قضية مهمة فتح خالد محمد خالد الباب لمناقشتها.. هل يعود المسيح؟
- فى الأدبيات الإسلامية أن المسيح عليه السلام سينزل إلى الأرض فى آخر الزمان ليقتل المسيخ الدجال
- نزول النبى عيسى عليه السلام ثابت بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
يحلو لمن يهيمون حبًا فى الكاتب الكبير خالد محمد خالد، تصنيفه فى خانة «الكاتب الإسلامى».
الواقع أن الكاتب الذى عاش بين العامين 1920- 1996 يعنى لى ولغيرى ممن يعرفون قدره جيدًا فى مسيرة الفكر والكتابة والإبداع أكثر من هذا بكثير.
خالد محمد خالد كاتب إنسانى متفرد.
منذ كتابه الأول «من هنا نبدأ»، الذى صدر فى العام 1951 حتى كتابه الأخير «الإسلام ينادى البشر»، الذى انتهى منه قبل وفاته بشهور قليلة، وهو يتغنى بالإنسان وقيمته، فقد خلق الله هذا الكون كله، رتبه ونظمه وأرسل إليه أنبياءه وفى أيديهم كتبه المقدسة من أجل الإنسان وحده.
من بين الكتب المهمة التى أصدرها خالد، كان كتابه «محمد والمسيح.. معًا على الطريق»، الذى استقبلته المكتبات العربية فى العام 1986، ولا يزال الاحتفاء به مستمرًا من خلال توالى طبعاته التى يقبل عليها القراء بشغف شديد.
صدّر خالد كتابه بكلمة خالدة للنبى محمد «صلى الله عليه وسلم» يقول فيها «الأنبياء إخوة.. أمهاتهم شتى ودينهم واحد».. وأهداه بذكاء شديد إلى الذين يعملون فى مثابرة ومحبة من أجل الإنسان ومن أجل الحياة.
ويضع أيدينا على ما يريده تمامًا، فقد قرر أن يقول للذين يؤمنون بالمسيح وللذين يؤمنون بمحمد: برهان إيمانكم إن كنتم صادقين أن تهبوا جميعًا لحماية الإنسان وحماية الحياة.
لا يعتبر خالد كتابه تأريخًا للمسيح، ولا تأريخًا للرسول، فتاريخهما قد بسط بسطًا لا يشجع على التكرار، وإنما هو تبيان لموقفهما من الإنسان، ومن الحياة، أو بتعبير أكثر سدادًا موقفهما مع الإنسان ومع الحياة.
أخذ خالد حنين واع إلى الكتابة عن الرسول، وعن المسيح، وفى ذات الوقت كان يناديه الواجب الذى كرس نفسه له، أو يريد دومًا أن يكرس له حياته، وهو الإسهام فى حماية الإنسان والحياة من الكذب ومن العجز ومن الخوف.
وفى اللحظة التى أعطاه فيها وجدانه إشارة البدء، وجد نفسه يكتب فى هذا الموضوع، وتحت هذا العنوان.
لم يسأل خالد نفسه: كيف تم هذا اللقاء السعيد بين رغبته فى أن يكتب عن محمد وأخيه، ورغبته فى الكتابة عن الإنسان والحياة؟
فهو يعرف تمامًا لماذا جاء محمد.. ولماذا جاء المسيح؟
ففوق أرض فلسطين شهد التاريخ يومًا إنسانًا شامخ النفس، مستقيم الضمير، بلغ الإنسان فى تقديره الغاية التى جعلته ينعت نفسه بـ«ابن الإنسان»، الذى يجعلنا عبيره الإلهى وكلماته وسلوكه ندرك الغرض العظيم الذى كابد من أجل تحقيقه، وهو إنهاض الإنسان وإزهار الحياة.
ومن بعده بستمائة عام، تأخذ الأرض زينتها لتستقبل إنسانًا آخر، ما يكاد يسأل عن أفضل الأعمال وأبقاها، حتى يجيب: بذل السلام للعالم.. وأن تعيشوا عباد الله إخوانًا، ويغار على الإنسان، حتى إن فؤاده الذكى ليكاد يتفطر أسى على موبقاته، ويتفجر أملًا فى مستقبله، وثقة فى قدراته.
وعلى لسان الرسول يتغنى خالد بغايته الكبرى، وهى الإنسان، يقول: أيها الإنسان.. لماذا تسجد للأصنام؟، ولو كان ثمة من يسجد له غير الله لكنت وحدك ذلك المعبود، ولماذا تذل للسادة والأعلين؟ وأنت هنا وفى هذه الأرض خليفة الله، ويا أيها الناس.. لماذا تعيشون طبقات؟ وقد خلقكم الله سواسية كأسنان المشط، ولم يجعل لابن البيضاء على ابن السوداء فضلًا إلا بالعمل والتقوى.
على صفحات كتابه، ألقى خالد بفيض من اللفتات الذكية والتوجيهات السديدة التى نحت عن الإنسان كثيرًا من مثبطاته، فيها ضياء اللمسات الرفيعة الهادية، جميع الجلال الذى أراده محمد والمسيح للإنسان وللحياة، ومن سلوكهما وتوجيهاتهما سيأخذ ولاء المؤمنين بالإنسان وبالحياة زادًا باقيًا.
