السبت 19 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

‫مزيد من السلطة.. مزيد من الجمال

حرف

وجود جهة مختصة بالتنسيق الحضرى تتبع وزارة الثقافة أمر مهم وضرورى بالنسبة لمدينة قديمة حديثة كمدينة القاهرة، وكذلك بالنسبة لمدن مصرية عديدة عميقة لا تتكرر، وقد قامت هذه الجهة وهيئة التنسيق الحضرى بخطوات إيجابية ملموسة للحفاظ على الأبنية ذات القيمة المعمارية المتميزة فحالت دون هدم مبانٍ قديمة متميزة أو العبث بها، كما كان مشروع «عاش هنا» من المشروعات الجادة التى ساعدت فى الحفاظ على الذاكرة الثقافية للمصريين من خلال وضع لافتات نحاسية تكتب عليها أسماء رموز الثقافة والفن فى مصر وتوضع على مداخل البيوت التى عاشوا فيها، إضافة إلى أنشطة أخرى عديدة ليس هنا مجال سردها، ولكن هذه الهيئة أو الإدارة رغم أهميتها الشديدة ولدت مكتوفة الأيدى فهى بلا سلطة حقيقية تستند إلى حزمة من القوانين التى تساعدها على أداء عملها، فهى تقرر أن هذا المبنى لا نظير له على المستوى المعمارى ولا يجوز هدمه، ولكن ولأن كثيرًا من ملاك المبانى القديمة يبدو أنهم من أصول هكسوسية أو تتارية، يبدأون فى التحايل على قرارات التنسيق الحضارى، فلا قانون ملزمًا لهؤلاء الملاك بما تراه هيئة التنسيق، وسرعان ما يقومون بهدم المبانى ليحولوها إلى عمارات وأبراج تدر عليهم الملايين، مثلما فعل الذين سبقوهم من الملاك قبل إنشاء التنسيق الحضارى، ولنتذكر على سبيل المثال فيلا أم كلثوم بالزمالك أو قصر سيزا قاسم فى الكوربة بمصر الجديدة، فهذه السيدة التى كانت بمثابة الذراع اليمنى لرائدة النساء هدى شعراوى، كان قصرها له طراز معمارى إسلامى بالغ الجمال، وكان موقعه على خط مترو النزهة أمام مطعم ومقهى الامفتريون، ولقد هُدم القصر ليقام مكانه أقبح برج فى مصر، وظل نزيف هدم القصور والبيوت القديمة مستمرًا بنجاح عظيم فى معظم أحياء القاهرة قبل إنشاء هيئة التنسيق الحضارى، وعلى مدى عقود تعود إلى القرن الماضى.

‫لا تستطيع هيئة أو إدارة التنسيق الحضارى أن تفعل شيئا أمام أصحاب المصالح والملاك، فهم فى النهاية من يتحكم فى الأمر، ولكنها فى الحقيقة تستطيع أن تلعب دورًا لا يستهان به فى توعية الناس أصحاب المبانى القديمة، ذات الطرز المعمارية الخاصة، ففى جميع أنحاء العالم يقوم أصحاب مثل هذه المبانى بتحويلها إلى مطاعم أو فنادق صغيرة أو مقاهٍ، وهى تدر عليهم بعد تحويلها إلى ذلك أرباحًا كبيرة، أى أن دورها فى التوعية يجب أن يُفعل على نحو أكثر وضوحًا مما هو عليه الآن، ثم إن الموضوع لا يقتصر على المبانى فقط، فرغم أن من يعملون ويتعاونون مع التنسيق الحضارى هم من كبار المعماريين المصريين، إلا أن الاستفادة من إمكاناتهم محدودة، نظرًا لغياب التعاون مع المحليات والأحياء، فما الذى يمنع أن تمد الإدارة من يرغبون فى بناء بيوت أو عمارات أو أى نوع من الأبنية بنماذج واجهات بمواصفات جمالية تلائم ما حولها فى المنطقة أو الحى، ولو كان هذا التنسيق موجودًا منذ زمن فات، لما صرنا نطالع بأسى مبنى نقابة الصحفيين القبيح بنموذجه المعمارى الهجين وهو يشوه ما حوله من مبان جميلة ومتناسقة مع بعضها كنقابة المحامين ونادى القضاة ثم الكنيسة المواجهة لمبنى نقابة الصحفيين ودار القضاء العالى، فأبنية الموقع كله كانت فى حالة انسجام معمارى وتوافق جمالى حتى جاء ذلك المبنى الذى بدا كلقيط ضمن أطفال شرعيين.

‫ثم أين التنسيق الحضارى من أبراج ماسبيرو الشنيعة، بألوانها الرصاصية المقبضة وهى تحتل أجمل المواقع القاهرية المطلة على النيل، ناهيك مما سوف ينجم عنها من مشاكل مرورية معقدة، وتحميل على البنية الخدمية للصرف الصحى والكهرباء.

‫التنسيق الحضارى بوضعه الراهن لا حول ولا قوة له، وهو يحتاج إلى دعم قانونى واسع يعطيه حرية الحركة والفعل والتأثير وحتى يستطيع مواجهة القبح المعمارى المتفشى بجمال بديل يحفظ لمصر ومدنها وعاصمتها العراقة والتميز الذى عرفت به على مر الزمان.