بيت هـواوى.. تاريخ أقوى شركة فى الصين
![حرف](/themes/harf/assets/images/no.jpg)
- كتاب يقدم رواية عميقة لصعود شركة هواوى وارتباطها المعقد بالدولة الصينية: تلعب دورًا رئيسيًا فى الأحداث السياسية حول العالم
- هواوى.. شركة أشعلت شرارة معركة التكنولوجيا بين واشنطن وبكين
- الكاتبة: هواوى هى لحظة «سبوتنيك» الصينية.. والأولى فى الجيل الخامس
- كيف نجح مهندس سابق بالجيش الصينى فى تحويل هواوى إلى أكبر شركة لتصنيع معدات الاتصالات فى العالم؟
- مؤسس هواوى: دولة لا تحتوى على مفاتيح يتم التحكم فيها بواسطة برنامج خاص بها تشبه دولة لا تمتلك جيشًا
يحتل الصراع على التفوق التكنولوجى بين الولايات المتحدة والصين مركز الصدارة مع عودة إدارة ترامب إلى السلطة، خاصة مع الجدل الواسع الذى أثارته شركة «ديب سيك» الناشئة الصينية مع إطلاق نماذجها المتقدمة للذكاء الاصطناعى. بالإضافة إلى المعركة المستمرة مع التيك توك، والمنافسين الصينيين لشركة إنفيديا، وبالطبع ستكون شركة «هواوى» عملاق الاتصالات الصينى لاعبًا رئيسيًا.
هذه الشركة صاحبة الريادة فى حرب التكنولوجيا بين واشنطن وبكين، أمضى رجل أعمال غريب الأطوار ثلاثة عقود من الزمن فى بنائها على ساحل جنوب الصين، والتى كانت مجهولة وقتها، لتصبح واحدة من أقوى الإمبراطوريات التكنولوجية فى العالم، دون أن يلاحظ أحد ذلك.
تغير كل هذا فى ديسمبر 2018، عندما أشعل احتجاز «منج وانزو»، وريثة الشركة وابنة مؤسسها والمديرة المالية لها، مواجهة دولية بشأن احتجاز الرهائن، وأشعل فتيل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ودفع الشركة غير المعروفة فجأة إلى دائرة الضوء العالمية.
فى كتاب «بيت هواوى: التاريخ السرى لأقوى شركة فى الصين»، ترسم الصحفية الأمريكية الحائزة على جوائز إيفا دو، مراسلة السياسة التكنولوجية فى صحيفة واشنطن بوست فى الصين، صورة رائعة لمؤسس هواوى المنعزل، رن تشنج فاى، وكيف بنى إمبراطورية شركات مترامية الأطراف وهى الإمبراطورية التى أصبح صناع السياسات الغربيون مهووسين بشكل متزايد بوقف صعودها.
ونتيجة لخبرتها خلال سبع سنوات فى إعداد تقارير عن السياسة والتكنولوجيا لصحيفة وول ستريت جورنال فى بكين وتايبيه بتايوان، يستند كتابها الصادر فى منتصف شهر يناير الماضى،عن دار نشر «بورتفوليو» التابعة لـ«بينجوين راندوم هاوس» الأمريكية، فى ٤٤٨ صفحة، على مقابلات وبحوث أرشيفية، لشرح شبكة القوة والمال والمجد الوطنى التى ساعدت هواوى فى بنائها والتى أوقعتها فى الفخ أيضًا.
ونجح الكتاب، الذى يأتى فى المرتبة الثانية بين الكتب الأكثر مبيعًا فى التجارة السياسية والتعريفات الجمركية، فى توثيق قصة الشركة التى تم تأسيسها عام ١٩٨٧، من خلال تقديم جدول زمنى مفيد للأحداث والكشف عن مجموعة من الشخصيات الرئيسية التى كانت وراء نجاحها.
