الأربعاء 02 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

حماس فى العراء.. التاريخ السرى لحركة السعى إلى السلطة

حماس
حماس

- حماس واقعية سياسيًا وإصلاحية عند الحاجة وتتحول إلى التمرد العنيف عند نشوء الفرصة

- كيف استخدمت إسرائيل «حماس» فى تقويض المشروع الوطنى الفلسطينى؟

- الصراع العنيف مع إسرائيل جزء أساسى من هوية الحركة ولكنه ليس هدفها الوحيد

- هجوم 7 أكتوبر كشف عن خواء «محور المقاومة» وردود أفعال حزب الله وإيران كانت خافتة

- صعود «حماس» كان مدعومًا بتواطؤ إسرائيلى غض الطرف عن تدفقات الأموال من المؤيدين فى الخارج

- إسرائيل اتجهت إلى محاربة «حماس» التى أنشأتها بنفسها كوسيلة سهلة لشق الصف الفلسطينى

كيف استطاعت جماعة فلسطينية صغيرة، منبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين، أن تتحدى منافسين عريقين مثل منظمة التحرير الفلسطينية؟ من يدعم حماس وما هى أجندتها؟ إلى أى مدى وصلت قوتها وإلى أى مدى ستبقى؟

هذه الأسئلة أجاب عليها بيفرلى ميلتون- إدواردز أستاذة العلوم السياسية والصحفى ستيفن فاريل فى كتابهما «حماس: السعى إلى السلطة»، استنادًا إلى سنوات من التغطية الميدانية والمقابلات مع أعضاء الجيل المؤسس للحركة وخلفائهم الذين يقودونها الآن.

الكتاب الذى يقع فى 340 صفحة، صدر فى منتصف أغسطس من العام الماضى عن دار نشر «بوليتى» الإنجليزية المتخصصة فى العلوم الاجتماعية والإنسانية، ويعتمد على دراسة رائدة قام بها المؤلفان عام 2010، فى أعقاب الحرب على غزة عام 2008، وتمت مراجعتها وتحديثها.

ويتتبع الكتاب الذى يجمع بين التأريخ والتحليل، مسار وقصة حركة حماس حتى 7 أكتوبر 2023 وتداعياتها، والتى لا يمكن تجاهل دورها فى التوصل إلى حل للصراع، ولفهم منطقة الشرق الأوسط ومستقبل فلسطين.

وبيفرلى ميلتون- إدواردز المؤلفة الأولى للكتاب هى زميلة أولى غير مقيمة فى مجلس الشرق الأوسط للشئون العالمية. وتركز أبحاثها على السياسات المعاصرة فى الشرق الأوسط، والإسلام السياسى، والأمن. 

وفى وقت سابق، شاركت فى وساطات وقف إطلاق النار ومفاوضات المسار الثانى فى مراحل مختلفة من الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وتعد متخصصة فى الإسلام السياسى والحركات التى انبثقت عنه، من جماعة الإخوان المسلمين إلى حزب الله، وطالما ما استعانت بها الحكومات الأوروبية والعربية على حد سوء طلبًا للمشورة بشأن القضايا الأمنية فى الشرق الأوسط.

أما المؤلف الثانى للكتاب ستيفن فاريل فهو الرئيس السابق لمكتب رويترز فى القدس وعمل سابقًا مراسلًا أجنبيًا لصحيفة نيويورك تايمز وصحيفة تايمز اللندنية.

مقابلات قيادية 

وأجرى الكاتبان مقابلات مع شخصيات من حماس من جميع المستويات القيادية، وقد اغتيل بعضهم منذ ذلك الحين، مثل القيادى المقيم فى بيروت «صالح العارورى»، وهو نائب سابق لرئيس المكتب السياسى للحركة وأسهم فى تأسيس الجناح العسكرى لها فى الضفة الغربية، ويعد الرأس المدبر لتسليح كتائب القسام.

