أدب الأطفال على المستوى العالمى، تبرز البريطانية جين راى كفنانة متعددة المواهب، تجمع بين براعة القلم وسحر الريشة، لتفتح للأطفال فى كل مكان، بإبداعها الفريد وأسلوبها المميز، أبواب عوالم غنية بالخيال وقيم التنوع، من خلال مزج فريد بين الألوان والقصص، تعكس من خلاله غنى الثقافات، وتقدم رسائل إنسانية ملهمة.

بعد مسيرة حافلة بالجوائز والتكريمات، تواصل «راى» رحلتها فى كتابة ورسم كُتب أطفال، لا تسعى فقط إلى الترفيه، بل تهدف أيضًا إلى تعزيز قيم أخلاقية وجمالية تبقى عالقة فى الأذهان. فى الحوار التالى لـ«حرف»، تأخذنا الكاتبة والرسامة البريطانية جين راى إلى قلب تجربتها، كاشفة عن أسرار الإلهام، والرسالة التى تحملها أعمالها لجيل اليوم، وغيرها من التفاصيل الأخرى المهمة.

■ كيف كانت بدايتك فى مجال كتابة ورسم كُتب الأطفال؟ هل هناك لحظة معينة شعرتِ فيها بأن هذا المسار الذى ترغبين فى اتباعه؟

- كنت أرسم طوال عمرى، فعندما كنت طفلة بدا لى أن الرسم هو الشىء الوحيد الذى أستطيع عمله، وصارت هوايتى. حتى إننى بدأت بتأليف كتب صغيرة عندما كان عمرى حوالى ٥ سنوات، ولم أتوقف أبدًا منذ ذاك الحين. وخلال هذه الرحلة، التحقت بمدرسة الفنون، حيث درست فن النحت ونفخ الزجاج وتصميم الأثاث وصناعة المجوهرات. لكن قلبى لم يكن شغوفًا بكل هذا أبدًا، وعندما تخرجت، بحثت عن عمل فى مجال رسم الكتب.

■ رسمتِ كُتبًا تعتمد على قصص كلاسيكية، مثل «حورية البحر» و«كسارة البندق» كيف تقدمين هذه القصص من زاوية جديدة وتجعلينها جذابة لـ«أطفال عصر الذكاء الاصطناعى»؟

- تتمتع القصص الكلاسيكية بجاذبية عالمية وسحر استمر على مدار قرون. لكننا فى بعض الأحيان نحتاج إلى تكييفها وتطويعها، لجعلها مفهومة لأطفال اليوم. مثلًا النص الأصلى لرواية «كسارة البندق»، للكاتب إى تى هوفمان، طويل ومعقد بشكل كبير، وكُتب فى وقت كانت فيه العائلات تقرأ لبعضها من أجل الترفيه، لكن بالتأكيد لن يحب أطفال اليوم هذا، ومن أجل إبقاء هذه الرواية حية، لابد من إعادة سردها، وإلا كما أعتقد فإنها ستُنسى. 

لذا فإن نسختى من «كسارة البندق»، كما معظم النسخ، تعتمد على الباليه الشهير، مع موسيقى تشايكوفسكى، وهى نسخة مختصرة كثيرًا من الكتاب الأصلى.

لطالما أحببت الحكايات الخيالية التقليدية والحكايات الشعبية، وعادة الجلوس حول النار وإعادة سرد هذه الحكايات عبر الأجيال، وتغييرها قليلًا لتناسب كل جيل جديد فى العائلة. 

■ ماذا عن «حورية البحر»؟

كتاب «هل يمكنك الإمساك بحورية البحر؟» الذى كتبته ورسمته، كان قصتى المعاصرة من قصة «حورية البحر»، والتى جاءنى إلهامها من إجازة على الشاطئ، مع أطفالى ومجموعة كبيرة من الأصدقاء، ورغم أنها قصة جديدة ومعاصرة، تحتوى على نفس موضوعات الحب والإغراء والشوق، وحتى الموت، إذا اخترتِ تفسيرها بهذه الطريقة، التى نجدها فى القصص الخيالية التقليدية.

كذلك أعدت سرد «حورية البحر الصغيرة» لهانز كريستيان أندرسن، بالأبيض والأسود، كجزء من مختارات بعنوان «حورية البحر الصغيرة وحكايات غريبة أخرى». غيرت نهاية رواية «أندرسن» الأصلية، هى ليست أقل مأساوية فى نسختى، لكنى غيّرت فيها قليلًا من طريقة تخلى الشخص الذى تحبه عنها.

