الثلاثاء 01 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«النُص».. «نشال الإبداع» فى موسم رمضان

حرف

خطوة جديدة أثبتت فيها الدراما المصرية قدرتها على تقديم أعمال تجمع بين الأصالة والمعاصرة، الخطوة جاءت مع مسلسل «النُص» الذى أنتجته الشركة المتحدة واستطاع خطف الأنظار منذ بداية عرضه فى موسم رمضان 2025. وهذا ما يشير إلى أن المتحدة للخدمات الإعلامية كلها إصرار على تقديم أعمال درامية تثرى المشهد الفنى وتعيد إحياء جوانب مهمة من التاريخ المصرى بأسلوب عصرى مشوق، مسلسل «النص» يقوم ببطولته الفنان أحمد أمين، ويأخذنا إلى حقبة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، ليحكى قصة «عبدالعزيز النُص»، وهو نشال تائب يحاول تغيير حياته، لكن ماضيه لا يتركه بسهولة، فى ظل صراع مع الحاضر الذى يسعى للقبض عليه. العمل مستوحى من كتاب «مذكرات نشال» وهو ما يمنحه عمقًا تاريخيًا يضفى على الأحداث مزيدًا من المصداقية والإثارة.

منذ اللحظة الأولى لعرض المسلسل، ظهر بوضوح حجم الجهد المبذول فى إنتاجه. فقدمت المتحدة للخدمات الإعلامية عملًا متكاملًا يجمع بين الحبكة القوية، والأداء التمثيلى المتميز، والإخراج الاحترافى، إلى جانب الديكورات والملابس التى تنقلنا إلى تلك الحقبة الزمنية بدقة متناهية.

الإخراج، الذى تولاه حسام على، جاء متميزًا بكل المقاييس، حيث أظهر القاهرة فى الثلاثينيات بأسلوب سينمائى راقٍ، مستفيدًا من التصوير بألوان دافئة وإضاءة تعكس أجواء الحارات المصرية القديمة، ما جعل المشاهد يعيش تفاصيل تلك الحقبة وكأنه انتقل إليها فعليًا، كما أن استخدام الكاميرا فى زوايا غير تقليدية ساهم فى تقديم المشاهد بحيوية تشويقية عالية، خصوصًا فى لقطات المطاردات والمواجهات بين البطل والسلطات.

أما على مستوى السيناريو، فقد قام فريق الكتابة «عبدالرحمن جاويش، سارة هجرس، وجيه صبرى» بتقديم حوار سلس ومناسب للفترة الزمنية، دون تصنّع أو مبالغة، وهو ما أضفى على العمل واقعية تجعله قريبًا من الجمهور.

أحمد أمين.. مفاجأة درامية من العيار الثقيل

منذ ظهوره على الساحة الفنية، عرف الجمهور أحمد أمين بأسلوبه الكوميدى المميز، لكنه فى «النُص» فاجأ الجميع بأداء درامى شديد العمق، حيث أبدع فى تجسيد شخصية «عبدالعزيز النُص»، مقدمًا مزيجًا فريدًا بين التراجيديا والكوميديا السوداء. استطاع أن يعكس التحولات النفسية للشخصية، من نشال يبحث عن التوبة، إلى رجل يحاول مواجهة ماضيه وسط صراعات معقدة، فكان أداؤه مقنعًا وقويًا، مما يضعه فى مصاف نجوم الدراما الكبار.

لم يكن أحمد أمين وحده نجم العمل، بل جاء الأداء الجماعى لطاقم التمثيل متميزًا ومتقنًا، بل نستطيع القول إن المسلسل شهد بطولة جماعية مميزة وشخصيات ثرية، وعلى سبيل المثال أسماء أبواليزيد التى قدمت شخصية محورية أضافت بعدًا دراميًا قويًا للقصة، بينما تألق حمزة العيلى وصدقى صخر فى أدوار تنوعت بين الشر والكوميديا، مما أضفى على المسلسل توازنًا دراميًا لافتًا، كما أن دنيا سامى، عبدالرحمن محمد، وسامية الطرابلسى نجحوا فى تقديم أدوارهم بتميز، ما ساعد على خلق أجواء غنية بالتفاصيل التى تجعل المشاهد أكثر انغماسًا فى الأحداث.

واللافت للانتباه فى المسلسل الموسيقى التصويرية والديكورات التى نجحت بامتياز فى إحياء الزمن الجميل وهو جانب من جوانب التألق فى «النُص» حيث جاءت الموسيقى التصويرية متناغمة مع أجواء المسلسل لاستخدامها آلات موسيقية تعكس روح الثلاثينيات والأربعينيات، ما أضفى على الأحداث طابعًا أكثر أصالة وواقعية.

أما الديكورات فقد لعبت دورًا أساسيًا فى نجاح المسلسل، حيث أُعيد بناء شوارع القاهرة القديمة بأسلوب دقيق، من الأزقة الضيقة، إلى البيوت ذات الطراز المعمارى العتيق، وحتى أزياء الشخصيات التى صُممت لتعكس روح الزمن بدقة مذهلة.

وبعيدًا عن كون المسلسل مجرد عمل درامى تاريخى، إلا أن «النُص» يثير العديد من القضايا الاجتماعية التى ما زالت حاضرة حتى اليوم. الصراع بين الجريمة والتوبة، والبحث عن فرصة ثانية فى الحياة، والطبقية المجتمعية، جميعها مواضيع تسلط الضوء على تحديات يواجهها الإنسان عبر الزمن ويمكن اعتبارها رسائل إنسانية واجتماعية مغلفة بالإثارة والتشويق.

الأحداث تحمل أيضًا بعدًا فلسفيًا حول فكرة «النص»، ليس فقط كنشاط إجرامى، بل كنمط حياة يفرضه الفقر والظروف الاجتماعية، وهو ما يجعل المشاهد يتعاطف مع الشخصية الرئيسية حتى وهو يدرك أخطاءها. لذلك يمكن القول إن مسلسل «النُص» قد حقق نجاحًا مستحقًا وهو بالتأكيد إضافة قوية للدراما المصرية، حيث لاحظنا منذ عرض حلقاته الأولى، حصاد «النُص» لإشادات واسعة من الجمهور والنقاد على حد سواء، حيث نجح فى الجمع بين الدراما التاريخية، والتشويق، والكوميديا السوداء، مقدّمًا رؤية بصرية وفنية متميزة، هذا النجاح لم يكن مفاجئًا، فهو ثمرة مجهود ضخم من المتحدة للخدمات الإعلامية، التى أثبتت مرة أخرى أنها قادرة على تقديم أعمال ذات قيمة فنية عالية، تضاهى الإنتاج العالمى.

«النُص» ليس مجرد مسلسل درامى، بل هو تجربة متكاملة تأخذنا فى رحلة عبر الزمن، بتفاصيلها الساحرة وحبكتها المشوقة، ليؤكد أن الدراما المصرية قادرة دائمًا على الإبداع والتجديد.