الثلاثاء 01 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أيقونات جيل الستينيات

الفريدة.. فى مديح ابنة المدن المفتوحة

فريدة النقاش
فريدة النقاش

- لسان حالها يقول: قاومنا بكل ما نملك لكى لا يأتى أحد بعدنالا ليقول بأننا صمتنا

- طوال المسيرة كانت فريدة النقاش تعانى من قيد لكى تدخل فى قيد آخر لكنها لا تكل ولا تمل عن الإنتاج

هناك رموز وأعلام فى الثقافة والفن والأدب والفكر بشكل عام، ارتبطت أسماؤهم بدرجة كبيرة بظواهر معينة، رغم كل العطاءات التى قدموها وأفنوا حيواتهم فى إنجازها، إلا أن الذاكرة الجمعية غالبًا ما تربط بين ذلك الاسم، وعلامة بارزة تركت أثرًا كبيرًا فى حياة الثقافة والإبداع، رغم الإنجازات المتعددة التى حققها ذلك العلم من الكتّاب والأدباء، وعلى رأس تلك الأسماء يأتى اسم الأديبة والمبدعة مى زيادة فى المقدمة، فدائمًا ما يتذكرها الناس ويربطونها ربطًا يكاد يكون ثابتًا، بذلك الصالون الذى أسسته فى مصر، وفى بدايات القرن العشرين، ذلك الربط الشائع الذى لا يختلف فيه اثنان من الكتّاب والأدباء والمثقفين عمومًا، وبمختلف تياراتهم ومستوياتهم الثقافية والفكرية، بمن فيهم العظيم الدكتور طه حسين، الذى اعتذر عن عدم الحديث عن إنجازها الفكرى والأدبى والثقافى فى حفل تأبينها، ولكنه سجل لها، كما يذكر محمد عبدالغنى حسن فى كتابه (حياة مى) الصادر عام 1942: «حسنتين من حسناتها، وأشار بنوع خاص إلى أثرها فى حياتنا الأدبية، الأولى منتداها الذى كان ملتقى المثقفين ومجتمع المفكرين من أهل مصر وسوريا، ومن أهل الشرق والغرب، ومن رجال العلم والأدب، والثانية تأثرها بمحاضرة كان قد ألقاها أحمد لطفى السيد باشا فى نادى المدارس العليا عن أبى العلاء، وأخذها موضوع المحاضرة على أنه موضوع جدير بالتفكير»!، هذا ما قرره عميد الأدباء عن مى زيادة، فلم يذكر لها سوى تلك الحسنتين، إحداهما «صالون مى»، والذى ذكره القاصى والدانى ومختلف الذين تعرضوا للكتابة عن مى، وتجاهل معظمهم منجزاتها الرئيسية فى الأدب والنقد والثقافة عمومًا، لولا الدراسات التى انتبه إليها كتّاب كبار فيما بعد، وذكروا «الصالون» باعتباره أحد أشكال أنشطتها العامة، بينما منجزاتها الكثيرة تكمن فى كتاباتها ودراساتها التى أثارت فيها الكثير من القضايا المحورية فى تلك المرحلة.

وما لحق بمى زيادة، لحق بأحمد حسن الزيات، ومجلته «الرسالة» ١٩٣٣-١٩٥٣، وكذلك العلّامة أحمد أمين، ومجلته الثقافة ١٩٣٩-١٩٥٣، ودكتور ثروت عكاشة كوزير للثقافة، وقد أحدث إنجازات كثيرة ومهمة على مستوى الوزارة فى مختلف مراحل تاريخها، رغم الإنجازات التى حققها هؤلاء فى مجالات الفكر والأدب والتأريخ والثقافة والترجمة، وبالطبع هناك ظاهرة أخرى شبيهة بتلك الظاهرة، وهى ارتباط الكاتب بنص وحيد له، وما عدا ذلك ظل، وكان يحيى حقى قد ملّ وانزعج من ربط اسمه دائمًا بروايته القصيرة «قنديل أم هاشم»، التى صدرت فى عام ١٩٤٤، وكان قد أنجز بعدها كثيرًا من القصص والروايات والكتب النقدية، والتى تفوق «قنديل أم هاشم» بمراحل، كذلك عبدالحكيم قاسم ارتبط اسمه فى ذاكرة الناس بروايته المهمة والأولى «أيام الإنسان السبعة»، والتى أنجز بعدها عددًا من الروايات والمجموعات القصصية المهمة التى تجاوزت العثرات الأولى التى ظهرت فى تلك الرواية، وكان قد تفادى ذلك فى كل إبداعاته التى صدرت بعد ذلك، والنماذج كثيرة جدًا التى تشكل ظاهرة بارزة للغاية.

