الخميس 13 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

«ناقصات عقل ودين».. لماذا يخالف الحديث المنسوب إلى النبى القرآن والسنة والمنطق؟

حرف

- سبحانه وتعالى جعل المؤمنين والمؤمنات فى درجة واحدة تمامًا من القدرة على الوصول لأعلى مراتب الإيمان

- رسول الله يخبرنا بأن شهادة المرأة تعلو على شهادة الرجل فى أمور أهم من الديون والأموال ألف مرة

- اتخاذ البيعة من النساء كما أخذها رسول الله من الرجال تدل على تساوى العقول

- ذكر رب العالمين الطائعين من عباده سواء كانوا رجالًا أو نساء على قدم المساواة فى الثواب

تنشر «حرف» فى السطور التالية النقد الذى قدمته الباحثة أسماء عثمان، فى كتابها «كاملات عقل ودين»، للحديث المنسوب إلى النبى، ويصف النساء بأنهن «ناقصات عقل ودين». 

جاء فى الحديث الذى رواه البخارى، أن النبى خَرَجَ فِى أَضْحَى أَوْ فِطْرِ إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلِ وَدِينِ أَذْهَبَ لِلبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا».

وقدمت الباحثة نقدًا للحديث جملة جملة، بداية من جملة «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ،..»، وطبقت على كل منها شروط صحة المتن، لمعرفة مدى تحققها فى متن الحديث.. فإلى نص ما كتبته.

أولًا: جملة «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ،..»

المعنى المباشر الواضح لهذه الجملة من الحديث، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام أراه الله تعالى أهل النار، فوجد أن أكثر أهلها النساء، ليسوا الكفار ولا المنافقين ولا الظلمة ولا الطواغيت، لا، إنما من النساء.

سنطبق شروط صحة المتن، ونرى مدى تحققها فى متن هذا الحديث كالتالى:

الشرط الأول: ألا يكون المتن مخالفًا للقرآن الكريم

لا يفرق القرآن الكريم بين الرجل والمرأة فى الاتصاف بالصفات الإيمانية والحسنة، أو الصفات الكفرية والسيئة، فلهما نفس الثواب على أعمال الإيمان، ونفس العقاب على الأخرى. فلم يجعل سبحانه للنساء حالة خاصة تجعلهم الأكثر دخولًا للنار، والعياذ بالله، وفى ذلك آيات عديدة مثل: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ ﴿١٢٤﴾، النساء. 

يقول د. راتب النابلسى فى شرح هذه الآيات الكريمة: «﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ﴾: الصالحات كلمة جامعة مانعة، من معانيها الاستقامة، والانضباط، ومن معانيها البذل والعطاء، أنفق ماله أنفق علمه أنفق خبرته، أنفق جاهه أنفق وقته فى طاعة الله.

فى هذه الآية وغيرها، إشارة إلى أن المرأة مساوية تمامًا للرجل فى التكليف والتشريف، والله سبحانه وتعالى جعل المؤمنين والمؤمنات فى درجة واحدة تمامًا من القدرة على الوصول لأعلى مراتب الإيمان، ولديهم من الأخلاق العلية والعقل السليم ما يجعلهم يتناصحون ويكونون أولياء لبعضهم البعض، فلا أفضلية لذكر ولا أنثى، إنما الأفضلية للمؤمنين والمؤمنات الذين يتناصحون فى الخير، ويعينون بعضهم البعض على البر والتقوى.

وهكذا كل الآيات التى ذكرت الذكر والأنثى بمساواة كاملة فى الملكات والصفات الإيمانية التى تمكنهم من الوصول لأعلى درجات ومراتب الإيمان. يقول تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» ﴿٩٧﴾ النحل. ويقول تعالى: «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ» ﴿٤٠﴾ غافر.

نخلص من هذا العرض عدم تحقق أول وأهم معيار من معايير صحة المتن فى هذه الجملة، وهو ألا يكون مخالفًا للقرآن الكريم، فقد وجدنا هذه الجملة مخالفة لكلام رب العالمين، ومتناقضة حكمه مع بالمساواة التامة بين الذكور والإناث فى القدرة على الوصول لأعلى درجات الإيمان والأخلاق، وبالتالى فلا مجال ولا سبب فى جعل النساء زمرة واحدة مستحقات لأن يكن أكثر أهل النار. 

