مسافة فى عقل رجل

إيه اللى يحصل لما موظفة فى مصلحة الضرايب تتخانق مع زميل لها، أو مديرها فى الشغل؟ أكيد حاجات كتير ممكن حضرتك تتخيلها، لكن الحاجات الكتير دى مش من ضمنها معارك فكرية وثقافية ودينية وحقوقية، وقضاء وأزهر وحبس لـ عدة شخصيات بارزة، وليلة غامقة خدت لها سنين من التداول.

دا اللى حصل سنة ١٩٨٩ لما نشب خلاف بين وفاء أحمد عبدالعزيز، الموظفة بـ مصلحة الضرايب، مع علاء حامد، مدير التفتيش بالإدارة العامة للجان الطعن بمصلحة الضرائب بوزارة المالية، الخلاف يخص الشغل عادى كما يحدث، لكن وفاء قررت تستخدم سلاح ضد خصمها خارج العمل، ومن هنا بدأت الحكاية.
علاء، إلى جانب عمله، كان واحد من المهتمين بـ الأدب والكتابة، لكنه كان غير معروف بـ المرة، فيه كتير كدا، ربما بـ يمثلوا ظاهرة، بـ يكتبوا وينشروا ومش بـ يزهقوا من الكتابة ولا النشر دون أن يحظوا بـ اهتمام لا جماهيرى ولا نقدى، ولا اعتراف من حد، ويعيشوا ويموتوا من غير ما حد يحس بيهم.
دا كان مصير علاء لولا وفاء اللى بعتت لـ النيابة الإدارية مذكرة إن خصمها فى الخلاف راجل مش ولابد عقائديًا، حيث إنه نشر كتاب ضد الأديان، وأرفقت بالمذكرة نسخة من الكتاب.

الكتاب المذكور هو «مسافة فى عقل رجل»، المفروض إنه عمل روائى، بس هو أشبه بـ مقالات فيها كومبو أفكار المشترك بينها نقد تمكن الدين والغيبيات من حياة الناس، وكان صادر بقى له أكتر من سنة ونص، ومحدش حس بيه زى بقية إخواته من كتب علاء، لولا المذكرة اللى هى دلوقتى قدام النيابة الإدارية، اللى هـ تحرك الدنيا، وتتحول لـ قضية رأى عام.
قضية علاء وكتابه تفاصيلها كتيرة، أنا مش معنى بـ سردها كلها دلوقتى، اللى يهمنى هنا هو الكلام عن إزاى صدرت الرواية؟ وطريقة التعامل معاها قانونًا.
الكتاب ما كانش له دار نشر، ودى حاجة مش غريبة، أنا شخصيًا نشرت عديد من الكتب كدا، إنت بـ تروح دار الكتب تاخد رقم إيداع لـ الكتاب كـ مؤلف، وبـ تسجل هناك بس عنوان الكتاب اللى هـ تصدره، والعنوان هنا ما كانش فيه مشكلة، لـ إنه علاء قرر تسميته «مسافة فى عقل رجل»، بعد ما كان ناوى يسميه محاكمة الإله.
إذن، مفيش دار نشر، لكن لازم فيه مطبعة، إنت كـ مؤلف بـ تروح لها بـ رقم الإيداع، وتتعاقد معاها على طباعة كتابك، وفى حالتنا كانت المطبعة لـ صاحبها فتحى فضل، هنا المحكمة اعتبرت فضل مسئول عن الكتاب زى المؤلف، وقرار الحبس زى ما صدر ضد علاء حامد، صدر كمان ضد فتحى، ودا كان معناه خطير، وما زال، لـ إنه كدا صاحب المطبعة لما يتحط فى المسئولية، غصب عنه هـ يلعب دور الرقيب على المطبوعات، والكتب تتمنع من المنبع، ودا حصل كتير بعدها إنه يبقى عندك كتاب، بس مش لاقى مطبعة تطبعهولك.
ثم إنه الكتاب له موزع، يعنى اللى بـ يعرضه فى المكتبات ومنافذ البيع المختلفة، وهنا كان فيه اتنين موزعين، واحد مؤسسة الأهرام، محدش جه جنبها طبعًا، والتانى كان عميد الموزعين المصريين والعرب الحاج محمد مدبولى، اللى هو كمان ناله حكم بـ الحبس.
الفكرة هنا إنه قضية كتاب علاء مش بس طرحت أسئلة تتعلق بـ حرية الفكر والتعبير وحدودهم، إنما حطتنا جميعًا قدام أسئلة تتعلق بـ تنظيم تداول الكتب وتحديد مسئولية كل طرف، والغريب إنه رغم إلحاح القضية وكونها ترند وقتها، محدش جاوب على الأسئلة دى حتى يومنا هذا.