«الشرنقة».. أول مسلسل يفتح ملف غسيل الأموال

علامات التميز لهذا العمل تبدأ من البوستر بتكوينه، الذى تتصدر الكادر صورة حازم بالشخصيتين اللتين يظهر بهما، وفى الخلفية من اليمين محسن مرجان- صبرى فواز، دنيا- سارة أبى كنعان، سلمى- مريم الخشت، عمر- على الطيب، وتوجيه نظرات كل منهم ناحية الشخصيتين، يقرر بطل الحكاية حازم- أحمد داود، أن يصنع لنفسه حواجز حماية تحميه من تقلبات الزمن الصعب، والطريق لهذا الأمان هو الفلوس والثروة التى تجعلك تنام ملء جفونك، وجاءته الفرصة التى تحقق طموح الثراء الذى يحلم به عن طريق مندوب إبليس «محسن مرجان -صبرى فواز»، الذى رأى فيه مشروع «منحرف» يلبى وينفذ المطلوب منه وبممارسة بعض الضغط عليه وجعله دائمًا أسير الاحتياج واستغلال تطلعاته للوصول لحلم الثراء.
هذه هى الشرنقة التى يقصدها الكاتب الكبير والسيناريست الموهوب عمرو سمير عاطف، اعتقد بطله «حازم» أن بتوفيره المال والثروة، أيًا كانت الوسيلة، ستتوافر له الحماية والأمان، ولم يدرك أنه سيكون رهن حسابات ومصالح آخرين سوف يستغلونه حتى النهاية، مثل الدودة التى ظلت تغزل الحرير حولها وقبل أن تتحول لفراشة جاء من يستغل هذه الشرنقة تجاريًا ويجرى عليها عدة عمليات لتحويلها لمنتج آخر.
حازم طوال الوقت فى صراع نفسى بعد أن دخل عالم المليارديرات بعد التحاقه بمكتب محسن مرجان للمحاسبة، الذى التقطه من أحد البنوك وأقنعه بالانتقال للعمل معه، وكان مندهشًا من قدرته على إعطاء قرض لأحد العملاء المتعثرين بـ٢٠ مليون جنيه، والذى لا يملك أى ممتلكات أو أصول تغطى هذه الأموال لصالح البنك، وشرح له حازم كيف استطاع توفير هذه الضمانات «ورقيًا» ولما سأله عن عمولته فى هذه العملية؟ رد حازم: لا شىء.
ويكتشف حازم أن عمل المكتب الرئيسى هو غسيل أموال تجار المخدرات والسلاح، والأعمال المنافية للآداب.. وخلافه، وفى مشهد مهم له مع محسن مرجان يشكو فيه من مراقبة «الكيال- أحد كبار تجار المخدرات»، له ومعرفة أدق تفاصيل حياته، فيرد عليه محسن : أنت بتدير ثروته التى تقدر بـ٤ مليارات جنيه.
- لكنه تاجر مخدرات.
- وأنت عارف إنه تاجر مخدرات.
وقبل أن يواصل الحديث ويعلن عن رفضه العمل فى هذه الملفات يقول له محسن: شفت مكتبك الجديد، ويستكمل الغواية: فيه ظرف بمكافأة لك. ويجد حازم مبلغ ١٥٠ ألف جنيه، وهو الذى تعثر قبل أيام فى دفع أقساط سيارته.
وفى مشهد آخر يقول له محسن: أسوأ شىء إنك متكونش مستعد تدفع ثمن اختياراتك.

الضمير الحى
فى المقابل تحاول سلمى زوجته- مريم الخشت، فهم ما يحدث من تغييرات جذرية فى حياة زوجها والسر وراء هذه الأموال التى بدأت تتسرب إلى منزلهما البسيط، الذى قرر حازم تغييره إلى آخر داخل كومباوند، وإلحاق طفلهما- حمزة- بمدرسة دولية تبلغ مصاريفها ربع مليون جنيه، وعندما صحبتهم مسئولة التعاقدات فى جولة داخلها شاهدوا فيها حمامات السباحة والملاعب المختلفة.. إلخ، ولما سألتها سلمى عن وجود مسجد، ردت باقتضاب: فيه ثلاثة، والمدهش، كما لاحظت سلمى أنها تحدثت فى كل شىء ما عدا أهم شىء، وهو المناهج التى ستدرس لابنها؟
وحاولت سلمى إثناء حازم عن التعاقد مع هذه المدرسة، لكنه لم يلتفت لكلامها ومضى فى طريقه.
