الجمعة 18 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

النساء.. حرب فيتنام بعيون ممرضة أمريكية

حرف

- «فرانكى» تخصصت فى التعامل مع الإصابات الخطيرة

نجاح كبير حققته رواية «النساء»، من تأليف الكاتبة الأمريكية كريستين هانا، لتتصدر قوائم أفضل الكتب مبيعًا فى الولايات المتحدة، ومن بينها قوائم صحف «نيويورك تايمز» و«إندبندنت» و«واشنطن بوست» و«لوس أنجلوس تايمز»، وغيرها الكثير. وكتب بياتريس ويليامز مراجعة نقدية لرواية «النساء»، فى صحيفة «نيويورك تايمز»، تترجمه «حرف» لقرائها فى السطور التالية، خاصة مع تحولها إلى فيلم سينمائى قريبًا.

بعد قراءتى بضعة فصول من رواية «النساء»، تأليف كريستين هانا، انتابتنى حالة شبيهة بـ«ديجا فو»، أو استعادة الذكريات، ليس فقط لتذكّرى مشروب «تاب» أو حتى «بلسم الشعر»، لكن لو أنك ترعرعت خلال فترة الثمانينيات، لحُفرت فى ذاكرتك قصة الحرب الفيتنامية، بفضل مجموعة من الروائيين والمخرجين الشباب، الذين كانوا يحاولون التعايش مع صدمتهم الكبرى، بشأن البراءة الوطنية التى دمرتها حرب الغابات الوحشية، والعودة للوطن إلى أمة معادية، وهاوية اليأس والإدمان، وأخيرًا، القدرة على الشفاء المستمدة من النشاط.

تلك هى سردية الأجيال التى رويت وأعيدت روايتها فى أعمال كلاسيكية، مثل روايتى «وُلدَ فى الرابع من يوليو» و«الأشياء التى حملوها»، وأغنيات جيل موسيقى الـ«بيبى بومر» و«صرخات القلب الوطنية».

وتتناول كريستين هانا ملحمة فيتنام، وتعيد التركيز على القصة من جديد، لكن من خلال تجربة النساء فى هذه الحرب، عبر تناولها فى الرواية قصة الممرضات الحربيات، اللاتى عملن فى ميادين المعارك تحت النيران، وفى القواعد العسكرية والمستشفيات الميدانية، ومحاولاتهن لإنقاذ حياة الجنود، نجحن أو لم ينجحن فى ذلك.

فى بداية الرواية، ستأسرك الإيقاعات المألوفة، عام ١٩٦٦، بعد أن يغادر شقيقها الأكبر المحبوب إلى مهمة «سهلة» على متن سفينة، تقرر فتاة مدللة من مدينة «سان ديجو»، تدعى «فرانسيس مكجرايث» أو «فرانكى» الالتحاق بالجيش للعمل كممرضة حربية.

التحاق «فرانكى» بالجيش جاء بعدما أخبرها صديق أخيها بأنه «يمكن للنساء أيضًا أن يصبحن بطلات»، ورغم استقبالها الحديث بضحكات مرحة، لم يتقبل والداها اللذان دائمًا ما يكبتان مشاعرهما المسألة بنفس مرح الفتاة. 

بعدها تجد «فرانكى» نفسها فى تلك البلاد دون تدريب كاف، فقد تعلمت الأساسيات من ممرضات مخضرمات ذوات خبرة، وأطباء رجال متأثرين بالمعارك، وهم من دفعوها لتجاوز مخاوفها بالصرخات التشجيعية المستمرة: «اللعنة، مكجرايث! ليس لدينا وقت للخوف» و«أنت جيدة بما فيه الكفاية، افعليها!».

وبالفعل كانت «فرانكى» مميزة، ففى غضون أشهر أصبحت ممرضة خبيرة، تخصصت فى التعامل مع الإصابات الخطيرة، مثل إصابات البطن الرهيبة، وإصابات «النابالم»، بشجاعة ورحمة، كما صارت تغضب من مشاعر اللا مبالاة الساذجة لعائلتها وأصدقائها فى الوطن، وتجذب، وعلى نحو غير متوقع، رجالًا وسيمين معذبين ومتزوجين. 

تُظهر الكاتبة الأمريكية كريستين هانا أفضل ما لديها فى هذه الرواية، وتتمكن من إغراق القارئ فى تفاصيل المآسى الفوضوية لميادين القتال، توظف التفاصيل بدقة، مثلما وصفت «فرانكى» وهى تجرى عملية طارئة «ثقب القصبة الهوائية»، أثناء هجوم قذائف الهاون، كذلك فى مشهد تناولها مشروب «الفريسكا» داخل نادى الضباط، بعد العملية، وفى الخلفية تُعزف أغانى مؤثرة لفرقة «ذا دورز» و«البيتلز». تصدح الموسيقى، بينما هى تشعل سيجارة، وتنغمس فى ذكريات الوطن، على وقع أنغام أغنية «أريد أن أمسك بيدك».

تكمل «هانا» الحبكة المحكمة بمشاهد تحليق طائرة هليكوبتر من طراز «هيوى» فوق الغابات، وتسقطها نيران القناصة، لتجتاز بعدها دلتا نهر «ميكونج»، على زوج من زلاجات الماء.

كُتبت المشاهد التاريخية بصدق وجدية تجعل بعض الفلسفات والعبارات فى الرواية التاريخية مثل «فرقة الفتيات» تعيدنا إلى الحاضر، تمامًا كما حدث فى أسماء الطفلين «كايلى» و«برادن»، فالكاتبة تُحدث صدمة بسبب الطريقة المقنعة التى تعيد بها تشكيل العالم. 

لكن تكمن قوة كريستين هانا الحقيقية فى قدرتها على نقلك من فاجعة لأخرى، ففى بعض الأحيان من شدة الفواجع، تجعلك كمن ينظر إلى أمر مرعب من بين أصابعه، ولو أن القصة فقدت بعض الزخم، بعدما أكملت «فرانكى» مهمة عملها الثانية فى التمريض الحربى، وعادت بعدها إلى الوطن.

فى النهاية، لم يلفت انتباهى كيف تعيد رواية «النساء» تشكيل الخطوط العريضة فى سردياتنا عن حرب فيتنام بشكل جذرى، بل ما لفت انتباهى هو كيف تؤكد الرواية هذه الخطوط بطريقة حيوية وبارزة. 

ربما لم تقدم «هانا» أى رؤى ثورية عن الحرب وتداعياتها، لكنها تضم النساء إلى هذه التجربة بإقناع مؤثر، عندما حكيت لابنتى الجامعية عن رواية «النساء» فى إحدى الليالى، وهى شابة مهتمة بالثقافة، بدت متحمسة جدًا، وقالت: «حرب فيتنام! نحن لا نرى الكثير من هذه الأعمال».