الشرط الثانى: ألا يكون المتن مخالفًا لصفة من صفات الله تعالى

التعبير بهذه الصورة «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ» يعمم الحكم باستحقاق النار على كل النساء، ولم يلجأ رب العالمين للتعميم أبدًا، لأن فيه ظلمًا بيِّنًا، ويظهر هذا فى عشرات الآيات لأنه سبحانه الحق العدل يحاسب بالذرة وليس بالجملة.

هو سبحانه العدل، حتى إنه لما يصف أهل الكتاب، لا يصفهم كلهم بالصفة السيئة التى يأخذها عليهم، بل يقول سبحانه «ومنهم»: «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا..».

وسبحانه لما ينزل العذاب على قوم يستثنى منهم الصالحين، فلا وجود عنده تعالى لحكم عام ينزل بالصالح والطالح. يقول تعالى: «فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِى الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ» ﴿٦٤﴾ الأعراف. 

عشرات الآيات الواضحة البينة تؤكد أن الله سبحانه وتعالى لا يُصدر حكمًا عامًا على مجموعة كاملة ويجعلهم أكثر أهل النار، ومن يجرؤ على وصفه سبحانه بهذا، فقد افترى على الله الكذب. 

لذا، من المستحيل على رب العالمين وهو العدل ويأمر بالعدل، أن يُصدر حكمًا عامًا باستحقاق النار على معشر النساء، ومنهن المؤمنات والصحابيات الجليلات والمجاهدات الصالحات والأمهات المكافحات.

وبهذا فإن هذه الجملة من المتن «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ،..» مخالفة لصفة من صفات الله تعالى، وهى العدل، وما كان العدل سبحانه أن يحكم على جنس كامل باستحقاق النار.

ثم إن يوم القيامة وأحداثه والحساب ومن فى الجنة ومن فى النار، هى من الغيبيات التى تفرد بعلمها رب العالمين. فالله تعالى وحده لا شريك له، له علم الغيب، ولا يعلم أحد شيئًا من الغيب إلا هو، ولم يخبر أحدًا من بالجنة ومن بالنار.

أصحاب الجنة وأصحاب النار استحقوها بصفات فيهم، لكنه لم يذكر سبحانه طوائف أو جماعات معينة، بل أُخذ على اليهود والنصارى ادعاءهم بأنهم أصحاب الجنة، وسمى ادعاؤهم هذا بالأمانى، وهى الرغبات التى لن تتحقق، ثم طلب منهم أن يأتوا ببرهانهم على هذا الادعاء.

لذا، فأى ادعاء لأى إنسان على وجه الأرض بدخول طائفة معينة أو جنس معين الجنة أو النار، هو ادعاء كاذب لا يحمل أى ذرة من الحقيقة، بل هى أوهام المدعى. 

والعمل هو أساس الحكم على المسلم، ثم هو وحده سبحانه من سنرجع إليه لينبئ كل بنى آدم بحقيقة عمله ويحاسبه عليه، ولا يعرف الحساب ولا نتيجته إلا هو عز وجل.

كذلك وجه رب العالمين رسوله الأمين أنه عندما يُسأل عن الغيب، يقول: «قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ أَقُلْ هَلْ يَسْتَوِى الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ» ﴿٥٠﴾ الأنعام.

هذه صفة الله تعالى أنه عالم الغيب، ولا يُطلع على غيبه أحدًا، وما كان لأحد من رسله وأنبيائه أن يدعى علم الغيب، أو يملك الحكم على أمر يختص به رب العالمين وحده. 

إذًا هذه الجملة من المتن: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ،..» مخالفة صفة من صفات الله تعالى، وهى أنه وحده «عَالِمِ الْغَيْبِ». 

الشرط الثالث: ألا يكون المتن مُخالِفًا لسنة وفعل الرسول

عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةَ مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتِ النَّبِىَّ عليه الصلاة والسلام أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِى أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ فَلَمَّا تُوُفِّىَ وَغُسْلَ وَكُفْنَ فِى أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ الله عليه الصلاة والسلام فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهَادَتِى عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّى لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِى وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِى، قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لَا أُزَكِّى أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، رواه البخارى.

