السبت 04 يناير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

وهم الإسلام السياسى.. لماذا هذا الكتاب.. ولماذا الآن؟

حرف

- الكتاب صغير الحجم عظيم القيمة والفائدة يبدد أوهامًا ويكشف ز يفًا طال الترويج له

منذ الإعلان عن هذا الكتاب فى سلسلتنا العريقة «اقرأ»، وهو يملأ الدنيا ويشغل الناس، كما نطق بلسان الشعر والجمال حكيمنا المتنبى. وكأن الناس، وجمهور القراء فى حالة تعطش معرفى ونهم ثقافى وفكرى لقراءة ما يفند أو يقوض كل الأفكار النظرية المنحرفة والتصورات والتنظيرات، التى انبنى عليها كل ممارسات هذا التيار، الذى يتخذ من العنف وسيلة للوصول إلى أغراضه، ومن الإرهاب والترويع نهجًا ومسلكًا فى ترسيخ ما يعتبرونه أو يطلقون عليه «الدولة الإسلامية» التى ثبت- عمليًا وتاريخيًا- أنها مجرد «وهم» و«أكذوبة كبرى»؛ الغرض منها التحكم فى رقاب الناس والبلاد والعباد باسم الدين، وباسم المقدس، وباستغلال مجرم للعاطفة الدينية، واستغلال مشاعر البسطاء فى تمرير أى فكرة أو ممارسة مهما كانت لا إنسانية بغلاف دينى!

أتصور أن هذا الكتاب صغير الحجم عظيم القيمة والفائدة يبدد أوهامًا ويكشف زيفًا طال الترويج له والعمل على دسه فى الأذهان والعقول طيلة عقود وعقود، يأتى هذا البحث المكثف للمفكر المغربى القدير، وأستاذ الفلسفة الإسلامية، والعميد الأسبق لكلية الآداب بجامعة محمد الخامس، الدكتور سعيد بنسعيد العلوى، وهو من هو فى علمه وإنجازه المعرفى والثقافى، وهو التلميذ النجيب للعلامة المغربى الراحل الدكتور محمد عابد الجابرى، يأتى ليقدم تعريفًا وافيًا بماهية «الإسلام السياسى» أو رسم ملامحه الأساسية التى «تحده وتُعيِّن معناه» بلغة المناطقة والفلاسفة القدامى. 

كما يرصد الكتاب بدقة طبيعة العلاقة بين تصورات الإسلام السياسى «من واقع استقراء وتتبع دقيق لأدبيات وكتابات وتنظيرات هذا التيار»، وما يسمى، فى نظرهم أيضًا أو ما يطلقون عليه «الدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية». وإذا كان بحث هذه العلاقة جرى فى شكل إجابة عن سؤال: ما العلاقة بين المفهومين أو التصورين؟ فإن محتوى الإجابة كان أنه لا علاقة بين الإسلام السياسى والدولة الحديثة ذات المرجعيّة الإسلاميّة. 

وأنا أقرأ هذا الكتاب القيم تذكرت المشاهد البشعة التى رأيناها على شاشة التليفزيون إبان ظهور ما كان يعرف أو يسمى بداعش، لم نكن نستوعب هذه المشاهد البشعة الوحشة من ذبح الرقاب وقطع الرءوس وإحراق الأحياء بالنار، وغمرهم بالماء.. إلخ كل الموبقات والجرائم الوحشية اللا إنسانية. 

لم أكن أفهم أو أستوعب ما الذى يجعل هؤلاء الوحوش يفعلون ما يفعلون، وهم يصيحون بهيستيريا مجنونة: «الله أكبر.. الله أكبر» إلى أن انتهيت من قراءة هذا الكتاب الكاشف المحلل، الذى أورد من نصوص هؤلاء وأدبياتهم ما يفسر هذه الوحشية، وهذا التعطش للدم والقتل والذبح. 

فقط سأكتفى بإيراد واحدٍ من هذه النصوص التى رجع إليها الدكتور سعيد بنسعيد العلوى؛ لنفهم أن وراء ما جرى كله «توجيه نظرى»، ومعتقد تصورى، ورؤية سياسية تستند لتفسيرات «دينية» مشوهة ومنحرفة؛ يقول النص الذى يورده الدكتور العلوى، تحت عنوان «واجب القتال: جهاد الورق وجهاد الإرهاب»:

«لا يكون الجهاد جهادًا حقًا إلا متى كان (شدة، وغلظة، وإرهابًا، وتشريدًا، وكل الذين يتعلمون الجهاد النظرى، أى: يتعلمون الجهاد على الورق فقط، لن يستوعبوا هذه النقطة جيدًا، ناجى، أبوبكر، إدارة التوحش، أخطر مرحلة ستمر بها الأمة، مركز الدراسات والبحوث الإسلامية، ص ٣١)».