![](/Upload/libfiles/0/8/712.jpg)
أكبر مورد
تروى إيفا فى مقدمة كتابها وظيفة شركة هواوى، فتقول إن مؤسسها كان يرى أنه مجرد صانع أنابيب، وهى مهنة متواضعة لا تختلف عن مهنة السباك، مضيفة: من المؤكد أن شركة هواوى قد تصنع أنابيب من نوع ما، لكن الماء لا يتدفق من خلالها.
ما تدفق عبر هذه الأنابيب هى المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الإلكترونى، وحركة المرور على الإنترنت، والرسائل النصية، ومكالمات الفيديو، ومحاسبة الشركات، والسجلات الطبية، والوصايا، ورسائل الحب، والصور العائلية، واستخبارات الشرطة، والأسرار الحكومية. فى كلمة واحدة: البيانات. وهى السلعة الأكثر قيمة فى عصر المعلومات.
وتستكمل: كانت شركة هواوى أكبر مورد لهذه الأنابيب، بفارق كبير. وكان هناك شىء آخر هنا. لم تكن مسألة هواوى مجرد مسألة عمل تجارى. لقد كانت أيضًا مسألة إيمان. عندما أطلق السوفيت القمر الصناعى سبوتنيك ١ فى السماء عام ١٩٥٧، كان ذلك قد هز الأمريكيين حتى النخاع. كان هناك بحث عن الذات على الصعيد الوطنى. فكيف تمكنت موسكو من اكتساب التفوق التكنولوجى بأساليبها الشيوعية البطيئة؟
ويبدو أن انهيار الاتحاد السوفيتى قد وضع حدًا لهذه المناقشة، مؤكدًا هشاشة الحكم الشيوعى وتفوق الديمقراطية الليبرالية الغربية. أما الصين، فقد كانت رائدة تكنولوجية منذ قرون مضت، حيث اخترعت البوصلة، والبارود، والورق. لكنها تخلفت عن الركب فى القرن الخامس عشر، وبدا احتمال اللحاق بها مرة أخرى غير مرجح حتى الآن. كان العالم يعيش لحظة سبوتنيك أخرى. وهذه المرة كان سبوتنيك هو شركة هواوى.
كانت شركة هواوى تقدم طلبات براءات اختراع أكثر من أى شركة أخرى على وجه الأرض. هواوى كانت الأولى فى مجال الجيل الخامس. هواوى كانت رقم واحد فى الهواتف الذكية. لقد كان ذلك بمثابة اختراق فى مجال الذكاء الاصطناعى. لقد حققت مبيعات سنوية أكبر من مبيعات شركتى «ديزنى» و«نايكى» مجتمعتين، ووظفت عددًا أكبر من الأشخاص مقارنة بشركة «أبل». ولم يكن من المفترض أن يكون صعود مثل هذه القوة المطلقة للشركات ممكنًا من خلال الشيوعية. ولكن حدث ذلك.
وتعلق الكاتبة: لقد كان هذا هو الشىء الذى جعل الناس يعيدون النظر فيما يعرفون أنه صحيح. لقد كانوا يعيدون النظر فيما إذا كانت التجارة الحرة تجعل الجميع أكثر ثراءً حقًا. وكانوا يعيدون النظر فيما إذا كان التاريخ قد انتهى بالديمقراطية على النمط الغربى. لقد كانوا يعيدون النظر فيما إذا كان مصدر الابتكار حقًا هو المتسربين من الجامعات، وليس اختيار الدولة للفائزين والخاسرين. لأنه إذا كان الأمر كذلك، فكيف وجدت شركة مثل هواوى؟
![](/Upload/libfiles/0/8/713.jpg)
تطلعات تكنولوجية
تقول المؤلفة إن هواوى كانت جزءًا أساسيًا من التطلعات الاقتصادية والجيوسياسية لبكين، وإن مؤسسها نشأ فقيرًا فى قويتشو، وهى مقاطعة جبلية فى جنوب غرب الصين، عام ١٩٤٤، وكان أحد سبعة أطفال فى عائلة ريفية يبحثون عن وجباتهم من الجذور وحبوب الخروع البرية.
