الأحد 08 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

إبداعات أسيوط.. قضايا المدن والقرى فى حقيبة على الظهر

أسيوط
أسيوط

أسيوط ذات طبيعة خاصة، كان يطلق عليها «سيوت» فى الحضارة المصرية القديمة؛ وتقع وسط سلسلة الجبال الشرقية والجبال الغربية، يشقها النيل، مناخها مدارى متطرف، وهى العاصمة التجارية للصعيد، تضم أول جامعة إقليمية، وفرعًا لجامعة الأزهر. 

من أسيوط عرف العالم أولى حضارات الزمن القديم؛ حضارة البدارى، منها خرج الفيلسوف أفلاطون أستاذ أرسطو، وقد كان لأسيوط دور مؤثر على مر التاريخ، لكن مثلها مثل كل مدن الجنوب؛ فبسبب الإهمال الذى عانى منه الجنوب اضطرت الغالبية العظمى من المتعلمين والمثقفين إلى النزوح شمالًا، حيث روافد الرزق الأوفر، وفرص الحياة التى تتيح لهم تحقيق أحلامهم، فأكملوا الدور التنويرى الذى كُتب على أهل الجنوب منذ فجر التاريخ، فكما أن «النهر يأتى من الجنوب ومعه الخير والغلال والقصب والرجال»، أصبح الجنوب الرافد الأهم لرجال صنعوا نهضة حديثة وساهموا فى حركة التنوير التى بدأت فى القرن التاسع عشر. استمر الدور واستمرت حركة النزوح حتى منتصف القرن العشرين، لكن عددًا كبيرًا من المبدعين تمسكوا بالحياة فى أسيوط، وحملوا عبء نشر الثقافة، والوعى من خلال إصرارهم على ممارسة الكتابة وهم فى قراهم أو مدنهم، وهؤلاء هم الآباء الذين وضعوا أساس حركة ثقافية فاعلة، تبعهم الأبناء والأحفاد، وساروا على دربهم، وربما فى هذه الأيام زادت فرص الشهرة للجادين منهم بسبب عوامل العصر؛ من حيث تقدم وتعدد وسائل الاتصال مع العالم، خلاف ما عانى منه الآباء، مع وجود وسائل تكاد تكون محدودة ومتعلقة بمصادر الثقافة، ووقتها كانت المكتبات أهم تلك المصادر. 

عرفت أسيوط المكتبات مبكرًا؛ بداية من مكتبات الأديرة والمساجد، ثم مكتبات بيوت الأغنياء، وصولًا إلى تأسيس أول مكتبة على النظام الحديث للمكتبات- أنشأتها الإرسالية التبشيرية الأمريكية- وبدأت نشاطها فى أسيوط سنة ١٨٦٥م، وتوسعت المكتبة لتضم عدة آلاف من الكتب وتصبح فى ثلاثينيات القرن الماضى ثالث مكتبة فى القطر كله. ومع ثورة يوليو واهتمام الدولة بنشر الثقافة فتحت دار المعارف مكتبتين، وسارت على نهجها الهيئة المصرية العامة للكتاب فصارت لها مكتبة كبيرة فى شارع الجمهورية، ومع هذه المكتبات وجدت أخرى فتحت أبوابها للمثقفين؛ مثل مكتبة الشبان المسلمين، ومكتبة مركز التدريب التابع لمديرية التريبة والتعليم. 

وفى شهادة مهمة للشاعر الكبير درويش الأسيوطى- حول الحركة الأدبية فى أسيوط- تحدث عن احتضان جريدة «صوت الجماهير» للأدباء، وكانت الجريدة تصدر عن الاتحاد الاشتراكى فى أسيوط وكان «درويش» يتولى مسئولية الصفحة الثقافية فيها، ومن خلال هذه الجريدة وجد الأدباء من المقيمين فى أسيوط أو الدارسين فى جامعتها شرفة يطلون منها على القارئ، وفرصة ذهبية لجمع أدباء، منهم: إسماعيل كيلانى، وفرغلى الخبيرى، ومحمد الشناوى، ونصر الدين عبدالمحسن الخياط، ودياب القوصى، وغيرهم.. ومن خلال مسابقات جريدة صوت الجماهير انضم الشاعر الكبير سعد عبدالرحمن إلى هذه الكوكبة من الأسماء. 

كان للجامعة دور كبير فى انضمام عدد كبير ممن جاءوا من المحافظات الأخرى؛ ليصبحوا إضافة حقيقية للحركة الأدبية، ومن هذه الأسماء الشعراء الكبار عزت الطيرى، ومصطفى رجب. بل كانت هناك أسماء من بلدان شقيقة، منهم المبدع السودانى الكبير عبدالعزيز بركة ساكن، الذى درس فى كلية التجارة، وعاش فى أسيوط بعض سنوات عمره، وقال عنها لاحقًا: «أسيوط مدينة موحية، وسكانها طيبون، وكرماء ومرحون». 

