يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات من الجامعات (7)

يا عندليب ما تخافش من غنوتك
قول شكوتك واِحكى على بلوتك
الغنوة مش ح تموتك.. إنما
كتم الغنا هو اللى ح يموتك!
فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.
جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ.
فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».
جامعة عين شمس.. ياسين الحضرى يكتب: حقيقة ميدان العباسية

مريت على حزنى الليلة دى.. مرّ فوقى!
زارع هزايمى بإيدى ودا وقت الحصاد
الليل مطب لكل طير ملهوش جناح
والذكرى بالمرصاد!
الرمح حدفه الهَم على قلبى النشان
الحيطة ليها سهام بتِرشَق.. مش ودان
وأنا زى عادتى كل ليل بتصاد
--
ملّيت من الحزن وقساوته وغربتى
خطّيت خرجت أفلسف الدنيا
باب أوضتى فاصل..
بين مرار العزلة وحلاوة الهروب
بين هموم مركونة وهموم لسة طازة
إيه اللى ممكن يبسطك؟
وأنت اللى حزنك تم ٦سنين
أنت اللى خوفك دم فى الشرايين
أنت اللى أوضتك..
جوا قبر وميّتين.. برا بيأدوا الجنازة
لما بخرج م الممر بكون كأنى
طيارة بدأت رحلة، خارجة من مطارى
السلالم مش سلالم لما ننزل
كل درجة نزلتها.. «هبوط اضطرارى»
باب العمارة وهو بيخرجنى لامنى
قالى فينك يا اللى غايب عن نهارى!
بصيتله بصة فهمنى عيط باظ دهانه
وضحكلى قايل «شوفت لأجلك..
بان صدايا وبان سمارى!»
ودّعته ثم مضيت أفلسف فى اللى باقى
تنينات الخلق ماشية كأنها ليلة اللُقا
بصة تحت وبصة فوق..
كل دى حبال مشنقة!
الخلق ليه شانقة الهدوم!
الهموم طافحة ليه ع الأرصفة!
شوفت هاجر ساعية بالمناديل تبيعها

ساعية بين الناس عشان
القاهرة مفيهاش جبال «مروة وصفا»!
على جنب شوفت عجوز بيقرا الورد
كل أما بطنه تعلّى صوتها يعلّى صوته
قدام على الكراتين.. شاب بـسجارة
بيشد فيها عشان يسرّع وقت موتُه
وسألت نفسى:
إيه اللى ممكن أفلسفه ويا اللى فاتوا؟
خلق مثلًا فــ المطاعم، والقهاوى، والمولات؟
شامبو فوق معرض فى لوحة إعلانات؟
بنت حلوة فى عينها دمعة وِحدة زيى؟
طفل بردان عدّى جنبى إديته صبرى؟
إيه اللى ممكن أفلسفه؟
ملقيتش!
فرجعت تانى لعزلتى وسكنت قبرى!
جامعة الإسكندرية.. إبراهيم ملكوت يكتب: الطَّرِيق