وأيضًا القيادى الراحل يحيى السنوار، والذى التقى بالمؤلف ستيفن فاريل بعد إطلاق سراحه من السجن الإسرائيلى عام ٢٠١١، كما يتضمن الكتاب لقاءات مع أبوعبيدة، المتحدث الرسمى باسم الجناح العسكرى لحماس، والذى دائمًا ما يخفى وجهه خلف كوفية حمراء ملتوية حول رأسه.

وهو ما كتب عنه المؤلفان: «كان من الصعب معرفة ما إذا كان هو الشخص نفسه دائمًا أو فى بعض الأحيان بديلًا له».

أصول الحركة

يستعرض الكتاب تاريخ الحركة بوتيرة سريعة، متوقفًا بين الحين والآخر لفصول تتعمق فى تفاصيل محددة، مثل موقفها من الاستشهاد أو النساء، اللواتى تصر حماس على مشاركتهن فى جميع المستويات، ولكن يعرفن أيضًا «بشكل أساسى من خلال وظيفة بيولوجية كـ«صانعات الرجال».

ويرجع الكتاب أصول الحركة إلى «عزالدين القسام»، الشيخ السورى المحارب فى ثلاثينيات القرن الماضى، والذى لا تزال حماسته الدينية ونضاله المناهض للاستعمار البريطانى والتعدى الصهيونى مصدر إلهام لـ٣٠ ألف مقاتل فى الجناح العسكرى للحركة الذى يحمل اسمه. 

حيث تم تقديم حركة حماس التى نشأت فى المقام الأول كفرع من جماعة الإخوان المسلمين، على أنها «بديل إسلامى» محدد لحركة فتح، بزعامة ياسر عرفات، التى هيمن قادتها العلمانيون على القضية الفلسطينية، ولكن بحلول أواخر الثمانينيات كانوا يعيشون فى المنفى، بعيدًا عن النضالات اليومية للفلسطينيين تحت الاحتلال.

وتبنت حماس مبادئ القسام فى الإيمان والانضباط والصبر والمقاومة المسلحة، وركزت على تشكيل بيئتها المحيطة، حيث آمن مؤسسها، الشيخ أحمد ياسين، بأن الإسلام وحده قادر على تحقيق التحرير، وركز على التنظيم الشعبى قبل أن يصبح قوة عسكرية.

الأب الروحى

ويشير الكاتبان إلى أنه لا يمكن فهم تاريخ حماس دون الرجوع إلى حياة مؤسسها، أحمد ياسين، المميزة، والذى ولد عام ١٩٣٦، عام الثورة الكبرى ضد البريطانيين، وسارت حياته على مسار انعكس فى جوانب عديدة على فلسطين نفسها. 

فى عام ١٩٤٨، طُهرت قريته، قرب عسقلان، عرقيًا على يد القوات الإسرائيلية، وهجرت عائلته إلى غزة، حيث أُصيب بالشلل فى حادث وقع له فى طفولته. وأصبح رجل دين ثائرًا وواعظًا كاريزميًا للتحرر الوطنى.

فى أوقات فراغه من إلقاء الخطب فى مسجد العباس بمدينة غزة، كان ياسين يدير منظمة دينية مدنية لتقديم الخدمات الاجتماعية التى أهملها الاحتلال الإسرائيلى أو دمرها.

لكن الحياة تحت الاحتلال دفعته إلى استنتاج أن منطق غزة هو منطق الحرب، وليس تخفيف المعاناة. اعتقل لأول مرة من قبل إسرائيل عام ١٩٨٤، عندما اكتشفت أجهزة الأمن أن منظمته الخيرية تخزن الأسلحة. 

ثم أسس حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد إطلاق سراحه عام ١٩٨٥ مقابل إطلاق سراح بعض الجنود الإسرائيليين الأسرى، وانعقد الاجتماع التأسيسى للحركة فى منزله بغزة عام ١٩٨٧، مع انطلاق الانتفاضة الأولى. وحضر الاجتماع أساتذة وأطباء ومهندسون وثوريون راغبون فى تذوق ذكريات عام ١٩٣٦ وجراح عام ١٩٦٧. وبدلًا من التسوية السياسية المراوغة مع إسرائيل التى سعى إليها ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، كانت أدوات حماس هى القنبلة والسكين. 

