الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

اعترافات «قاتل اقتصادى» أمريكى: شاركت فى تخريب الاقتصاد المصرى

بيركنز
بيركنز

- تلقيت تهديدات بالقتل أنا وابنتى الرضيعة وعرضوا علىّ رشوة لوقف كتابى

هو ليس مجرد خبير اقتصادى، شهد فترة لن نبالغ إن قلنا إنها من أحلك الفترات فى تاريخ البشرية، بل كان أحد صناع أحداث هذه الفترة السوداء، بسياساته وخططه التى أقامت دولًا وأسقطت أخرى.

إنه المحلل الاقتصادى العالمى «جون بيركنز» مؤلف الكتاب الشهير «اعترافات قاتل اقتصادى» بأجزائه الثلاثة، الذى أحدث جدلًا واسعًا حول العالم بأسره، بعدما كشف كثيرًا من الأساليب المخفية التى تستخدمها القوى الاقتصادية الكبرى للتلاعب بمصائر الدول وشعوبها.

فى الحوار الحصرى التالى مع «حرف»، يتحدث «بيركنز» عن كتابه المثير للجدل، وأبرز السياسات التى كانت تنفذها بلاده، الولايات المتحدة، لـ«قتل» اقتصاديات العديد من الدول، والتى كان من بينها- لسوء الحظ- مصر.

■ نعرفك فى العالم العربى من كتابك المُترجم إلى اللغة العربية «اعترافات قاتل اقتصادى».. ما الذى دفعك لتقديم مثل هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة؟ 

- بعد أحداث ١١ ستمبر عرفت أن علىّ فضح ما فعلته خلال عملى كقاتل اقتصادى. عرفت أن الوقت قد حان لكى يفهم الأمريكيون وبقية الناس فى مختلف أنحاء العالم خطورة «اقتصاد الموت» الذى كنا نروج له فى العديد من الدول. إنه نظام اقتصادى يمر بعملية تلويث وإتلاف لنفسه حتى الوصول إلى مرحلة الدمار.

كتبت هذا فى طبعات الكتاب جميعها، لأن الوضع مستمر فى التدهور، وصولًا إلى كتابى الأخير من هذه الثلاثية، الذى يتناول مسألة صعود ونجاح «القاتل الاقتصادى» فى الصين، حيث تعلموا من النجاحات والإخفاقات التى ارتكبتها أنا وغيرى من «القتلة الاقتصاديين» الأمريكيين، وصاروا ذوى كفاءة عالية للغاية. لقد حان الوقت لكى يفهم العالم المزيد عما يفعله رجال الاقتصاد فى الصين.

■ هل تلقيت تهديدات أو ضغوطًا من الحكومات أو الشركات لمنعك من كشف تلك الحقائق؟

- نعم، فعند بداية كتابتى عن تلك المسائل لأول مرة اتصلت بأشخاص آخرين عملوا فى وظائف مشابهة لوظيفتى لأطلع على قصصهم وأضمها إلى كتابى. حينئذٍ تلقيت مكالمات هاتفية من مجهول يهدد حياتى وحياة ابنتى الرضيعة. كذلك تلقيت عرضًا مربحًا للغاية لأصبح مستشارًا لشركة هندسية أمريكية كبرى. عرض كان ظاهره العمل وباطنه الرشوة من ناحية، ومن ناحية أخرى وصلنى تهديد بأن حياتى وحياة ابنتى ستكونان فى خطر إذا واصلت العمل على هذا الكتاب. 

وفى النهاية، ولهذا السبب، لم أكتب كشفًا يتضمن مقابلات مع «قاتلين اقتصاديين» آخرين، لكن بدلًا من ذلك كتبت اعترافًا شخصيًا محضًا، وحينها حرصت على ألا أخبر أى شخص بما كنت أكتبه إلا بعد اكتمال الكتاب. 

■ تلعبون، أقصد الأمريكيين، لعبة «الاغتيال الاقتصادى» منذ خمسينيات القرن الماضى، عندما أسقطتم حكومة محمد مصدق فى إيران، وأظن أن العالم أجمع فهم الدرس.. فى رأيك، لِمَ لا تزال العديد من الدول فى بلدان العالم النامى تسير على نفس النهج، بل وربما تسهم فى «اغتيال اقتصادها»؟

- أولًا، لكى أضع الأمور فى نصابها الصحيح، كان عمرى أقل من ١٠ سنوات عندما نُفّذت الإطاحة بـ«مصدق»، ولم أشارك فى ذلك على الإطلاق. ومع هذا، فقد مهد ذلك الإجراء الطريق لما سيأتى لاحقًا، بما فى ذلك عملى كـ«قاتل اقتصادى».

