الجمعة 10 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

حسين دعسة يكتب: يوميات مع خيل لامية الشنفرى.. قصة قصيرة مستوحاة من نص شعرى

حرف

- الشَّنْفَرَى شاعر جاهلى من فحول الطبقة الثانية وكان من فتاك العرب وعدّائيهم

.. تريد أن تمشط ما وراء تلك البشرة الجلد الذى يحترق، كتابة على إثر مرورنا، يحملنا بساط الريح، تصرخ حرير الريح كلما مررنا حول قمم السروات، التى تناعز جبل قاسيون، نغرض فى غيمة حمراء، تلوح فوق دمشق. 
عيناها تقنص همس رمش العين، تعلم ما لا أعلم، عرضت على تبتى، قلت المنافذ الياسمين الدمشقى، حراس صقلتهم لمعان السيوف، أغرتنا الرحلة وكان السندباد يحمل الخطايا. 
توقف المصور عن صور اللحظة. 
عانقتها بماد البساط أن يذوب. 
ذبتا فى ساحة المرجلة.. 
عن حرير الروح!
.. ليس سرًا، أن 
السارد، فى دفاترى التى تعج ببقايا التبغ، هى تلك السيدة الأنثى المختارة حرير الروح:
فى تلك الليلة.
تاه القنديل وذاب. 
لا تغضبى! 
لا أذكر كيف قال من تذكر منا:
كأنها لامية الشنفرى! 
-فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ. 
صوتك الغنج الثقيل ردد:
تعدّ هذه القصيدة من عيون الشعر العربى. دم تك، دم تك. 
رقصت على جراح ذاكرتى.. 
وصرخت فى عمق تلك الحلمات
نثرت نبيذًا دمشقيًا، سال بردى:
-سَرى راغِبًا أَو راهِبًا وَهوَ يَعقِلُ. 
تحسست الصوت الغريب، كان صوت أمى. 
فى تلك الدفاتر
فى تلك المقابر؛ كان صوت أمى. 


.. أ. م. ى. ى!. 
نقلت يدى عن الورق، كنت وعيونك والسارد ينبض بين الضلوع، رأيت البحر يعيد صورة الحزن، كادت صخور الموج ترحل معى، إلا أنت فقد نال منك الحبر، كتب لى عن زمن الخوف من الآتى:
مش أنت! 
هو أنت، ومعك قلادة الحجاب، وخواتم اتسعت على أصابعى، وتلك الجريمة التى شاهدناها تحدث على رصيف حديقة عروس الشاطبى. 
مالت الكراسى الأسمنتية وطيرها غول البحر والصياد وقطط الخبايا. 
.. دامت رائحتك. 
ما تاه من السيناريو:
مشهد حر:
قرأت صحف اليوم، عن حرائق غزة، حرائق الشرق الموعودة، وقفت أترنح «على قلق»، نظرت إلى بحر الإسكندرية، القلعة تنير بحرى، وعينى فى موج كمب شيزار، أتحرك، أتحسس كلمات تخرج من نبض أصابع، تدور عن حكاية مفتاح خضرة المحمد. 
عندما زارت أمى شاطئ الشاطبى، كانت تبكى شاطئ يافا، لكنها لم تترك ثوبها، ساندتها حرير الروح، ودخلنا نفق مسير عروس البحر المجنونة. 
تنال منى موسيقى غرائبية، كان الراوى وحيدًا يلعق الشيح والدحنون والنبيذ:
.. هى
.. وليس أنت
.. «ومن أفضل القصائد لجزالة ألفاظها وتعبيرها عن حياة العربى وأخلاقه فى الجاهلية، لكنها «خضرة» التى زوت أوراق النعى، تحركنا بين الطرق، مساعينا نحو المقبرة الأخيرة. 
.. دم تم. دم تك
ثم تحرك الفراش
تحرك الدم الجاهلى
كان قطار الشنفرى قد تاه. 
بينما كان البائع جوار مسجد القائد إبراهيم يخرج عسل النهر، كان الشاعر أنت، الحكاءة أنت، فأقاموا الصلاة:
أَقيموا بَنى أُمّى صُدورَ مَطِيَّكُم
فَإِنّى إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ! 
غادرنا النسر المعتق 
اقتربى من طين حنطتى وهيا معى نزور تلك الممرات التى اغتسلنا فى أسرارها. 
.. اتركى لى سورة الرقبة وحمى الصدر المجنون، وبحة الحاجات واللَيلُ مُقمِرٌ، 
واللَيلُ مُقمِرٌ،
واللَيلُ مُقمِرٌ،
.. توقف قطار الطرق الجهنمية تشتعل. 
تاه الخباز عن عجين الحنطة. 
حرير الروح تقرأ- سرًا- فى خرائط شعر الصدر. 
دم تك. دم تك. 
لماذا توقف القطار. 
.. وقد جاءت الرواية لساردها:
«اختلى ذات يوم وهرب، ذات ليلة، وجاع فى بقية الحكاية». 


