أدباء من دمياط.. مثلث البحر والنهر والبحيرة
ميزت الحركة الأدبية بدمياط بما تتميز به الشخصية الدمياطية من الجدية والاستقامة والإخلاص فى العمل واحترام الآخر، وخصوصيته الذاتية والأسرية وتقديس الأسرة وترابطها، ومع كل ذلك يحرص الدمياطى على استقطاع وقت للراحة والاستمتاع بإجازته وهواياته.
تلك الشخصية الجادة المنضبطة المتمسكة بالقيم الاجتماعية والأخلاقية هى نفسها شخصية الأديب والكاتب والفنان التى خبرتها منذ انتمائى للحركة الأدبية فى جماعة رواد الأدبية فى دمياط عام ١٩٦٤، ولقائى بمؤسسيها الشاعر محمد النبوى سلامة، والقاص مصطفى الأسمر والشاعر كامل الدابى، والقاص الطليعى يوسف القط، والشاعر السيد الغواب، والكاتبين محمد كمال محمد وإمام الصفطاوى، والكاتب المسرحى محمد أبوالعلا السلامونى، والمسرحى يسرى الجندى، والمسرحى عبدالغنى داود، وهم ما أسميناه جيل الرواد ليلحق بهم فى موجة تالية محمد العتر، وعبدالقادر السالوس ومحمد أبوسعدة، والقطب السالوس.
يأتى بعد ذلك جيل اليسار: أنيس البياع وطاهر السقا والسيد النماس والسيد الجنيدى ويسرى الجندى، وبشير الديك وحسام أبوصير، لتأتى بعد ذلك الطفرة الإبداعية الحقيقية فى ظل أزمة النشر فى السبعينيات والتغلب عليها بطباعة الماستر، ولتصبح دمياط الرائدة بمؤسسيها «الرواد»، ومجلتهم التى حملت نفس الاسم، وأصدرت عشرات الأعداد، منها أعداد خاصة بالقصة، وأعداد خاصة بتكريم الشخصيات، والتى بدأت أعدادها الأولى عام ١٩٦٣ وعادت فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، ولحقتها مجلة «عروس الشمال»، وكان فرسان تلك المرحلة بجانب من ذكرت مصطفى العايدى وسمير الفيل، ومحسن يونس ومحمد علوش، ومصطفى كامل سعد، وأحمد عبدالرازق أبوالعلا ومحمد الشربينى، وأحمد الشربينى ومجدى الجلاد.
يأتى بعد ذلك جيل من الموهوبين، فكرى داود وضاحى عبدالسلام وأحمد راضى اللاوندى وأحمد زغلول الشيطى، وحلمى ياسين ومحمد الزكى، وناصر العزبى، والسيد عامر وصلاح مصباح، وأيمن الأسمر وأبوالخير بدر وأشرف الخريبى، والأخوان أحمد عفيفى وصلاح عفيفى ثم تقى المرسى، وعفت بركات وصلاح بدران والدكتور أحمد بلبولة، والروائى محمد بركة والقاص الدكتور شريف صالح.
وكذلك الكاتبة القصصية وداد معروف، وناهد درغام والشاعر محمد صلاح الزهدانى، والشاعر أيمن عباس والشاعر والروائى أشرف الخضرى والقاص السيد شليل والقاص عابد المصرى، والشاعر والناقد محمد طاهر والشاعر عبدالرحمن مقلد، وسامح الحسينى، ومحمد التونى وأمل البرمبالى وهبة السويسى وفيفى فاروق وجيهان عوض البنا ومنى عوض البنا ومها الخواجة ونهى مرجان وصفاء الدمهوجى ودعاء زيان والشاعر المجدد محمد توفيق لبن والشاعر حسن طرابية والشاعر يوسف العزب، والشاعر حسام إبراهيم والشاعر عبده شتيوى.
وبالتأكيد ما ذكرت على سبيل المثال لا الحصر، فكل مركز بالمحافظة به نادى أدب، وكل نادى أدب به أدباء متحققون.