الكتاب موجود ومتوافر، إن لم تحصلوا عليه من المكتبات، فهو متاح بصيغة إلكترونية يمكنكم تنزيله وقراءته، فقراءته ضرورة إنسانية قبل أن تكون معرفية، وما جئت إليكم اليوم لأحدثكم عن كل ما جاء فيه، ولكننى أضع بين أيديكم قضية مهمة، وضعها خالد محمد خالد منذ ما يقرب من أربعين عامًا على مائدة النقاش، دون أن يلتفت إليها أحد.
هذه القضية هى عودة المسيح إلى الأرض مرة أخرى، ليملؤها خيرًا وحقًا وعدلًا بعد أن مُلئت باطلًا وجورًا وفسادًا، وهل ستكون هذه العودة بالجسد، كما تقول الكتب السماوية المقدسة، أم أن هناك صورة أخرى يمكن أن تكون مقبولة لهذه العودة؟
لكن قبل أن نعرف ما الذى قاله، ما رأيكم أن نعرف ما توافر عن هذه القضية فى الأدبيات الدينية فى الإسلام والمسيحية؟، ثم بعد ذلك ننصت قليلًا إلى ما قاله ويريدنا أن نستمع إليه ونعمل به.
عبر عشرات المصادر والمراجع الإسلامية المهمة يمكننا أن نضع أيدينا على فكرة عودة السيد المسيح إلى الأرض مرة أخرى، وهى العودة التى يعتبرها البعض أصلًا من أصول العقيدة الإسلامية، وذلك لأن من يقولون بذلك يؤكدون أن نزول النبى عيسى عليه السلام ثابت بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
والأصل فى ذلك أن من يقولون به يعتبرون نزول المسيح إلى الأرض من بين علامات الساعة الكبرى، فلا تقوم القيامة إلا بعد أن يشهد الناس هذه العلامات جميعها، ما يستدعى أن يؤمن المسلمون بها، حتى يكتمل لهم إيمانهم.
هذه العقيدة تتماس بشكل واضح مع ما يعتقده المسلمون من أن المسيح عليه السلام لم يُقتل ولم يُصلب «وما قتلوه، وما صلبوه، ولكن شبه لهم» كما يقول القرآن الكريم، وأن الله رفعه إليه فى السماء، وأنه سيرسله مرة أخرى إلى الأرض.
يعتبر من يعتقدون بعودة المسيح إلى الأرض أن الإيمان به جزء من الإيمان باليوم الآخر، ولا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
فى الأدبيات الإسلامية أن المسيح عليه السلام سينزل إلى الأرض فى آخر الزمان، ليقتل المسيخ الدجال ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، ولا يقبل من أهل الكتاب إلا الإسلام على شريعة النبى محمد.
ما رأيكم أن نفتح معًا كتب التفاسير ونركن قليلًا إلى أصحابها.
ففى قوله تعالى: «وإنه لعلم للساعة، فلا تمترن بها واتبعونى، هذا صراط مستقيم»، يقول ابن كثير: قوله «وإنه لعلم للساعة» المراد من ذلك ما بعث به النبى عيسى من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وغير ذلك من الأسقام.
ويستبعد ابن كثير ما حكاه قتادة عن الحسن البصرى وسعيد بن جبير من أن الضمير فى «وإنه» يعود على القرآن، ويتمسك بأن الصحيح هو أن الضمير عائد على النبى عيسى، لأن سياق الآية يقول ذلك.
ويدلل ابن كثير على صحة ما يراه بأنه فى قوله تعالى: «وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته»، أى قبل موت عيسى عليه السلام، ثم «ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا»، و«وإنه لعلم للساعة»، أى أمارة ودليل على وقوع الساعة.
ويستند ابن كثير إلى ما قاله مجاهد من المقصود من «وإنه لعلم للساعة»، أى أن خروج المسيح هو آية للساعة قبل يوم القيامة، وهو ما أيده فيه أبوهريرة وابن عباس وأبوالعالية وأبومالك وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك.
فقد تواترت الأحاديث عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بأنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إمامًا عادلًا وحكمًا مقسطًا.
وهناك قراءة لهذه الآية «وإنه لعلم للساعة» بفتح العين واللام، والتفسير فى هذه الحالة أن المسيح علامة للساعة، ودليل على اقتراب قيام القيامة.
وفى هذا يقول الطبرى فى تفسيره: معنى الآية ظهور عيسى كعلم يعلمون به مجىء الساعة، لأن ظهوره من أشراطها، ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا وإقبال الآخرة.
وإذا كان هناك بعض الغموض أو اللبس فى تفسير بعض الآيات التى تشير إلى نزول المسيح واعتبار ذلك من علامات القيامة، فإن السنة النبوية وعبر أحاديث كثيرة تحسم الأمر بوضوح فلا تترك وراها لبسًا أو غموضًا.
المشهور فى كتب التراث قولهم إن نزول عيسى ابن مريم سيكون قبل خروج يأجوج ومأجوج وقبل طلوع الشمس من مغربها
فعن حذيفة بن أسيد رضى الله عنه قال: اطلع النبى صلى الله عليه وسلم علينا، ونحن نتذاكر الساعة، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: نذكر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من قبل عدن تطرد الناس إلى محشرهم.
وفى رواية لأبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عادلًا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها».
ويقول الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى رواية أخرى على لسان أبى هريرة: «والله لينزلن ابن مريم حكمًا عادلًا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد».
فى الأحاديث التى بين أيدينا إشارات إلى ما سيأتى المسيح مرة أخرى إلى الأرض من أجله، لكن فى أحاديث أخرى إشارات إلى مهمته بالتفصيل.