تخرج «رن» فى الكلية كمهندس تدفئة، وتم تكليفه بالعمل فى موقع عسكرى لبناء الطائرات المقاتلة. وفى عام ١٩٨٧ أسس هواوى فى مدينة «شنجن» كمورد لمفاتيح الهاتف، مستغلًا العصر الجديد للحزب الشيوعى الصينى الذى يشجع ريادة الأعمال الرأسمالية. وعلى مدار أكثر من ٢٠ عامًا، نجح فى تحويلها إلى أكبر شركة لتصنيع معدات الاتصالات فى العالم وعملاق تكنولوجى.
وتعود إيفا إلى جذور المؤسس فى العمل كمهندس سابق فى الجيش الصينى، فتشير إلى أنه أمضى سنواته الأولى فى مساعدة بناء قاعدة لإنتاج الطائرات العسكرية فى تلال جنوب الصين، وواصل الصعود كمهندس عسكرى. وقد تم تكريمه داخل فيلق البناء بالجيش، لاختراعه مولد ضغط كان مفيدًا فى بناء مصانع النسيج.
وكان وقته فى الجيش مؤثرًا عليه شخصيًا، حيث لاحظ الأشخاص الذين التقوا به بعد سنوات أنه لا يزال يحمل نفسه بمظهر الجندى، وكان يحب استخدام الاستعارة العسكرية فى خطاباته.
حيث كان الجيش أحد الأماكن القليلة التى يمكن أن تعمل فيها كمهندس أثناء الثورة الثقافية فى الصين. ونشأت علاقاته التجارية اللاحقة ببكين إلى حد كبير، بسبب الدور الرئيسى الذى لعبته هواوى فى التطلعات التكنولوجية للبلاد.
وتحكى الكاتبة عملية تأسيس الشركة، فتقول إن فى ذلك الوقت كان هناك برنامج تجريبى قد بدأ فى «شنجن»، ولذا قال رن إن مسئولًا محليًا اقترح عليه تجربة إنشاء شركة ناشئة.
كان هناك نوع من الدافع الشخصى لريادة الأعمال عند رن، وكان المسئولون المحليون يتحركون نوعًا ما لتشجيع المهندسين الذين لديهم هذا النوع من المعرفة الخلفية للبدء، ليكونوا جزءًا من هذه التجربة فى ذلك الوقت.
وتعلق المؤلفة: لقد كانت تجربة إلى حد كبير، حيث إن معظم الأشخاص الذين أنشأوا هذه الشركات الناشئة فى ذلك الوقت، كانوا يقومون بذلك نوعًا ما فى إجازة من وظائفهم فى الشركات المملوكة للدولة، مع نوع من الأمان الذى يمكنهم العودة إلى وظيفتهم، إذا فشلت.
![](/Upload/libfiles/0/8/714.png)
نجم صاعد
رغم تأسيس هواوى فى فجر التجربة الرأسمالية فى الصين، ووجود يد الدولة طوال الوقت وتقديم نوع من الدعم لهذه الشركة، فإن المسئولين المحليين اكتشفوا الشركة كنجم صاعد فى وقت مبكر جدًا من تاريخها، وقبل أن تصبح شركة معروفة خارج بكين.
وتوضح إيفا أنه فى هذا الوقت، بدأت بنوك الدولة فى توفير التمويل لهم مثل القروض التى ساعدتهم على التوسع أولًا فى جميع أنحاء الصين، ثم فى الخارج. وكان كل هذا لا يقدر بثمن.
وتصف الكاتبة ذلك بأنه كان بمثابة نوع من المنافسة الخاضعة للرقابة والمنافسة المعززة من قبل الدولة، حيث كان على شركة هواوى أن تنافس، فى البداية، عشرات الشركات التى كانت مشابهة لها من حيث الخلفية.
وكان كل هؤلاء يبدأون من نفس المستوى نوعًا ما، وكانوا جميعًا يتلقون دعمًا حكوميًا، وتمكنت هواوى من التفوق على منافسيها، وانتهى بها الأمر إلى حد ما كملك لا مثيل له، وواحدة من الأبطال الوطنيين بلا منازع فى هذا القطاع فى الصين بدعم واسع النطاق من رعاة حكوميين فى بكين، وبعد ذلك فى العالم.