ولذلك ارتبط اسم الكاتبة والناقدة الكبيرة فريدة النقاش، والتى نحتفل بعيد ميلادها الخامس والثمانين الذى يحل فى ذلك الشهر، بمجلة «أدب ونقد»، والتى صدر عددها الأول فى أول يناير ١٩٨٤، وكان من الضرورى اختيار اسم كبير ومرموق ومحترم وله كل الشجاعة فى تحمل مسئولية وأعباء مجلة تعبّر عن تيار اليسار، الذى كان ماكينة إبداع الثقافة والفكر على مدى عقود منذ عقد الأربعينيات، حتى عقد السبعينيات الذى تمت تصفية كثيرًا من المجلات الأدبية والثقافية التى كانت تصدر فى عقدىّ الخمسينيات والستينيات، مثل مجلات «الكاتب، والطليعة، والفكر المعاصر، والشعر، والمجلة، والمسرح، والقصة»، عدا سلاسل ثقافية مهمة مثل «تراث الانسانية، وأعلام العرب»، وغيرهما من ظواهر ثقافية كانت مفيدة ومهمة ومنخفضة السعر، وفى عام ١٩٧١، تم إلغاء معظم تلك المجلات والسلاسل، لتحل محلها مجلتان رئيسيتان، هما: «الجديد، ورئيس تحريرها الدكتور رشاد رشدى، والثقافة، وكان رئيس تحريرها الدكتور عبدالعزيز الدسوقى»، واقتصرت المجلتان على نشر كل من يمت لرئيسىّ التحرير بصلة أدبية، أو فكرية، أو سياسية، أو وظيفية، وبالطبع وجد أبناء اليسار أنفسهم وكتاباتهم خارج تلك «الحسبة»، وظلّت مجلتا «الكاتب»، وـ«الطليعة»، تقدمان كل الأقلام الطليعية والتقدمية والمهمة، حتى تم «تطفيش» مجلس تحرير مجلة «الكاتب» فى سبتمبر ١٩٧٤ فى أعقاب معركة بين ذلك المجلس، وبين يوسف السباعى وزير الثقافة وأعوانه، وتم التراشق بين الطرفين على صفحات مجلات وصحف عديدة، حتى قدّم مجلس التحرير استقالته، وقبلها على الفور يوسف السباعى، ووضع الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور رئيسًا لتحرير المجلة، وكان عبدالصبور موظفًا كبيرًا فى وزارة الثقافة، ولكنه بعد بضعة أعداد قليلة، آثر أن ينأى بنفسه عن تلك الصراعات التى وجدها كثير من خصومه للهجوم عليه، وسافر لكى يعمل فى السفارة المصرية فى الهند مستشارًا ثقافيًا، وظلّت المجلة تعمل حتى تم غلقها فى عام ١٩٧٩، وكذلك كان مصير مجلة الطليعة، التى كان يرأس تحريرها لطفى الخولى، والتى كانت تصدر عن مؤسسة الأهرام، فى أواخر عام ١٩٧٧ بعد معركة ضارية، وتحولت المجلة إلى مجلة «الشباب»، وترأس تحريرها الكاتب الصحفى صلاح منتصر، وهكذا تم تنظيف جميع الأروقة الرسمية الحكومية من أبناء اليسار، بعد معارك شرسة وشائكة، ولا نستطيع أن نعتبر أن هناك هزيمة أو انتصارًا لأى من تيار اليمين، وتيار اليسار، ربما يكون الاثنان خاسرين، أو تكون الثقافة نفسها قد فقدت كثيرًا من فاعليتها، وهنا يختصر الشاعر أمل دنقل معارك تلك الأيام قائلًا:

(..أما اليمين لفى خسر

أما اليسار ففى العسر،

إلا الذين يعيشون،

يحشون بالصحف المشتراة العيون،

فيعشون،

إلا الذين يشون...) إلخ القصيدة.