.. سار مع القارب إلى أطراف تلك المندرة، كانت تلك الليلة تنذر بالوحدة، سيان أن تتحد المدن، ويتوه الشعب، كنت أترقب تلك الأوراق التى لونت حبر البحر، ابتلعتها عناكب الأدراج القديمة، داخل أسرار سندباد البحر:
كتبت لكم عن ذلك العاشق الذى يحرس تلك العصابة،.. ولكن الريح أتاحت لنا وثيقة اللامية.. وخطاب الوحدة:
.. «أيها المواطنون:
السلام عليكم ورحمة الله..
إننى أشعر الآن وأنا بينكم بأسعد لحظة من حياتى، فقد كنت دائمًا أنظر إلى دمشق وإليكم وإلى سوريا، وأترقب اليوم الذى أقابلكم فيه. 
*قطع: «قال لى الشارد، إن البحر غار فى خسوف طويل، وأنه بكى لكن الدمع تناوشته أفاعى الوهم».. 
* معكم نواصل:
.. «والنهاردة.. النهاردة أزور سوريا قلب العروبة النابض.. سوريا اللى حملت دائمًا راية القومية العربية.. سوريا اللى كانت دائمًا تنادى بالقومية العربية.. سوريا اللى كانت دائمًا تتفاعل من عميق القلب مع العرب فى كل مكان.
واليوم- أيها الإخوة المواطنون- حقق الله هذا الأمل وهذا الترقب وأنا ألتقى معكم فى هذا اليوم الخالد، بعد أن تحققت الجمهورية العربية المتحدة». 
سموم:
كانت سموم قاسيون تأخذنا، ليل نهار وهروب الظل يغتال صبرنا، خرائط الجسد تنال من صاعقة نامت تحت سخام القنديل، تذكرين معى تلك الزقاق فى أطراف شارع بورسعيد، ولم نؤرخ، فى دفاتر حرير الروح جنت الحرية:
رسمت من الأمد، ما تركته الماء فى خرائط جسدى. كنت والقطار.. وتلك المطايا. 
عطر الأرض.
دم تك. دم تك.. 
واللَيلُ مُقمِرٌ، 
.. والحرير يتقبل رائحة الدم. 
كان عطر الأرض فى شبق. 
روج حارس النزل عن جثة تتحرك، إشارات بعيدة، كان القط يلهو بما تركه الصياد من نتف الأسماك. 
لا جثة، لا قلق، إلا نعش تنبش أوصاله قتلة الحلم. 
ما زالت تحترق:
.. كأنها نائمة.. 
تراب الباحة، وروايات هجينة تشتعل فى خيام.. وعتيق من الخطوات.. 
كانك تحررت من ما علق فى الروح. 
يا أنت يا حرير الروح. 
هيا معى نسرق الحنطة. 
آن أوان الخبز المعجون بالدم..
آن أوان الخوف على مرور سندباد بين بغداد ودنشق. 
خذينى، الخوف ثقل عظامى، زاد لهاثى، وتلمست صورك الصابرة.
.. عن قصة الوحيدة:
لنقف معًا.. 
عبق معتق يحترق مع الخبز. 
تلملم دقيقة عن عقيق العنق
تلمع عيناها.. إشراقتها تنتفض مع ريح يرجرج كتلة كأن سنامها يتأخر. 
.. لم أكن أصغى، حين تحكى عن جسدى. 
عن جسدى المعبأ بالثقوب، لا تقلق، فالريح تأخذ بقايا الإثم. 
دم تك 
دم تك. 
.. وحيدًا كنت مع غراب الباحة نترقب نذر الشرق. 
بانت 
وحيدة، تبيع قصصها، تلملم تحريرها الذى التف على شعر صدرى، رفضت السفر معى نحو ثوار الفضة فى أطراف بردى، قرأت تودعنى:
كيف تكتشفه، وأنت فى وسط مرارة الأشياء، العمر مثلًا. 