رسول الله عليه أفضل الصلاة وله أتم التسليم يقف موقف العبد من ربه، إنه لا يتألى على الله تعالى ولا يدَّعى العلم بما هو خاص برب العالمين، فهو وحده ولا شريك له من يعلم حقيقة القلوب والأعمال، لذا يستحيل على بشر لا يملك علم الله تعالى أن يدعى المعرفة بمصير فلان أو علان، فما بالنا بمصير طائفة كاملة يمثلون نصف المسلمين، وهن النساء؟

لذلك توقف تمامًا وبوضوح عندما حكمت الصحابية الجليلة على الصحابى المجاهد بأن الله تعالى أكرمه، فقط نرجو له الخير، وأقر قضية مهمة جدًا فى علاقة المؤمنين بربهم، وهى التوقف الكامل عن الحكم على أحد أنه من أهل الجنة أو النار، لذا يستحيل أن يحكم رسول الله بمثل هذا الحكم الذى نهى الصحابية عنه، وأقر بأنه أمر خاص برب العالمين، لا يعلمه سواه. 

إذًا هذه الجملة من المتن «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ،..» مخالفة لما هو أصح من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، والذى يؤكد فيه عدم قدرته على الحكم على أحدٍ بالجنة أو بالنار، وهذا يتوافق مع آيات القرآن الكريم ومع صفة الله تعالى بأنه وحده عالم الغيب.

الشرط الرابع: ألا يكون المتن مخالفًا للبديهيات العقلية والمنطق السليم 

فى هذا الموقف يُحدّث رسول الله عليه الصلاة والسلام النساء المسلمات اللاتى لو استحققن كلهن دخول النار، فهن بالنسبة لعدد أهل النار جميعًا منذ بدء الخليقة إلى يوم القيامة، سيكن نقطة فى بحر، فكيف سيكن أكثر أهل النار.

إن التفكر فى العدد فقط يؤدى بنا مباشرة إلى خطأ لم يكن ليقع فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الذى أوتى جوامع الكلم ولا ينطق إلا بالحق. 

إذًا الجملة مُخالفة للبديهيات العقلية والمنطق السليم، حيث يستحيل عقلًا أن يزيد عدد النساء المسلمات المستحقات للنار عن عدد أهل النار أجمعين.

ثانيًا: جملة «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ فَإِنِّى أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ..»

تحمل هذه الجملة بمنتهى الوضوح بلا تأويل ولا تغيير، أن النساء المسلمات بصفة عامة وخاصةً مَن أمامه من الصحابيات الكرام وزوجات الرسول أمهات المؤمنين، اللاتى بالتأكيد يحضرن صلاة العيد، يتصفن بصفة قبيحة جدًا تجعل أخلاقيات أى إنسان على وجه الأرض فى أدنى درجاتها، وهى سلاطة اللسان وفحش الكلام.

ثم إنهن إلى جانب هذا القبح، «تَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ»، أى لا يعرفن المعروف لمن يعاشرنه وهو طبعًا الزوج، وهو يحسن إليها الدهر كله، لكنها عند أول تقصير منه، تكفر كل الإحسان، وتدعى أنها لم تر منه خيرًا قط!

النساء المسلمات، كل النساء المسلمات، يتصفن بهاتين الصفتين: كثرة اللعن وكفر العشير! 

سنبحث فى نقد هذه الجملة من متن الحديث ونرى مدى موافقتها أو مخالفتها شروط صحة المتن.

الشرط الأول: ألا يكون المتن مُخالفًا لصريح القرآن الكريم

الحديث يدعو النساء للصدقة «تَصَدَّقْنَ» من أجل جبر هذه الصفات القبيحة والتكفير عنها، وهذه الصفات القبيحة معاص وسيئات، وقد جعل الله تعالى مغفرة السيئات بالتوبة والعمل الصالح والاستقامة على أمره والانتهاء عما نهى عنه، وليس بالصدقة.