وتلفت المؤلفة إلى أن «رن» قد كشف اللعبة وقدم الحجج التى تفسر لماذا يجب على السلطات دعم نمو شركته، حيث قال «إن الدولة التى لا تحتوى على مفاتيح يتم التحكم فيها بواسطة برنامج خاص بها تشبه الدولة التى لا تمتلك جيشًا»، مضيفًا «يجب أن تكون برامج شركته فى أيدى الحكومة الصينية».
لكن فى الوقت نفسه، قاومت هواوى التشابك الشديد مع بكين على مر السنين، حيث كان «رن» يخشى أن تفقد الشركة ميزتها التنافسية، إذا تم دمجها فى البيروقراطية الحكومية.
لكن الواقع هو أن شركات التكنولوجيا يجب أن تتعاون مع متطلبات الأمن القومى لحكوماتها، وهذا هو الحال بموجب القانون فى الصين والولايات المتحدة ودول حول العالم.
وتقول إيفا إن الأمريكيين أعلنوا الحرب على هواوى، ليس من منطلق القلق على حقوق عمالها، بل لأنهم كانوا يفعلون منذ فترة طويلة بالضبط ما اتهموا هواوى بارتكابه.
فالشركات الأمريكية مثل جوجل وشركة الأجهزة العملاقة «سيسكو» مضطرة إلى هندسة «أبواب جانبية» للمؤسسات الحكومية للوصول إلى أى بيانات تريدها. والأمر الأكثر من ذلك وكما كشفت تسريبات سنودن، وهو عميل استخبارات وتقنى معلومات أمريكى سابق، أن وكالة الأمن القومى الأمريكية كانت قد اخترقت هواوى بالفعل عام ٢٠٠٩، وكانت تقرأ كل رسائل البريد الإلكترونى الخاصة بها منذ ذلك الحين.
وتشرح الكاتبة السر الحقيقى وراء إعلان أمريكا الحرب على هواوى، فتقول إنها أصبحت منافسًا هائلًا للولايات المتحدة من خلال نموذج هجين، يعتمد على دعم الدولة، وهو ما كان جزءًا مهمًا جدًا فى صعود الشركة.
ويعتمد أيضًا على ثقافة وإلهام تمكن المؤسس من وضعه لقيادة العديد من المهندسين ومندوبى المبيعات للعمل، والتجديف فى نفس الاتجاه، والعمل نحو هدف موحد داخل الشركة.
وتضيف: بدءًا من إدارة ترامب الأولى وحتى إدارة بايدن، كان المسئولون الأمريكيون يتصارعون كثيرًا مع هذا السؤال حول كيفية التنافس مع هذا النموذج الهجين الذى يأخذ نوعًا ما أفضل أجزاء الرأسمالية، المنافسة الخام، يتم تسخيرها بكميات هائلة من الدعم الحكومى،على مستوى تجد الشركات الأمريكية صعوبة فى التنافس معه.
![](/Upload/libfiles/0/8/715.png)
الملكية الفكرية
وتقول المؤلفة إنه منذ بدأت الشركة فى تجميع مفاتيح الهاتف التناظرية المنسوخة من مصنع محلى آخر، وعندما أطلقت مفاتيح رقمية متطورة، قال أحد المسئولين التنفيذيين الغربيين إنها بدت وكأنها نسخت مفتاحًا من شركة «إيه تى آند تى» الأمريكية.
وفى وقت لاحق، ادعت شركة «سيسكو» فى دعوى قضائية أن بعض الأخطاء فى الكود المصدر لأجهزة التوجيه الخاصة بها، تم تكرارها فى أجهزة التوجيه الخاصة بهواوى. وتم إسقاط الدعوى بعد تغيير كود معين.
وترى إيفا، أن هواوى كانت فى أجزاء مختلفة بين الإساءة إلى الآخرين وسرقة الملكية الفكرية طوال تاريخها، وفى أيامها الأولى، عندما كان قانون الملكية الفكرية فى الصين لا يزال ناشئًا، كانت هناك حالات صارخة للغاية، حيث قامت بنسخ منتجات المنافسين.