كسرت صورة الوقت
من منكم يتقن لعبة كسر الوقت. 
أو يتقن قراءة لامية الشنفرى، 
لم أقرأ تلك المدرج.. التى تعلمها قبل مرور الغربان. 
.. وهذا ما حدثنى عنه أبى، رأيته يتسلل، تبن المطايا يحمى 
تبن المطايا. 
.. تحركت الجثة وتاه مسار قادة الريح، صمت النائم فى خدر تلك السيدة التى فقدت المفتاح. 
قلت لها:
عن أى مفتاح، الصوت يدمدن:
- دم تك. دم تك. 
.. كنت قبل ذاكرة مشبعة، سألت خضرة المحمد، أمى من أين لك هذا الوشم؟ 
بكت وسمعت الهمس:
إنه جرح اللامية؛ متاهة الآتى.
المنبوذ. 
.. لوحدك، كأنك تائه منبوذ. 
تراها، ها هى تجلس تراقب الموجة الغنوج، تلاحقنى، أشم رائحتها وترقب هروبها نحو كهوف العالم السرى لعروس البحر. 
عندما سألنى صديقى عن سر الموجة، قلت له:
- انظر وترقب! 
دنا القمر البدر من صفحة البحر العميقة، كسر ظل القوارب، أطلقت العروس، ترشق ما علق على قشورها الذهبية من عشب البحر، أغوتنى الموجة التى حملتها. 
قتلنى غياب القمر، كسوف يعيد إلى نبض قلبى ألم غياب حرير الروح الذى طال. 
حدثنى أوجاعى عن أيام هياج الموجة وصراعها مع خروج خيل الشنفرى من جانب القلعة، تنساب عبر شواطئ بحرى، تغتال ذاكرتى، تصل حدود كمب شيزار، وتولى الآبار، أمسكت حجاب خضرة المحمد، دفت خوفى، كنت تتأوهين من عشق وتعب.. وحراس الطرق. 
صمت عين الفيجة
نهب الغادر صبابة عين الفيجة. 
نعت حرير الروح تلك الغيمة السرية التى تطلق الرصاص، تعصر الحليب دما السودا، فى ورق السجين، إنه كان يقرأ فى سيرة الشنفرى، وسيرة أخرى مشبوهة لابن عربى، يقرأ ويهب الحكايات للفاتح الوهم. 
نامت حرير الروح، ألقت حمل تعبها على ظلال حور جنب عين الفيجة، كان حارس السجن يغتسل من الدم، تتعلق عيناه بما فى بساط الريح من دولة أخبار وخطوب ونبض جراح ورواية عن مقبرة تعيد سورة الموتى. 
هامش عن القصة والشعر:
الشَّنْفَرَى شاعر جاهلى، من فحول الطبقة الثانية. كان من فتاك العرب وعدّائيهم. وهو أحد الخلعاء، تبرأت منهم عشائرهم.
قتله بنو سلامان. وقيست قفزاته ليلة مقتله، فكانت الواحدة منها قريبًا من عشرين خطوة. 
.. صاحب لامية العرب، شرحها الزمخشرى فى أعجب العجب. 
.. وهو؛ ثابت بن أوس الأزدى- على الأرجح، والشنفرى لقبه لغلظة شفتيه، فأمه حبشية. قُتل أبوه وهو طفل، فنشأ يتيمًا، أسيرًا فى بنى سلامان، يرعى البهائم لأحدهم فى جبال وأودية القرى بمنطقة الباحة، وبالتحديد فى الناصف بوادى بيدة. 
فى قصته مع ابنة الذى يرعى له البهائم، علم أنه أسير عند السلامانى، وأنه من الحجر بن الهنوء من الأزد، ووالده من علية القوم، فقال مخاطبًا الفتاة:
إذا ما أروم الود بينى وبينها
يروم بياض الوجه منى يمينها
.. وفى نهاية حرب الشرق:
دم تك
دم تك.