تبعًا لآيات القرآن الكريم، فإن المطلوب هنا من النساء اللاتى يتصفن بهذه الصفات الكريهة القبيحة، التوبة والإيمان وحسن الخلق، والانتهاء عما نهى الله تعالى عنه، واتباع ما أمر به، فمعالجة سوء الخلق، يكون بتركه والتوبة منه والاتصاف بحسن الخلق، وليس بالصدقة، فلو أنها تصدقت بمالها كله، وبقيت على سبها ولعنها وكفرها للعشير، ما تُقبل منها ولا كفرت هذه السيئات.

ورسول الله عليه الصلاة والسلام المبلغ عن ربه، المبلغ لرسالته لم يكن ليضع طريقًا لمغفرة الذنوب غير الطريق الذى أمر به صاحب الأمر والنهى سبحانه وتعالى، من التوبة عن السوء، والإيمان بما أمر به رب العالمين، والعمل الصالح. أما الصدقة فلها مواضعها وأهميتها وثوابها، لكنها ليست المكفرة لسوء الخُلق، فالذى يكفر سوء الخلق هو حُسن الخلق. 

الشرط الثانى: ألا يكون المتن مُخالفًا لسنة رسول الله 

رسول الله كمعلم وموجه وهادٍ لأحسن الأخلاق، يستحيل أن يعرف من أحد من الرجال أو النساء خلقًا قبيحًا، ثم يترك الأمر كأنه من المسلمات بلا توجيه ولا ردع ولا تربية، وكأنه أقر بوجود هذا الخُلق واعترف به، وأنه لا سبيل لتغييره، فقط أمرهم بالصدقة.

هذا مستحيل فى حق رسول الله المعلم الهادئ، ولدينا الكثير من الأحاديث فيها توجيهات مباشرة لمن يرى فيه صفة غير إيمانية، يوجهه إلى التخلص من الصفة السيئة، والتخلق بالصفات الحسنة، لذلك يستحيل أن يذكر اللعن وكفر العشير دون نهى وتوجيه. 

عليه الصلاة والسلام كان عندما يرى سلوكًا غير صحيح، بمنتهى الرقى والوضوح والمباشرة، يطلب من صاحبه تعديل سلوكه ليتناسب مع عبادة الصلاة.

الرسول المبعوث ليعلم الناس ويخرجهم من الظلمات إلى النور، يستحيل فى حقه أن يرى معشر النساء بهذه الصفات القبيحة، ثم يأمرهن بالصدقة، ولا يأمرهن بتركها والاتصاف بالصفات الحسنة. 

كما أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يكره اللعن وحرمه حتى لو كان للحيوانات. عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى بَرْزَةَ، أَنَّ جَارِيَةً، بَيْنمَا هِيَ عَلَى رٍأَوْ رَاحِلَةٍ عَلَيْهَا مَتَاعُ الْقَوْمِ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَتَضَايَقَ بِهَا الْجَبَلُ، وَأَتَى عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ عليه الصلاة والسلام فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ جَعَلَتْ تَقُولُ: حَلْ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله عليه الصلاة والسلام: «لا تَصْحَبْنَا رَاحِلَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ مِنَ اللهِ».

يخبرنا الصحابى أنهم كانوا فى سفر، فمرت القافلة بممر بين جبلين، وكانت فتاة تركب الراحلة وتسوقها فجاءت بمكان ضاق به الممر بحيث أبطأت الراحلة، ثم وجدت رسول الله على راحلته قادمًا من أول الممر، فاضطربت وحثت الراحلة على الإسراع حتى إنها لعنتها، فلما سمع رسول الله بهذا اللعن أمر بمفارقة هذه الراحلة للقافلة، لما صدر من صاحبتها من لعن لها.

فإذا كان يكره أن يُصاحب حيوانًا لعن، فيستحيل أن يُصاحب الأزواج والأولاد الذين أكثرت الزوجات والأمهات فى لعنهم.

قال أيضًا فى حديث آخر: «وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ». وبما أن معشر النساء يكثرن اللعن، يلعن من يتعاملن معهن من أزواج وأولاد وأخوة وآباء وأمهات، فهن كالقاتلات لكل هؤلاء، وهذا أمر يستحيل أن يفعلنه، ويستحيل أن يقبله رسول الله ويتعامل معه كأنه أمر لا يمكن تغييره، فيأمرهن فقط بالصدقة! 