■ فى كتابك «أحمد وفتاة الريشة» كانت هناك إشارة إلى أسماء وشخصيات مستوحاة من العالم العربى، هل لهذه القصة صلة مباشرة بالثقافة العربية؟ وكيف جاءتك فكرة الكتاب؟

- «أحمد وفتاة الريشة» مستوحاة من مصادر عديدة. فقد كنت دائمًا منبهرة بـ«المنمنمات» الآسيوية/المغولية، التى درستها فى المكتبة البريطانية، ومتحف «فيكتوريا وألبرت» هنا فى لندن. دائمًا ما تأثرت بها أعمالى، تأثرت بألوانها ودقتها وتفاصيلها، وكان لدى كتاب يحتوى على صور فوتوغرافية جميلة لآسيا الوسطى، جمعت بين الصور المعاصرة ونسخ رائعة من لوحات «المنمنمات» فى آسيا الوسطى من القرن الرابع عشر إلى القرن التاسع عشر، لقد انجذبت إلى هذه الثقافة، وأردت رسم لوحات بنفس الألوان والملابس والآلات والمبانى والأشخاص.

رسمت أيضًا حكايات من «ألف ليلة وليلة» لدار نشر «فوليو» هنا فى بريطانيا، وحينها امتلأت راسى بالخيول الطائرة والمغامرات الملحمية، عثرت على قصة «الحسن البصرى»، وهى حكاية عربية تقليدية، ينزع فيها طائر أبيض كبير ريشه ويكشف عن نفسه كفتاة صغيرة، يشهد شاب ذلك ويخفى الريش حتى لا تتمكن الفتاة من المغادرة، وهذا مشابه لقصص «السلكى» للثقافة السلتية فى المملكة المتحدة، حيث يخرج حيوان الفقمة إلى الأرض اليابسة، ثم ينزع جلد الفقمة هذا، ليكشف عن ذاته الحقيقية كإنسان، أحب أن تسرد مواضيع مماثلة عبر الثقافات، فنحن جميعًا بشر ونشعر بنفس الأشياء.

■ إذا كان بإمكانك كتابة قصة جديدة مستوحاة من التراث العربى، ما العنصر الذى تودين التركيز عليه؟ وهل هناك سمات معينة تحبين إبرازها فى القصة أو الرسومات؟

- أسعى دائمًا إلى التركيز على السحر الخالص، والإحساس بالاحتمالية، أو أن كل شىء ممكن، الأحساس الذى يخلقه السحر، لقد لاحظت جودة ملحمية فى رواية القصص العربية التقليدية، ربما تتزايد هذه الملحمية مع المناظر الطبيعية الدرامية والجبال والصحارى والسماء المرصعة بالنجوم التى تحيط بالناس، والرحلات العظيمة وتجوال البدو التقليديين.

■ هل تعتقدين أن الأطفال فى العالم العربى ينجذبون لنفس نوع القصص والأساليب الفنية التى تجذب أطفال الغرب؟

- لا أعرف حقًا الإجابة عن هذا السؤال، لكنى دائمًا ما أخشى من هيمنة الثقافة الغربية، الثقافة الأمريكية بالتحديد. وفى كل الأحوال، آمل أن يتمكن الأطفال من رؤية جوانب من ثقافتهم تُكرَّم وتُحترم فى صفحات كتبى، عبر استخدام التأثيرات العربية والأبحاث كمصدر رئيسى. 

منذ عامين رسمت «قصة بابر.. الأمير والإمبراطور الحكيم.. الملحمة العظيمة من آسيا الوسطى»، التى أعاد «أنورادها» كتابتها للأطفال، ونشرتها دار نشر «سكالا» فى عام ٢٠٢٢. كنت مدركة تمامًا حجم مسئوليتى من حيث التأثير والدقة، لكن لا أملك سوى الأمل فى أننى أنجزت العمل بالطريقة الصحيحة. 