وبعد الانتفاضة الأولى، أُلقى القبض على الشيخ ياسين مجددًا وحكم عليه بالسجن المؤبد، واحتجز فى الحبس الانفرادى لفترات طويلة. ولم يفرج عنه إلا عام ١٩٩٧ (نتيجة لمحاولة إسرائيل اغتيال خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحماس فى عمان)، بعد فترة طويلة من اتفاقية أوسلو، التى اعتبرتها حماس وكثيرون آخرون استسلامًا. 

وبحلول وقت إطلاق سراحه، كان الشيخ ياسين قد أصبح أكثر شهرة ربما من أى شخصية سياسية فلسطينية أخرى باستثناء عرفات نفسه. وفى غزة، استقبل استقبال الأبطال. 

لكن سنوات السجن كانت لها آثارها. على كرسيه المتحرك وشبه كفيف، سيظل الزعيم الروحى لحماس، لكن قدرته على القيادة العملية كانت محدودة. لم تحمه أمراضه: ففى عام ٢٠٠٤، اغتيل فى مدينة غزة بطائرة هليكوبتر إسرائيلية.

ثلاثة أجيال

يستكمل المؤلفان رواية مسار الحركة بعد وفاة ياسين، حيث كان لحماس ثلاثة أجيال من القادة وقتها. كان الخليفة الطبيعى هو عبدالعزيز الرنتيسى، وهو طبيب منعته السلطات الإسرائيلية من ممارسة الطب، والذى تحول بدلًا من ذلك إلى حشد النشاط السياسى بين المهنيين الطبيين. 

ولد الرنتيسى فى بداية النكبة، وكان أصغر من ياسين بعقد من الزمان وكان حاضرًا فى تأسيس الحركة. لكن فترة ولايته استمرت شهرًا واحدًا فقط، قبل اغتياله هو الآخر. 

كان خالد مشعل، المولود فى عام أزمة السويس، أول زعيم لحماس يعيش، كإجراء احترازى، خارج الأراضى المحتلة. من عمان والدوحة ودمشق، قاد حماس إلى فوز ساحق فى الانتخابات الفلسطينية عام ٢٠٠٦. 

فى عام ٢٠١٧ خلفه إسماعيل هنية ويحيى السنوار، وكلاهما ولد فى غزة عام ١٩٦٢. عاش هنية معظم حياته فى منزل متواضع فى حى الشاطئ، شمال غزة. عندما تولى رئاسة المكتب السياسى لحماس، سار على خطى مشعل وانتقل إلى الدوحة، تاركًا السنوار لإدارة شئون القطاع. 

اغتيل هنية فى طهران، على الأرجح بقنبلة فجرت عن بُعد. بعد ثلاثة أشهر، قتل السنوار بدبابة إسرائيلية جنوب غزة، على بعد أقل من ثمانى كيلومترات من مسقط رأسه.

الجناح العسكرى

ويروى الكاتبان قصة تشكيل الجناح العسكرى لحركة حماس، «كتائب القسام»، عام ١٩٩١. ففى خلال العقد الأول من وجود الحركة، كان الواقع مختلفًا تمامًا عن صورة المسلحين التى ترتبط بها الآن. 

حيث أمضى الكوادر ذوو التسليح الضعيف معظم وقتهم متنقلين بين الريف وشقق أمهاتهم. وإذا حالفهم الحظ، تمكنوا من الوصول إلى عدد قليل من الرشاشات، ولكن ليس أكثر من ذلك بقليل. 

