الشاعر الكبير أحمد الشهاوي يكتب: لا جِذْرَ لرُوحِى مُرتَبِطٌ بخليجٍ آخر
لا تُوجَدُ بعدَ اليَومِ رِياحٌ أُخْرى
ولا بَابَ هُنَاكَ سيُفتَح
ولا رسْمَ علَى الحَائِطِ
بعدَ تجلِّى الألوانِ معِى
ولا نهْرَ يمُرُّ أمَامِى
سِوى نهْريْنِ اثنيْنِ
أحدُهُما يقرأُ نهْديْكِ
والثَّانِي
يجلسُ فى النَّافذةِ
ويخترِقُ النِّيران
لا وَرْدَ سيُقْطَفُ بعدَ الآن
لأنَّ ذُنوبًا كثُرَتْ من تَكرارِ القَطْفِ
ولم تفلحْ معَها سُوَرُ الغُفْران
لا شَجَرَ يعُضُّ الأرْضَ
ولا جِذْرَ لروحِى مُرتبطٌ بخليجٍ آخر
فأنا أمشِى بينَ ندَاكِ ومائِك
أمحُو لُغةً أخْرَى لا تعْرِفُ أينَاك
وأينَ مَمَرَّاتُ الكهْفِ
وأينَ تعِيشُ قِبابٌ طارَتْ فى البُلدان
ولم تأكُلْ خُوخًا
أو حتَّى شربتْ أحْلامَ الطَّائر.
جِئتُ لأحرُسَ واديكِ ...
أجْمَعُ أشتَاتًا فى بطنِ يديْك
أُوشِمُ نارًا
أطرُقُ بابًا لا عُزْلةَ فيهِ ولا تِيهْ
أطْحَنُ كُلَّ الأسْمَاءِ فى اسمٍ واحدْ
أشرُخُ زهْرَةَ بَعْثٍ
ألقُطُ مِلْحًا من جُرْحٍ
وأعلِّمُ صاحِبَ «ماكبث»
كيفُ يحُطُّ النُّقْطَةَ فى صَحْنِ الحَرْف
وكيف ينامُ الحَرْفُ بلا نُقطٍ فِى السَّطْر
فى أوَّلِ سَطْرٍ بالوَرَقةْ
وليسَ أمامِى إلَّا أنْ أدخلَ بيتَكْ
يتهشَّمُ وجْهِى لو رُحتُ بعِيدًا عن شَمْسِى
أو غسلتْ أرْضِى السَّوداءَ مِياهٌ ليستْ مِنْك
يتولَّدُ صمْتٌ منْ موْجٍ
أنسَى حَرْفِى
ويضِيعُ الشِّعْرُ
أنسِجُ كَتَّانًا مِصْريًّا من بَوْسٍ يبقَى
وأفكُّ طلاسِمَ ما تَرَكَ الأسْلافُ
وأسْعى نحْوَ صفَاكِ
بلا قيْدٍ أو شَرْط
إلَّا أنْ أبقَى فرْدًا فى الحُلمِ
وأسْرِى فى الخَمْرِ
بلا إغلاقٍ للأبواب
أفُكُّ السِّرَّ المأسُورَ
أُطَيِّرُ فِيكْتُورِيَا نحْوَ العُزلةِ
أبقَى فِى التَّارِيخِ الهَازِمَ للمملكَةِ
مكانِى الحُبُّ
أو قُولى
مكانى عَهْدٌ سِرِّيٌّ
بينَ اثنيْنِ اتَّحَدَا فى الحَرْفِ الأوَّلِ للغةِ
أنا المجهُولُ لكُلِّ النَّاس
المعلُومُ لديْكِ
أسقطُ فى البحْرِ كنُقَطةِ حِبْرٍ
يكتبُنِى سمكٌ أحْمرُ
أنظرُ فى الأرضِ
وأحرُثُ قلبَ اللحظَةِ
أصنعُ آنيةً من طِينِ ضِفافٍ أولَى
وأُدافِعُ عن لُغَةٍ تنبُتُ فى الشَّطَّيْنِ
أترُكُ كُلَّ مراكِبِ بحْرِى
كيْ أملأَ قلبَكِ بِي
أعدُو كحِصَانٍ مَرَّ كَنُورٍ
يصْحُو فى خيْطِ قميصِي
ترتاحُ النَّارُ وتبدأُ مُتْعتَها
وبعيدًا ستمُوتُ نجُومٌ
لكنْ يبقَى نَجْمٌ يتسَمَّى بِاسْمِكْ
لا يظْهَرُ إلَّا لِى
لكنْ فى سنواتِ القحْطِ
يظهرُ للنَّاسِ جميعًا
كيْ يمنحَ للكُلِّ البرَكَاتْ
تصْحُو العينانِ منَ البابِ
أوقظُ عِطْرًا نامَ
ويَمُرُّ العَاجُ الأسْودُ فوقِى
كرمَادٍ مُلتَهِبٍ فى المِرآةِ
يجرِفُنى ماءٌ
لا أعرفُ منبعَهُ إلَّاكِ.
من ديوانٍ جديدٍ للشَّاعر يصدرُ قريبًا باسم "أتحدَّثُ باسمِكِ ككَمَان"