الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

هل يخلق الفائزان بـ«نوبل الفيزياء» آلات «أذكى من البشر»؟

حرف

حصد البريطانى الكندى جون هوبفيلد، والأمريكى جيفرى هينتون، جائزة «نوبل» فى الفيزياء، عن اختراعهما فى مجال «تعلّم الآلة»، الذى بقدر ما يعد ثورة فى التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعى، ويعتبر أيضًا مصدرًا للقلق فى المستقبل، وهو ما ألمح إليه مقدما الجائزة، بل ويعد رأى أحد الفائزين أيضًا.

عن اختراع «تعلّم الآلة»، أو كيفية «جعل الآلة تحاكى الدماغ البشرية فى التعلم»، الذى حصد جائزة «نوبل» فى الفيزياء هذا العام، نشرت مجلة «Nature» العالمية الرائدة مقالًا لكل من إليزابيث جيبنى ودافيدى كاستيلفيتشى، تترجمه «حرف» فى السطور التالية: 

أعصاب اصطناعية

استخدم العالمان الفائزان بجائزة «نوبل» فى «الفيزياء» هذا العام أدوات الفيزياء لتطوير أساليب تدعم الشبكات العصبية الاصطناعية، لتجعلها تعتمد على هياكل مكونة من طبقات مشابهة لتلك الموجودة فى الدماغ البشرية لتعلم المفاهيم المجردة.

وخلال الإعلان عن الجائزة، قالت إلين موونز، أستاذة «الفيزياء» فى جامعة «كارلستاد» السويدية، رئيسة لجنة «نوبل» للفيزياء، إن الاكتشاف الفائز يُشكل اللبنات الأساسية لـ«تعلم الآلة»، ما يساعد البشر على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر موثوقية، مشددة على أن «الشبكات العصبية الاصطناعية ساعدت على تقدم أبحاث فى مجالات فيزيائية مختلفة، تشمل فيزياء الجسيمات وعلمى المواد والفلك».

فى عام ١٩٨٢، ابتكر جون هوبفيلد، وهو عالم بيولوجى نظرى لديه خلفية فيزيائية، شبكة تصف الروابط بين الخلايا العصبية الافتراضية على أنها قوى فيزيائية. ومن خلال تخزين الأنماط فى حالة منخفضة الطاقة داخل هذه الشبكة، يستطيع النظام إعادة إنشاء هذه الأنماط، عندما يُحفز بشىء مشابه.

وعُرفت هذه الطريقة المبتكرة من قبل «هوبفيلد» باسم «الذاكرة الترابطية»، لأن كيفية استرجاع المعلومات فيها تشبه الطريقة التى يحاول بها الدماغ البشرى تذكر كلمة أو مفهوم بناءً على معلومات ذات صلة.

أما جيفرى هينتون، وهو عالم كمبيوتر، فاستخدم مبادئ «الفيزياء الإحصائية»، المتعلقة بالأنظمة التى تحتوى على عدد كبير من الأجزاء التى يصعب تتبعها بشكل فردى، ليطور ما يعرف بـ«شبكة هوبفيلد». ومن خلال إضافة الاحتمالات إلى نسخة من الشبكة متعددة الطبقات، أنشأ أداة يمكنها التعرف على الصور وتصنيفها، أو إنشاء أمثلة جديدة من نفس النوع الذى تدربت عليه.

هذه العمليات تختلف كليًا عن أنواع الحوسبة السابقة. ففى هذه العمليات استطاعت الشبكات التعلم من الأمثلة، بما فيها البيانات المعقدة. فى حين أن البرامج التقليدية التى تعتمد على الحسابات خطوة بخطوة، تجد صعوبة فى التعامل مع مثل هذه البيانات.

ثورة صناعية جديدة 

فى اتصال هاتفى خلال إعلان جائزة «نوبل»، قال جيفرى هينتون إن معرفته خبر فوزه بالجائزة كان أشبه بـ«صاعقة من السماء». وأضاف: «أنا فى حالة من الذهول، فلم أتوقع حدوث هذا»، مشددًا على أن «التقدم فى تعلم الآلة سيكون له تأثير كبير، تأثير مماثل للثورة الصناعية. لكن بدلًا من أن تتفوق على البشر فى القوة البدنية، ستتفوق عليهم فى القدرات العقلية».

وفى السنوات الأخيرة، أصبح «هينتون» من أبرز الأصوات المطالبة بفرض ضوابط تتعلق بالذكاء الاصطناعى. وقال فى تصريحات سابقة إنه صار مقتنعًا بأن «الحوسبة الرقمية» أصبحت أفضل من الدماغ البشرية، بفضل قدرتها على مشاركة التعلم من نسخ متعددة من الخوارزميات التى تعمل بالتوازى. 

وأضاف الفائز بـ«نوبل الفيزياء»، أثناء حديثه افتراضيًا فى «قمة الذكاء الاصطناعى» بمدينة جنيف السويسرية، مايو الماضى: «هذا ما جعلنى أفكر فى أن هذه الأنظمة ستكون أكثر ذكاءً منا بوتيرة أسرع ما كنت أعتقد. حتى تلك اللحظة، قضيت ٥٠ عامًا أفكر أنه إذا تمكنا فقط من جعلها أكثر تشابهًا مع الدماغ، فستكون أفضل».

وفاز جيفرى هينتون بجائزة «A . M . Turing»، فى عام ٢٠١٨، وهى جائزة مرموقة فى علوم الكمبيوتر، إلى جانب حصوله أيضًا على العديد من الجوائز المرموقة فى الفيزياء، بما فى ذلك ميدالية «ديراك»، عام ٢٠٠١.

من جهتها، تقول ماى بريت موزر، عالمة الأعصاب فى جامعة النرويج للعلوم والتكنولوجيا الحائزة على جائزة «نوبل» فى علم وظائف الأعضاء «الطب» عام ٢٠١٤: «لقد استفادت البيولوجيا من هذه النماذج الاصطناعية للدماغ. لذا كنت سعيدة جدًا عندما شاهدت إعلان الفائزين بجائزة نوبل فى الفيزياء هذا العام».

وأضافت «موزر»: «نسخ من نماذج شبكة هوبفيلد كانت مفيدة لعلماء الأعصاب، فى دراسة كيفية عمل الخلايا العصبية معًا فى الذاكرة. كما أن نموذج هوبفيلد، الذى يصف الذكريات كنقاط على سطح، يساعد الباحثين فى تصور كيفية تثبيت واسترجاع بعض الأفكار أو القلق فى الدماغ»، متابعة: «أحب استخدام هذا كاستعارة للتحدث مع الأشخاص عندما يكونون حائرين».

وأتمت بقولها: «علم الأعصاب اليوم يعتمد على نظريات الشبكات وأدوات تعلم الآلة، التى اخترعها هوبفيلد وهينتون، لفهم ومعالجة البيانات من آلاف الخلايا فى الوقت نفسه. إنها مثل الوقود لفهم الأشياء التى لم يكن بإمكاننا حتى أن نحلم بها عندما بدأنا فى هذا المجال».

أما إيف ماردير، عالمة الأعصاب فى جامعة «برانديس» الأمريكية، فقالت إن «استخدام أدوات تعلم الآلة له تأثير لا يقدر بثمن على تحليل البيانات، وفهمنا المحتمل لكيفية عمل دوائر الدماغ فى الحساب».