ويلفت المؤلفان إلى أن إسرائيل كانت تأمل أن توفر السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية نموذجًا للحكم الذاتى ومنفذًا آمنًا، ولكنه غير فعال للمطالب الفلسطينية بالتحرير. لكن أوجه القصور فى السلطة الفلسطينية استمرت فى توليد مبررات لأشكال أكثر نشاطًا من النضال، والتى استغلتها حماس. 

فى عام ١٩٩٤، نفذت حماس أول تفجير انتحارى لها داخل إسرائيل بعد مذبحة ٢٩ فلسطينيًا على يد متطرف يهودى من أقصى اليمين فى الحرم الإبراهيمى فى الخليل. 

مع بدء تشغيل أنفاق رفح فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، تحسن تسليح حماس، وبدأت بإنتاج متفجرات وذخائر مصنعة محليًا. وتحت إشراف عدنان الغول ويحيى عياش ومحمد ضيف، تحولت هذه الصناعة فى نهاية المطاف إلى صناعة رئيسية تنتج قاذفات صواريخ «ياسين» وصواريخ «القسام».

رؤى متنافسة

يحذر بيفرلى ميلتون إدواردز وستيفن فاريل من أنه «يمكن انتقاد حماس بشدة، ولكن لا ينبغى الاستهانة بها»، فعلى الرغم من كل النجاح الذى حققته إسرائيل فى قتل قادة حماس، إلا أنها لم تنجح إلا قليلًا فى وقف انتشار الحركة. 

ويعود ذلك جزئيًا إلى عدم وجود حماس واحدة، بل ثلاث. هناك الحركة السياسية، التى تشكلت من أيديولوجية دينية، والملتزمة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين من خلال الكفاح المسلح. أسسها رجل (ياسين) فى مكان محدد (غزة) وفى وقت محدد (أواخر الثمانينيات). لها تسلسل هرمى وسياسة داخلية، ولها تاريخ. 

ثم هناك حماس الموجودة فى أذهان المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية. إنها حماس متخيلة، لكن الخيال مستمد من المعرفة - حماس هذه محتقرة ولكنها تحترم على مضض. 

وهناك أيضًا حماس الثالثة، التى لا توجد إلا فى التصريحات العلنية للسياسيين الإسرائيليين، والأهم من ذلك، فى الغرب. هذه ليست منظمة بقدر ما هى مثال على وحشية الشرق الأوسط البدائية، وأحد أعداء الغرب الكاريكاتوريين الكثيرين. 

ويوضح الكاتبان أن المعارضة العنيفة لإسرائيل متأصلة فى هوية الحركة، لكنها، كما يجادل المؤلفان، ليست مبرر وجودها، أى أن الصراع العنيف مع إسرائيل جزء أساسى من هويتها، ولكنه ليس هدفها الوحيد.

ويحذران من الخلط بين الإنجاز والهدف. فلإقامة دولة فلسطينية إسلامية، يجب محاربة أيديولوجيات الحركات العلمانية واليسارية أيضًا.

ويقول الكاتبان إن حماس قد تبدو، من الخارج، متناقضة. فميثاقها التأسيسى لعام ١٩٨٨ مشوب بمعاداة السامية الصارخة، لكن قادتها التقوا بنظرائهم الإسرائيليين واقترحوا الاعتراف بإسرائيل على حدودها عام ١٩٤٨، قبل وقت طويل من منافسيها العلمانيين فى منظمة التحرير الفلسطينية. 

وعندما قررت حماس المشاركة فى النظام الانتخابى الذى وضعته عملية السلام فى أوسلو، «لم يكن الهدف من قبولها الاقتراع إنهاء العنف، بل ضمان استمراره»، كما كتب المؤلفان. ويشيران إلى أن جناحها العسكرى، كتائب القسام، «شديد السرية ومتعطش للدعاية فى الوقت نفسه».

ويلفت الكاتبان إلى أن هناك أيضًا رؤى متنافسة داخل حماس حول كيفية تحقيق أهدافها. فالمجتمع الفلسطينى متنوع، وحماس حريصة على تقديم نفسها كحركة وطنية ممثلة. 