اعترف «رن» نفسه بذلك ذات مرة فى خطاب داخلى. بعد أن رفعت شركة سيسكو دعوى قضائية فى عام ٢٠٠٣، بدأت هواوى فى بذل المزيد من الجهد فى تطوير ملكيتها الفكرية الخاصة، حتى مع بقائها متابعًا سريعًا للتقنيات التى طورها منافسوها.
ومع ذلك، لا تزال هواوى تواجه شكاوى الملكية الفكرية اليوم، لكنها بلا شك قوة بحثية وتطويرية فى حد ذاتها، مع فرق هندسية فى جميع أنحاء العالم.
وتشير الكاتبة إلى أن أنشطة هواوى لم تثن الشركات الغربية الحريصة على التعامل مع الصين. ففى أوائل تسعينيات القرن العشرين، وضعت «موتورولا» هواوى على قائمة عملائها ذوى الأولوية. كما قدمت شركة «آى بى إم» خدمات استشارية لهواوى لأكثر من عقد من الزمان.
وفى الوقت نفسه، جندت هواوى نخب السياسة الغربية لتعزيز قضيتها. فقد مثل الأدميرال «بيل أوينز»، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، هواوى فى محاولتها عام ٢٠١٠، للحصول على عقد مع شركة «سبرينت» الأمريكية للاتصالات.
وأصبحت هواوى واحدة من أكبر المنفقين على جماعات الضغط فى جميع أنحاء العالم. كما نجحت فى استقطاب الجامعات الرائدة، بالشراكة مع أكسفورد وستانفورد وجامعة كاليفورنيا فى بيركلى، وغيرها.
![](/Upload/libfiles/0/8/716.png)
التوسع الدولى
توضح المؤلفة مسار التوسع الدولى الذى بدأته شركة هواوى، ففى أبريل ١٩٩٧، نجحت فى تأمين أول مشروع مشترك دولى لها، وهو مشروع بيتو-هواوى، فى مدينة أوفا الروسية.
ولكن عندما نظرت الشركة إلى المشهد العالمى للاتصالات، وجدت سوقًا يهيمن عليها الغرب. وكانت شركة «لوسنت تكنولوجيز» الأمريكية وهى سليلة مباشرة لشركة «بيل تليفون» التى أسسها ألكسندر جراهام بيل الأولى على مستوى العالم، تليها شركة «إريكسون» السويدية، و«ألكاتيل» الفرنسية، و«نورتيل» الكندية.
وكان هناك الكثير من المنافسين الأصغر حجمًا أيضًا، الذين كانوا جميعًا يتصارعون: «ماركونى» البريطانية، و«سيمنس» الألمانية، و«فوجيتسو» اليابانية، و«نوكيا» الفنلندية، و«موتورولا وسيسكو» فى الولايات المتحدة.
ولكى تشق طريقها إلى هذه السوق التنافسية، بدأت فى العمل لصالح «أنظمة مارقة»، ففى عام ١٩٩٨، فرض المؤسس والرئيس التنفيذى للشركة، العمل فى الخارج كشرط للترقية، وركز المسئولون التنفيذيون فى هواوى على زوايا بعيدة ومهملة وخطيرة فى بعض الأحيان من الأرض.
![](/Upload/libfiles/0/8/717.jpg)
جيش الحديد
فى هذه الأثناء، كان «رن» يطلق على عماله اسم «جيشه الحديدى» وعلى مديريه اسم «الجنرالات»، ومهندسيه اسم «الجنود»، وفرق المبيعات لديه اسم «عصابات حرب العصابات»، ورواتبهم اسم «الحصص».
كما أرسل الموظفين الجدد إلى معسكرات تدريب عسكرية لبناء الانضباط والرفقة. وقال إن المسئولين التنفيذيين فى هواوى استلهموا أسلوب الجيش الأمريكى فى اختيار الموظفين الذين ستتم ترقيتهم: «هل شارك هذا الشخص فى القتال؟ هل شارك هذا الشخص فى تبادل إطلاق نار حى؟ هل أصيب هذا الشخص؟».
