أدباء الفيوم.. سيرة 3 أجيال من الإبداع
هنا فى الفيوم المحافظة التى تشبه مصر؛ حيث يشقها بحر يوسف لنصفين، أما هى فتستقر فى الصحراء الغربية كأنها واحة كبيرة للنماء والصفاء. كانت خطوات البداية ولحظات الميلاد، عالمنا الذى يجمعنا ويجمع أحلامنا معًا ومنذ سنوات بعيدة مرت، وفى قصر ثقافة الفيوم فى نهاية الثمانينيات حيث البناية القديمة الواقفة فى شارع جانبى وتضم طوابق ثلاثة، فى البناية التى يخشى انهيارها فى أى وقت، كانت مائدة نادى الأدب قصر ثقافة الفيوم تتوسط صالة الطابق الثانى، حيث رأينا جيل الأساتذة الذى كان على وشك الرحيل وترك مواقعه لجيل آخر، كان جيلًا عظيمًا على رأسه الشاعر الكبير محمد البسيونى فى الفيوم والشاعر محمد العشيرى والشاعر محمد حواس فى إطسا.
وفى بيت ثقافة سنورس حيث بناية أخرى قديمة افتتحها الراحل العظيم يوسف السباعى فى منتصف السبعينيات، كان الشاعر الراحل زكى عبدالحليم يكمل ديوانه العظيم «من وحى القلم» بأجزائه. والشاعر زكى عبدالحليم فى سنورس من جيل تمسك بتقاليد الأدب المتوارث بالأصالة والكتابة الرصينة، وكان ضروريًا أن يتوسط الجيلين كتاب وشعراء كبار، منهم عبدالكريم عبدالحميد والقاص والروائى نبيل إبراهيم والكاتب مخلص أمين؛ هؤلاء توسطوا الجيلين وشكلوا حلقة الوصل بينهما، ومثله فى سنورس مصطفى عزوز وممدوح عزوز، وفى إطسا الشاعر رمضان إبراهيم؛ ليشهد بعدهم مولد جيل آخر بملامح أخرى جيل تمرد على تلك الكتابة وانتمى لروح عصره، وليكون أكثر التصاقًا بروح جديدة تتشكل فى مصر كلها..
وكانت البداية فى الفيوم على يد محمد عبدالمعطى ومحمد حسنى وعويس معوض وسيد معوض ومحمد جمال، ويتشكل فى سنورس على يد أحمد قرنى وأحمد طوسون وأحمد عبدالباقى وأسامة الزينى وعنتر حسين. وفى إطسا يشهد حضور عصام الزهيرى وحاتم حواس ومحمود الجرداوى.. وتوالى حضور الجيل الثانى فى نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وبدأ تشكل جيل صاعد سيغير وجه الحركة الثقافية فى الفيوم، بل وسيفرض وجوده على الحركة الأدبية والمشهد الثقافى فى مصر كلها.
وكان موعد وأوان هذا الالتقاء على مائدة قصر ثقافة الفيوم، تجتمع كل هذه الوجوه من شتى بقاع المحافظة لتشكل جيلًا صاعدًا؛ نخبة رائعة منهم محمد عبدالمعطى وأشرف أبوجليل، وشحاتة إبراهيم ومحمد حسنى إبراهيم ومحمد جمال وعصام الزهيرى وأحمد قرنى ومنتصر ثابت ومحمود الجرداوى وأحمد طوسون وأسامة الزينى وعويس معوض وأحمد عبدالباقى ومحمد ربيع هاشم ومحمد سعد أبوالجود. ثم لحق بهذه الكوكبة صبرى رضوان ومحسن حسين رياض وانضم إليهما القاص محمد يوسف، وشارك جيل المبدعين شباب النقاد وقتها الدكتور محمود العشيرى والدكتور أحمد عبدالمقصود وآخرون، وكان ذلك فى نهاية الثمانينيات حيث تشكلت ملامح ذلك الجيل، وبدأت حركة ثقافية مكتملة فى الفيوم، وكانت مائدة نادى الأدب بقصر ثقافة الفيوم القبلة والموعد الساعات الطويلة تمر حول تلك المائدة فى نقاش وتلاوة للأعمال الأدبية من شعر وقصة.
كان مشهد الاكتمال فى مطلع التسعينيات؛ وتحديدًا ١٩٩٠ موعد انعقاد مؤتمر الفيوم الأول الذى تولى أمانته العامة الشاعر أشرف أبوجليل، وكانت الأمانة تتشكل من محمد عبدالمعطى ومحمد حسنى إبراهيم وأحمد قرنى وشحاتة إبراهيم، وكان المخرج يسرى ناصر وقتها مديرعام فرع الفيوم الثقافى، هذا المؤتمر الذى شهد مولد هذا الجيل ووضع أدباء الفيوم على خريطة مشهد الإبداع المصرى، فقد شهد مولد أسماء من أصحابنا بأقلام نقدية بارزة حضرت للكتابة عنهم من نقاد مصر؛ مثل الدكتور سيد البحراوى والدكتور وليد منير وأمجد ريان ود. محمد عبدالمطلب وآخرون..