ولذلك، فإن قيادتها واسعة النطاق ومستمدة من دوائر انتخابية متنوعة تمتد من غزة إلى الضفة الغربية، ومن سجون إسرائيل إلى الشتات. 

ويقدم ميلتون إدواردز وستيفن فاريل بعض قادة حماس على أنهم أكثر «براجماتية»، بينما يقدم آخرون على أنهم أكثر تشددًا أو أصولية. ورغم أنه من المغرى تصور هذه الانقسامات على أنها مرسومة بين الجناح العسكرى لحماس ومكتبها السياسى الأكثر هيمنة، إلا أن المؤلفين يفصلان التوترات المثيرة للاهتمام داخل كتائب القسام بعد سيطرة حماس على غزة بفترة وجيزة. 

عاد محمد ضيف، القائد الغامض للكتائب ومهندس ٧ أكتوبر، إلى غزة عام ٢٠٠٧ لمواجهة مساعديه «المتطرفين»، الذين اكتسبوا السلطة بعد تعافيه من هجوم إسرائيلى. 

وأشار الضيف إلى أنه كان يشكو فى جلسات خاصة من التطرف السلفى لدى منافسيه، والذى كان يخشى أن يضر بسمعة حماس من خلال ربطها بتنظيم القاعدة الإرهابى.

الممارسة العملية

تأسست حماس لمواصلة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، ولكن فى الممارسة العملية كانت المواجهة العنيفة دائمًا فى حالة توتر مع الحسابات السياسية. ولإيجاد توازن بينهما، لجأت الحركة إلى المفهوم الدينى للصبر.

ولكن أدى اندلاع الانتفاضة الثانية، ردًا على محادثات السلام الفاشلة فى كامب ديفيد عام ٢٠٠٠ وزيارة أرييل شارون الاستفزازية للحرم القدسى، إلى خيبة أمل حماس. 

ردت القيادة بتصعيد التفجيرات الانتحارية، ورغم أن الحركة تأسست على رفض التقسيم والتسوية السياسية مع إسرائيل. ولكن فى الممارسة العملية كانت قيادتها تتقبل فكرة الدولتين على حدود عام ١٩٦٧. 

فى يونيو ٢٠٠٣، دعا إسماعيل أبوشنب، أحد الأعضاء المؤسسين لحماس، إلى تسوية الدولتين (بعد شهرين اغتيل بصاروخ من مروحية أباتشى إسرائيلية). فى عام ٢٠٠٦، دعا إسماعيل هنية إلى «دولة فلسطينية ذات سيادة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية». 

خلقت الجهود الأمريكية الفاشلة فى الشرق الأوسط بعد أحداث ١١ سبتمبر معضلات لحماس أيضًا. ففى خضم الانتفاضة الثانية، أدانت الحركة هجمات القاعدة، وخففت من تصعيد عملياتها العسكرية ضد إسرائيل، وعرضت وقف إطلاق نار من جانب واحد. 

ويقول المؤلفان إنه من الصعب مواكبة عداوات حماس وتحالفاتها المتعددة على مر السنين، وكذلك ترتيباتها مع أعدائها وشركائها. ففى البداية، احتقرت المنظمات اليسارية العلمانية واعتبرتها غير إسلامية. 

لكن فى معارضتها لاتفاقية أوسلو، انضمت لاحقًا إلى المنظمات الماركسية العلمانية. بشكل عام، ركزت على أهدافها. عدلت أساليبها وفقًا لما هو ناجح وما هو ممكن فى ظل ضعف كبير فى اليد، كما عدّلت أهدافها، وحدثت ميثاقها عام ٢٠١٧.

وتخلت الوثيقة الجديدة عن دعوتها إلى تدمير إسرائيل، ووافقت على قيام دولة فلسطينية انتقالية تضم غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية. وأكدت أنها ستواصل مقاومة احتلال فلسطين، لكنها أكدت أيضًا أنها لا تمانع فى التعامل مع أتباع الديانة اليهودية أو الديانات الأخرى. 