وتقول إيفا إن المسئولين التنفيذيين فى هواوى كانوا يحكون القصص التى تواجههم، فعلى سبيل المثال، أبلغ أحد الموظفين الذين تم إرسالهم إلى بوروندى عن انقطاعات متكررة للتيار الكهربائى، ونقص فى القمصان بسبب عدم وجود سوق قريبة، وحادثة قريبة مع فرس النهر.
وتذكر آخر أنه صمد خلال تفشى «الإيبولا» فى سيراليون، بما فى ذلك عرض نقل موظف مريض لدى أحد العملاء إلى المستشفى. وعندما اندلعت الحرب الأهلية فى ليبيا، قسم موظفو الشركة أنفسهم إلى فريقين، حتى يتمكنوا من تشغيل الهواتف على كلا الجانبين.
ولكن بعض الموظفين، مثل أولئك الذين فى العراق، كانوا مختبئين فى السرية والأسماء الرمزية، حيث كان العراق أرضًا صعبة لشركة مثل هواوى. كانت البلاد خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة منذ غزو العراق للكويت عام ١٩٩٠، ما يعنى أن مبيعات معدات الاتصالات إلى البلاد كانت محظورة إلى حد كبير، مع أى استثناءات تتطلب إعفاءً من الأمم المتحدة.
وتلفت الكاتبة إلى أن هواوى كانت تعمل هناك، ولكنها كانت تحاول الحفاظ على وجود منخفض المستوى. بعد بضع سنوات من القصف الأمريكى،عندما سأل صحفى غربى عن مكتب الشركة فى العراق، قال أحد مسئولى هواوى إنه غير متأكد من وجوده.
وعندما أحضرت هواوى عميلًا عراقيًا محتملًا لزيارة مقرها الرئيسى فى شنجن، بذلت قصارى جهدها لإخفاء ذلك. يتذكر أحد موظفى هواوى الذين يعملون فى العراق: «فى ذلك الوقت، كان من الصعب إرسال خطابات دعوة رسمية إليهم من خلال القنوات العادية»، قائلًا إن أحد زملائه استخدم علاقاتهم لمساعدتهم فى تأمين تأشيرة دخول إلى الصين.
![](/Upload/libfiles/0/8/718.jpg)
إمبراطورية عالمية
تؤكد المؤلفة أن المخاطرة والمناورة كانت تستحق العناء. فقد كانت هذه العقود المثيرة للجدل بمثابة المحرك للصعود العالمى المبكر للشركة. وبحلول العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، كان الشرق الأوسط القلب النابض لإمبراطورية هواوى العالمية، حيث كان يعمل بها نحو ٤٠٠٠ موظف فى مختلف أنحاء المنطقة.
ولكن فى الوقت ذاته، كانت هذه العقود المبكرة من شأنها أن تضع هواوى فى مرمى نيران واشنطن لأول مرة. فمن ناحية، اعتمدت وكالة الأمن القومى على اعتراض الاتصالات اللاسلكية لمراقبة دول مثل العراق. ومع قيام هواوى بمد كابلات الألياف الضوئية لتحديث شبكات الهاتف، وجدت وكالة الأمن القومى نفسها محرومة من المحادثات التى كانت ترغب فى سماعها.
فى السادس عشر من فبراير ٢٠٠١، وجدت شركة هواوى نفسها فى مأزق مروع. فبموجب أوامر الرئيس جورج دبليو بوش، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا غارة جوية مشتركة على خمسة أهداف خارج العاصمة العراقية بغداد. وعندما انقشع الغبار، أعلن البنتاجون أن الهدف كان شبكة من كابلات الألياف الضوئية التى كانت هواوى تقوم بتثبيتها للجيش العراقى.