فريدة النقاش

كما أن صلاح عيسى كتب دراسة طويلة عنوانها «السلاح اليمينى الفاجر، والأسلحة اليسارية الفاسدة»، وتم إنجاز ذلك المقال فى أعقاب انتهاء معركة الانتخابات الأولى لمجلس إدارة اتحاد الكتّاب المصريين، لكنه لم ينشر إلا فى عدد يوليو ١٩٧٧ من مجلة الثقافة البغدادية، ولأنه كتب فى أعقاب المعركة مباشرة، كما يقول صلاح، فقد نجح فى الاحتفاظ بعدد من التفاصيل المهمة، لتجربة العمل الجمعى والصراع داخل جماعة المثقفين المصريين»، وأيًا كانت وجهة نظر صلاح عيسى حول الأداء المربك والمحتدم بين الطرفين، باعتبار أن أستاذنا صلاح عيسى كان قطبًا يساريًا ضليعًا، ولكنه كمؤرخ يلتزم الموضوعية كتب تلك الدراسة المهمة التى تقرأ الوقائع بقدر من الموضوعية.

فى تلك الفترة، كان رئيس الجمهورية قد أصدر قرارًا بقيام أحزاب ثلاثة: يمين ويسار ووسط، وتم إعلان قيام حزب «اليسار» المسمى بحزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى فى ٢٩مارس ١٩٧٦، ودون الدخول فى تفاصيل إنشاء وتكوين الحزب بجميع مستوياته الرئيسية، والاتهامات الكيدية التى ووجه بها فى ذلك، إلا أن الحزب أصدر جريدته «الأهالى» فى ١ فبراير ١٩٧٨، وتم إدراج اسم الأستاذ خالد محيى الدين كرئيس تحرير للجريدة، أى الرئيس القانونى باعتباره رئيس الحزب، أما رئيس التحرير الفعلى، كان الأستاذ محمد عودة، صاحب التاريخ المحترم فى الثقافة والصحافة فى مصر، وصمم الماكيت الأساسى للجريدة الفنان عبدالغنى أبوالعينين، كما تألق الفنان أحمد عزالعرب فى تصدير الصفحتين الأولى والأخيرة برسومات بديعة فى فن الكاريكاتور، وذات أبعاد سياسية واجتماعية عديدة، وفى تلك الفترة التى كانت «الأهالى» تخوض معارك شتى، اضطر الكتاب والصحفيون على أن يكتبوا بأسماء مستعارة، وسنجد أن فريدة النقاش كتبت بأكثر من اسم، مثل «سلمى البدرى»، و«فريدة عبدالرازق»، وكتب سمير فريد باسم «كامل توفيق»، ولطفى الخولى «أبوشادوف»، وهكذا، ورغم جميع أشكال المصادرة التى كانت تعانى منها جريدة الأهالى فى تلك الفترة، إلا أنها قدمت وواصلت رسالة مجلتى الطليعة والكاتب، وتألقت فريدة النقاش فى الكتابة، ومتابعة الأحداث الثقافية المتنوعة فى مجال القصة والرواية والمسرح بشكل خاص، رغم الملاحقات التى كانت تطاردها بين حين وآخر، وتعمل على تغييبها لمدد زمنية متقطعة، وكانت جريدة «الأهالى» عندما تتم مصادرتها، يصدر الحزب نشرة وسيطة استنسل تحت عنوان «التقدم»، وأصدرت نشرة التقدم على هامشها بعض كتيبات ثقافية وإبداعية، مثل أول كتيب قصصى صدر للكاتب الروائى محمود الوردانى عام ١٩٨٢، تحت عنوان «أربع قصص»، وقدمت له فريدة النقاش، وانطلقت مسيرته بعد ذلك.