كان ذلك بمثابة تعديل عملى نحو السلام دون التنازل عن أى حقوق، وصُمم خصيصًا «لتغيير موقف الدول الأوروبية».

فى المقابل، نجحت إسرائيل فى تحويل الاحتلال إلى ساحة معركة أخرى فى الحرب العالمية على الإرهاب. فى الولايات المتحدة، سرعان ما أصبحت حماس منسقًا فى محور الشر، واعتبرت جزءًا من تنظيم القاعدة.

ويقول المؤلفان إن جاذبية حماس جمعت بين الأيديولوجية والبراجماتية السياسية، فبينما سارعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى قبول التقسيم، المنصوص عليه فى اتفاقية أوسلو، ظلت حماس ملتزمة، من حيث المبدأ على الأقل، بتحرير فلسطين التاريخية كاملة. 

وقد دعم ميثاقها الأصلى، الصادر فى أغسطس ١٩٨٨، أهدافًا سياسية مشابهة جدًا لأهداف منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنه صيغ بلغة دينية صريحة، معززة بمعاداة السامية.

ويصف الكاتبان وثائق حماس الداخلية بـ«الواقعية السياسية». فقد كانت قادرة على أن تكون مجتمعية وإصلاحية عند الحاجة، وأن تتحول إلى التمرد العنيف عند نشوء الفرصة. وكانت أساليبها «العنف المسيطر عليه، والتعايش التفاوضى، واتخاذ القرارات الاستراتيجية».

ولم تكن حماس حركة تحرر وطنى علمانية: بل كان تعريفها للنصر هو استعادة فلسطين إلى السيادة الإسلامية والفلسطينية على حد سواء، حيث عملت الحركة على تعزيز التحفظ الدينى من القاعدة عبر مشاريعها الاجتماعية. 

وكثيرًا ما صاغت القضايا السياسية باستخدام مراجع دينية، وتحديدًا القرارات السياسية غير التقليدية أو المثيرة للجدل، التى بُررت باللجوء إلى لغة دينية. لكن قليلًا ما فسرت حماس بالحماسة الدينية، ولكن كانت الوظيفة العملية الرئيسية لتدينها هى حشد التعبئة بين جميع الطبقات.

القيادة عن بعد

أودت الانتفاضة الثانية، بين عامى ٢٠٠٠ و٢٠٠٥، بحياة الكثير من كبار قادة حماس، بمن فيهم ياسين والرنتيسى وصلاح شحادة، أول قائد لكتائب القسام، الذى اغتيل فى غارة جوية أسفرت عن مقتل أربعة عشر شخصًا آخرين بينهم سبعة أطفال. 

ومع ذلك، فى غضون عام من انتهاء الانتفاضة، شاركت حماس فى انتخابات نزيهة وفازت بها وكانت تعيد تشكيل علاقاتها مع السلطة الفلسطينية. 

ويشير الكاتبان إلى أنه مع وجود المقر السياسى للحركة فى الخارج، كان للقيادة عن بعد فوائد عملية. فمن مكاتبه فى الدوحة ودمشق، زرع خالد مشعل علاقات أفضل مع إيران، التى اختلفت مع منظمة التحرير الفلسطينية فى الثمانينيات وقطعت العلاقات معها بعد اتفاقية أوسلو. 

ولكن أكثر من مشعل، كان نائب رئيس الحركة، موسى أبومرزوق، الذى كان يقيم لفترة من الوقت فى الولايات المتحدة (كان يدير حماس فى السابق من دالاس)، يجسد الاستراتيجية الجديدة للتواصل الدولى.

نقطة تحول

ويعتبر المؤلفان فوز حماس فى الانتخابات الفلسطينية عام ٢٠٠٦ نقطة تحول، إذ خلقت أزمة بتوليها مؤسسات شبه حكومية، مدعومة من الغرب وبنيت بموجب اتفاقات أوسلو، والتى قوضت حماس مؤسساتها منذ زمن طويل. 