وفى وقت لاحق كتب تشارلز دولفر، المستشار الخاص السابق لمدير الاستخبارات المركزية: «إذا تم تحويل اتصالات الدفاع الجوى العراقى إلى الألياف، فإن اعتراض الاتصالات سيكون مستحيلا وسيكون هناك خطر متزايد على الدوريات».
وأشارت مذكرة سرية سابقة لوكالة الاستخبارات المركزية حول التكنولوجيا إلى أن «الألياف محصنة ضد التنصت غير المصرح به بالوسائل التقليدية»، واصفة ذلك بأنه «ميزة فريدة غير متوفرة فى وسائل الاتصال الأخرى».
وتوضح إيفا أن هذا الجدل أدى إلى تسليط الضوء الدبلوماسى على أعلى المستويات على شركة هواوى،بطريقة لم يكن «رن» وفريقه مستعدين لها على الإطلاق. لقد أنكرت شركة هواوى قيامها بأى مبيعات فى العراق تنتهك العقوبات، لكن هذا لم يفعل الكثير لتهدئة الجدل. لقد واجه وزير الخارجية الأمريكى كولن باول السفير الصينى لدى الولايات المتحدة، يانج جيه تشى،بشكل مباشر.
فى عام ١٩٩٩، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن دبلوماسيين صينيين تقدموا مرتين بطلب إلى لجنة عقوبات الأمم المتحدة، للحصول على إذن لشركة هواوى لتزويد بغداد بمعدات الاتصالات، ما يعكس أن الحكومة الصينية كانت على علم بعمليات هواوى فى العراق وقامت بدعمها.
وتشير الكاتبة إلى أن أحد المديرين التنفيذيين السابقين لشركة هواوى قال إنه لم ير «رن» خائفًا من ذكائه، مثل المرة التى صدرت هواوى فيها معدات إلى العراق وكانت تواجه عقوبات أمريكية.
ولكن فى النهاية تمكنت هواوى من الإفلات من حادثة العراق بعد تحذيرات. وبعد الإطاحة بصدام حسين فى أبريل ٢٠٠٣، أصبح العراق قادرًا على بناء شبكة للهاتف المحمول لأول مرة وهو مشروع تبلغ قيمته ٩٠٠ مليون دولار.
وبحلول الوقت الذى عقد فيه مؤتمر العطاءات فى عمان بالأردن لاختيار شركات الاتصالات التى ستحصل على التراخيص اللازمة لإنشاء شبكات الهاتف المحمول فى العراق، كانت هواوى مستعدة.
وبرزت شركة «آسيا سيل»، عميلة هواوى، هكواحدة من الفائزين الثلاثة. وتعلق المؤلفة: «لقد تمت مكافأة «جيش الحديد» التابع لشركة هواوى على عمله فى أماكن ابتعد عنها الآخرون. ومن هنا اكتسب زخمًا».
تشجيع واضح
توضح إيفا، أن فى عام ٢٠٠٥، خصص بنك التنمية الصينى المدعوم من بكين، مبلغًا ضخمًا قدره ١٠ مليارات دولار، لتمويل التوسع الخارجى لشركة هواوى. كان هذا مبلغًا مذهلًا، يوازى ضعف إيرادات هواوى فى عام ٢٠٠٤.
وهذا يعنى أن مشغلى الاتصالات فى جميع أنحاء العالم يمكنهم شراء معدات هواوى بمبلغ نقدى ضئيل، وسداد القروض شيئًا فشيئًا. كان ذلك تشجيعًا واضحًا من بكين للمضى قدمًا فى أسرع وقت ممكن. وفى تتابع سريع، أعلنت هواوى عن صفقات فى جنوب إفريقيا والأردن والأرجنتين وتايلاند وسلسلة من البلاد الأخرى.
وفى ذلك العام، ظهر «رن» فى قائمة مجلة «تايم» لأكثر مائة شخصية تأثيرًا فى عام ٢٠٠٥. وقالت مجلة تايم إن رن «جندى سابق يشبه الرئيس ماو تسى تونج. ومثله كمثل الزعيم الصينى السابق، يعرف بقدرته على إطلاق النكات الشعبية، وتحدى قوة الولايات المتحدة».
