السبت 26 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

حرف تحقق: هل جسد المسيح أسفل الهرم الأكبر؟

خوفو
خوفو

- النظرية صاحبها عالم أنثروبولوجيا بريطانى.. وأثريون: «تخاريف»

- الدراسة المثيرة تفترض أن الجبال المقدسة فى الكتب السماوية المقصود بها هرم خوفو

فى كشف مثير يدّعى صاحبه أنه قد يعيد تشكيل مفاهيم دينية وتاريخية راسخة، أعلن عالم «الأنثروبولوجيا» البريطانى، الدكتور وارنر، عن نتائج بحثه الذى امتد لأكثر من 10 سنوات، ويزعم وجود جسد السيد المسيح و«تابوت العهد» فى كهف سرى أسفل الهرم الأكبر فى الجيزة، فيما يُعرف بـ«مغارة الآباء».

وحسب رواية الدكتور وارنر، فإن الكهف المزدوج الذى يُحتمل أن يحتوى على الرفات المقدسة يقع خلف كتلة حجرية تسد الممر الجنوبى للحجرة السفلية فى الهرم الأكبر. ويؤكد الباحث أن الموقع لم يكن معروفًا من قبل، وأنه توصّل إليه من خلال دمج بيانات ميدانية عالية الدقة مع تحليل نصوص دينية وتاريخية، بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيا حديثة للمسح داخل الهرم.

الدكتور وارنر: أعلى المستويات فى مصر تدعم دراستى.. وزاهى حواس يقف عقبة

زعم الدكتور وارنر أنه عرض نتائجه على المجلس الأعلى للآثار فى مصر، الذى بدوره اتخذ خطوة استثنائية بتعيينه مستشارًا رسميًا ضمن بعثة «Scan Pyramids»، وهى مبادرة دولية تضم علماء ومهندسين من فرنسا وكندا واليابان ومصر، وتستخدم تكنولوجيا إشعاع جسيمات «الميون» لاختراق الحجر والكشف عن فراغات داخلية فى الهياكل الضخمة مثل الأهرامات.

واعتمدت فرضية «وارنر» على أعمال ميدانية دقيقة داخل الهرم الأكبر، حيث أظهرت المسوح وجود هياكل صناعية خلف آخر كتلة حجرية فى الممر الجنوبى، ما يدعم فرضيته بأن هناك فراغًا أو ممرًا مخفيًا يؤدى إلى الكهف المزعوم، وفق الدراسة.

وقدّم الباحث البريطانى صورًا فوتوغرافية وتسجيلات مصورة من أعمق نقطة داخل الهرم، تم التقاطها من الحجر الأم مباشرة، واصفًا هذه الصور بأنها الأولى من نوعها.

وحسب تصريحات «وارنر»، توصل إلى اتفاق رسمى مع الحكومة المصرية، فى ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢، بعد اجتماع مع وزير السياحة والآثار المصرى آنذاك، أحمد عيسى، يسمح لمهمة «Scan Pyramids»، سالفة الذكر، بإجراء مسح إشعاعى يتجاوز الكتلة الحجرية داخل الحجرة السفلية، مقابل أن يقدّم «وارنر» نتائجه مجانًا.

لكن الاتفاق لم يُنفذ حتى الآن، ولم يتم استكمال مسح إشعاع «الميون» فى الموقع، وفق الباحث، الذى اعتبر أن «هذا التأخير يُعد خرقًا للاتفاق»، ما دفعه إلى الاستعانة برئيس وزراء لبنان، نواف سلام، الذى كان يشغل أيضًا منصب رئيس محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، فى محاولة لـ«التدخل وتفادى أزمة دبلوماسية محتملة»، حسب تعبيره.

وزعم «وارنر» أن المشروع حصل على «دعم رسمى وصل إلى أعلى المستويات، بما فى ذلك مكتب رئاسة الجمهورية»، وفق ما نقلته عنه صحيفة «ديلى ستار» البريطانية، مضيفًا: «لكن الدكتور زاهى حواس، وزير الآثار الأسبق، يشكل العقبة الأكبر فى طريق إتمام المشروع»، واصفًا «حواس» بأنه «الحارس المتغطرس للأهرامات».

وأضاف: «الأفكار العلمية الجديدة دائمًا ما تواجه مقاومة من الحرس القديم، وهذا ما رأيناه عبر التاريخ مع أمثال كوبرنيكوس وجاليليو، وجيوردانو برونو، الذين اضطُهدوا فقط لأنهم فكروا خارج الصندوق. اليوم، نحن نواجه نفس النوع من المعارضة»، حسب تعيبره.