من هذه الأحاديث، نعرف أن المسيح سيأتينا مرة أخرى ليظهر الإسلام من جديد، ففى آخر الزمان سيضيع الإسلام بعد أن يختلف الناس فيه وعليه، فتكون هناك أحزاب وطوائف مختلفة ومتباينة ومتحاربة، فيأتى المسيح ليدل المختلفين والمتحزبين إلى حقيقة دينهم، ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، فينصر المسلمين ويقاتل اليهود، ويقتل زعيمهم المسيخ الدجال، ويلزم النصارى بالإسلام، ولا يقبل منهم جزية، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير.
يذهب ابن حجر العسقلانى شارح كتاب صحيح البخارى، إلى أن الحكمة من نزول عيسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء، هى الرد على اليهود فى زعمهم أنهم لم يقتلوه، فيبين الله كذبهم وأنهم قتلوه.
ويضيف ابن حجر: وما نزوله إلى الأرض مرة أخرى إلا ليدفن فيها، إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت فى غيرها، ويقال إنه لما رأى صفة محمد وأمته دعاه أن يجعله منهم، فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل فى آخر الزمان مجددًا لأمر الإسلام، فيوافق خروج الدجال فيقتله.
فى هذا الكلام نظر بالطبع.
فالذى نظر فى صفة محمد وأمته هو نبى الله موسى وليس عيسى عليهما السلام.
ففى الأدبيات الإسلامية المروية والمنسوبة إلى الرسول «صلى الله عليه وسلم» أن موسى عليه السلام لما قرأ الألواح وجد فيها فضائل أمة محمد، فدار بينه وبين الله هذا الحوار:
موسى: يارب مَن هذه الأمة المرحومة التى أجدها فى الألواح؟
الله: هى أمة أحمد.. يرضون منى باليسير أعطيهم إياه وأرضى منهم باليسير من العمل وأدخلهم الجنة بشهادة أن لا إله إلا الله.
موسى: إنى أجد فى الألواح أمة يحشرون يوم القيامة على صورة القمر ليلة البدر.. فاجعلهم أمتى.
الله: هى أمة أحمد.. أحشرهم يوم القيامة غرًا محجلين.
موسى: يارب إنى أجد فى الألواح أمة أزودتهم على ظهورهم وسيوفهم على عواتقهم أصحاب رئوس الصوامع يطلبون الجهاد بكل أفق حتى يقاتلوا الدجال.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يا رب أجد فى الألواح أمة يصلون خمس صلوات فى اليوم فى خمس ساعات من النهار والليل، تفتح لهم أبواب السماء وتتنزل عليهم الملائكة.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يا رب إنى أجد فى الألواح أمة جعلت لهم الأرض مسجدًا وطهورًا وتحل لهم الغنائم.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يارب إنى أجد فى الألواح أمة يصومون لك شهر رمضان فيغفر لهم ما كان قبل ذلك.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يا رب إنى أجد فى الألواح أمة يحجون لك البيت الحرام لا يقضون منه وطرًا يعجون إليك بالبكاء عجيجًا، ويضجون إليك بالبكاء ضجيجًا.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يارب فما تعطيهم على ذلك؟
الله: أزيدهم المغفرة وأشفعهم فيمن وراءهم.
موسى: يارب إنى أجد فى الألواح أمة يستغفرون من الذنوب، يرفع أحدهم اللقمة إلى فيه فلا تستقر فى جوفه حتى يغفر له، ويفتتحها باسمك ويختتمها بحمدك.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يا رب إنى أجد فى الألواح أمة، هم السابقون يوم القيامة وهم الآخرون من الخلق.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يارب إنى أجد فى الألواح أمة أناجيلهم فى الصدور يقرأونها.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يا رب إنى أجد فى الألواح أمة إذا همّ أحدهم بحسنة واحدة إن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وإذا هم أحدهم بالسيئة، ثم لم يعملها لم تكتب عليه، وإذا عملها كتبت عليه سيئة واحدة.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يا رب إنى أجد فى الألواح أمة هم خير الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.. فاجعلهم أمتى.
الله: هم أمة أحمد.
موسى: يا رب إنى أجد فى الألواح أمة يحشرون يوم القيامة على ثلاث ثلل، ثلة يدخلون الجنة بغير حساب، وثلة يحاسبون حسابًا يسيرًا، وثلة يمحصون ثم يدخلون الجنة.. فاجعلهم أمتى.
الله: تلك أمة أحمد.
موسى: يا رب قد بسطت هذا الخير لأحمد وأمته.. فاجعلنى من أمة أحمد.
الله: يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى، فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين.
عندما نبحث عن هذا الحديث سنجد أن المفسرين أخذوا بعضه عن وهب بن منبه، وبعضهم أخذه عن كعب الأحبار، وهو ما يشير إلى أنه مأخوذ من أهل الكتاب، وما وضعوه من إسرائيليات داخل الأحاديث النبوية، ويعتبر علماء الحديث أن سنده ضعيف، وبالجملة فإن المسيح لم يطلب من الله أن يكون من أمة محمد، وعليه فعن مسألة نزوله إلى الأرض يأتى استجابة لرغبته فى أن يكون من أمة محمد باطل تمامًا.
لكننا لنظل مع ما رسمته الأدبيات الإسلامية للمسيح فى مهمته الثانية.