ذلك ما يقرّره زعماء الإسلام السياسى، ويوافقون عليه، وإن اختلفت العبارة فى بعض الأحيان.

يقع كتاب «وهم الإسلام السياسى» فى فصلين اثنين؛ يقدم أولهما محاولة فى تعريف «الإسلام السياسى» أو رسم ملامحه الأساسية التى تحده وتعيِّن معناه. ولما كان غرض المؤلف الانطلاق من بدايات تعريفية متحصنة من أى إيديولوجيا تمجيدية أو قدحية، فإنه توخى لهذا التعريف منهجًا مميّزًا تمثل فى تعيين الخطوط العامة التى تسطر مجمل الدائرة التعريفية لهذا المفهوم. وذلك باتباع عملية مراوحة بين التعريفين السالب والموجب. ومن هذا المنظور المزدوج، كان خوضه فى عدة محاور تمثل مداخل أساسية فى هذا التعريف. 

سعيد بنسعيد العلوي

وأول هذه المداخل تمثل فى تعيين العلاقة بين الإسلام السياسى، والدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية. وإذ كان بحث هذه العلاقة جرى فى شكل إجابة عن سؤال: ما العلاقة بين المفهومين، فإن محتوى الإجابة كان أنه لا علاقة بين الإسلام السياسى، والدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية. 

وتبعًا لهذا التعيين الأول لأول معانى التعريف السالب لمفهوم الإسلام السياسى، انطلاقًا من مقارنته بمفهوم الدولة الحديثة ذات المرجعية الإسلامية، كان المرتكز الثانى، فى متابعة هذا التعريف، هو خطاب الإسلام السياسى ذاته، وذلك انطلاقًا من منظور موجب فى التعريف يبحث فى خطاب الإسلام السياسى عن موجهاته الأساسية، وعناصره الداخلية التى تمثل ثوابت قارة فيه.

ومن هذا الجانب يقرر مؤلف الكتاب أن الموجهات الأساسية لهذا الخطاب تمثلها المعانى الكبرى التالية: وأولها اعتبار الخلافة من أصول الدين، وثانيها تقرير ضرورة إحيائها، وثالثها القول بضرورة محاربة الدولة الحديثة من أجلها، ورابعها تكفير كل مخالف لهذا التفكير. 

فأما الثوابت الداخلية لهذا الخطاب، فتمثلها الأزواج المفاهيمية الأربعة التى يحددها المؤلف فى مقولات: الإسلام والجاهلية، والولاء والبراء، والحاكمية والسيادة، ودولة الخلافة، ودولة الطاغوت. 

وإذ يختزل المؤلف شرح هذه المفاهيم والمقولات، فإنه يمر إلى المدخل التعريفى الثالث الذى يعتمده فى هذا التمهيد، والذى يقوم على بحث علاقة الإسلام السياسى بتراث الفكر السياسى الإسلامى فى فروعه الثلاثة التى يمثلها: الكلام، والفقه، والأدب السلطانى، والفكر السياسى النهضوى. 

وعلى كون هذا البحث ينتهى إلى نفى الأصالة عن هذا التيار، فإنه من المنظور التعريفى المراوح بين التعريف السالب والتعريف الموجب فى هذا الفصل يعين ملمحًا ثالثًا للإسلام السياسى هو ملمح المعاصرة.

فليس الإسلام السياسى إلا ظاهرة معاصرة، بنت زمانها المعاصر، تجد تفسيرها فيه. وبهذا الملمح الجديد يغلق الباحث دائرة هذا التعريف المركب للإسلام السياسى بتعيينه صيغة من ظاهرة معاصرة أعم هى ظاهرة الإسلاموية، وهو من هذا المنظور أيديولوجيا نضالية كالإسلاموية عامة، يوجهها هدف أكبر هو امتلاك السلطة بأى وسيلة كانت، هو الهدف الذى تنبنى عليه كامل التأويلية السياسية المنجزة من قبله للإسلام.

بهذه المحاور الأربعة، ومداخل للتعريف من المنظورين الموجب والسالب، ينجز المؤلف عملية تعريف الإسلام السياسى، فى الفصل الأول.