الأحد 02 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الفردانية الثقافية

حرف

هل لدينا اتجاهات ثقافية فكرية الآن؟ هل لدينا حركة ثقافية مثلما كان الأمر منذ تشكل تاريخنا المصرى المعاصر، هل لدينا مدارس فنية تشكيلية أو مدارس أدبية مثلما كان الأمر فى القرن الماضى؟ هل هذه الأسئلة وأسئلة غيرها تبدو للوهلة الأولى وكأنها بلا إجابات واضحة؟ وعادة ما يكون سائلوها من المثقفين أنفسهم وخصوصًا من أولئك المتباكين على حال الثقافة الآن والمترحمين على ما كانت عليه ثقافتنا فى زمن فات.

إنَّ بمصر الآن طاقات إبداعية وفكرية مبهرة فى كل المجالات، وببساطة يمكن طرح العديد من الأسماء فى مجال الفكر أو الكتابة الأدبية أو الفن التشكيلى أو السينما أو المسرح أو الموسيقى والغناء، لدينا مواهب مميزة جدًا فى العديد من المجالات والأجيال الجديدة زاخرة بمبدعين يؤكدون أن مصر ولادة، وأن جينات الحضارة تعمل بقوة مثلما كانت فى كل العصور، لكن التحلق والتمحور كبؤر يمكن أن تشكل حركة ثقافية هو الغائب بالفعل، ولعل السبب الأساسى فى ذلك غياب التفاعل الجماعى. فالمبدع المثقف بات مشغولًا بذاته أكثر من أى أمر آخر، ونظرًا لسيادة ثقافة السوق، فهو مشغول بترويج بضاعته الثقافية، والدفع بها فى سبيل الحصول على مكاسب تحقق أكثر شهرة وأكثر مال، خصوصًا أن المغريات كثيرة ومتاحة أكثر من أى وقت مضى، كما أن وسائل التواصل الاجتماعى، باتت وسيلة سهلة وميسرة للإعلان عن البضاعة وترويجها.

عندما تشكلت المدارس والاتجاهات والجماعات الثقافية، إنما كان ذلك بسبب حياة جمعية ثقافية، بعيدًا عن الفردانية، فالمهتمون بالكتابة الأدبية ليسوا بمعزل عن الحركة التشكيلية والمشتغلون بالسينما يقرأون الأعمال الأدبية، وأهل الغناء والموسيقى هم على تلاحم مع الشعراء وبكافة أنواعهم، أما الآن، فقلما تجد فنانًا تشكيليًا يشارك بندوة أدبية ولا تجد أديبًا يزور معرضًا تشكيليًا إلا من باب المجاملة والقيام بواجب لصديق من الأصدقاء، وفى الماضى كان المؤسس لأتيليه القاهرة معماريًا وموسيقيًا هو أبوبكر خيرت، وكانت الجماعة الثقافية بكل تلاوينها تتبادل الخبرات الفنية والجمالية، ورواد مجلس نجيب محفوظ أثروه مثلما أثراهم، ولنتذكر توفيق صالح وأحمد مظهر وعادل أمين وغيرهم، فالذى يخلق الحركة الثقافية هو الحوار والاحتكاك، والذى يشكل أى اتجاهات ثقافية هو البيئة الحاضنة لهذه الأفكار ومدى قدرتها على تحمل التجارب الإنسانية فى حقول معرفية إبداعية مختلفة.

الفردية والأنانية وضيق الأفق، والسعى لمجد سريع زائل، ونزعة التفوق الوهمى على الآخرين عوامل أدت إلى موات الحركة الثقافية.

لذلك هناك أسماء عديدة تصعد صعودًا صاروخيًا، بسبب جائزة هنا أو ترويج وتلميع بجرعات زائدة هناك، لكنها سرعان ما تلمع وتنطفئ وكأنها ما كانت، فهى لا تسعى إلى جمعية ثقافية وتتمركز حول فردانية زائلة، ولا يعنيها موات الحياة الثقافية، ولذلك لم تعد الثقافة هى القاطرة التى تجر القطار المجتمعى، وبات المثقف بلا مصداقية حقيقية مثلما كان.