الشرط الثالث: ألا يكون المتن مخالفًا للواقع

فى واقعنا المعاش، ومنذ قديم الأزل من المعروف أن الصفات السيئة التى ذكرت لا تختص بمعشر النساء، إنما هى صفات سيئة تتواجد فى أى شخصية سيئة، سواء كانت من الرجال أو النساء. وحتى سلاطة اللسان والسب واللعن، يخبرنا الواقع بأنها تكثر بين الرجال، لكثرة احتكاكهم بظروف العمل، ولسرعة غضبهم.

أما كُفر العشير، فهى صفة لسيئ الخُلق من الرجال والنساء، وكم سمعنا عن أزواج كفروا عشرة زوجاتهم وأساءوا إليهن، بعدما قدمن لهم كل ما يمكن تقديمه من خير، فهى صفات تتواجد عند كل إنسان سيئ الخُلق، سواء كان من الرجال أو النساء. 

ثالثًا: جملة «مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ..»

هذا الجزء من الحديث يعنى أن رسول الله يتعجب من أن النساء رغم أنهن ناقصات عقل ودين، إلا أنهن يستطعن أن يشغلن عقل الرجل الحازم ذى العقل الراجح، فلما سألن رسول الله ما نقصان العقل والدين، أجاب بأن هذا حكم الله، فقد جعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل: (... فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكَّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى...) (٢٨٢)، البقرة. 

سنبحث فى نقد هذه الجملة من متن الحديث: (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا)، ونرى مدى موافقتها أو مخالفتها لشروط صحة المتن. 

الشرط الأول: ألا يكون المتن مخالفًا لسنة الرسول

إذا كانت هذه الجملة من الحديث تُرجع سبب وصف الرسول لنقصان عقل المرأة بأن شهادتها نصف شهادة الرجل فى الشهادة على الدين، فإن فعله وسنته عليه الصلاة والسلام أخبرتنا عكس ذلك، فرسول الله يخبرنا أن شهادة المرأة تعلو على شهادة الرجل، فى أمور أهم من الديون والأموال ألف مرة.

عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةٌ لِأَبِى إِهَابِ بْنِ عَزِيزِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِى تَزَوَّجَ،، فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِى وَلَا أَخْبَرْتِنِى، فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ الله عليه الصلاة والسلام بِالْمَدِينَةِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ، فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ»، رواه البخارى. 

لقد تم الأخذ بشهادة المرأة، والتى قد تكون فى أدنى السلم الاجتماعى، وقد تكون غير متعلمة، أخذ رسول الله بشهادتها وحدها دون أن يشكك فى عقلها ولا أمانتها، وهى شهادة أهم وأخطر من الشهادة فى الأمور المالية، إذ يترتب عليها تحريم وتحليل وأنساب ومواريث، وبيت يقوم أو يهدم.

فى هذه الحالات المهمة والخطيرة، يتم أخذ شهادة المرأة وحدها، حتى دون اشتراط امرأة أخرى معها كما يُشترط فى شهادة الرجال بمختلف الشهادات.

هذا يتم فى الحالات الآتية: الرضاع والبكارة، والولادة وعيوب النساء والحيض، وانقضاء العدة، واستهلال المولود «وهو يعنى صرخة المولود ولو لمرة واحدة وبصورة ضعيفة بعد ولادته ثم موته»، لأن هذا تترتب عليه أمور كثيرة فى الميراث وغيره.

ولا خلاف بين العلماء فى قبول شهادة النساء منفردات فى هذه الأمور، التى يختص الاطلاع عليها بهن دون الرجال عادة. 

نخرج من هذا التبيان لفعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، وموقف الفقه، من بعده، أن المرأة كاملة العقل، تُقبل شهادتها ولو كانت أمة أو جارية فى أخطر الأمور التى يترتب عليها أحكام أسرة كاملة من حيث الأنساب والمواريث والتحريم والتحليل.