لكنها لم تيأس وتعاونت مع ضابط مباحث الأموال العامة عمر/ على الطيب.
موت حمزة
جعل المؤلف من موت حمزة المفاجئ علامة فاصلة فى الأحداث، فقد اختفى حازم بعد ذلك لمدة أربع سنوات تحت اسم وشخصية أخرى، وربما أراد المؤلف أن يذكر حازم بأنه لن يستطيع امتلاك كل شىء فها هو ابنك الذى تسعى بكل جهدك لتوفير أقصى حماية له حتى ولو بفلوس مشبوهة، لكنه تحت رحمة وعناية وحماية خالقه.
وترتبت على ذلك أحداث وتفسيرات لمواقف ومشاهد سابقة لم توضح ماذا يحدث.
تكنيك الكتابة
لا يلجأ عمرو سمير عاطف لرواية حكاياته بالشكل التقليدى، كما يحدث فى أغلب أعمالنا، وهو أيسر للكاتب وللمشاهد، الذى ربما لا يسعفه وقته للرؤية من الحلقات الأولى ويستطيع متابعة العمل بعد ذلك، لكن الدراما التى يكتبها عمرو تحتاج قدرًا من التركيز الجيد والمتابعة لكل مشهد بدقة وعدم استعجال تفسيرات لبعض المشاهد؛ لأنه سيعود إليك بعد ذلك بالتفسير لها، وهذا النوع من السرد هو الأصعب فى الكتابة والتصوير والمونتاج ولا يجيده كثيرون، ولا بد أن تكون الموضوعات المطروحة فى هذه الأعمال من نوعية خاصة من الإثارة والتشويق، كما أنها تحمل الكثير من المفاجآت.
فى عمله الدرامى الذى يقترب من رقم ٥٠، يعود عمرو سمير عاطف مجددًا بعد غياب خمس سنوات منذ عمله الأخير «النهاية» ٢٠٢٠ ليدهشنا من خلال رواية شديدة الحبكة، يطرح فيها قضايا شديدة المعاصرة والخطورة فى آن واحد؛ لأننى أرى أن المسلسل يقتحم للمرة الأولى عالم غسيل الأموال بهذه الجرأة.
محمود عبدالتواب
من يلاحظ مسيرة المخرج محمود عبدالتواب منذ كان مساعدًا يدرك جيدًا اختياراته للأعمال التى يقدمها مثل: «قصر النيل، لعبة نيوتن، هذا المساء، فوق مستوى الشبهات، جبل الحلال»، وكان أول أعماله كمخرج مسلسل «صوت وصورة» والثانى «رقم سرى»، والعملان للمؤلف محمد سليمان عبد المالك، وفى عمله الثالث يؤكد لنا عبدالتواب أننا أمام مخرج متمكن ومهتم بالتفاصيل وتوجيه وإدارة الممثل.
فريق العمل
أمام الكاميرا.. اجتهد داود فى أداء شخصيتى حازم وإيساف، ومن أهم مميزات أحمد أنه يقدم أعماله واختياراته بتأن وبخطوات محسوبة ولا يكرر نفسه.
والمفاجأة الحقيقية كانت مريم الخشت بأدائها الراقى وحالة المعايشة الكاملة مع شخصية سلمى، وهنا لا بد من الإشادة بالكتابة والحوار لعمرو سمير ونحن نرى سلمى وهى تحاول انتشال زوجها من الهوة التى أوقع نفسه فيها بهدوء ورزانة وذكاء.
الكبير صبرى فواز فى واحد من أجمل أدواره.
الكبار.. أيمن الشيوى، كمال أبورية، ياسر على ماهر، سعيد صديق، ياسر عزت، رامى الطمبارى.
الموهوبون جدًا.. محمد عبده، على الطيب، سارة كنعان، فاطمة الناصر، باسل الزارو.
خلف الكاميرا
موسيقى تصويرية شادى مؤنس، إشراف فنى وديكور أيمن فتحى، أزياء عبير البدراوى، تصوير أشرف البدراوى، مونتاج رامز عاطف، الإنتاج واتش إت- المتحدة- أروما- تامر مرتضى.