لِلْآنَ حُزْنِيَ لَمْ أُكْمِلْ مَسِيرَتَهُ
لِحَدِّ أَنْ لَوْ حَكَوْنِي
كُنْتُ سِيرَتَهُ
كَشَاعِرٍ ظَلَّ يَحْفَىٰ فِى قَصِيدَتِهِ
وَلَمْ يَجِدْ مَدْفَنًا إِلَّا قَصِيدَتَهُ
أُسَائِلُ الْقَلْبَ «هَلْ أَمْشِى؟»
يُجِيبُ: «نَعَمْ»
وَمُذْ مَتَى الْبَحْرُ لَمْ يُضْلِلْ سَفِينَتَهُ؟!
لَكِنْ عَلَى اللّهِ مَاشٍ فِى دُجَىٰ حَزَنِى
مُنَاغٍ الرُّوحَ؛ تَنْوِيرًا مَتِيهَتَهُ
كَسَاحِرٍ يَتَمَطَّىٰ- كَالنُّجُومِ- عَلَى الْمِيَاهِ
حَتَّىٰ لَنَحْجُوهَا أَرِيكَتَهُ
وَكُلَّمَا سِرْتُ حُزْنِى عُدْتُ كَرَّتَهُ
كَأَنَّنِى صِرْتُ فِى تِيهِى رَهِينَتَهُ
كَعَابِرٍ سُكْرَهُ أَوْ عُمْرَهُ مَثَلًا
كَطَائِرٍ طَارَ لَكِنْ يَا خَطِيئَتَهُ
فِى الْحُزْنِ لَا فِى اجْتِرَارِ الْحُزْنِ تَهْلُكَةٌ
فَكَيْفَ كَيْفَ بِتَكْرَارِى طَرِيقَتَهُ؟!
وَحْدِى كَأَنِّى طَرِيقٌ دُونَ مَارَّتِهِ
وَإنَّ حَوْلِىَ مِنْ مَوْتِى دَلِيلَتَهُ
فَلَوْ أَرَى الْمَوْتَ فِى مَقْهَى الْحَيَاةِ مَعِى
وَلَّعْتُ مِنْ فَحْمِ قَلْبِى نَارَجِيلَتَهُ
لِيَشْهَقَ الرُّوحَ مِنْ دُنْيَا تُكَدِّرُهَا
وَيَزْفِرَ الرُّوحَ كَىْ تَرْقَىٰ سَكِينَتَهُ
لَكِنَّ «لَوْ»- نَظَرًا لِلْحُزْنِ- كَاذِبَةٌ
لِذَا أَنَا مَنْ رَنَا إلَّا هَزِيمَتَهُ
أَسِيرُ دُونِى..
كَأنَّ الرُّوحَ أُغْنِيَةٌ وَالْجِسْمُ أَطْرَشُ
رُمْتُ الْحُبَّ سِيمَتَهُ
لَكِنَّنِى الْجَوْرَبُ الْمَقْطُوعُ
يَلْبَسُنِى حُزْنِى
وَتَكْشِفُ دَمْعَاتِى سَرِيرَتَهُ
نِيًّا عَلَىٰ سُفْرَةِ الْأَيَّامِ كُنْتُ أنَا
وَالْكُلُّ يَقْطَعُ مِنْ قَلْبِى شَطِيرَتَهُ
يَا نَاسُ..
أَنْتُمْ رَصَاصُ الْحُزْنِ يُرْشَقُ بِى
وَكُلَّمَا مِتُّ جَدَّدْتُم ذَخِيرَتَهُ
كَأَنَّنِى هَدَفٌ حَيْرَانُ
ذَاتَ دَدٍ
قَنَّاصَةٌ عَالَجَتْ بِالْمَوْتِ حَيْرَتَهُ
مَا زِلْتُ أَمْشِى..
وَرُوحِى فِىَّ تَائِهَةٌ
يَوَدُّ قَلْبِىَ لَوْ كَانَتْ غَرِيسَتَهُ
أَهْذِى، أَهِيمُ احْتِبَاءً،
أَسْتَفِيقُ عَلَىٰ وَهْمِ الْمَمَاتِ،
فَأَرْجُوهُ حَقِيقَتَهُ
أَقُولُ «يَا لَيْتَنِى..»
وَالْـ «لَيْتَ» كَافِيَةٌ
فَرُبَّمَا قَدْ كَفَىٰ- مَنْ يَشْتَكِى- عَتَهُ
مِنْ يَوْمِ مَا جِئْتُ للدُّنْيَا الْقَصِيدَةِ
مَا ارْتَجَيْتُ مِنْ بَحْرِهَا إِلَّا جَزِيرَتَهُ
وَكُلَّمَا مَوْجُهَا النَّارِيُّ طَوَّحَنِى
لَمْ أَلْقَ يَا رَبِّ حِضْنًا لَوْ سَعِيرَتَهُ
مَتَاهَةٌ هَذِهِ الدُّنْيَا،
فَهَلْ عَبَرُوا الْمَوْتَىٰ..
أَمِ الْمَوْتُ خَلَّاهَا حَبِيسَتَهُ؟
أَرَى الْمَمَاتَ سِرَاجًا
آخَرَ النَّفَقِ المَدْعُوِّ «حُزْنِى»
لَعَلِّى اجْتَزْتُ ضِيقَتَهُ!
أُضَفِّرُ الشِّعْرَ يَأْسًا حَاضِنًا أَمَلًا
وَالْحُزْنُ يَحْلِقُ مَبْسُوطًا ضَفِيرَتَهُ
مَا أَغْرَبَ الشِّعْرَ!
كَيْفَ اسْتَنْظَرَ الْأَجَلَ الْمَحْزُونَ يَحْضُرُ؟!
مَا أَنْكَىٰ بَصِيرَتَهُ!
فَالْآنَ هَذَا جِرَابُ الْمَوْتِ
حَيْثُ أَنَا الْجَوَّالُ
حَتْمًا سَأَبْقَىٰ فِيهِ جِيفَتَهُ
مَوْتِى الْفَرِيضَةُ وَالدُّنْيَا النَّوَافِلُ
مَنْ قَامَ النَّوَافِلَ وَاسْتَثْنَىٰ فَرِيضَتَهُ؟!
فَرُبَّمَا فِى مَمَاتِى رِحْلَةٌ خَلَصَتْ
لَكِنَّ فِى ذَيْلِهَا الْأُخْرَىٰ ضَرِيبَتَهُ
فِى هَذِهِ الْحَالِ..
جِسْمِى.. الرُّوحَ طَيَّرَهَا
وَيُودِعُ الأَرْضَ- لَا يَبْغِى- حَقِيبَتَهُ
لَكِنْ مَجَازَاتُ مَوْتِى وَاحَةٌ
فَأَنَا لِلْآنَ حُزْنِىَ لَمْ أُكْمِلْ مَسِيرَتَهُ.
جامعة الإسكندرية.. ياسمين محمود تكتب: أنا مش نبى