يرسم حديث أبى أمامة ما سيقوم به المسيح وهو فى طريقه إلى قتل المسيخ الدجال، يأخذ من النبى ما قاله: إذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب، فيفتحون ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودى، كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح فى الماء، وينطلق هاربًا، فيدركه عند باب لد الشرقى، فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شىء مما خلق الله عز وجل يتواقى به يهودى، إلا أنطق الله ذلك الشىء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة- إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم لا تنطق- إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودى، تعال فاقتله.
ويضيف الرسول فى حديثه: يكون عيسى ابن مريم فى أمتى حكمًا عدلًا، وإمامًا مقسطًا يدق الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يسعى على شاة ولا بعير، وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة، حتى يدخل الوليد يده فى الحية فلا تضره، وتضر الوليدة الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب فى الغنم كأنه كلبها، وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها، وتسلب قريش ملكها، وتكون الأرض كفاثور الفضة، تنبت نباتها بعد آدم حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا وكذا من المال، ويكون الفرس بالدريهمات.
من بين ما يلفت الانتباه فى الأدبيات الإسلامية الحديث عن موعد نزول المسيح عليه السلام إلى الأرض.
فالمشهور فى كتب التراث قولهم إن نزول عيسى ابن مريم سيكون قبل خروج يأجوج ومأجوج، وقبل طلوع الشمس من مغربها، دون أن يقول لنا أحد موعد خروج يأجوج ومأجوج، ولا موعد طلوع الشمس من مغربها، حتى نعرف على وجه اليقين الموعد الذى سينزل فيه المسيح، لكن على ما يبدو أن هذه تفاصيل لم يلتفت إليها أحد ممن دونوا أقوال الرسول وأقوال من قالوا إنها أقوال الرسول.
وإذا كان موعد نزول عيسى غامضًا، فقد كان هناك اجتهاد لتحديد المكان الذى سيبدأ نزوله من عنده.
ففى حديث مسلم عن النواس بن سمعان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل عيسى ابن مريم عند المنارة البيضاء شرقى دمشق بين مهرودتين، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ.
وفى رواية أخرى فإن نزول المسيح سيكون فى الأردن، وآخرون أكدوا أنه سينزل بمكان عسكر المسلمين دون أن يحددوا بالضبط البقعة التى سيكون فيها هذا العسكر.
أما عما تراه المسيحية فى مسألة نزول المسيح أو المجىء الثانى له، فهناك أكثر من رواية.
كل طائفة تنظر للموضوع من زاوية.
بل هناك تباين بين الأفراد فيما يخص هذه القضية.
لكننى سأفتح معكم كتاب «المسيح.. مشتهى الأجيال» الذى كتبه الأنبا بيشوى، والرجل عرفته لسنوات، وجمعت بيننا مواقف كثيرة، وأعتقد أن أدواره داخل الكنيسة، وتحديدًا فى ملف المحاكمات الكنسية حجبت كتاباته وآراءه وأفكاره واجتهاداته كواحد من علماء اللاهوت الكبار.
يذهب الأنبا بيشوى إلى أن المجىء الثانى سوف يكون مهوبًا ومرهوبًا ومخوفًا أكثر من الزلزلة التى حدثت فى وقت الصلب
فى كتابه وتحت عنوان «المجىء الثانى» يقول الأنبا بيشوى: فى مجىء السيد المسيح الثانى لا ينطبق عليه قوله «لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص العالم».
بل ينطبق عليه قوله: لأنه كما أن الآب له حياة فى ذاته، كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له حياة فى ذاته، وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا، لأنه ابن الإنسان، لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة.
وكذلك قوله: الآب لا يدين أحدًا.. بل قد أعطى كل الدينونة للابن».
ويضع الأنبا بيشوى بين أيدينا آيات من إنجيل متى.
تقول: ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسى مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعى الخراف من الجداء، فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن يساره.
المسيح هو الحب الذى لا يعرف الكراهية.. هو السلام الذى لا يعرف القلق.. هو الخلاص الذى لا يعرف الهلكة
ثم يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركى أبى، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأنى جعت فأطعمتمونى، عطشت فسقيتمونى، كنت غريبًا فآويتمونى، عريانًا فكسوتمونى، مريضًا فزرتمونى، محبوسًا فأتيتم إلى، ثم يقول أيضًا للذين عن اليسار: اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته، فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى، والأبرار إلى حياة أبدية.
ويذهب الأنبا بيشوى إلى أنه من الواضح أن السيد المسيح هو الذى سيدين العالم كله فى اليوم الأخير، وقد أعطاه الآب هذا الدور فى الدينونة، لأنه هو الذى بذل حياته من أجل خلاص البشرية، وقد أشار السيد المسيح إلى ذلك بقوله «وأعطاه سلطانًا أن يدين أيضًا.. لأنه أب الإنسان».
ويقدم لنا الأنبا بيشوى النبوءة التى وردت فى سفر «ملاخى» وهو آخر أسفار العهد القديم عن مجىء المسيح الثانى.
تقول النبوءة: هأنذا أرسل إليكم إيليا النبى قبل مجىء يوم الرب، اليوم العظيم والمخوف، فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم، لئلا آتى وأضرب الأرض بلعن.