لو كانت ناقصة وضعيفة العقل، لكان من المستحيل أن يطمئن المجتمع إلى قبول شهادتها وحدها فى هذه الأحكام الخطيرة، لذا فإن العلة المذكورة فى الحديث للحكم بنقصان عقلها، ليست صحيحة، فلا يعقل أن تكون المرأة كاملة العقل عند شهادتها على الرضاع والعدة والولادة، وناقصة العقل عند الاتفاقات المالية، لذا فإن الحكم بأن الله تعالى جعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل لا تعنى نقصان العقل. 

الشرط الثانى: ألا يكون مخالفًا للقرآن الكريم

١- يقول تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةٌ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْءٍ منْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ﴿٤﴾ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿٥﴾) النساء.

تبدأ الآية الكريمة بأمر ربانى بأن يعطى الزوج زوجته صداقها (مهرها) نحلة أى هدية بلا نية فى استرجاعه. ويقول بعض المفسرين: «نحلة أى أن يدفع الرجل مهرها إليها عن طيب نفس، دون أن تفكر فى استرداده. والمرأة تمتلك مهرها كاملًا، ولها أن تتصرف فيه، وهذا المهر يتدرج من العشرات إلى الملايين».

هذه الآيات الكريمة تُظهر بمنتهى الوضوح والمباشرة، بلا أى تأويل ولا تغيير، أن المرأة تملك مالها، ولها أن تتصرف فيه كما تشاء، بالبيع والشراء والتجارة، من خلال كتابة العقود والديون وما إلى ذلك، وأن الله تعالى لم يضع عليها أى ولاية أو أى محاذير فى أن تفعل بمالها ما تشاء، وذلك لأنها مثل الرجل كاملة العقل تستطيع إدارة أموالها بنجاح.

ومما يؤكد أهلية المرأة الكاملة فى التصرف فى أموالها مهما بلغ حجمها، ما أقره رب العالمين لها فى الميراث، فلها نصيب مفروض، لها الحق التام فى تملكه والتصرف فيه، مثلها مثل الرجل تمامًا، وهذا يدل على المساواة التامة بينهما فى العقل والقدرة على إدارة الأموال والتصرف فيها. 

إذًا القرآن الكريم يقر الحق الكامل للمرأة أن تتملك الأموال وأن تنفقها كما تشاء، كما يتملك الرجل الأموال وينفقها كما يشاء، ومن هذا الأمر أقر الفقهاء الذمة المالية المستقلة للمرأة، وأثبت لها حقها فى التملك والتصرف فى أموالها وأملاكها كيفما شاءت، سواء كانت بالعمل أو الميراث أو المهر أو الهبة، ولا علاقة لأحد فى تصرفها فى مالها، ولا يحق لأحد أن يعقب عليها إلا من باب النصح فقط، كل هذا يدل على التساوى التام فى العقل.

٢- يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانِ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (١٢)، الممتحنة. 

المبايعة لا تكون إلا مع كاملى الأهلية، وأصحاب القدرة العقلية على الاختيار والقيام بتنفيذ هذه البيعة، واتخاذ البيعة من النساء كما أخذها رسول الله من الرجال تدل على تساوى العقول، وعدم وجود أى نقص لدى النساء يمنعهن من المبايعة على عقد إيمانى فى غاية الأهمية، فناقصات العقل ناقصات الأهلية، لا يجوز التعاقد معهن، لكن هذا العقد الذى يفوق فى قدره وأهميته أى عقد دنيوى، تم مع النساء وذكره رب العالمين، ليؤكد كمال عقلهن وقدرتهن على الحفاظ على العقود والقيام بها.

إذًا من هذا العرض المختصر للآيات الكريمة والتى تشبهها كل آيات المواريث، وبها يعطى رب العالمين المرأة حقوقها المالية كالرجل بلا تخوف من نقص أو ضعف فى عقلها، نرى مخالفة هذا الحكم لأحكام القرآن الكريم، الذى فيه أمر رب العالمين رسوله بمبايعة النساء كما بايع الرجال.

٣- يقول تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِى آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا، أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ﴿١٧٢﴾)، الأعراف. 