وقبل ذلك التاريخ كانت لفريدة النقاش مسيرة نقدية طويلة منذ أن تخرجت فى كلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية، وعملت محررة فى مطلع عقد الستينيات فى القسم الخارجى بوكالة أنباء الشرق الأوسط، وكانت قد تلقت تدريبها على يدىّ أستاذها مصطفى كمال منير، ثم استقر بها المقام فيما بعد بجريدة الأخبار اليومية، وكان وضعها المهنى والكتابى مرتبطًا بشكل دائم، بقدر ما تتسع أو تضيق مساحات حرية التعبير، وكانت قد عملت فى وكالة أنباء الشرق الأوسط لمدة ثلاث سنوات، قبل التحاقها بصحيفة الأخبار اليومية، وكانت قد أصبحت تجيد كل أعمالها فى الوكالة، وفجأة صدر قرار غريب بنقل عدد من الصحفيين إلى وظائف حكومية غير صحفية، ساعتها ندمت فريدة لأنها كانت قد تقدمت لامتحانين فى الإذاعة، أحدهما لكى تعمل مذيعة، والآخر لكى تعمل مترجمة، ونجحت فى الامتحانين، لكنها آثرت أن تعمل صحفية فى الوكالة.

بالطبع جرت وساطات سياسية ووظيفية كثيرة لحل أزمة الصحفيين، وعادت مع زملاء لها إلى عملها الذى ارتبطت به، وأحبته، وأجادت فيه، وكانت فى تلك الفترة قد كتبت ثلاثة مقالات فى النقد الأدبى بجريدة الجمهورية، وكان من بين تلك المقالات واحد عن إحدى روايات إحسان عبدالقدوس، وانتقدت فى المقال صورة المرأة عنده، فغضب عليها غضبًا شديدًا، وكانت قد كتبت تلك المقالات النقدية بعد تخرجها بعام واحد فى الجامعة، أى فى بداية مسيرتها الصحفية والأدبية، وهذا الأمر كان مثيرًا لبعض الأدباء، ويتساءلون: كيف تكتب صحفية مازالت تحت التدريب بتلك الكفاءة، وكان إحسان يقول لكل من يراه، إن أحدًا من خصومه الكثيرين كان قد كتب ذلك المقال انتقامًا منه، ووضع اسم فريدة عليه، ومن الطريف أن صلاح جاهين كان قد قرأ المقال قبل النشر، وكتب فى قصاصة استحسانًا له، كلمات قوية عن المقال.

انتقلت فريدة فى بداية عام ١٩٦٧ إلى جريدة الجمهورية، وبعد شهور وقعت هزيمة يونيو، وتم فرض الرقابة على كل شاردة وواردة فى الصحافة والإعلام، وفى عام ١٩٦٨طلب المسئولون منها، بشكل مهذب كما تكتب فى كتابها «دافعت عن قيثارتى»، أن تمتنع عن الكتابة، وقالوا لها إنها من الممكن أن تكتب، ولكن أى كتابة لها ستعرض على الرقابة، فلو تمت الموافقة، سوف ينشرون ما تكتبه، ولكن دون توقيعها، وظلت على هذه الطريقة بضعًا من الأعوام، وفى عام ١٩٧٢ ترجمت مسرحية «الطريق» للكاتب النيجيرى وول سوينكا، وسجلها البرنامج الثانى للإذاعة، ولكن المسئول أبلغها بعد أيام بأن اسمها قد ورد فى قائمة الممنوعين من التعامل مع الإذاعة، ولكن ذلك المسئول المحترم، أذاع المسرحية مع المقدمة التى كتبتها، لكن دون إدراج اسمها، لكنه صرف لها مكافأة الترجمة، كان ذلك المسئول عن البرنامج الأستاذ شريف خاطر.

وتسير المسيرة على ذلك المنوال، وفريدة النقاش تعانى من قيد، لكى تدخل فى قيد آخر، لكنها لا تكل ولا تمل عن الإنتاج، وعلى سبيل المثال، فى سنة ١٩٧٣ كان اسمها مدرجًا بين من فصلتهم لجنة النظام من الاتحاد الاشتراكى، الحزب الواحد فى تلك الفترة، من عملهم، ومنعتهم من دخول مقار الصحف، وطلبت شطبهم من جدول نقابة الصحفيين، ولكن حركة مواجهة قوية عملت على تعطيل وتوقيف عمليات الفصل الكبيرة التى جمدتها، وذلك بعدما أشعل الصحفيون المفصولون النقابة بمجلات حائطية تضمنت مقالات تعارض القرار، كما أن أشعارًا ساخرة نددت به، احتجاجًا على ذلك الفصل التعسفى، وبالتالى عادت فريدة إلى جريدة الجمهورية لكى تواصل كتابة النقد الأدبى والمسرحى، وكذلك راحت توسع من مساحات النشر فى مطبوعات أخرى داخل وخارج الوطن، مثل مجلات الآداب، والبلاغ، والحرية فى بيروت.