ويقول فى بداية الإصحاح الرابع والأخير من سفر «ملاخى»: فهو ذا يأتى اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلى الشر يكونون قشًا ويحرقهم اليوم الآتى، قال رب الجنود: فلا يبقى لهم أصل ولا فرع، ولكم أيها المتقون اسمى تشرق شمس البر والشفاء فى أجنحتها، اذكروا شريعة موسى عبدى الذى أمرته بها فى حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام.
يذهب الأنبا بيشوى إلى أنه من الواضح أن السيد المسيح هو الذى سيدين العالم كله فى اليوم الأخير
ويعلق الأنبا بيشوى على هذه الآيات بقوله: إنها كلمات رائعة، لأنه يتكلم عن المجىء الأول وعن المجىء الثانى فى نفس الوقت، فحينما يقول: يوم الرب العظيم والمخوف، فهذا يشير إلى المجىء الثانى بالأكثر، لكن هذا لا يمنع أنه فى المجىء الأول أيضًا كان هناك يوم صلب السيد المسيح يومًا عظيمًا ومخوفًا.
وينقل الأنبا بيشوى ما قاله بطرس الرسول فى عظة يوم الخمسين: هذا ما قيل بيوئيل النبى يقول الله ويكون فى الأيام الأخيرة إنى أسكب من روحى على كل بشر، فيتنبأ بنوكم وبناتكم، ويرى شبابكم رؤى ويلم شيوخكم أحلامًا، وعلى عبيدى أيضًا وإمائى أسكب من روحى فى تلك الأيام فيتنبأون، وأعطى عجائب فى السماء من فوق، وآيات على الأرض من أسفل دمًا ونارًا وبخارًا ودخانًا، تتحول الشمس إلى ظلمة، والقمر إلى دم قبل أن يجىء يوم الرب العظيم الشهير، ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص.
وحول هذه الآيات يقول الأنبا بيشوى: من الواضح هنا أنه يتكلم عن يوم الصليب، لأنه يقول «تتحول الشمس إلى ظلمة»، وهذا حدث بالفعل يوم الصلب، وحينما يقول: دمًا ونارًا وبخار دخان»، فالدم كان هو دم المسيح، والنار لأن السيد المسيح قدم نفسه صعيدة ومحرقة على الصليب فتنسم رائحة ذبيحته أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة، فالدم والنار وبخار الدخان تشير إلى الصعيدة التى أصعدت واشتمها الآب رائحة رضا وسرور.
ويضيف الأنبا بيشوى: لكن كما أن هذه الآيات تشير إلى المجىء الأول، فإنها تشير إلى المجىء الثانى أيضًا.
فهو يقول عن المجىء الثانى: منتظرين وطالبين سرعة مجىء يوم الرب الذى به تنحل السموات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب.
وأيضًا: سيأتى كلص فى الليل يوم الرب الذى فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها.
وبحسم يذهب الأنبا بيشوى إلى أن المجىء الثانى سوف يكون مهوبًا ومرهوبًا ومخوفًا أكثر من الزلزلة التى حدثت فى وقت الصلب، فما حدث يومها كان مقدمة وإنذارًا لما سوف يحدث فى المجىء الثانى.
ويناقش الأنبا بيشوى ما يردده البعض عن تأخر المجىء الثانى للمسيح من استعراض ما قاله القديس بطرس الرسول الذى عالج مشكلة الذين يعتبرون أن الرب قد تباطأ عن موعد مجيئه.
يقول بطرس الرسول: إنه سيأتى فى آخر الأيام قوم مستهزئون سالكون بحسب شهوات أنفسهم، وقائلين: أين هو موعد مجيئه، لأنه من حين رقد الآباء كل شىء باق هكذا من بدء الخليقة، ولكن لا يخفى عليكم هذا الشىء الواحد أيها الأحباء: أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد، لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يُهلك أناس، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة، ولكن سيأتى كلص فى الليل يوم الرب الذى فيه تزول السموات بضجيج، وتنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التى فيها.
وعن الموعد الذى سيعود فيه المسيح، يقول الأنبا بيشوى: بالطبع لا أحد يعرف متى سيحدث المجىء الثانى، حتى بطرس الرسول نفسه الذى أوحى إليه الروح القدس بكتابة هذه التعاليم، ومن الواضح أنه يتكلم عن مبادئ وليس عن أوقات، بدليل قوله «أن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد»، وهذا شىء طبيعى، لأن الله فوق الزمن، أى غير زمنى، وحاضر فى كل زمان، كما أنه حاضر فى كل مكان.
وينقل الأنبا بيشوى عن القديس يوحنا الإنجيلى ما كتبه عن المجىء الثانى، حيث يقول: وها أنا آتى سريعًا وأجرتى معى لأجازى كل واحد كما يكون عمله، أنا الألف والياء، والبداية والنهاية.
والمعنى أن مجيئه يكون بالجسد الممجد الذى صنع به الخلاص لأجل البشرية هو الدينونة فى اليوم الأخير.
ويعود الأنبا بيشوى إلى القديس بطرس الرسول مرة أخرى، وهو يوضح أن الرب فى مجيئه الثانى لا يريد أن يُهلك إنسانًا، بل إنه قبل الجميع إلى التوبة، بمعنى أنه يطيل أناته على العالم بصورة تؤكد عدم تسرعه فى إهلاك الناس الذين يتجاهلون الدينونة العتيدة أن تأتى على العالم، كما أنه يعطى فرصة للمجاهدين ليكملوا جهادهم ولأصحاب الرسالة الروحية أن يكملوا رسالتهم.