كان كتاب المؤتمر الأول «أغنية للاكتمال» ومعبرًا وقتها عن صعود هذا الجيل، ثم انعقد المؤتمر الثانى بالفيوم، وكان أمينه العام الشاعر محمد عبدالمعطى، ثم تولى أمانة المؤتمر الثالث شحاتة إبراهيم، والرابع محمد حسنى، والخامس أحمد قرنى، وتوالى حضور هذا الجيل البارز فى ظل هذا التفاعل والحضور القوى للمشهد الثقافى فى الفيوم، وكان لمؤتمر الفيوم الدور الأهم فى اشتباك أدباء الفيوم بالمشهد الثقافى المصرى فى كل ربوعه؛ فقد حضر إلى الفيوم معظم كبار الأدباء والنقاد الموجودين على خريطة الإبداع والكتابة فى مصر، ومنهم أمجدى توفيق ووليد منير ومحمد عبدالمطلب ومحمود أمين العالم وسيد البحراوى ومحمد حسن عبدالله..
وكان مؤتمر الفيوم فرصة جيدة لاحتكاك أدباء الفيوم بالمشهد الإبداعى المصرى ورموزه الكبيرة فقد حضر للفيوم دون ألقاب محمد مستجاب وحسن فتح الباب ومحمد العتر وقاسم مسعد عليوه وسيد إمام ومحمد جبريل وفؤاد قنديل وسيد حجاب وأمجد ريان ود. حسين حمودة، وكان يلزم لاكتمال المشهد أن يحضر من أبناء الجيل مبدعون ونقاد من كل ربوع مصر، ومنهم يسرى حسان ومحمد أبوالمجد ومسعود شومان ومحمود الحلوانى وحمدى أبوجليل وحمدى سليمان وفؤاد مرسى وآخرون.
ثم يكتمل المشهد الثقافى بمجلة «أدباء الفيوم» مجلة رائدة تضم أعمالًا إبداعية لكتاب وأدباء الفيوم، كان الكل يعمل دون بحث عن مجد شخصى أو فائدة لنفسه، منظومة عمل تحكى بكل فخر، ويندر أن يوجد مثلها الآن؛ الجميع يعمل كآلة لا تتوقف لأن الحب هو من جمعهم ومعه عشق الكتابة والإبداع، وكنا نكمل حديثنا الذى لا ينقطع عن الأدب والكتابة على قهوة «القللى».. مساءات طويلة وحديث لا يتوقف بين أدباء وأصدقاء الثقافة والأدب، وكل هذا دفع الحركة الثقافية منذ مطلع التسعينيات من نجاح إلى نجاح.. وأذكر كيف كنا نهاجم بعضنا بحب وننتقد أنفسنا بود، كنا نأمل فى الاكتمال والتفرد كدأب الأديب الذى يبحث عن خلق الإبداع المتفرد.
وفى مطلع الألفية لحق بهذا الجيل جيل ثالث من شباب الأدباء، منهم حازم حسين ومحمد شاكر ومحمد علاء وكريم سليم وأسامة سند ود. عمر صوفى ود. أمين الطويل ونبيل الشاهد وهالة قرنى؛ جيل عصر الفضاءات الواسعة ووسائل التواصل والحلم والتمرد، جيل مبدع آخر يأتى بأحلامه وبإبداعاته وتفرده ليكمل المشهد الأدبى فى الفيوم.
وأنشأنا سلسلة «هدير» للنشر وصدرت أعمال لأدباء كثيرين للتغلب على أزمة النشر وقتها، ومضت الحياة بنا ورحل من رحل تاركين فى قلوبنا ألمًا لا ينتهى.. ألم فراق رفقاء الدرب والرحلة والكتابة، وكان موعدنا مبكرًا مع الفقد، حيث كانت الفجيعة برحيل الشاعر عنتر حسين مبكرًا، ثم توالت الآلام برحيل الشاعر والصديق محمد عبدالمعطى، وترجل صلاح حامد عن جواده الجامح كأعظم عاشق للمسرح بالفيوم منذ بواكير تجاربه حتى الاكتمال والنضج، وكان آخر تلك الآلام رحيل الصديق الكاتب أحمد الأبلج، الرجل الذى لحق بنا حين عاد من سفره ليذكرنا بأمجاد جيل سبقنا فى الكتابة، ومنهم من انزوى وابتعد قليلا شأن الحياة؛ مثل محسن رياض ومحمد سعد أبوالجود ومحمد يوسف وشحاتة إبراهيم، ومنهم من شد رحاله للعاصمة؛ مثل حسين عبدالعليم وأشرف أبوجليل، وقبلهما نبيل عبدالحميد وربيع مفتاح. ومنهم من ظل قابضًا على إبداعه، متمسكًا بقلمه وكتابته يكتب وينشر.
ومازالت الفيوم حاضرة فى المشهد الثقافى المصرى والعربى برموزها وكتابها ومثقفيها.. الفيوم هى محافظة هادئة لا تشبه زحمة القاهرة وضجيجها، لكنها تمتلئ بالإبداع والكتابة والفن.