■ شخصية الفتاة فى «جنية بيت الدمى» تحمل طابعًا خاصًا جدًا، من حيث البراءة والخيال. كيف عملتِ على إبراز هذه السمات من خلال الرسومات؟

- أحاول إظهار براءة الطفل وانفتاحه، وأنا محظوظة كفاية؛ لأن الأطفال يحيطون بى طوال حياتى العملية، أولادى، وأطفالى فى المدارس، والآن أحفادى، تعود جذور هذه القصة إلى طفولة أولادى، عندما كان والدهم مريضًا لبعض الوقت، فاعتمدت على ذكريات تلك الفترة فى الإلهام.

■ بذكر الإلهام، من أين تستلهمين أفكارك لرسم وتصوير القصص؟

- يأتى الإلهام من عدة مصادر، لقد عشت وعملت فى لندن طوال حياتى، وربيت أولادى هنا أيضًا، وزرت العديد من المدارس التى تضم أطفالًا من ثقافات وأديان مختلفة، أحب التعددية الثقافية فى هذه المدينة، وأفتقدها عندما أسافر إلى أماكن أقل تنوعًا فى البلاد. كما أننى أدير فصلًا فنيًا للاجئين بالقرب من المكان الذى أعيش فيه، وهذا يحيطنى بالعديد من الثقافات التى قد لا أحتك بها فى ظروف وطرق أخرى.

■ كيف ترين تطور أدب الأطفال اليوم؟ وهل تعتقدين أن الأطفال ما زالوا ينتمون إلى نفس النوع من قصص الماضى؟

- أعتقد أنه من خلال العودة إلى الماضى، يمكننا الوصول إلى التحرر من التفاصيل والموضة والفكر المعاصر. على سبيل المثال، لا يهم أن الشخصية لا تمتلك هاتفًا ذكيًا، هناك تحرر من هذه الفكرة.

■ كيف تتعاملين مع موضوعات حساسة أو عميقة فى كتب الأطفال؟ هل لديك معايير خاصة عند معالجتها؟

- نحن مدينون لأطفالنا بالحقيقة. لكننا أيضًا مدينون ببث مشاعر الراحة والأمل، حتى لو لم نشعر نحن أنفسنا بذلك، قد يكون هذا صعبًا للغاية، خاصة فى ظل الأوضاع التى يعيشها العالم.

علينا تزويد أبنائنا بالوسائل اللازمة للتعامل مع الواقع. وليس من الصواب أن نعزلهم عن الأشياء القاتمة، أو أن نتظاهر بأن كل شىء منعّم بالعذوبة والنور. نحن بحاجة إلى تسليحهم بالوسائل اللازمة لحماية أنفسهم وشق طريقهم، عبر تعليم التعاطف، وتطوير مخيلتهم حتى يروا كيفية خلق مستقبل أفضل.

■ هل هناك علاقة بين النص والرسم تتطور أثناء العمل على كتاب معين، بمعنى هل كانت هناك لحظات قاد فيها الرسم السرد أو العكس؟

- نعم. فى بعض الأحيان عندما أقرأ نص قصة ما، أرى صورة فى رأسى تلهمنى، وقد تقودنى فى اتجاه بصرى معين. إن متعة كتابة ورسم كُتبكِ الخاصة هى أنه يمكنك كتابة ما تريدين حقًا رسمه. لقد أحببت «حوريات البحر»، وكانت لدى رغبة قوية فى رسمهن. لذا كتبت قصة مليئة بهن. أحب الطيور والحرية التى تمثلها، لذا غالبًا ما تظهر الطيور فى أعمالى.

■ ما النصيحة التى تقدمينها للفنانين الشباب والكُتّاب الذين يتطلعون لدخول مجال أدب الأطفال؟

- اقرأ وارسم. اعتد على حمل دفاتر رسم، ولا تبالغ فى تقدير رسماتك. فأحيانًا تكون الشخبطة الأصغر حجمًا والأكثر وحشية وخشونة هى الأكثر قيمة من حيث الأفكار والخواطر العابرة. ادرس الرسوم والصور التى تلفت انتباهك وحاو ل تحليل ما يجذبك فيها. 

تذكر الكتب التى أحببتها فى طفولتك، لماذا كانت تعنى لك الكثير؟ هل تتعرف على شخصيات معينة؟ كن على دراية بالعالم من حولك، لاحظ التفاصيل. أيضًا كن إسفنجة، امتص كل شىء، الأفلام والكتب والأشخاص والمحادثات والشعر والموسيقى والرحلات.