كان لا بد لكل هؤلاء أن ينضموا تحت كيان واحد، وهذا الكيان وجد حينما تولى إسماعيل كيلانى مسئولية إدارة قصر ثقافة أسيوط عام ١٩٨٧؛ فقد تأسس آنذاك نادى أدب قصر ثقافة أسيوط كأول نوادى الأدب فى مصر، وانضم إليه كل الأدباء المقيمين من أبناء المحافظة، وكذلك الذين يدرسون فى جامعتها، لتبدأ مرحلة مختلفة؛ إذ حملوا على عاتقهم عبء العمل الثقافى، وأصبح للنادى دوره الكبير فى رعاية المواهب من خلال المحافظة على اللقاء أسبوعيًّا؛ كان فى البداية يوم الأربعاء ثم تم تغييره ليصبح يوم السبت، ومن رحمه خرجت كل أندية الأدب فى مراكز ومدن المحافظة، ومن خلاله خرجت فكرة مؤتمر أدباء مصر فى الأقاليم. 

وبعد جيل الآباء جاء جيل الأبناء، وهؤلاء يمكننا رصدهم عبر مرحلتين؛ الأولى بدأت فى بداية عقد الثمانينيات حتى نهاية القرن الماضى، ومنهم القاص شحاتة عزيز، والمسرحى نعيم الأسيوطى، والشعراء: جمال عطا، وكريمة ثابت، وأحمد الجعفرى، وعماد عبدالمحسن، ومحمد المجريسى، ومؤمن المحمدى، ومحمد ياسين عبدالرحمن، وعاطف عبدالمجيد، وماهر مهران، وأحمد توفيق، ومحمد أبوشناب، وفراج فتح الله، وعواطف عبدالرحمن، ومديحة غزالى، ووفاء العمدة. 

وكانت أسيوط حتى بدايات التسعينيات بلد الشعر كما يُقال، ومع ظهور كتاب للقصة والنقد ظهرت المرحلة الثانية بظهور الروائى حمدى البطران، والأديب زكريا عبدالغنى، وجيل من الشباب التفوا حول فكرة تكوين نادٍ للقصة فى أسيوط. وقد بدأت الفكرة مع القاص أحمد راشد البطل، وكان هدفها وجود كيان يجتمع تحته كل كتاب القصة بغرض تنمية المواهب وصقلها، وكما أن لكل حكاية بداية، فإن البداية لم تكن باليسيرة، فلم يعتمد الوسط الأدبى والحراك الثقافى بمصر على أندية تختص بنوع أدبى معين، ولم يكن بمصر سنة ٢٠٠٢ سوى ناديين للقصة؛ الأول نادى القصة بالقاهرة، والثانى نادى القصة بالإسكندرية، بل إن ملامح أنشطة السرد لم تكن واضحة على خريطة الأدب وقتها، وكانت تمر المواسم دون فعاليات قصصية أو روائية تستطيع أن تنافس سطوة الشعر وجمهوره وغوايته، مما جعل السير فى تنفيذ الفكرة محفوفًا بالمخاطر. 

كانت شرارة البداية، يوم الرابع والعشرين من أبريل ٢٠٠٢ بقصر ثقافة أحمد بهاء الدين، بحضور كتاب القصة بأسيوط فى هذا الوقت، وهم جيل الرواد لهذا النادى. وما بين ضعف حضور الفئة المستهدفة للنادى، وعدم وجود دعم مادى للإنفاق على أنشطته، استمر النادى لعدة سنوات، يتعثر فى معظم خطواته؛ لا سبيل له إلا الجهود الذاتية والشحيحة وقتها للسير فى طريقه، وما بين إقبال وإدبار بدأت ملامح نجاح النادى فى الظهور، وبدأ أعضاء النادى فى حصد جوائز القصة والرواية، بل إنهم القاسم المشترك لجوائز السرد فى مصر والوطن العربى، وأصبح أعضاء نادى القصة من ركائز الحركة الإبداعية فى أسيوط، ومنهم أيمن رجب طاهر، وشعبان المنفلوطى، وأحمد مصطفى على، وثروت عكاشة، وأشرف عكاشة، وعلى عبدالرازق، وفاطمة الشريف، ومؤمن أحمد عبدالعال، والدكتور محمود فرغلى. 

مع كل هؤلاء- فى إقامتهم- تسافر المدينة والقرية فى حقيبة يحملونها على الظهر، بها كل شىء عن الحياة التى ينتمون إليها، ويدركون مشاكل أهلهم الذين ينتمون إليهم، فيُعَبِّرون عنهم بصدق فى جميع أنوع الكتابة، وهم يدركون أن المبدع المقيم خير من يملك قدرة نقل الحياة فى متن.. وهنا نصوص لعدد من الأدباء المقيمين حسب ما تيسرها المساحة التى أفردتها لنا «جريدة حرف- الدستور الثقافى».. وعلى الله قصد السبيل.

عرفت أسيوط المكتبات مبكرًا بداية من مكتبات الأديرة والمساجد ثم مكتبات بيوت الأغنياء وصولًا إلى تأسيس أول مكتبة

 

اقرأ من إبداعات أسيوط:

أيمن رجب طاهر يكتب: صديقى

ماجدة حسانين تكتب: رسالة حبيب ميت

عبير كيلانى تكتب: الثمن

درويش الأسيوطى يكتب: البيوت كأصحابها.. لا تموت

شادية حفظى تكتب: مرفأ الشمس

بهاء توفيق يكتب: بلاش تكتبلى أى رتوش

علا عبدالمنعم تكتب: كريستال

فاطمة الشريف تكتب: الشارع المطل على بيتها

د. سيد عبدالرازق يكتب: سفَرٌ أضاع حقائبه