والسبب فى استمرار هذه النوع من الأنشطة الشائنة هو أن قطاعًا كبيرًا من العالم يديره أشخاص أثرياء وذوو نفوذ، سواء فى البلدان ذات الدخل المرتفع أو البلدان ذات الدخل المنخفض وما بينهما، وهو ما أسميه «الحكومة الشركاتية»، وهى ائتلاف مُكوّن من الحكومة ورواد الأعمال وقادة القطاع المالى. 

■ هل تعتقد أن مشاريع البنية التحتية الضخمة فى دول الخليج الحالية تمثل شكلًا من أشكال النفوذ الاقتصادى الغربى؟

- بما أننى لست مشاركًا فى هذه المشاريع ولا أعرف عنها إلا القليل، لا أعرف إلا ما قرأته فى الصحافة، لذا لن يكون تعليقى عليها مريحًا بالنسبة لى. أحب التحدث عن الأمور التى أعرفها من خلال تجربتى الشخصية، بدلًا من التكهنات. 

■ ما الدول فى الشرق الأوسط التى تعتقد أنها تأثرت أكثر من غيرها بسياسات «القتلة الاقتصاديين»؟ وكيف تم ذلك؟

- خلال فترة السبعينيات من القرن الماضى، عندما كنت «قاتلًا اقتصاديًا»، كانت دول الشرق الأوسط التى عملت فيها هى إيران والمملكة العربية السعودية ومصر، وبدرجة أقل الكويت. لقد تأثرت جميعًا بسياسات «القاتل الاقتصادى» فى ذلك الوقت.

بيركنز

■ فى أبريل الماضى، أعلنت مصر عن ارتفاع حجم الديون الخارجية إلى أكثر من ١٦٨ مليار دولار.. هل مصر حاليًا ضمن خططكم لـ«قتل اقتصادها»؟ 

- لقد تقاعدت من عملى كـ«قاتل اقتصادى» منذ سنوات عديدة. ليس لدى أى خطط، ولم أعد أشارك فى أى استراتيجيات فى هذا المجال بعد الآن، ويقتصر الأمر لدى على الكتابة والتحدث علنًا عما فعلته، وعن الحاجة لتحويل «اقتصاد الموت» إلى «اقتصاد حياة».

■ كل مساعى الدول النامية للتحرر من النفوذ الاقتصادى الأجنبى، الأمريكى تحديدًا، تبوء بالفشل بسبب سياسة «قتل الاقتصاد»، فما السبيل أمام تلك الدول للخروج من هذه الدائرة، فى ظل أن من أوجد المأساة هو الأعلم بحلّها؟ 

- أعتقد أن الطريقة الوحيدة لإنهاء هذا الأمر هى أن نغير جميعًا، فى كل دول العالم ومن جميع الثقافات، المفهوم السائد عما يعنيه أن تكون إنسانًا ناجحًا. معظم الحكومات حاليًا فى جميع أنحاء العالم تتأثر بشدة بالشركات الكبرى، أو ما نسميه بـ«حكومة الشركات».

هذه الشركات مدفوعة بهدف تضخيم الأرباح قصيرة الأجل، والاستهلاك المادى، بغض النظر عن التكاليف الاجتماعية والبيئية. لذا، يتوجب على الناس فى العالم أجمع أن يتبنوا تصورًا جديدًا للنجاح، يعمل على تعظيم الفوائد طويلة الأجل لجميع أشكال الحياة على هذا الكوكب.

■ ما رأيك فى التطورات الاقتصادية والسياسية الأخيرة فى الشرق الأوسط، مثل التطبيع مع إسرائيل، وصفقات الأسلحة الكبرى، هل تعتقد أن لها علاقة بالاستراتيجيات الاقتصادية التى وصفتها؟

- تعد الحروب واقتصاديات آلة الحرب، وجميع الأسلحة المعنية، محركات قوية جدًا للنجاح الاقتصادى فى الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى. هذا جزء مما نسميه «اقتصاد الموت».