وهنا، ينسب الكاتبان هذا الفوز إلى عجز فتح، بقدر ما يعزيانه إلى مهارات حماس التنظيمية القوية، وإن قللا ربما من شأن تحولها البارع نحو قضايا محلية كالفساد والرعاية الاجتماعية وتقديم الخدمات.

ويذكر المؤلفان أن رد الولايات المتحدة وإسرائيل على فوز حماس كان لاذعًا. كتب موسى أبومرزوق مقالًا فى صحيفة واشنطن بوست، مناشدًا «التقليد الأمريكى العريق فى دعم حقوق المضطهدين فى تقرير المصير». 

وكتب وزير خارجية حماس، محمود الزهار، إلى كوفى عنان. ولم يحدث ذلك فرقًا. عندما حاولت حماس تشكيل حكومة ائتلافية مع فتح، منعتها الولايات المتحدة. 

وسرعان ما أدى الحصار الأمريكى الإسرائيلى إلى نقص الخبز فى غزة. فرضت الولايات المتحدة عقوبات فى محاولة لإجبار الرئيس محمود عباس، الذى كان يستقبل بانتظام كوندوليزا رايس فى رام الله، على الدعوة إلى انتخابات جديدة.

فى هذه الأثناء، كانت وكالة المخابرات المركزية تعمل مباشرة مع قوات الأمن التابعة لفتح بقيادة محمد دحلان - وكانت النتيجة حربًا أهلية بين فتح وحماس انتهت فى يونيو ٢٠٠٧، عندما استولت قوات حماس على مبنى الأمن والمخابرات التابع لفتح فى مدينة غزة، والمعروف باسم «السفينة». 

ويعلق الكاتبان: «ترك هذا حماس متجمدة فى الضفة الغربية ولكنها تسيطر وحدها على غزة».

شق الصف

ويقول الكاتبان إن إسرائيل اتجهت إلى محاربة حماس التى أنشأتها بنفسها بدلًا من حماس المعروفة للعلماء الجادين، ولم تقدم أى تنازلات عندما طرحت قضية الاحتلال والتوسع الاستيطانى.

وذلك بعد أن لجأت إلى حماس كوسيلة سهلة لشق الصف الفلسطينى، ووثق المؤلفان جيدًا التسويات الإسرائيلية مع حماس، ففى البداية عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية هى المعارضة الرئيسية، صرح الحاكم العسكرى الإسرائيلى لغزة بأن جماعة الشيخ ياسين لا تعانى من أى مشاكل تذكر. 

بل إن التسهيلات التى قدمت للشيخ ياسين، الذى كان مشلولًا، مُقعدًا على كرسى متحرك، وكان يغذى بالملعقة طوال حياته، خضع لتقييم طبى فى مستشفى بتل أبيب لمعرفة ما إذا كان أفضل جراحى إسرائيل قادرين على إجراء عملية جراحية لعموده الفقرى.

ويؤكد الكاتبان أن صعود حماس «كان مدعومًا برضا إسرائيل، إن لم يكن بتواطؤها». ففى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، غضت إسرائيل الطرف عن تدفقات الأموال من المؤيدين فى الخارج، واستمرت مشاريع حماس الاجتماعية دون أى عائق. 

ويكتب المؤلفان: «اعتبرت إسرائيل حماس أداة سهلة المنال لمنظمة التحرير الفلسطينية»، آملين أن يتمكن الوافدون الجدد من تقليص الدعم لعرفات.

وفى عام ٢٠١٩، مجسدًا مبدأ «فرق تسد» الكلاسيكى، صرح بنيامين نتنياهو بأن دعم حماس أمر مرغوب فيه، إذ يحافظ على الفصل بين السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية وحماس فى غزة، ويجعل قيام دولة فلسطينية أمرًا مستحيلًا. 

