أفلام المقاولات الجميلة
مصر من أولى الدول فى إفريقيا والشرق الأوسط التى عرفت السينما، وبها صناعة سينما ضخمة ومؤثرة، وتشكل بأفلامها تاريخًا للإنسانية، ويحمل أرشيفها أفلامًا رائعة على كل المستويات من الإنتاج والتأليف والإخراج والتمثيل لآخر عناصر الفيلم.
والسينما مثل أى فن يتأثر بالظروف السياسية والاجتماعية الخاصة بكل مجتمع، وحقبة الثمانينيات فى السينما المصرية كانت حقبة صعبة، حيث كان الإنتاج السينمائى قليلًا قياسًا على السنوات السابقة على تلك الحقبة، حتى إنه فى أحد الأعوام تم إنتاج خمسة عشر فيلمًا فقط.
وفى تلك المرحلة ظهر ما يطلق عليه أفلام المقاولات، والتى كانت أفلامًا ذات ميزانية منخفضة وسيناريوهات رديئة، وإخراج ضعيف، والغريب أن أغلب الممثلين فيها كانوا نجومًا معروفين فى المسرح ومسلسلات التليفزيون، بل إن بعضهم شارك فى نفس الوقت فى أفلام مميزة.
وكان إنتاج هذه الأفلام بسبب دخول بعض أصحاب الثروات المفاجئة مجال الإنتاج السنمائى بحثًا عن المكسب السريع والوجاهة الاجتماعية، دون معرفة حقيقية بأهمية فن السينما أو الفن عمومًا.
معظم هذه الأفلام لم تكن تعرض فى دور العرض السينمائية، بل كان يتم إنتاجها لتطبع على شرائط الفيديو لتباع لأندية الفيديو فى مصر، أو لتعرض فى الخليج من خلال أندية الفيديو أيضًا، وأندية الفيديو مصطلح غير معروف لجيل الألفية والجيل الذى يليه.
هذه الأفلام تم مهاجمتها من أغلب النقاد، والفنانين والعاملين فى صناعة السينما، دون البحث عن الوجه الآخر لهذه الأفلام.
أسهمت هذه الأفلام بشكل كبير فى معرفة العديد من المغتربين المصريين - خاصة الأطفال منهم- بالشوارع فى مصر، وشكل الحياة فيها ولم تجعلهم منفصلين عن الوطن، وأيضًا حافظت على اللهجة المصرية فى وسط مجتمعات الغربة، خاصة أن أغلب الدول الخليجية فى حقبة الثمانينيات لم يكن بها دور للعرض، فكان التعرف على الفيلم المصرى من خلال الفيديو، وتعتبر ذروة إنتاج أفلام المقاولات سنة ١٩٨٦ وبلغ عدد أفلامها ٩٦ فيلمًا، ليبدأ بعد ذلك المنحنى فى الانخفاض، حتى ينتهى مع حقبة التسعينيات وظهور موجة الأفلام الكوميدية وأفلام الشباب. أيضًا حافظت أفلام المقاولات على صناعة السينما من الانهيار، فخلف الكاميرا يوجد جيش من العاملين من عمال وفنيين، ولولا تلك الأفلام لكان العديد منهم بلا عمل وأسهمت فى أن يظل الفيلم المصرى موجودًا بقوة بجوار الفيلم الأجنبى والذى كان مكتسحًا. أفلام المقاولات على الرغم من ضعف أغلبها تقدم وثيقة تاريخية عن شكل الحياة فى مصر، وصور الشوارع والمنازل، والأزياء والعديد من مظاهر الحياة، وهذا ما تفعله السينما طوال الوقت بشكل غير مقصود.
أفلام المقاولات أو الأفلام قليلة التكلفة، والتى تركز على مواضيع كوميدية أو استهلاكية ليست مقصورة على السينما المصرية بل فى كل دول العالم توجد هذه النوعية من الأفلام، والغرض منها تدوير رأس المال الفنى بصورة سريعة لكى يتم الإنفاق منها على الأفلام ذات الإنتاج المتميز، وكانت سوق الفيديو للأفلام الأجنبية مليئة بهذه النوعية من الأفلام، ثم انتقل بعد ذلك التطور إلى المشتركين فى قنوات معينة، وحاليًا المنصات.
السينما فى النهاية سلعة ثقافية من الصعب بل المستحيل أن تكون كل الأعمال فيها جيدة أو ممتازة، بل فيها كل مستويات الجودة، والأهم هو الاستفادة من وجود مثل هذه الأفلام فى تنمية الصناعة، فليست كل الأفلام قليلة التكلفة رديئة ولا الأفلام ضخمة الإنتاج جيدة.