سمارت مان للحلاقة

عقدة الخواجة كادت تتجلى فى عشرات تفاصيل حياتنا المجتمعية، وتعريفها باختصار هو أنها حالة من الشعور المستمر بالتدنى والانسحاق أمام كل ما هو أجنبى وقادم من بعيد، خصوصًا إذا كان هذا البعيد هو الغرب.
أسباب عقدة الخواجة متباينة، ولها جذور ممتدة إلى زمن الاستعمار ما قبل الغربى حتى، ويكفى أن العديد من الناس يسمون كل ما هو متدنى الذوق فى الملبس أو المسكن بأنه «بلدى»، وربما العودة إلى فرانز فانون وكتابه «معذبو الأرض»، تعين على فهم الكثير من جوانب طبيعة العلاقة بين المستعمر والمستَعْمر، وتشير إلى جذور عقدة الخواجة.
ولكن عقدة الخواجة، صارت تتجلى مؤخرًا، أكثر مما تتجلى فى ذلك الطوفان من أسماء المحلات التى هى أسماء أجنبية تُكتب بحروف لاتينية أحيانًا، وبحروف عربية فى معظم الأحيان، فالذى يسير بأى شارع بمصر، سواء كان من شوارع الأحياء الشعبية أو الأحياء الراقية، يلاحظ هذا الكم الغريب من الأسماء الأجنبية لهذه المحلات، مهما كان ما تقدمه أو نوع نشاطها، فالمقاهى ومحلات الملابس والمطاعم، وغيرها يحمل معظمها أسماء أجنبية، فبدلًا من محل جزارة الأمانة، أو مقهى الأصدقاء، أو الأصالة لصنع المفاتيح، نجد اسمًا لمخبز مثل فايف ستارز ومعناه نجوم خمسة، أو مقهى اسمه چام ومعناه مربى، أو صالون حلاقة فى حارة شعبية تعلوه يافطة عريضة كتب عليها سمارت مان، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، علمًا بأن معظم المحلات فى الزمن الماضى، التى كانت تحمل أسماء أجنبية، كان أصحابها أجانب بالفعل مثل جروبى وخارينوس وسيموندس، بل إن بعض الأجانب كانوا يطلقون أسماء عربية على محلاتهم، مثل بقالة وادى النيل شارع قصر العينى، الذى كان صاحبها قبرصيًا بالأصل.
يعزى البعض هذا التغيير الجامح باتجاه الأسماء الغربية إلى العولمة ورياحها العاتية، التى قلبت كثيرًا من الأشياء رأسًا على عقب، وخلقت مزاجًا عامًا يتجه إلى كل ما هو عصرى وحديث، خصوصًا بين القطاعات الواسعة من الشباب، الذين انفتحوا انفتاحًا مذهلًا على ما يدور فى الغرب الأوروبى والأمريكى؛ بفضل ثورة الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعى، خصوصًا أن أذرع العولمة الطويلة امتدت إلى كل مكان على هيئة فروع لشركات ومؤسسات تعمل فى مجال الطعام والأزياء، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، وأن العديد من الناس يسعى لتقليدها ليس فقط على مستوى الأسماء، بل حتى على مستوى ما تقدمه من مأكولات أو ملابس أو غيرهما، والطريف أن معظم هذه المحلات «المستغربة» اسمًا تفضح عن سلوك مغاير عادة، فهو يدير شرائط دينية طوال اليوم، أو يترك أكوامًا من الزبالة عند الرصيف المقابل له، وربما يؤمه الزبائن فيجدونه مغلقًا لأن جميع من فيه ذهب للصلاة.
قد تبدو مسألة أسماء المحلات من توافه الأمور فى نظر البعض، وأن الأمر قد لا يستحق التوقف، ولكن الحقيقة أن أسماء الأماكن والمحلات تعبر عن هوية الناس، وهوية المجتمع ككل، ويكفى أن نذكر به الكيان الصهيونى، من منع كتابة أى اسم أو لافتة لمحل من المحلات بلغة غير اللغة العبرية، وهى لغة وكما هو معروف كانت لغة ميتة عبر قرون طويلة، وتم إحياؤها بعد قيام هذا الكيان فى العام ١٩٤٨.
ولا أدرى، لماذا لا تهتم إدارات الأحياء بهذا الأمر، فتشترط فى منح تراخيص المحلات أن يكون اسم المحل بلغة عربية مفهومة، أو باسم مصرى قديم، لماذا لا يكون الاسم «الرجل الوسيم» بدلًا من سمارت مان، ثم أين الإعلام وأجهزته من كل هذا، ولماذا لا تكون هناك حملة إعلامية إرشادية ممنهجة تُرشد الناس فى اختيار أسماء محلاتهم ومؤسساتهم؟، فحتى بعض المشتغلين بصناعة الكتب ودور النشر يتسمون بأسماء أجنبية عند تأسيس هذه الدور، ثم لماذا الملفوظ الأجنبى عند البعض أجمل وأرق وأكثر أناقة وعصرية من الملفوظ باللغة العربية، سواء كانت فصحى أو دارجة؟ سؤال مشروع أظن أنه يحتاج إلى بحث ودراسة، سواء من علماء النفس أو علماء الاجتماع، لأن كل ذلك وفى النهاية يصب فى عقدة الخواجة.