الخميس 13 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رجاء النقاش يكتب: مصطفى بيومى

حرف

عرفت الكثيرين من الباحثين الجادين والدارسين المخلصين فى الأدب وقضايا الفكر المختلفة، لكننى أشهد بأن أكثرهم تأثيرًا فى نفسى وإثارة لإعجابى هو مصطفى بيومى، فطريقة هذا الباحث الأدبى تجعل منه فى نظرى أحد المتصوفين، الذين وصل بهم إخلاصهم إلى حد نسيان الدنيا كلها بما فيها من صراعات وحروب كبيرة وصغيرة حول المصالح والمكاسب، ثم الانصراف التام للقضية التى آمنوا بها ومنحوها كل جهدهم وجعلوا منها مركزًا لعواطفهم المختلفة، وهذا ما يفعله مصطفى بيومى، هو يعطى حياته وجهده وكل ما يملك من وقت لدراساته الأدبية.

وهو يعيش فى «المنيا» بعيدًا عن العاصمة، فإن جاء إلى العاصمة لأسباب تتصل بجهده العلمى مشى على أطراف أصابعه ولم يشعر به أحد، فأنت لا تراه فى النوادى الأدبية، ولا تجد له أى أثر فى طرقات الإذاعة والتليفزيون، وبالطبع فهو بعيد عن جميع الاستديوهات التى منها تنطلق الشهرة الإعلامية وتفيض بالأضواء على الرجال والنساء. وأيضًا فإن مصطفى بيومى لم يطرق فى يوم من الأيام باب صحيفة أو مجلة، ولم أسمع عنه مرة واحدة، وأنا المتابع لأخباره أنه طلب شيئًا من أحد، أو أنه أثقل على مسئول ثقافى هنا أو هناك بالتماس للعون أو المساندة، ورغم أننى أعرف أن إمكانات مصطفى بيومى المادية محدودة، بل ومحدودة جدًا، فإنه يعمل ويعمل ولا يفكر فى شىء غير العمل والإنتاج، وكأنه من أكثر الناس ثراءً واستغناءً عن أى احتياجات مادية من أى نوع.

مصطفى بيومى الباحث الأديب المفكر، هو نموذج حى للكرامة الثقافية، وللإيمان إلى حد الاستشهاد بأن العمل الجاد المستمر هو وحده الذى ينبغى أن نسعى إليه ونحرص عليه، وأن هذا العمل هو فى حد ذاته الهدف الذى يعطى للإنسان جزاءه المعنوى الكامل، وأما ما يحققه العمل من عائد مادى أو جائزة أو شهرة وأضواء تحيط باسم صاحبه، فكلها أمور لا تعنى مصطفى بيومى فى شىء.

آخر ما تلقيته من مصطفى بيومى هو مخطوطة لدراسة فريدة عنوانها «الإخوان المسلمون فى عالم نجيب محفوظ» والمخطوطة مكتوبة بخط مصطفى بيومى الجميل الأنيق، الذى يشبه لوحة فنية بديعة، أما الدراسة نفسها فهى فى غاية العمق والدقة والشمول الذى لا تفوته صغيرة أو كبيرة، وما أكثر ما كتب مصطفى بيومى عن نجيب محفوظ وعن غيره من الأدباء، فى أجيالهم المختلفة، ومنهم صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر وغيرهما، وما أتيح لى أن اقرأه من دراساته هو من أوضح وأدق المراجع فى أدبنا الحديث، بالإضافة إلى ما يتمتع به مصطفى بيومى من أسلوب واضح مشرق جميل وضمير أدبى وعلمى فى غاية الأمانة والصدق.

انتبهوا إلى مصطفى بيومى.. فهو مركز قومى كامل للدراسات الأدبية ذات القيمة العالمية والنادرة فى شكل شخص واحد يعتمد على جهده الكبير وتصوفه وإخلاصه غير المحدود لعمله.

انتبهوا إليه.. وأعطوه ما لم يطلبه ولن يطلبه من أحد: منحة تفرغ لائقة، أو جائزة من جوائز الدولة، أو كلمة طيبة سوف ترضيه وتسعده؛ لأنه صاحب كرامة ورأس مرفوع.

«ملحوظة: لم ألتق فى حياتى بمصطفى بيومى، ولم أسعد برؤيته، ولكن أقرأ له كل ما يتاح لى من كتابة، وأنتفع دائمًا بعلمه ودقته وغزارة مادته».

مجلة «أدب ونقد» - يوليو ٢٠٠٥