الخميس 19 سبتمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الأدب فى الغربية.. خصوبة الأرض وهدير الإبداع

محافظة الغربية
محافظة الغربية

محافظة الغربية قلب الدلتا النابض دومًا بالثقافة والفكر والأدب، والإبداع بمختلف فنونه، تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ؛ فنجد آثارًا فرعونية فى بهبيت الحجارة، وصالحجر، وسمنود التى كانت المحطة الخامسة فى مسار العائلة المقدسة بعد ذلك؛ لتشهد حضور هذه العائلة وبركاتها سبعة عشر يومًا؛ لتؤكد هذه الزيارة أن مصر مباركة، ومحط أنظار العالم، بالأمن والأمان، بالخير والعطاء، آمنت بالتوحيد قبل أن يعرفه الآخرون.

وفى محافظة الغربية رائحة الصحابة العطرة الذين جاءوا مع عمرو بن العاص لفتح مصر سنة ٢٠ هجرية؛ حيث يضم ثرى قرية صفط تراب التابعة للمحلة الكبرى جثمان الصحابى عبدالله بن الحارث، وفى طنطا عاصمة المحافظة العارف بالله السيد أحمد البدوى الذى اختارها مستقرًا له فى حياته ومماته، ويُقام له احتفال المولد كل عام من شهر أكتوبر، ويأتى له الأحباب من كل مكان. 

محافظة الغربية شعبها من الأبطال البواسل، حيث قاوم المستعمر الفرنسى ودحره فى السابع من أكتوبر ١٧٩٨م، وأصبح ذلك اليوم العيد القومى للمحافظة التى تتميز أرضها بالخصوبة العالية التى تساعد الفلاح على الزراعة لكثير من المحاصيل المهمة التى تعيشه وأسرته، ويتكسب منها. ويبدو أن هذه الخصوبة قد امتدت لعقول الكثير من أبناء المحافظة ليتألقوا فى مجالات متنوعة: «دينية، سياسية، فكرية، ثقافية، فنية، رياضية، أدبية وإبداعية».

من ناحية الحياة الأدبية فالغربية نهر متدفق لا ينضب أبدًا، سواء أكان النشاط فرديًا أو تجمعات. وكانت الحركة الأدبية فى المحافظة فردية؛ أى أن من يعرف نفسه موهوبًا وخاصة فى الشعر- لأنه كان الغالب بتأثير الدراسة فى الأزهر أو المدرسة مع ظروف مساعدة- يُنمى موهبته بنفسه إن كان من المُصِرّين أولى العزم؛ مثلما حدث مع مصطفى صادق الرافعى الذى حصل فقط على الابتدائية نظرًا لظروفه الصحية، وتولى والده رعايته تعليمًا وثقافة فى البيت، وقد حقق شهرة كبيرة، ومكانة مصرية وعربية. 

الإبداع بشكل عام يبدأ كحالة فردية، وكى يتشكل كحالة جماعية أو «حركة أدبية» يحتاج لما هو أكبر من النشاط الفردى، وقد بدأت الحالة الإبداعية فى محافظة الغربية فردية، لكن ما ساعد على تعظيم الجهود الفردية هو ظهور قصور الثقافة وبيوتها ومكتباتها؛ فالنشاط الثقافى الرسمى- كما هو متعارف عليه- بدأ فى أقاليم مصر عام ١٩٤٥ تحت مسمى «الجامعة الشعبية» أو «إدارة الثقافة الشعبية» وتتبع وزارة الإرشاد القومى، ثم تغير الاسم فى عام ١٩٦٥ إلى جهاز «الثقافة الجماهيرية»، ومع تنامى دورها تم فصل وزارة الثقافة عن الإرشاد القومى فى ١٩٦٦، وفى العام ١٩٨٩ صدر القرار رقم ٦٣ لتتحول إلى هيئة عامة ذات طبيعة خاصة تتبع وزارة الثقافة، وأصبح اسمها «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، وبعد ظهور بيوت الثقافة وقصورها ومكتباتها كان للغربية نصيب منها فى المدن وبعض القرى، ما أسهم فى وجود حركة أدبية ثقافية إبداعية؛ ففى المحلة الكبرى قصران عريقان للثقافة «قصر ثقافة المحلة الكبرى»، و«قصر ثقافة الغزل»؛ التابع لشركة مصر للغزل والنسيج، إلى جانب المكتبة العامة. وفى منتصف الستينيات من القرن الماضى جمع قصر ثقافة المحلة الكبرى «شلة المحلة»؛ وأبرزهم «د. جابر عصفور، د. نصر حامد أبوزيد، جار النبى الحلو، محمد فريد أبوسعدة، سعيد الكفراوى، محمد المنسى قنديل، محمد صالح». وتعد تلك المجموعة الموجة الأولى التى أسست للأدب فى المحلة الكبرى، وانطلقت إلى آفاق بعيدة فى مصر، والعالم العربى بعد ذلك. 