أكثر ما يثير الجدل فى بحث «وارنر» هو فرضيته بأن الجبال المقدسة المذكورة فى التوراة والإنجيل والقرآن، مثل «جبل سيناء» و«جبل الزيتون» و«جبل صهيون» و«جبل النور»، ليست سوى أسماء متعددة لمكان واحد: الهرم الأكبر بالجيزة.

واستخدم «وارنر» علم «الإتيمولوجيا» أو «أصول الكلمات» لتحليل النصوص القديمة، ودمج ذلك مع سجلات مكتوبة على ألواح مسمارية من حضارات بلاد الرافدين، ليصل إلى أن «موعظة المسيح على الجبل» قد أُقيمت فعليًا عند الهرم الأكبر، الذى يعتبره «المهد الحقيقى للديانات الإبراهيمية».

وفى مرحلة متقدمة من بحثه، توسع الدكتور «وارنر» فى استكشاف العلاقة بين «النبوة الدينية» و«الفيزياء الكمية». ويقول إن ما يُعرف فى الأديان بوحى النبوة يمكن تفسيره علميًا من خلال ظواهر مثل «الوعى غير المحلى» أو ما يُعرف علميًا بـ«channeling»، وهى قدرة- حسب وصفه- على استشراف أحداث مستقبلية أثناء التواجد فى الزمن الحاضر.

ويُشبّه «وارنر» هذه الظاهرة بمبدأ «التشابك الكمى» الذى تعتمد عليه تقنيات الحوسبة الكمية الحديثة. ويستشهد ببحوث لعالم يُدعى «ستيفن إيه. شوارتز»، تناولت هذا الظاهرة ضمن سياق تجريبى علمى.

ونشر الدكتور وارنر ملفه البحثى بالكامل، إضافة إلى أرشيف ضخم من المراسلات الرسمية مع الجهات الحكومية، عبر موقع إلكترونى خاص به «:www.garp.space». كما يعرض عبر الموقع أيضًا نظريته حول «النجم الثنائى»، وربطها بالرموز الدينية فى الفن المصرى القديم، وعلى رأسها «القرص المجنّح» الذى يظهر فى النقوش الفرعونية.

زاهى حواس يرد: ادعاءات زائفة وغير علمية لتحقيق الشهرة 

وصف الدكتور زاهى حواس، عالم الآثار البارز، ما قاله «وارنر» فى بحثه بأنه «ادعاءات زائفة لا تمت للعلم بأى صلة»، وتهدف فقط إلى إثارة الجدل وتحقيق الشهرة على حساب التاريخ والآثار المصرية، مشددًا على أن «هذا الشخص لا يستحق الرد على ما قاله فى حقى».

وقال «حواس»، فى تصريح خاص لـ«حرف»: «لقد ترأست أعمال الحفائر فى منطقة الأهرامات لسنوات، ولدينا أدلة أثرية قاطعة على أن المصريين القدماء هم من بنوا الهرم الأكبر، باعتباره مقبرة للملك خوفو. من أهم هذه الأدلة مدينة العمال، التى تؤكد التخطيط والتنفيذ المحكم للمشروع على أيدى المصريين، دون أى صلة بنظريات دينية أو خرافية».

وأضاف: «لا يوجد أى دليل أثرى أو نص تاريخى أو حتى إشارة رمزية واحدة تدعم مثل هذه الادعاءات. من يروج لفكرة وجود جسم المسيح تحت الهرم يفتقر للفهم الأثرى، ويستخف بعقول الناس. ليس من المقبول تحويل أعظم إنجاز فى تاريخ الحضارة الإنسانية إلى مادة للخيال والأساطير».

وأكد أن فريقه وثّق كل زاوية داخل الهرم الأكبر، مضيفًا: «زرت الهرم مئات المرات، ونعرف تمامًا ممراته وغرفه وطرق بنائه، بل والأدوات التى استخدمها العمال. ولا يوجد أى غرفة مخفية أو دليل على وجود شىء غير معروف».

وأفاد بأن مشاريع علمية مرموقة، مثل مشروع «Scan Pyramids»، استخدمت أحدث تقنيات التصوير، ولم تكشف عن أى فراغات أو أدلة تدعم تلك النظريات، متابعًا: «لو كان هناك شىء فعليًا، لكنا أول من يعلم».

واختتم بقوله: «للأسف، هذه ليست المرة الأولى التى تظهر فيها خرافات حول الأهرامات. سمعنا من قبل عن مزاعم تتعلق بكائنات فضائية أو طاقة خارقة، لكن الحقيقة العلمية الواضحة تؤكد أن المصريين القدماء هم من خططوا وبنوا هذه الأعجوبة بدقة مذهلة. عظَمة الهرم ليست فى الخرافات، بل فى عبقرية الإنسان المصرى».