وسوف نستعرض مسيرة الناقدة الكبيرة فريدة النقاش تباعًا، ونستعرض كتاباتها النقدية فى كل مجالات الأجناس الأدبية، ونشرت كثيرًا من دراساتها وتغطيات رحلاتها الثقافية فى كتب فى غاية الأهمية، مثل كتاب «يوميات المدن المفتوحة»، و«دافعت عن قيثارتى»، و«بستان المسرح»، وغيرها من كتب ودراسات، سوف نستعرضها فى حلقات تباعًا، مع اعتبار أن مجلة «أدب ونقد»، منجز فى غاية الأهمية، لأن الثقافة الطليعية فى عقد السبعينيات، كانت شبه مقموعة، وشبه ممنوعة، والمجلتان اللتان كان المثقفون يتنفسون من خلالهما، قد أغلقتا، كما كتبنا ذلك سلفًا، ولكن كانت هناك مقاومة شديدة لجميع أشكال العوار التى كانت تطرح أقلام وطاقات ضد التقدم، وكانت فريدة فى ذلك الوقت، إحدى قلاع المقاومة والرفض، ففى عدد نوفمبر عام ١٩٧٤ أعدت مجلة «الطليعة» تحت عنوان «مناقشة أفكار وزير الثقافة حول المسرح والسينما والفن التشكيلى»، وكان الملف ردًّا على حوار طويل أدلى به يوسف السباعى وزير الثقافة على مدى أربعة أعداد من مجلة روز اليوسف، من ٢ سبتمبر ١٩٧٤، حتى ٢٣ من الشهر ذاته، وتناول فيه السباعى سياسة وزارته بشكل عام، ثم تناول بالتخصيص سياسة الوزارة فى قطاعات المسرح والسينما والنشر والفنون التشكيلية، وجدير بالذكر أن نقول إن تلك الفترة من تاريخ الثقافة فى مصر، قد تغيرت أشياء وأشياء، وكانت التغييرات وخيمة إلى حد بعيد، وظلّت تلقى بكلكلها على الحياة الثقافية طويلًا، ربما تكون آثارها فادحة وتتنفس طوال تلك الفترة حتى مدت ظلها إلى الآن، وكان أبرز ما قاله الوزير، أنه ليس خصمًا لليسار، ودلل على ذلك بأنه لن يعلق مجلة الكاتب، والثانى أن الكاتب المسرحى ألفريد فرج أرسل له مسرحية من الجزائر، وما كادت تصل إليه، حتى أمر بإعدادها للعرض فورًا، واستثناها من أى إجراءات روتينية، وكان رد فريدة، إن مجلة الكاتب التى وعد السباعى بعدم إغلاقها، قد أغلقت بالفعل بعد إجراء الحوار مع الوزير، وإن مسرحية ألفريد فرج ظلت متعثرة فى أدراج المسئولين دون معرفة بمصيرها المجهول، واستعرضت فريدة النقاش فى مقالها الذى تصدر الملف، وعنوانه كان «رسالة وزير الثقافة على المسرح»، وأوضحت أن وزير الثقافة انحاز بقوة إلى المسرح التجارى دون أى اهتمام بالمسرح الجاد، وتم تعطيل عدد من مسرحيات مهمة، منها مسرحيتان لمحمود دياب، هما: باب الفتوح، ورسول من قرية تميرا، واستعرضت فريدة النقاش مسرح الستينيات الجاد، واعتبرت أن منهج السيد الوزير سوف يترك آثارًا وخيمة جدًا على المسرح ألمصرى لسنوات كثيرة، وقد حدث ذلك بالفعل، وكأنها نبوءة، وكانت صرخة فريدة النقاش فى تلك المواجهة، كأنها لسان حالها يقول: إننا قاومنا بكل ما نملك، لكى لا يأتى أحد بعدنا ليقول بأننا صمتنا»، وإلى الحلقة المقبلة إن شاء الله لنستكمل مسيرتها الثرية.