الليل..
قرَّر يجينى الليلة بدرى
وأنا خوفى منُّه فـ كل ليلة يزورنى فيها..
خلَّانى أطوِّل فِـ النهار
وأكره غروب الشمس لو هتسيبنى وحدى
فيه ما بينى وبينى ألف خلاف
والليل بيرفض حلُّهم ودِّى
فـ إزاى هواجه؟
وإزاى هحط عينيا فِـ عينيا
وأنا كل درس من الحياة علمنى أهرب
وأنا كل درس من الحياة علمنى أخاف؟!
لكن شعورى المرة دى كان فيه اختلاف
--
معرفش ليه سِبت النهار يمشى فِـ معاده
بطأت دقة قلبى من خوف الليالى
خاف القمر؛ لأحسن أنام
ساب السما تضلم وجالى
ركع الجبل؛ علشان أشوفه اتساوى بيَّا
مشهد عظيم!
بعد أما كان الخوف حاضنِّى..
مع كل حبة رمل وقعت مِ الجبل
كان خوفى بيودَّع إيديا!
--
ادَّانى موسى عصاه أَتوَكَّأ عليها
فضربت بيها البحر فاتحوِّل لكَفّ
فكَّرته هيردّ القلم.. طبطب عليَّا!
واتسخرت كل الحاجات من أجل سهرى..
فسهرت لمَّا لقيت..
نظرة عيون الليل بتغرينى
وبرغم كل محاولات الليل غمَّضت عينى
فَهزِّنِى!
كان فيه فـ قلبى عقدة خايفة واتعقدت..
أوِّل ما قال لى: «اتطمِّنِى»
أوِّل ما شافها الليل عايرنى
بقا يعنى طول العمر مآمنة للدنيا..
جاية النهاردا تخَوِّنى؟!
--
فاستبحت معاه الكلام والأسئلة..
يا ليل..
لو كنت عِشت العمر خايف
هتجيك منين الفكرة تبحث عن أمان؟
احتياجك نحو شىء مجهول شعوره تحِسُّه ليه؟
لو عِشت عمرك كله متعَرى..
السّتر هيفيدك بإيه؟
لمستنى إيده الناعمة فابيضِّت إيديَّا
ألقى على وشى القميص فارتدّ لى بصرى..
وفضلت مش شايف!
--
الليلة دى..
أنا شوفت كل الأنبيا فى روحى
والوحى كان الليل..
عمَّال يملينى الأمان
وأنا مش نبى..
فـ فضلت خايف!
وشايفنى واقف فى المراية اتنين
فيه خدّ .. كفّ الدنيا لسة معَلِّمُه
والتانى نفس الدنيا بتبوسنى!
فيه عمر كامل.. رفضتنى فيه التجربة
مش عارفة أصدق تجربة تعوزنى!
--
الصبر مفتاح..
إنّ أنا من بعد ما أصبر..
أنسى كان الصبر ليه
والضلمة لو سكنت عينيَّا..
طبيعى هنسى النهار كان شكله إيه!
معرفش أواجه.. أعرف أتأقلم
وأعرف أخاف م الحاجة وأهرب مِنَّها
معرفش أغيَّر سِكَّة تجرح خطوتى
بس أعرف أوهم روحى إنى هحبَّها
وأنا خدت ع التوهان فى ضفاير الدنيا..
دلوقتى جاية الدنيا تفرد شعرها!
--
والوحى نازل يختم الآية الأخيرة
لو كنت عارف إنى متحمِّل رسالة
أنا كنت هعبد ربنا لوحدى!
لو كنت أيوب..
أنا كنت مش هصبر
كل ما الوحى يلاحقنى..
أنا كنت هعمل نفسى مش شايف
مين اللى يستطعم عسل..
من بعد مرّ الصبر إلا إن كان نبى؟!
وأنا مش نبى..
أنا لسة خايف!