وفى طنطا كان هناك الشاعر عبدالله السيد شرف، ورغم أنه التزم بيته منذ عام ١٩٧٤، فإنه صنع فى قريته «صناديد» حالة تشبه الصالون الأدبى الدائم الذى يأتيه الأدباء والشعراء من كل فج عميق، وقد كوَّن فى عام ١٩٨٠ جماعة «أصوات أدبية» مع شعراء من الزقازيق، وبالاشتراك مع د. حسين على محمد، ود. صابر عبدالدايم، ومحمد سعد بيومى، وأصدرت الجماعة أكثر من ٣٠ عددًا من مجلة «أصوات»، وكانت هناك أسماء أخرى لمعت بشكل فردى فى الغالب وإن تواجدوا بقصر الثقافة أحيانًا، ومنهم «على عبيد، فاروق خلف، صالح الصياد، سعد الدين حسن، ومحمود حنفى كساب».. وآخرون. 

جاءت حقبة الثمانينيات بموجتها الأدبية العالية؛ وهى الموجة الثانية فى المحلة الكبرى بقصريها والمكتبة، بل امتد الأمر لمقرات بعض الأحزاب مثل «العمل، والوطنى، والناصرى»، ووصل إلى بعض القرى مثل «مُجُول، وسامول، والقيصرية»، فضلًا عن النشاط الفردى ويبرز فيه ما قدمه مختار عيسى؛ إذ تمكن من إصدار مجلة «الساحة» بطريقة الماستر، وقد أدت دورًا مهمًا فى الحراك الثقافى والأدبى فى ذاك الوقت، كما أسس صالون «ملتقى مرايا، ودار نشر مصغرة». 

كما تبرز أسماء «ربيع عقب الباب، محمد أبو قمر، محمد نشأت الشريف، محمد أمين، سامى عبدالوهاب بطة، محمد حمزة العزونى، أحمد عزت سليم، مجدى الحمزاوى، عبدالجواد الحمزاوى»، وقد لحق بهذه المجموعة وغيرها فى الثمانينيات مجموعة مجلة «دلتا» وقد صدرت المجلة بطريقة الماستر أيضًا، وكان أعضاء المجموعة هم «فراج مطاوع، إيهاب الوردانى، محمد عبدالحافظ ناصف، وعلى خليل».. وفى تلك الفترة أيضًا كان هناك حضور بارز لعدد من الأدباء والمبدعين، منهم «جابر سركيس، محمد عبدالستار الدش، فريد معوض، جمال عساكر، لطفى مطاوع، ميرفت العزونى، هناء جودة، محمد عبدالظاهر المطارقى، مجدى الفقى، المتولى الشافعى، عماد الشافعى».. وتبع هذه الموجة بعد ذلك كل من «أحمد عيد، ومحمد عبدالحميد رجب، والمرسى البدوى» والأخيران ينتميان لجيل السبعينيات، ولكنهما ابتعدا لظروف خاصة ثم عادا. أما نجوى سالم فكانت تحضر فى قصر الثقافة ولكنها سافرت للعمل بالخارج، ثم عادت.

وامتدادًا لتجربة «دلتا» جاءت بعد ذلك جماعة «رؤى الأدبية» التى أسسها إيهاب الوردانى ومحمد عبدالحافظ ناصف وأحمد الجناينى وجمال عساكر ومحمد عبدالستار الدش، وكانت لها لقاءاتها الفكرية والأدبية وأصدرت من الكتب لأعضائها وآخرين حوالى ٢٥ عنوانًا. ولعبت مجلة «الرافعى» التى تصدرها مديرية الشباب والرياضة بطنطا برئاسة الشاعر فاروق خلف دورًا مهمًا فى الحراك الثقافى والأدبى بالمحافظة، وامتد تأثيرها لكل محافظات مصر بل والوطن العربى؛ حيث تناولت ملفات وقضايا مهمة فى الأدب والثقافة والفكر إلى جانب نشر الأعمال الإبداعية فى الثمانينيات والتسعينيات، وأصدرت عددًا من الكتب.