ويحث القديس بطرس الرسول المؤمنين أن ينتظروا، وأن يطلبوا سرعة مجىء يوم الرب كعلامة لاشتياقهم للقاء العريس، وتقديرهم روعة الملكوت المعد للقديسين، فمن يسلك حياة التوبة وحياة القداسة لا بد أن تتطلع روحه باشتياق لمجىء السيد المسيح، فانتظار مجىء الرب من علامات حياة الاستعداد المؤكدة.
وللتأكيد على المجىء الثانى للمسيح، يضع الأنبا بيشوى بين يدى قراء كتابه «المسيح.. مشتهى الأجيال» سبع علامات بارزة تسبق المجىء الثانى، وهى على النحو التالى:
أولًا: انتشار الإنجيل فى كل العالم.. حيث يقول السيد المسيح: ويكرز ببشارة الملكوت هذه فى كل المسكونة شهادة لجميع الأمم، ثم يأتى المنتهى.
ثانيًا: إيمان اليهود.. فبإيمانهم سيحل كثير من المشكلات الدينية والسياسية الناشئة عن رفضهم الاعتراف بيسوع أنه هو المسيح، وفى شهادة الكتب المقدسة فى العهدين القديم والجديد ما يوضح أنهم سوف يؤمنون قبل نهاية العالم، فبولس الرسول يقول إلى أهل رومية فى رسالته إليهم: إنى لست أريد أيها الإخوة أن تجهلوا هذا السر، لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء، إن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدحل ملء الأمم، وهكذا سيخلص جميع إسرائيل.
ثالثًا: النهضة الروحية.. فقد أشار بولس الرسول إلى النهضة الروحية التى ستصاحب توبة اليهود وإيمانهم بالمسيح وانتهاء النزاعات بينهم وبين الآخرين.
يقول: إن كانت رغبتهم هى مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات، فما هذه الحياة من الأموات التى ستصاحب إيمان اليهود إلا نهضة روحية تعم العالم المسيحى، وتدعو الجميع إلى التوبة.
رابعًا: ظهور الوحش.. ففى الأيام الأخيرة سيحل الشيطان من سجنه، كقول الكتاب «ثم متى تمت الألف سنة يحل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين فى أربع زوايا الأرض»، وكان الشيطان قد تم تقييده حينما صنع السيد المسيح الفداء لمدة ألف سنة، ورقم ألف سنة يشير إلى زمن طويل وليس إلى حرفية الرقم، لأن الفداء قد تم منذ ما يقرب من ألفى سنة.
وقد جاء فى الكتاب ذكر تقييد الشيطان، كما يلى: ورأيت ملاكًا نازلًا من السماء معه مفتاح الهاوية، وسلسلة عظيمة على يده، فقبض على التنين، والحية القديمة، الذى هو إبليس والشيطان، وقيده ألف سنة، وطرحه فى الهاوية وأغلق عليه، وختم عليه لكى لا يضل الأمم فيما بعد، حتى تتم الألف سنة، وبعد ذلك لا بد أن يحل زمنًا يسيرًا.
فى هذه الفترة التى سيحل فيها الشيطان من سجنه قبل نهاية العالم قيل فى الكتاب «ويل لساكنى الأرض والبحر؛ لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم، عالمًا أن له زمانًا قليلًا»، فقبل نهاية العالم بفترة قصيرة نسبيًا سوف ينال الشيطان قدرة على فعل الضلال بصورة أقوى بكثير من سابقتها، بعد أن قيده السيد المسيح بعملية الفداء.
وقد ذكر الكتاب أن أبرز حيل الضلال التى سوف يأتى بها الشيطان هى ظهور الوحش الذى هو إنسان، سوف يكون مجيئه بعمل الشيطان ومعه قدرات كبيرة لصنع معجزات كاذبة مدعيًا أنه هو الإله الحقيقى والمسيح الحقيقى الذى انتظر اليهود مجيئه من قبل، وهنا يبدأ عصر الارتداد مع أناس غير الذين آمنوا ونالوا الخلاص.
خامسًا: الارتداد العام.. ويكون نتيجة لظهور الوحش والعجائب التى سيجريها بقوة الشيطان، حيث يُضل الساكنين على الأرض حتى يصدقوا أنه هو المسيح بالآيات التى أعطى أن يصنعها، لهذا قال السيد المسيح محذرًا: إن قال لكم أحد هو ذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا.
وفى فترة الارتداد العام سيحدث اضطهاد عظيم على الكنيسة، أى على كل جماعة القديسين، ويقتل الوحش كثيرين منهم، ويرسل الله النبيين أخنوخ وإيليا لمساعدة الكنيسة فى صراعها ضد الوحش.
سادسًا: عودة أخنوح وإيليا إلى الأرض.. فقد جاء فى سفر الرؤيا أن الرب قال: وسأعطى لشاهدى فيتنبآن ألفًا ومئتين وستين يومًا لابسين مسوحًا، هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض، وإن كان أحد يريد أن يؤذيهما فهكذا لا بد أنه يقتل، هذان لهما السلطان أن يفلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا فى أيام نبوتهما، ولهما سلطان على المياه أن يحولاها إلى دم، وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا، ومتى تمما شهادتهما فالوحش الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حربًا ويغلبهما ويقتلهما، وتكون جثتاهما على شارع المدينة العظيمة التى تدعى روحيا سدوم ومصر، حيث صلب ربنا أيضًا.