جامعة الإسكندرية.. ياسمين خيرى تكتب: أنوار مبانى القاهرة

سايق عَجَلته بصحته وسايب إيديه..
مفكوكة سيرها من الجادون ماوقعش ليه؟!
بستان ضفاير محلولين ما يكفى وصفُه
أنوار مبانى القاهرة اجتمعوا فى عينيه
ابن اللذينا اللى اسمه إيه..
خَبَط اللى باقى فى مُهجتى..
وقَّع حاجات المدرسة ع الأرض
واقف وصالب طوله ع الأيام
الغمزات أنا قلبى شافها اتخض
ضحكةْ شفايفُه الشمس لما تهل
مين اللى قال إن الضُحى مش فرض؟
أيوووووه يا أبويا الواد عينيه على حق
الشمس طالعة جفونه أهى بتتشق
بالله أمِنت وبالهوا والريف
أما العيال القاهروية دى لاء
أُعجبت بَرْضَك.. مش هقول حَبيت
باين فى هيبته ومشيته؛ شاب بيت
أنا جِيت اهزَّر بس وَيًّا البيه
وَطَّالى يسمع كلمتي؛ شَبِيت
بَردَانَة لكن بَتقرص م الدفا
شَكيت فى عينُه بس شَكى اختفى
جعانين بناكل كُلنا البطيخ
بنحب طعمه ونِكره التَفْتَفة
بس اللى دوخ قلبى؛ دق الدُف
عينه اللى والعة مهما تعمل هُف
جِدعان كتير دخلوا المكان ما رأيت
دخل الجدع الكلمة طلعت أوف..
لو بس بص فى عينى وقت ما جِه
كان يفهم إن القتل مش بالطَلق
شاهد لزور كان ماشى فى حياتُه
أول ما شافُه.. راح شَهَد بالحق
مضطَّرة أقُول مع إنى بهوى الصمت
نِصدَق ونِلبِس.. بس نِكدب لاء
عارفين بحبه...
سِر مش هنقول
فتانة بس قصيدتى ستر وغطا
الواد بِهيئةْ شب عرض وطول
رَفَع السيوف ع القلب جانى وِسطا
حبَاك تقولى.. إن عينى دليل
الحُب بَرْضَك يبقى أخد وعطا
آدى القصيدة سِمعتها مَطروب
بَص فى عيونى جَعلنى أحب وأدوب
عِشت اللى عِشتُه من خَيال ويَّاه
بَصيت فى إيدُه.. قام طلع مَخطوب!!