خفقات الليل
على جانب الطريق جلست بائعة عجوز ذات أسنان مهشمة، رقد كلب صغير تحت البوكى، تطلعنى بعين دامعة مضطربة، رميته بعقب السيحارة، هرع فزعًا نحو حوش مظلم.
ضحكت هى ضحكة خفيفة، واستدارت؛ وقفت أمام النافذة.
هتفت: السماء رمادية بالخارج.
قلت: لِمَ لا تخرجى!
رأيت من مكانى أولادًا يمسكون بخيوط طويلة، تنتهى حيث طائرات ملونة فى السماء. بدت لى المصابيح حزينة، شعرت بأن أحدًا يتبعنى، عدوت إلى الرصيف الآخر.. فتاة جميلة مرت أمامى، استندت إلى حائط رمادى ضخم.
الشوارع خالية، تصفر الرياح فى أذنى، تراءت لى مراكب شراعية تنساب على سطح النهر ليلًا.. اقتربت من البيت، بدت الأشجار الضخمة ككائنات خرافية..
رأيت نورًا فى النافذة، مضطربة على غير عادة، أرادت أن تحضننى..
اندفعت إلى الحمام، انحنيت أمام المرأة قابضًا يدى، سمعت حفيف ثوبها فى الخارج؛ شددت على يدها: اتبعينى. أخذتها عبر سرداب ضيق لم تعرفه من قبل، تراجعت هاتفة: لا أرى شيئًا. قلت أطوّق خصرها: أتكفى هذه الشمعة!
دخلنا حجرة صغيرة، وضعت الشمعة على الأرض، أخذت أزيح التراب عن الأرفف القديمة.. حطّت يدها على كتفى المرتعشة، التفتُّ إليها، ضممتها نحوى بشدة.
تتخبطنى الأكتاف، الباعة يهللون حول بضائعهم، دراجات تشق طريقها عبر الأكوام البشرية.. استوقفنى صاحب قديم، تكلم معى طويلًا؛ لم أسمع شيئًا.
على جانب الطريق وقفت العجوز ذات الأسنان المهشمة، تهز رأسها، تغنى وتصفق بحماس.. الأطفال من حولها يرددون الغناء، حفاة يتقافزون على الأرض الموحلة.