سابعًا: الضيق العظيم.. فقد سأل التلاميذ السيد المسيح على انفراد.
قالوا له: قل لنا متى يكون هذا؟ وما هى علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟
فأجابهم السيد المسيح، قائلًا: انظروا، لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمى قائلين: أنا هو المسيح، ويضلون كثيرين، وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب، انظروا لا ترتاعوا، لأنه لا بد أن تكون هذه كلها، ولكن ليس المنتهى بعد، لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، وتكون مجاعات وأوبئة وزلازل فى أماكن، ولكن هذه كلها مبتدأ الأوجاع.
ويتحدث السيد المسيح عن الضيق العظيم، يقول: لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون، ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد، ولكن لأجل المختارين تقصر تلك الأيام.
أما عن علامة المجىء الثانى، فقد قال المسيح عنه لتلاميذه: وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس والقمر لا يعطى ضوءه والنجوم تسقط من السماء وقوات السموات تتزعزع، وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب من السماء بقوة ومجد كثير، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السموات إلى أقصائها.
أما ماذا سيفعل المسيح عندما يأتى، فقد قال عن ذلك: ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده وجميع ملائكته القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسى مجده ويجتمع أمامه جميع الشعوب، وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله.
كان خالد محمد خالد وهو ينتهى من كتابه «معًا على الطريق.. محمد والمسيح» يعرف ذلك كله، لكنه اختار أن تكون لديه رؤية أخرى فى عودة السيد المسيح.
ما رأيكم أن نذهب إلى الفصل الأخير من كتابه، والذى وضع له عنوان «والآن.. باراباس أم المسيح»؟
يدخل خالد إلى فصله الأخير مدخلًا دراميًا مثيرًا ومشوقًا.
فعندما قاد اليهود فى أورشليم روح الله عيسى إلى «بيلاطس» الحاكم الرومانى مطالبين بصلبه، أطل «بيلاطس» عليهم، ومضى يحاورهم فى شأن المسيح، إذ كان يعلم أنهم يريدون إسلامه للموت حسدًا من عند أنفسهم.
قال لهم: ماذا فعل يسوع؟
أجاب اليهود ورؤساء الكهنة: إنه يفسد الأمة.
قال «بيلاطس»: إنى لا أجد علة فى هذا الإنسان.
نبحت كلاب أورشليم نافذة بنباحها من الزاوية الحادة، التى تحرج «بيلاطس» وتكرهه على الإذعان لنباحها، قالوا: إنه يهيج الشعب.. ويمنع أن تعطى جزية لقيصر.. وإذا لم تصلبه فلن تكون محبًا لقيصر.
قال «بيلاطس»: إننا الآن فى العيد، وسنطلق كما هى العادة واحدًا من المحكوم عليهم، فليكن هو المسيح.
تهارش رؤساء الكهنة، وتراكض يهود أورشليم كالخراف الضالة وصاحوا جميعًا: لا.. لا.. أطلق سراح «باراباس».. أما المسيح فاصلبه.
ألح عليهم «بيلاطس» كى ينزلوا عند رأيه، فقال لهم: لقد فحصت هذا الإنسان أمامكم، ولم أجد فيه علة، ولا هيرودس أيضًا وجد فيه شيئًا مما تشتكون منه.
لم يستجيبوا، بدأوا يلوون ألسنتهم كأذناب الحيات، ويصيحون: خذ هذا.. وأطلق باراباس.. أما المسيح فاصلبه.
يقول إنجيل يوحنا: وكان باراباس لصًا.
ويقول إنجيل لوقا: إنه كان مطروحًا فى السجن لأجل فتنة وقتل.
ويقول إنجيل مرقس مثل هذا أيضًا.
يأخذنا خالد محمد خالد من قلب التاريخ ويأتى بنا إلى عمق الحاضر، الذى هو ليس بعيدًا عنا الآن، فيقول: إن نفس الخيار يقدم اليوم ويعلن، وإنه لمن حسن الحظ أن الذين يختارون اليوم ليسوا يهود أورشليم، ولكنه العالم كافة، والغرب المسيحى خاصة.
لقد رفض أحبار اليهود فى ذلك اليوم البعيد أن يختاروا المسيح، لأنه جماع فضائل لا يطيقونها، ومشرق عصر عظيم لا يسمح لنقائصهم بالازدهار، وحتى حين خجل ممثل روما العاتية الباغية أن يشترك فى المؤامرة الدنسة، وتوسل إليهم كى يدعوا للمسيح حريته رفضوا، وصاحوا به: باراباس.. الحرية لباراباس.. والصلب للمسيح.
ويسأل خالد: ترى ماذا يكون جواب البشرية اليوم، حين يطلب إليها أن تختار؟
ويجيب: إن محمدًا رسول الله ليهديها إلى الجواب الحق، ولقد سبق إلى الاختيار السديد، لقد اختار المسيح، أى اختار فضائله التى جاء هو ليبعثها من جديد، فمنذ ألف وأربعمائة عام إلا قليلًا، وهو قائم هناك فى شبه جزيرة العرب، يبلغ رسالات ربه، أعلن أن المسيح سيعود، وسيملأ الأرض نورًا وسلامًا وعدلًا.
ها هو ذا يقول: «والذى نفسى بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم مقسطًا».