نعود للسبعينيات واستحكام أزمة النشر لتتحول مجلة «رواد» إلى نافذة نشر عامة على مستوى أقاليم مصر والتى كان يحررها مصطفى الأسمر فى البداية، ويتلقى الإبداعات من الصعيد والقاهرة والوجه البحرى بجانب إبداعات أدباء وكتاب دمياط، وكانت فى إصدارها الثانى فى السبعينيات تضاهى وتغطى الفراغ الذى تركته مجلة «سنابل» التى صودرت بنشرها قصيدة «الكعكة الحجرية» لأمل دنقل عام ١٩٧٠.
ما أريد أن أركز عليه هنا هو أن الحركة الأدبية بدمياط كانت بجهود أدبائها الموهوبين الجادين، وأن المؤسسة التى احتضنتهم كانت مجرد مقرات رسمية لم تستطع تدجينهم بإشاعة أن دمياط حركة أدبية دون مبدعين لينسب النشاط إلى المؤسسة، النشاط الذى ولد على يد أدبائها الكبار من الرعيل الأول للرواد الذى أشرت إليه.
إن ما يميز أدباء وكتاب دمياط هو خصوصية وفرادة الموهبة، لا أحد يقلد أحدًا، ولا يستنسخ أحدًا، لكل قاص بصمته وتوجهه ومذاقه وعالمه، فقصص مصطفى الأسمر الواقعية والتجريبية والفانتازية فى مراحله المتعددة تختلف تمامًا عن قصص وروايات محسن يونس الطليعية، والتى تنحت لغتها الخاصة بواقعية سحرية شعبية، وتختلف عن قصص سمير الفيل التى تغترف من الشارع والحارة الدمياطية بخصوصيتها وحيويتها وجديتها وصرامتها الضاحكة المبكية المحبة للحياة، رغم شظفها وقسوتها.
بل إن قصص الصراع الطبقى عند حسين البلتاجى ودراميتها تختلف عن قصص أحمد زغلول الشيطى التى تعمد لاقتصاد اللغة، وكتابة المحذوف وسرد الشخصيات فى رائعته «ورود سامة لصقر»، كذلك تختلف لغة فكرى داود التى تحفر لغتها الخاصة بالقرية والطفولة والغربة التى عمقت تجربته بخصوصية المكان، والشخصيات العابر منها، والمقيم، وكذلك فعلت عزة بدر ابنة دمياط «فى ثوب غزالة»، ثم حلمى ياسين، ولغته الشعبية وشخصياته عن الحارة الدمياطية المغرقة فى محليتها، والتى تختلف عن نصوص صلاح مصباح الصوفية الروحانية التى تقف على حافتى السرد/ الشعر فى لغة إشارية مكثفة موحية.
وكذلك الأمر بالنسبة للشعر، حيث قصائد أنيس البياع الغنائية، خطابية النبرة تختلف عن قصائد السيد النماس الموغلة فى التجريد، وحتى عندما اقترب من الواقعية كان توصيفيًا، ولعب مصطفى العايدى على جماليات اللغة والمحسنات مع محاولات الخروج التى راوحت بين النثرى والتفعيلى ليعود إلى الكلاسيكية الروحانية، فى حين ينزع عيد صالح إلى الانعتاق بالقصيدة بسرديتها واستبطاناتها، ومنولوجاتها موغلًا فى قصيدة النثر متحللًا من نمطية الصورة والإيقاع، مُركزًا على الدراما والصور الكلية وفانتازيا الواقع وغرائبيته، نفس الأمر بشعر العامية منذ محمد النبوى سلامة وأغنياته للإذاعة إلى محمد الزكى وتجربته الخاصة جدًا فى شعر العامية، والتى هى مزج لكل أنواع الشعر العامى فى صياغات وأجواء سحرية جديدة على قصيدة العامية، وكذلك ضاحى عبدالسلام وكان من أوائل الذين طعموا العامية بالفصحى مزجًا وتناصًا ثم قصائد أبوالخير بدر التى تتغنى بالأرض فى سرديات درامية عذبة.
وتظل الأقاليم المظلومة والمحرومة بسبب تنائيها من الوجود فى بؤر الضوء والانتشار والتى استسلمت لمظلوميتها، حيث الصراع الشرس على الحضور فى دوائر الضوء التى غالبًا ما تنفثئ كفقاعات، ويحل الظلام وينزل الستار والنسيان على كل ما هو زائف.. وهناك فى الأفق البعيد، يشرق الصباح من جديد..!!