وفى نفس فترة الثمانينيات ظهرت أسماء مهمة فى طنطا، حيث قصر الثقافة وبعض المواقع الأخرى، وبعض هذه الأسماء من مدن أو قرى أخرى، ومنهم «عباس منصور، فوزى شلبى، محمد عبدالباسط زيدان، هانم الفضالى، محمد عبدالسميع نوح، السيد الليثى، سوزان عبدالعال، عادل عصمت، محمد السبع، عزت عبدالله، وعزت عبدالعال».. ولحق بهؤلاء «مصطفى منصور، محمد درة، طارق عمار، طارق بركة».. وآخرون. وفى كفر الزيات نشطت حركة الأدب فى بيت الثقافة وخارجه، وتبلورت الصورة مع أسماء تشق طريقها بقوة، ومنهم: «فتحى السيد، الحسينى عبدالعاطى، صبرى قنديل، ماهر نصر، إبراهيم خطاب، ممدوح عبدالستار، محمد أمين صالح، محمد نصر، محمد عزيز، برهان غنيم، وعلى الفقى».. ومعظم هذه الأسماء أصبح معروفًا مصريًا وعربيًا. ومعهم أيضًا مبدعون لهم شهرتهم الأدبية فى مصر والوطن العربى، منهم محمود عرفات؛ وله صالون ثقافى باسمه، والأمير كمال فرج، وأحمد منصور، وعلى حسن، وأحمد البحيرى، وأحمد زايد.. وآخرون.

ثم تأتى حقبة التسعينيات لتكشر عن أنيابها فى التحولات التى ضربت الإبداع والفن عمومًا. ونشطت قصيدة النثر بقوة. ففى المحلة الكبرى ينشط كل من «صالح الغازى، إيهاب خليفة، وليد طلعت، محمد طلبة، محمد داود، عمرو النوسانى، فتحى بكر، ياسر أبو شوالى، ياسين عبده». وفى المحلة ظهرت مجلة «غزْل» التابعة لقصر ثقافة غزل المحلة، و«المحلة الأدبية» التابعة لقصر ثقافة المحلة الكبرى، بل طبع القصران بعض الكتب لبعض الأعضاء. وظهر بعد هؤلاء الأدباء وسام جار النبى الحلو، وتيام الشافعى، وعبدالمنعم الحريرى، وحسن مأمون؛ المشغول كثيرًا لظروفه الخاصة.. وآخرون.

وقد اهتمت ثقافة الغربية بطنطا بإصدار مجلة «كتابات»، ومن بعدها مجلة «أقلام» لتكونا صوت أدباء ومبدعى الغربية. وفى طنطا لمعت أسماء منهم «محمود شرف، هانى عويد، أحمد محى الدين، البيومى عوض، محمد عبدالله الخولى، وحيد زايد، عيد حميدة»، وقد أسس محمود شرف لاحقًا «جمعية شعر» التى أقامت «مهرجان طنطا الدولى للشعر» لثمانى دورات، وقد ألغت أمانة المهرجان الدورة التاسعة عام ٢٠٢٣م؛ تضامنًا مع شعب غزة بسبب العدوان الوحشى الصهيونى عليها.

وإذا نظرنا للمشهد فى الوقت الحالى نجد الحركة الأدبية فى الغربية ثرية تتمثل فى تعدد المواقع، وتنوع النشاط؛ نشاط نادى الأدب بقصر ثقافة المحلة الكبرى برئاسة سامى الرفاعى، ومسرح ٢٣ يوليو بعروضه الفنية المتنوعة، وصالونه الثقافى برئاسة جابر سركيس، وبعض المكتبات العامة، والصالون الثقافى التابع للجمعية الخيرية بقرية مُجُول بأمسياته الثقافية المتنوعة التى تصنع حوارًا مجتمعيًا فى شتى المجالات بإشراف الشاعر محمد الدش. ولمعت أسماء محمد الشهاوى وريم أحمد؛ ولهما صالون ثقافى له نشاطه يسمى «صالون الحضرة»، وحمزة العزونى، ومصطفى تيسير، وسام دراز، وأحمد العزونى.. وآخرون. وفى طنطا نجد قصر ثقافة طنطا ونشاط نادى الأدب برئاسة عمر فتحى، والمركز الثقافى ونشاطه المتنوع برئاسة عزة عادل. ولمعت أسماء محمد سامى، سماح مصطفى، زهرة علام، هانى أبو سنة، كمال إبراهيم، هبة موسى.. وآخرون. وللنقابة الفرعية لاتحاد كتاب وسط الدلتا بطنطا برئاسة د. أسامة البحيرى حضور متميز فى أمسياته المتنوعة، ومؤتمره السنوى بالتعاون مع كلية الآداب جامعة طنطا.

اقرأ من إبداعات الغربية

عبدالمنعم الحريرى يكتب: الطريق

هناء جودة تكتب: عيون زجاجية

هانى عويد يكتب: قصيدتان

وسام دراز يكتب: ندبةٌ زَرقاء

جابر سركيس يكتب: قصص قصيرة جدًا

حمزة العزوبى يكتب: ليسَ علىّ سوى أنْ أكونَ أنا

مصطفى منصور يكتب: عصفور كناريا وحيد

محمد أمين صالح يكتب: أفتح النافذة علّ عصفورًا يقاسمنى الوجع

على حسن يكتب: الخنافس السوداء