وترى الكاتبة أن قصف العراق عام ٢٠٠١ كان لحظة محورية بالنسبة لشركة هواوى. وكما قال أحد المسئولين التنفيذيين السابقين للشركة، كانت هذه هى المرة الأولى التى تظهر فيها هواوى على شاشة الرادار الأمريكية، باعتبارها تهديدًا محتملًا للأمن القومى.
وقال: «كان حادث العراق مهمًا للغاية». «لقد تغيرت استراتيجية الولايات المتحدة تجاه هواوى. فى تلك المرحلة، عرفت هواوى أن شيئًا ما سيحدث فى النهاية.. على الرغم من أنه ربما لم يكن أحد ليتوقع أن هذا الشىء سيتحول إلى ترامب».
فى الواقع، استغرق الأمر ما يقرب من ٢٠ عامًا قبل أن يتحرك الرئيس دونالد ترامب لفرض عقوبات على هواوى، ولكن مع اندماج هواوى بشكل متزايد فى الشبكات العالمية، كانت الشركة تخضع لمراقبة عن كثب من قبل وكالات التجسس والمسئولين الحكوميين لسنوات.
وأثار هذا الاحتمال ناقوس الخطر فى واشنطن. ونقلت صحيفة واشنطن تايمز عن «إدوارد تيمبرليك»، المدير السابق لتقييم التكنولوجيا فى البنتاجون، قوله: «إذا قامت هواوى ببناء المكونات لأبراجنا الخلوية فى شبكة الجيل الرابع الأمريكية، فإن كل برج خلوى سيكون بمثابة نقطة استماع محتملة لبكين».
حرب غير منتجة
تلفت المؤلفة إلى أنه فى خريف عام ٢٠١٢، بلغت المخاوف بشأن «الأبواب الخلفية» فى معدات هواوى ذروتها. وعقدت لجنة الاستخبارات الدائمة فى مجلس النواب جلسة استماع حول «التهديد الأمنى المحتمل الذى تشكله شركات الاتصالات المتأثرة بدولة أجنبية».
وصدرت توصية بمنع هواوى من أنظمة الحكومة الأمريكية، خاصة الأنظمة الحساسة، وبأن تتوقف الشركات الأمريكية عن الشراء من هواوى. كما تم اقتراح بأن تمنع الهيئات التنظيمية الأمريكية الشركة من الاستحواذ على الشركات الأمريكية.
وتقول إيفا إن مع اقتراب عام ٢٠١٢ من نهايته، كانت هواوى أكبر بائع للاتصالات فى العالم، حيث أطلقت أكثر من ٥٠٠ شبكة محمولة، بما فى ذلك فى ٦٨ عاصمة حول العالم.
وكانت مفاتيح وموجهات الخطوط الثابتة الخاصة بالشركة تستخدم من قبل ٤٥ من أكبر ٥٠ شركة اتصالات فى العالم. وكانت أعمالها الناشئة فى مجال الهواتف الذكية فى المرتبة الثالثة على مستوى العالم من حيث المبيعات، خلف «سامسونج» و«أبل».
وترى الكاتبة أن حرب الولايات المتحدة لإعاقة القدرة التنافسية للتكنولوجيا الصينية كانت غير منتجة، فبدلًا من قتل هواوى، أجبرتها على الاكتفاء الذاتى التكنولوجى: فالشركة الآن تصمم رقائقها وأنظمة التشغيل الخاصة بها، وتبيع فى الصين ما يقرب من عدد الهواتف الذكية التى تبيعها شركة أبل.
كما أن لديها أعمالًا مزدهرة فى مجال الحوسبة السحابية، وتضع كابلات الإنترنت البحرية فى البرازيل والكاميرون، وتتعاون مع شركات السيارات لإنتاج السيارات ذاتية القيادة.
وبفضل «جيش الحديد» الذى أنشأه «رن» وصلت منتجات هواوى الآن إلى ثلاثة مليارات شخص: أى ما يعادل خمسى البشرية.