من المؤكد أن خالد محمد خالد كان يعرف كل ما قيل عن عودة المسيح المادية بجسده إلى هذا العالم، لكنه يضع ذلك جانبًا ويذهب بنا إلى حيث يريد ويقرر.
يطرح سؤالًا يفتتح به قضيته، يقول: ترى.. ماذا نفهم من عودة المسيح؟
ويستدرجنا بقوله: إن الجواب يسير إذا عرفنا ماذا كان، أكان ذلك الجسد الناحل والشعر المرسل والثلاثين عامًا التى سجلتها له على الأرض شهادتا الميلاد والوفاة؟
ويجيب: كلا.. إن المسيح هو دعوته، هو المثل الأعلى الذى تركه وأعطاه، هو الحب الذى لا يعرف الكراهية، هو السلام الذى لا يعرف القلق، هو الخلاص الذى لا يعرف الهلكة، وعندما تتحقق هذه كلها على الأرض، تتحقق فى نفس الوقت، عودة المسيح.
العودة هى عودة قيمه ومثله العليا والمبادئ التى عاش من أجلها وهى صيغة يمكن أن يقول بها كثيرون
يزيد خالد الأمر إيضاحًا، يقول: أجل.. إن المسيح الذى سيعود، والذى تنبأ له الرسول بالرجعى، هو هذا، هو السلام، والحب، والحق، والخير، والجمال، ونحن مع الرسول الأمين نصيح: المسيح.. لا باراباس.. الحق لا الباطل.. الحب لا الكراهية.. السلام لا الحرب.. الحياة لا الفناء.
ويضيف خالد: وإنا إذ نرفع فى أيماننا هذا الاختيار، ليهدينا إليه وعى عظيم بحتمية أفضليته وقيمته، ويهدينا إليه بصر ثاقب باحتياجات عصرنا الذى يمزقه القلق والخوف، وبصر ثاقب بالمصير المروع الذى سيحيق بالعالم إذا كتب النصر مرة أخرى للصرخة السافلة التى تقول: باراباس.. لا المسيح.
لقد أقسم رسول الله محمد أن المسيح قادم ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا ونحن نؤمن بصدقه
يفصل خالد أحوال العالم وأهواله، فيقول: إننا نعرف جيدًا ونذكر تمامًا أن مائة وخمسين مليونًا من البشر ذهبوا ضحية الحربين العالميتين السالفتين، مائة وخمسون مليونًا ما بين قتيل ومشوه وجريح ومفقود، قتلى ميادين الحرب، وقتلى معسكرات الإبادة، وقتلى الغارات الجوية، وقتلى الأوبئة التى تذروها رياح الحرب المنتنة، مائة وخمسون مليونًا كانوا حصيد الهشيم، والحصاد اللئيم لحروب خلقتها وأضرمتها الروح التى تؤثر باراباس وترفض المسيح.
ويستدرجنا خالد محمد خالد مرة أخرى إلى ما يريده، يقول: لقد أقسم رسول الله محمد أن المسيح قادم، ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا، ونحن نؤمن بصدقه، ونؤمن بأن دعوة المسيح هذه تعنى انتصار القيم التى كان يمثلها، والتى قهر بها الرسول عالم الوثنية والظلام، تعنى انتصار الإنسان، وانتصار الحياة، تعنى سيادة الحب وسيادة السلام.
يعود بنا خالد إلى دراما التاريخ مرة أخرى.
فعندما هاجم غوغاء اليهود بستان الزيتون ليقبضوا على المسيح، تقدم من الحرس وسألهم: من تطلبون؟
أجابوه: نريد الناصرى؟
فقال: أنا هو.. ولست أسألكم إلا شيئًا واحدًا.
ثم أشار بيد أمينة حانية صوب تلاميذه الذين كانوا معه فى البستان، واستأنف حديثه مع الحرس قائلًا: أن تدعوا هؤلاء يذهبون لبيوتهم، حتى أستطيع أن أقول لأبى حين ألقاه: إن الذين أعطيتنى لم أهلك منهم أحدًا.
يمسك بنا خالد فيقول: انظروا.. فى هذه المباغتة الشريرة المذهلة، لم يذكر نفسه، ولا حياته، وإنما ذكر مسئوليته الكبرى تجاه الآخرين، لم يشترط لنفسه نجاة ولا سلامة، وإنما اشترطها للآخرين، هذا هو روح العصر الذى يبشرنا محمد بمجيئه، والذى نرقبه صابرين واثقين عاملين، عصر يتفوق فيه الإيثار والحب ويحمل الناس فيه مسئولية وعيهم وأمنهم.
هذا هو خالد محمد خالد، الذى رغم معرفته المؤكدة- بالنسبة لى- بما قالته الكتب المقدسة جميعها عن عودة المسيح، لكنه لا يعترف بذلك، ولا يقبل أن تكون عودة المسيح بالجسد، ولكن العودة التى يتفق معها ويرتضيها هى عودة قيمه ومثله العليا والمبادئ التى عاش من أجلها، وهى صيغة يمكن أن يقول بها كثيرون.
أعرف أن هذه الرؤية لن ترضى من يتمسكون بالنصوص.
لكننى أرى أنها على أى حال رؤية جديدة، يمكن أن نتمسك بها، لأنها الأفضل من أجل الإنسان.. الذى جاء من أجله الرسول صلى الله عليه وسلم.. وعمل من أجله المسيح عليه السلام.. وكتب من أجله خالد محمد خالد ما كتب.