فاطمة ناعوت تكتب: فتاةُ الحقل
وحيدةً
فتاةُ الحقلِ الحزينة
فى أقصى غابةِ السَّرو
تعيشُ
حوائطُ كوخِِها الخشبى
باردةٌ
يُعشِّشُ الصقيعُ
بين شُقوقِها
فيسكنُها الصَّممُ
ولا تُعيدُ صدى
صوتِ حبيبِها
حين يُناديها
من وراءِ الشجرِ البعيد
شقوقُ الخشبِ
وبلّوراتُ الجليدِ
فيما بين صدوعها
تمتصُّ حروفَ نداءاتِه
فتتبدّدُ
فى فضاءِ الكوخِ
ويتطايرُ الظلامُ
والصمتُ
من حولها
عيناه
داخل خِزانتِها المتهالكة
تختبآن
فى الليلِ
تجوسانِ بين طبقاتِ الشراشفِ
والثياب
تُفتشانِ عن شالٍ
بلونِ زهرةِ التوتْ
كان أهداهُ لها
حين كان يقنِصُ الظِّباءَ
على حدود الوادى
لكن حبيبتَه الجميلةَ
ما عادتْ
جميلةً
غدتْ
ثوبًا فارغًا
مُثقلًا بالدمع
مُعلّقًا
على شماعةٍ وحيدة
فى الركنِ المعتمْ
تتحسّسُ البنتُ
ذراعيها المبتورتيْن
وعنقَها المجزوزَ
وساقيها اللتين
خطفتهما العجوزُ
فى درب الطفولة
وتبكى
فى صمت
هاتان العينانِ اللتان
تختلسان النظرَ
بين أروقةِ خزانتِها
مثل خرزتيْن برّاقتين
من البُنِّ اليمنىّ المصقول
سوف تُشكّلان ِ
دواماتٍ
فوّارةً
فوق صفحةِ الماء
لو أسقطتهما
كفٌّ يائسةٌ
مُعلّقةٌ
فى الهواء
كفٌّ حرّةٌ
غيرُ موصولةٍ إلى رُسْغٍ
ولا مربوطةٌ
فى حِبالْ.
تقول البنتُ:
إنّهم يزرعون الشوكَ فى الحقول
وأنا
لم أتعلّم بعدُ
أن أتحوّرَ عصفورًا
يثِبُ
ويطيرُ
حتى أنجوَ من أشواكِهم
ولا أعرفُ
كيف أغدو شجرةً
حين المعاولُ
فوق رأسى
وحين الأوراقُ
تسقُطُ من جبهتى
كلَّ نهار
أحتاجُ الآن
إلى أصابعى المبتورة
حتى أُقشّرَ
حبّاتِ البنِّ الشهيّة
ثم أُلقيها فى الماءِ
حين تطفو
حبوبُ البُنِّ
وأتأكدُ من خوائِها
وخُلوِّها من بؤبؤ العين
أستسلمُ
للبكاء
ولكنْ
كيف أبكى
ورأسى
منحورٌ؟!
هذا الدمعُ
لا يطفرُ من عينى
بل
من عينيكَ أنتَ
فراحَ يُبلّلَ فستانى
منزوعَ الأكمامِ
ذاكَ المعلّقَ
على شمّاعة
وحيدة
فى ركن خزانةٍ
متهالكة.