لكن حان الوقت لكى يدرك البشر غباء ذلك، ويتحدوا معًا للتمرد ضد النظام الذى تسيطر عليه كليًا «الشركاتوقراطية». المسألة متروكة لنا، أن ندرك أننا جزء من النظام، ونتحد معًا لوضع حد لهذا النظام.

يتعين علينا أيضًا إنشاء «اقتصاد الحياة»، الذى يدفع الناس للتخلص من التلوث، وإحياء البيئات المدمرة، وإعادة التدوير، وخلق تكنولوجيات لا تدمر الأرض. فإذا وحدت دول الشرق الأوسط قواها، واستخدمت جميع الموارد التى تمتلكها، بما فى ذلك البترول والموارد البشرية، لتعزيز المُطالبة بإنهاء الحروب، واستخدام تلك الموارد لدعم اقتصاد الحياة، سيكون لذلك الحل القدرة على تغيير المفاهيم فى كل العالم، وبهذه الطريقة سننتقل إلى واقع جديد، وهو «اقتصاد الحياة».

■ مع تزايد النفوذ الاقتصادى للصين عالميًا، خاصة من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، كيف ترى تأثير هذه المبادرة على الدول النامية؟ وهل تعتقد أن الصين تتبنى استراتيجيات مشابهة لما فعلته كـ«قاتل اقتصادى»؟

- كما قلت فى كتابى، آخر أجزاء ثلاثية «القاتل الاقتصادى»، يركز على الصين، فقد تعلّم «القاتل الاقتصادى الصينى» من نجاحات وإخفاقات أشخاص مثلى. لقد أصبحت الصين أكثر كفاءة مما كنا عليه فى الولايات المتحدة فى أى وقت مضى، فى إغراء الدول من جميع أنحاء العالم لقبول سياساتها فى التنمية الاقتصادية.

■ خرّبت السياسة التى كنت جزءًا منها العالم كله تقريبًا. قسّمت أغلب دول العالم، فى آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، ماذا تريد أمريكا أكثر من هيمنتها الحالية على العالم، والسيطرة على أغلب موارد الكوكب؟ 

- نظرًا للانقسام الحالى فى الرأى العام الأمريكى، والاختلال الوظيفى الذى تعانى منه حكومة الولايات المتحدة و«الكونجرس»، فمن الصعب للغاية أن نجزم بما تريده أمريكا، فنحن بلد منقسم جدًا.

■ فى كتابك «لمس النمر» عرضت كيفية تحويل مخاوفك إلى أفعال إيجابية، لكن هل لو حاولت الدول النامية فعل المثل ستتركها أمريكا لحالها، أو تتركها تتملص من هيمنتها عليها؟

- الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هى التجربة. ونصيحتى للدول النامية هى أن تجتمع فى مختلف أنحاء العالم، وتقف فى وجه الولايات المتحدة والصين. لقد حان الوقت لكل الدول التى تمتلك الموارد التى تطمع بها الولايات المتحدة والصين لإنشاء تحالفات، والمطالبة بمعاملة عادلة وطريقة جديدة لتعريف النجاح. ومن خلال تلك الخطوات، فإن مثل هذا الاتحاد سيكون له تأثير كبير على «النمر/ الجاكوار». وكما قلت فى كتابى، فإن التصورات تشكل الواقع، ومثل هذه الخطوة من شأنها أن تغير التصورات، بالتالى تغيير الواقع. 

■ كيف يمكن للدول فى الشرق الأوسط أن تبنى اقتصادات مستقلة وقوية فى مواجهة التحديات الجيوسياسية والاقتصادية؟

- أنا لست فى وضع يسمح لى باقتراح الكيفية التى ينبغى بها لدول أخرى غير بلدى أن تدير بها نفسها. إننى أواجه صراعًا كبيرًا كفاية فى محاولة معرفة كيف يمكن لدولتى الاستمرار فى بناء اقتصاد مستقل وقوى. يجب على شعب كل دولة وكل منطقة من العالم أن يقرروا بأنفسهم، ويبنوا الأنظمة التى تناسبهم وتساعدهم على إنشاء «اقتصاد الحياة».