عبدالرحيم ريحان

عبدالرحيم ريحان: خرافات لا تستند إلى دليل دينى أو تاريخى أو أثرى

الرد الثانى الذى تنشره «حرف» لخبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، عضو لجنة «التاريخ والآثار» بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة «الدفاع عن الحضارة».

يقول د. «ريحان» إن النقطة الأولى إدارية، إذ يدّعى الباحث أنه عمل تحت إشراف وبموافقة وزارة السياحة والآثار، وبالتالى فإن الإعلان عن الكشف ليس من حقه، بل من حق الوزارة، بعد تقديمه تقريرًا علميًا موثقًا عن الكشف توافق عليه الوزارة ثم تعلن عنه، وبالتالى فالكشف غير موثق ولم يُعتمَد من الوزارة المختصة.

وأضاف الخبير الأثرى: «بستان قبر السيد المسيح هو موقع حج مسيحى معروف فى القدس يحتوى على قبر قديم، ويعتبره بعض البروتستانت (القبر الفارغ)، ويجذب مئات الآلاف من الزوار سنويًا، خاصة الإنجيليين. أما فى الإسلام فالسيد المسيح رُفع حيًا وبالتالى ليس له قبر، مصداقًا لقوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم). بناءً على ذلك، القول بوجود جسد السيح تحت الهرم مجرد خرافات لا تستند إلى دليل دينى أو تاريخى أو أثرى بالطبع».

وواصل: «اعتقاد الباحث بأن الهرم الأكبر قد يكون الموقع الفعلى لعظة الجبل التى ألقاها السيد المسيح غير علمى تمامًا، لأنه من المعروف لدى علماء الدين والمؤرخين أن عظة أو موعظة الجبل، التى تعرف أيضًا باسم (شريعة العهد الجديد)، وهى مجموعة من الأقوال المنسوبة إلى يسوع، موجودة فى إنجيل متى (الإصحاحات ٥ و٦ و٧)، وتؤكد تعاليمه الأخلاقية، كانت فى أحد جبال الجليل بالقرب من كفر ناحوم».

ورد د. «ريحان» على ما ذكرته الدراسة حول وجود دلائل داخل الغرفة الغامضة أسفل الهرم تشير إلى وجود «تابوت العهد»، مُبينًا فى البداية أن «تابوت العهد» هو الصندوق المقدس فى التقاليد اليهودية والمسيحية، ويُقال إنه يحتوى على ألواح «الوصايا العشر» وعصا هارون وجرة من المنّ، ما يعزز بحسبه فرضية القدسية الخاصة لهذا المكان.

وأضاف: «تابوت العهد صندوق مصنوع من خشب السنط أودع به لوحا الشهادة اللذان نقشت عليهما الشريعة التى تلقاها نبى الله موسى، عليه السلام، على جبل طور سيناء فى الوادى المقدس طوى، وهى منطقة سانت كاترين حاليًا، وليس من فوق الهرم حسب زعمه، خاصة أن بنى إسرائيل كانوا يحملونه معهم أينما ذهبوا».

وواصل: «من خلال ما جاء فى كتاب (ترنيمة الملوك)، وهو كتاب إثيوبى كتبه الحاخام الإثيوبى نيبوز جيز إسحق فى القرن ١٤م، فإن منليك، ابن سيدنا سليمان من بلقيس ملكة سبأ، سرق تابوت العهد من أبيه أثناء بناء الهيكل، ثم هرب به إلى الحبشة».

وأكمل: «ذُكر تابوت العهد فى القرآن الكريم أيام أول ملك لبنى إسرائيل وهو طالوت (الذى تذكره التوراة باسم شاؤل)، وكانت حدود مملكة طالوت خارج مدينة القدس، حيث أقاموا أول معبد لهم فى مدينة جبعون، وكان اليبوسيون العرب لا يزالون يحكمون مدينة القدس».

وتابع: «إذن، لا وجود لتابوت العهد بعد ذلك التاريخ، والاحتمال الأكبر أنه فُقد منهم فى إحدى الحروب، لأنهم لم يحافظوا على ما جاء فى وحى الشهادة. بالتالى لا وجود لتابوت العهد فى عهد نبى الله سليمان، ولا وجود له من قبله، وخرج من القدس إلى الحبشة واختفى ولم يُعرف عنه شىء».

واختتم د. «ريحان» بقوله: «الإعلان عن هذا الكشف لا علاقة له بعلم الآثار من قريب أو بعيد، بل تروج له منظمة ما لأهداف دينية واستعمارية، فى إطار الدعاية لما يسمى بـ(الدين الإبراهيمى)، الذى رفضه الأزهر الشريف وكل علماء المسلمين، إلى جانب أهداف استعمارية لإثبات مشاركة اليهود فى بناء الحضارة المصرية، خاصة أعظم الآثار المصرية، وهو هرم خوفو، العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع».