قنطرة الذى كفر

مبدئيًا كدا، مؤلف رواية «قنطرة الذى كفر» مش العالم الكبير مصطفى مشرفة، إنما أخوه اللى اسمه برضه مصطفى مشرفة.

العالم الفيزيائى الشهير اسمه «على مصطفى مشرفة»، لكنه اتشهر بـ اسم «مصطفى مشرفة» من غير على، ودى بـ تحصل كتير عندنا، إنه الاسم الأول يتحذف، والشخصية العامة تتعرف بـ باقى الاسم، زى مثلًا صبحى منصور، اللى هو أحمد صبحى منصور، وهكذا. وعلى مصطفى مشرفة ليه أخ أصغر اسمه مصطفى مصطفى مشرفة، هو دا اللى كتب الرواية.
على أى حال هى رواية خاصة واستثنائية، فيه خلاف على تاريخ تأليفها، وإن كان الأغلب إنه فى الأربعينيات، وكانت حالة فريدة كونها مكتوبة بـ اللغة المصرية، اللى بـ يسموها العامية، ولـ فترة طويلة كنا بـ نعرفها بـ إنها «أول رواية بـ العامية المصرية»، بس بعدين عرفنا إنه الكلام دا محتاج مراجعة.
«قنطرة الذى كفر» هى تحريف «قنطرة اللى كفر»، اللى تحريف قنطرة كفاريللى، وكفاريللى كان واحد من قادة الحملة الفرنسية، إنما أحداث الرواية متزامنة مع ثورة ١٩١٩، والرواية نفسها من أكتر الروايات المعبرة عن تيار الوعى، وأكثرها اكتمالًا بـ استثناء النهاية، اللى تعجل فيها مشرفة، غالبًا لـ ظروف مرضه.
المهم يعنى، الرواية ما صدرتش وقت تأليفها، خدت شوية وقت، لأ، شويتين، وصدرت ١٩٦٥، ودى غريبة حبة، لـ إنه فى الوقت دا كان ذروة القومية العربية، لـ درجة إنه اسم «مصر» لم يكن يذكر على مستوى رسمى أو حتى شبه رسمى، وحتى الأغانى كان ممنوع تغنى لـ مصر، والكلام كله عن الأمة العربية.

لـ ذلك، كان غريب إنها تتنشر فى الوقت دا، لكن ما كانش غريب إنها لا تحظى بـ قبول إعلامى ونقدى وجماهيرى، فـ تقدر تقول إنها اتنشرت فطيس، بس بقى عندنا رواية، ثم إنها حتى ما بقيتش موجودة فى الأسواق والمكتبات ومعارض الكتاب، وفضلت كدا فوق الربع قرن، لـ حد مطلع التسعينات، وأنا عاصرت الفترة دى، وفاكر الدنيا كانت عاملة إزاى.
فى الفترة دى «أوائل التسعينات» كان حزب التجمع عامل نشاط ثقافى كبير يتجاوز إمكانياته المادية المحدودة، وحتى إمكانيات الزمن نفسه، لـ إنه الطباعة عمومًا ما كانتش سهلة، تجهيزات ما قبل الطباعة مش ميسورة، الطباعة نفسها مكلفة، الورق والأحبار غاليين، فـ كان إصدار أى مطبوعة عملية محتاجة مؤسسات ضخمة، تعمل مغامرة غير مضمونة النتايج.
التجمع كان بـ يطلع أكتر من إصدار، ما بين سياسى وثقافى وأدبى، منهم مشروع أدب ونقد، اللى بـ يصدر مجلة تحمل الاسم نفسه، وكان من آن لـ آخر بـ يقدم إصدارات خاصة، وفى سنة ١٩٩١، أدب ونقد قدمت لنا طبعة من الرواية، مع مقالات نقدية لـ كبار الكتاب منهم يوسف إدريس، وبـ النسبة لى بـ أعتبر طبعة أدب ونقد هى الطبعة الأولى لـ الرواية.
ما زلت أذكر وقت صدورها، وإزاى إنها ما كانتش تقريبًا موجودة فى فضاء المكتبة المصرية، ومحدش يعرف أى حاجة عنها، وفى خلال أيام قلائل كانت الرواية حديث مصر كلها، واتقرت على نطاق واسع، وحصل نقاش عليها، علشان تاخد الحيز اللائق بها، رغم إمكانيات الطباعة المتواضعة اللى خرجت بيها الطبعة، فـ كانت أشبه بـ كراسة منها لـ شكل كتاب، وغلاف رقيق جدًا، لكنه كان على قدر عالى من الفنية.
من ساعتها، كل فترة يحصل إعادة نشر واحتفاء بـ الرواية، لكنى متأكد إنه لولا أدب ونقد، ما كناش أبدًا سمعنا عن هذا العمل البديع والمهم، فـ شكرًا ليهم.