فى هذه الآية الكريمة استخدام رب العالمين الفعل المذكر، ليس لأن الله تعالى أخذ الشهادة من الذكور فقط، ولكن لأن هذا الفعل يستخدم ليدل على كل من الرجل والمرأة سواء بسواء، وهناك عدة مواضع بالقرآن الكريم تجعل شهادة الرجل والمرأة سواء، لأن الخطاب فى اللغة العربية لطائفة تحوى ذكورًا وإناثًا، يكون الاسم أو الوصف أو الفعل المذكر هو المستعمل فى الخطاب، ويُحمل للجنسين معًا طالما كان السياق لا يؤكد اختصاصه بالذكور فقط. 

كمثال يقول تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) (٢)، الطلاق. الأمر بالشهادة فى هذه الآية الكريمة جاء بصيغة المذكر والتى تشمل الذكور والإناث، فالمطلوب هنا شهادة اثنين يتصفان بالعدل، سواء كانا ذكرين أو أنثيين، وهكذا فى الآيات المماثلة. 

يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٦﴾ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٧﴾ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٨﴾ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٩﴾، النور.

فى هذه الآيات الكريمة جعل رب العالمين شهادة الزوج وحده مساوية تمامًا لشهادة الزوجة وحدها، فكما يؤخذ بشهادة الزوج، يؤخذ بشهادتها، دون تمييز بين الشهادتين وبلا تشكيك فى قدرتها على الشهادة، فلو كانت ناقصة العقل ولا يمكنها أن تقوم بالشهادة وحدها، كان لا بد من اتخاذ طريق آخر لمعالجة الأمر، لكن تم الحكم بناءً على المساواة التامة بين الزوجين فى القدرة على الحكم والشهادة.

٤- يقول تعالى: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذُلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا ﴿٥﴾ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿٦﴾)، الفتح. 

فى هذه الآيات الكريمة، ذكر رب العالمين الطائعين من عباده سواء كانوا رجالًا أو نساء، على قدم المساواة فى الثواب، فلهما نفس الثواب، وكذلك ذكر العصاة من الرجال والنساء، على قدم المساواة فى العقوبة، فلهما نفس العقوبة، وهذا يدل على أن كليهما مكلف على السواء، والعقل مناط التكليف، فمناط الطاعة أو المعصية، العقل.

لو كان عقل المرأة ناقصًا ضعيفًا، لم يكن من العدل مساواتها بمن هو أعقل منها فى التكاليف وفى الثواب والعقاب، والله تعالى هو العدل، لم يكن ليساوى ناقصات العقل من النساء بأصحاب العقل الكامل من الرجال.

فناقص العقل من العدل أن تكون له معاملة خاصة، فيكون غير مطالب بما هو مطالب به الكامل، ولا يكون عليه عقاب الكامل، لكن المساواة التامة بالقرآن الكريم فى كل هذه الأمور لا تعنى سوى المساواة التامة فى العقل، الذى يملك كل أدوات المعرفة، والقدرة على الاختيار، ويتحمل نتائج اختياراته. 

الشرط الثالث: ألا يكون المتن مخالفًا لقاعدة فقهية

علل هذا الحديث الحكم بنقصان عقل المرأة بأن الآية الكريمة جعلت شهادة المرأتين تساوى شهادة رجل واحد: (أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا).

لذا سنبحث صحة هذا الجزء من الحديث من خلال القاعدة الفقهية التى وضعها العلماء لاستنباط الأحكام القرآنية وهى «الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا»، أى مصاحبة الحكم للسبب الذى من أجله صدر هذا الحكم، فإذا زال السبب، زال الحكم.

فى الآية يقول تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكَّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ﴿٢٨٢﴾)، البقرة. 

جاءت هذه الآية الكريمة فى الشهادة على كتابة الدين، أى فى الأموال وما يخص العمل بالأسواق والتجارة، وقد علل رب العالمين اتخاذ امرأتين مع رجل بدلًا عن رجلين بقوله: (أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكَّرَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى).

