كيف تناولت السينما شخصية المثقف؟
كلمة مثقف واسعة وفضفاضة، فهى لا تعنى الكاتب أو الروائى فقط، بل فى رأيى تستوعب كل العاملين فى المجال الإبداعى بتنويعاته المختلفة، بالإضافة إلى المتلقى المستمتع بهذه الأعمال، والتى تتكون من خلالها ذائقته وأفكاره.
السينما حصرت المثقف فى قالبين، إما قالب الكاتب أو الصحفى، وقدمت الشخصيتين بشكل كاريكاتورى يثير الضحك والسخرية.
فالصورة الغالبة على الكاتب هو الشخص الذى يعيش وسط الكتب طوال الوقت، ودائمًا ما يكون هذا الكاتب رجلًا، وكأنه لا توجد امرأة كاتبة أو تقرأ! وهذا الكاتب دائمًا يظهر مرتديًا «روب» منزليًا على قميص وبنطلون، وجالسًا فى صومعته يكتب شيئًا ما، وغالبًا هذا الشخص معقد من المرأة ويعلن عداءه لها، ويراها رمزًا للغواية، كما حدث فى فيلمىّ «عدو المرأة» لرشدى أباظة ونادية لطفى، و«الرباط المقدس» لعماد حمدى وصباح.
دور المرأة هنا يكون التحدى فى أن تخترق عزلة الكاتب وغوايته وكأنه واجب مقدس، وكأن هذا الكاتب المثقف لم يرَ نساءً قبل ذلك.
صورة أخرى للكاتب، وهو الشخص الرومانسى الهادئ الحالم الذى يبحث عن الملهمة، ودائمًا ما يكون متزوجًا من امرأة لا تفهمه ولا تفهم طبيعة عمله لسبب مجهول أيضًا، ويجد ضالته فى البطلة الرقيقة الحالمة، «بين الأطلال» نموذجًا، وفيلم «جفت الدموع»، والاثنان عن روايتين ليوسف السباعى.
الصورة الأخرى للمثقف أو الكاتب الصحفى أنه يكون مناضلًا ومعارضًا، ويتم التنكيل به على يد السلطة المعارض لها، ويتكلم بعبارات رنانة وكلام ملىء بالحكمة والفلسفة.
الصورة الأكثر كاريكاتورية التى قدمت فى فيلم «فوزية البرجوازية» للمثقف اليسارى المنفصل عن عالمه، ويعيش فى قوقعة من الشعارات هو وزوجته، ويصطدم بسلوكيات الناس فى الحارة، كأنه غير مصرى ولا يعرف شيئًا عن الحارة المصرية، الفيلم من تأليف أحمد رجب.
الصورة الأخرى للصحفى الذى يخوض مغامرات وكأنه المفتش كوجاك، وينجو من الاختطاف وضرب الرصاص والمجرمين لأجل الوصول للحقيقة، مثل فيلم «قضية سميحة بدران» لنبيلة عبيد، وهو فيلم بالغ فى تقديم دور الصحفى عمومًا والصحفية المرأة الخارقة، ونادية الجندى فى فيلم «الإرهاب».
من أسوأ الشخصيات الصحفية التى تم تقديمها، الصحفى «إحسان» فى فيلم «الممر»، والتى قدمها أحمد رزق، فهى صورة ساذجة لصحفى الفن فى فترة ما بعد النكسة وحرب الاستنزاف، وصورة ساذجة للصحفى العسكرى الذى لا وجود له فى معركة عسكرية سرية، فهو غير مدرب، بل إن وجود شخص غير عسكرى فى مهمة ما يكون عائقًا كبيرًا لتنفيذ هذه المهام السرية.
على عكس صورة الصحفية «سمارة» التى قدمتها ماجدة الخطيب فى فيلم «ثرثرة فوق النيل»، والتى كانت مهتمة بتغطية حال المجتمع بعد الحرب.
والأكثر مبالغة هند رستم، الصحفية «عنان» فى فيلم «الخروج من الجنة»، والتى كانت تجلس فى مكتب يضاهى مكتب رئيس تحرير، وهى صحفية عادية تستقبل بريد القراء.
هذا بخلاف المثقف المحبط الذى دائمًا يعيش فى غرفة فوق أحد الأسطح، لأنه وجد العالم قبيحًا.
المثقف أو الكاتب أو الصحفى، أو المبدع عمومًا، إنسان عادى يتعاطى الحياة بكل أشكالها حتى يستطيع أن يقوم بعمله، فالبشر وحيواتهم هم خبزه اليومى للإبداع، بالإضافة للقراءة، فهو لا يعيش فى صومعة، بل يعانى مثل الباقين من أزمات وطنه ولديه عين ناقدة.
لن يكون الكاتب شخصًا مثقفًا حقيقيًا لو لم يستطع أن يخاطب الجميع، وأن يتعامل مع الجميع، ويفهمه الجميع، فالثقافة أسلوب حياة لجعل الحياة أفضل، وليس للتعالى على البشر.
فى انتظار أن يأتى عمل يكون بطله كاتبًا أو كاتبة، أو صحفيًا، أو شخصًا مثقفًا عاديًا وطبيعيًا ولديه عائلة ويعانى من الأقساط والحياة العادية.