أحداث 7 أكتوبر

ويلفت المؤلفان إلى أنه بالنسبة لمنتقدى حكومة نتنياهو الإسرائيليين، أثبتت أحداث السابع من أكتوبر أن هذه السياسة كارثية.

وكتب ميلتون- إدواردز وستيفن فاريل، أن هجمات حماس فى ٧ أكتوبر «حطمت الوضع الراهن» و«حطمت الأساطير التى شكلت دعائم» الوجود السياسى لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ أوسلو. 

ولم يسفر الجمود والعلاقات مع الحكومات الإسرائيلية المتعنتة عن أى تقدم نحو الاستقلال لعقود. كما عجلت الهجمات باندلاع حرب قتلت فيها إسرائيل أكثر من ٣٦ ألف فلسطينى حتى الآن. 

ومع ذلك، تشير بعض استطلاعات الرأى إلى استمرار الدعم الفلسطينى للحركة. ورغم أن هذا قد يبدو وكأنه مفارقة أخرى لحماس، إلا أن قيم الصمود والمقاومة فى مواجهة عدو إسرائيلى ساحق لا تزال جذابة. 

يعلق الكاتبان: «لقد عملت حماس بناء على افتراض عملى. عندما تحترق فلسطين، يزداد دعمها».

ويضيف المؤلفان: ما حققته حماس فى السابع من أكتوبر هو كسر وهم الاحتواء الذى ظنت إسرائيل أنها حققته. كان «المشهد المذهل للطائرات الشراعية الآلية وهى تحلق فوق بوابات غزة» بحد ذاته نصرًا من نوع ما. 

وبالنسبة لحماس، تمثلت القيمة الكبرى لهجوم ٧ أكتوبر فى كونه هجومًا رمزيًا على نظام الحبس والتقسيم الذى يعتمد عليه نظام الفصل العنصرى الإسرائيلى. ودحضت عملية «طوفان الأقصى» بشكل قاطع فكرة أن إسرائيل تستطيع ببساطة حبس البدائيين فى أقفاص ومواصلة حياتهم كالمعتاد. 

ولكن إذا كان احتجاز الرهائن هو التكتيك الرئيسى لحماس، كما يجادل ميلتون إدواردز وستيفن فاريل، فقد كان معيبًا بوضوح. فمهما بالغت حماس فى الترويج لأهمية استعادة الرهائن، فقد اختارت إسرائيل باستمرار الانتقام على المساومة على حياتهم. 

ويقول الكاتبان: يبدو أيضًا أن حماس بالغت بشكل كبير فى تقدير الدعم الذى ستتلقاه من حزب الله فى لبنان، ومن إيران، والأهم من ذلك، من الفلسطينيين فى الضفة الغربية. 

وإذا كان الهجوم محاولة يائسة لإحياء الدعم الإقليمى لفلسطين، فقد فشل، باستثناء اليمن. ويجادل المؤلفان بأن هجوم ٧ أكتوبر كشف عن خواء «محور المقاومة». فقد كانت ردود أفعال حزب الله وإيران خافتة. وانتهى الأمر بإسرائيل بمهاجمة لبنان وتدمير حزب الله، وليس العكس. 

ويعتقد المؤلفان أن تدمير حماس والقضاء عليها كهدف إسرائيل المعلن كان فكرة غير قابلة للتنفيذ على الإطلاق، وأن غزة نفسها كانت دائمًا الهدف الحقيقى لحملة وصفها وزير الدفاع الإسرائيلى السابق «موشيه يعلون» بأنها «تطهير عرقى». 

ويضيف الكاتبان، لقد تم إضعاف حماس لكنها لم تدمر ولا تزال جزءًا من المجتمع الغزى. نظامها الإدارى منهك، لكنه نجا. وفى ١٤ يناير، قال أنتونى بلينكن إنه وفقًا للتقييمات الأمريكية، «جندت حماس عددًا من المسلحين الجدد يعادل تقريبًا عدد من فقدتهم».