أى هذا الحكم بسبب الخوف من أن تنسى إحداهما، فتذكر إحداهما الأخرى، وهو سبحانه لا يأتى بحرف ولا كلمة إلا بعلم وبحكمة، فقد كان يستطيع سبحانه أن يتوقف عند «مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشَّهَدَاءِ» وفقط على إطلاقها بلا تكملة ولا تعليل، وبذلك يتم الأمر ويتحقق الحكم، لكنه العليم الحكيم، يذكر العلة لتدور مع الحكم الذى أصدره، فقد علل الأمر بإمكانية أن تنسى المرأة الواحدة أمرًا مهمًا فى شروط هذا العقد، فتذكرها الأخرى به.

لماذا ذكر الله تعالى هذه العلة أو هذا السبب؟ لأنه كان الغالب فى النساء البعد عن أمور السوق والتجارة، فإذا انتفت هذه العلة، وكانت المرأة الموجودة متمكنة من أمور السوق وخبيرة بما يحدث فيه من تعاقدات، فينتفى الحكم بوجوب وجود امرأتين فى مقابل رجل واحد، وتكفى امرأة واحدة ورجل واحد أو امرأتان أو رجلان.

إذًا العلة التى ذكرها الله تعالى فى الآية، والتى من أجلها أوجب شهادة امرأتين، هى نقصان العلم، وليس نقصان العقل. فلو توافر العلم تغير الحكم، ولو لم يكن الأمر معللًا بنقص الخبرة والبعد عن أمور السوق، ما ذكره رب العالمين، ولكان الحكم مطلقًا بلا تعليل. 

وكما بينّا من قبل فى الأخذ بشهادة امرأة واحدة فى أمور الأسرة التى تعلمها النساء، ولا يؤخذ بشهادة الرجال مهما بلغ عددهم، ذلك لعدم تمكن الرجال من التواجد فى هذه الأجواء الخاصة بالنساء، فلم يحكم أحد أن هذا يعنى نقصان عقل الرجال، لكنه أرجع لسببه الواضح، وهو نقصان العلم وليس نقصان العقل. كذلك الأمر فى كتابة العقود والتواجد بالأسواق، علة اتخاذ شهادة امرأتين بدلًا من رجل واحد، هو نقصان العلم وليس نقصان العقل.

الشرط الرابع: ألا يكون مخالفًا للواقع

ماذا يخبرنا الواقع الذى نعيشه وعاشه أجدادنا وسيعيشه أحفادنا؟

يخبرنا أن مهمة المرأة كزوجة وكأم فى غاية الأهمية والخطورة. كلنا نعلم أن الإدارة الناجحة للبيت بكل مهماته الشاقة، وتربية الأبناء بكل تفاصيلها التى لا تنتهى، ومراعاة الزوج بكل احتياجاته، فى حاجة لإنسانة تتمتع بقدر عالٍ من العقل والحكمة.

هذه المهمة الخطيرة جدًا فى تكوين المجتمع الناجح وسدت للمرأة، فإذا كانت ناقصة العقل خلقةً وسيئة الخُلق طبعًا، فكيف يأتمنها المجتمع على صلاح الأسرة؟ وكيف يأمن الرجل على بيته وعلى أولاده إذا كانت زوجته ضعيفة العقل سيئة الخُلق؟ لماذا لم يوكل المجتمع هذه المهمة الخطيرة لكاملى العقل من الرجال؟ لماذا تترك البيوت لناقصات العقل اللاتى لا يُحسن التصرف، وبالتالى لا يمكنهن تربية الأبناء ولا إدارة البيت ولا معاملة الزوج؟

إن الواقع يفرض حكمه، وهو أن المرأة تملك العقل الكامل الذى يؤهلها لأداء هذه المهمة الخطيرة، وقد ثبت هذا على مر العصور من خلال ملايين الأسر التى نجحت بسبب العقل الراجح للزوجة والأم التى قامت بمهامها على خير وجه.

وكما أن الرجل راعٍ ومسئول عن رعيته، فالزوجة راعية ومسئولة عن رعيتها، وقد نجد من الرجال من يتخلون عن مسئولياتهم ولا يقومون بواجباتهم ولا يرعونها، وكذلك قد نجد من النساء من يتخلين عن واجباتهن ولا يقمن بمسئولياتهن ولا يرعينها، وليس هذا لضعف العقل، لكنه لاتباع الهوى وسوء الخلق عند كل من الرجال والنساء على حد سواء.