الجمعة 22 نوفمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

كانوا بشرًا غير البشر.. «أيام د. جمال السبعة فى البحث عن نادية لطفى»

نادية لطفى
نادية لطفى
نادية لطفى

مارس ٢٠٢٠

فى اليوم التالى بعد أن استيقظت كأنى لم أنم، السهاد ألمَّ بى طوال الليل بأحلام لا فكاك منها، أخذت دشًا بماء بارد لعلّى أنشط قليلًا، لم أتناول الإفطار سوى القهوة السادة وقضمة من كرواسون نصف ساخن. أشرت إلى سيارة أجرة. 

- ٥ شارع محمد صدقى. 

كنت أراهن نفسى أنه سيعرف المكان، على عكس السائق السابق، وفعلًا لم يسألنى، فقط أومأ برأسه وبدأ فى السير. هذه الشوارع تشبه شوارع قديمة عشت فيها، هذه المدينة تكاد تكون مدينة أنستها من قبل. 

- هذا عجيب والله! لقد ركبت معى أمس سيدة قالت لى العنوان نفسه لذلك أنا أعرفه. 

- حقًا؟!

أكمل السائق بصوته الهادئ الذى لم نعد نسمع مثله، صوت قديم مثل أصوات من فيلم مصرى قديم وبالطريقة نفسها.

- كانت شقراء جميلة. تشبه...

ثم صمت وبدا ناسيًا الاسم.

تنحنحت مرة ونظفت حنجرتى قائلًا: 

- نادية لطفى.

رفع الرجل رأسه ربما ليتأكد من ذكرياته عن الاسم، ثم قال: 

- أعتقد ذلك، كنت سأقول تشبه مريم فخر الدين.

هززت رأسى ثم تذكرت الفيلم الذى اشتركتا فيه. ماذا كان اسمه؟ تذكر.. حاول. نعم، بالطبع (مع الذكريات). ما أنسب أن أتذكر اسم فيلم يكون اسمه مع الذكريات، وكان البطل فيه أحمد مظهر يراهما متشابهتين جدًا، ولأول مرة تتقن مريم فخر الدين دور الفاتنة القاتلة، التى تظهر ما لا تبطن. فتحت الإنترنت أتأكد مما أتذكره من الفيلم. 

فى أثناء تمثيل دوره فى أحد الأفلام، يطلق بطل الفيلم الممثل المشهور (شريف) النار على الممثلة التى تقوم أمامه بدور البطولة (إلهام) الممثلة المشهورة، التى هى أيضًا فى الوقت نفسه خطيبته فى الحقيقة الفيلمية، بعد أن استبدل شخص مجهول الرصاص الفارغ برصاص حى، مما يسبب له صدمة عاطفية، تحاول (آمال) ابنة عمه أن تخفف عنه وطأة حزنه الشديد بلا جدوى، رغم أنها كانت تشبه (إلهام) إلى حد كبير، وتتطور عاطفتها نحوه إلى حب عميق زادها إصرارًا على انتزاعه من وحدته وذكرياته. ورويدًا تتكشف الحقائق حول ذلك الحادث الذى ماتت فيه (إلهام).

ومن التى كانت تؤدى دور المنقذة؟ نادية لطفى.

- هل تتذكر فى أى بيت دخلت سيدة الأمس؟

-... 

- ألم تقل خمسة شارع محمد صدقى؟ 

- نعم نعم تذكرت.

- هل تعرف إلى من صعدت؟ 

قهقه الرجل يستهجن السؤال. 

- بالطبع لا. 

- ظننت أنها تكلمت معك عن...

لم أجد ما أقوله فصمتُّ.

وقفت سيارة الأجرة أمام مدخل العمارة، رفعت رأسى لم أر اللافتة النحاسية، ثم إلى الشرفة والنباتات الوحيدة المتروكة فيها. 

لماذا أتيت من جديد إلى المكان نفسه؟ ألم أكن هنا أول أمس ولم أجد ما أريد؟ ومع ذلك ترجلت من السيارة، ولكنى قلت للسائق مندفعًا بفكرة هلت سريعًا على عقلى:

- ألا تنتظرنى؟ لن أغيب.. ربما خمس دقائق فقط.

- تمام، لكن على الرجوع للخلف إلى شارع هدى شعراوى حتى لا أسد الطريق.

- اتفقنا. 

صعدت السلالم بدأب كما كنت أفعل فيما مضى، لكننى لم أجرؤ على رن الجرس، وقفت أمام الباب لثوانٍ عدة ثم قررت أن أتماسك وأرنه. بعد فترة فتح لى الرجل بنفس هيئته السابقة بدون أى تغيير عدا علامات التعجب التى بدت على وجهه. قلت متحرجًا إلى حد ما: 

- نسيت أن أسألك هل تعرف عنوانًا جديدًا له؟ 

تفحصنى الرجل جيدًا ثم قال: 

- لا، قد سألتنى هذا السؤال، وقلت لك إننى لا أعرف. 

فقلت: 

- آه نعم، أريد أن أسألك سؤالًا آخر.. هل سألتك أمس سيدة شقراء تشبه نادية لطفى أو مريم فخر الدين هذا السؤال؟ 

- لا، لم يحضر أحد ولم يسأل أحد. 

ثم أغلق الباب. 

سمعت خطوات تنزل من الأدوار العليا فاستدرت نازلًا بسرعة وخرجت من باب العمارة. كنت أفكر فيما كنت أظن أننى سأجده اليوم مختلفًا عن اليوم السابق، وسرت شاردًا فى اتجاه شارع البستان ثم تنبهت أننى قد طلبت من سائق السيارة الأجرة أن ينتظرنى فى شارع هدى شعراوى. رجعت إلى الوراء واتجهت إليه. فوجدته يقف بجوار سيارته مستندًا عليها يدخن سيجارة. ولما اقتربت منه قال:

- فعلًا لم تتأخر. 

التفت للخلف أفكر فى السيدة التى أقلها أمس لهذا البيت.. ربما صعدت إلى دور آخر، ألا يخلق من الشبه أربعين. 

- إلى أين العزم الآن؟ 

دلفت إلى السيارة قبل أن أجيبه. ولما جلس خلف المقود كنت قررت:

- مصر الجديدة. 

فى مخيلتى البناية ذات المدخل الذى تزينه سلحفاة حجرية عملاقة وأفعى تلتف حول العمود الذى تحمله السلحفاة. استقر فيها عمى طاهر بعد زواج أمى بأبى. حاول أن ينفصل عن العائلة قدر إمكانه، كنا نزوره فيها صغارًا أحيانًا، وكانت تلك السلحفاة مصدر خوف لى لحجمها المهول، لكن هل سأتذكر العنوان بدقة، أم ربما كان خوفى هذا مُمتصًا من خوف آخر يصل إلىَّ من أبى أو أمى أو كليهما معًا؟ أتذكر أن البناية كانت فى الشارع الخامس من ميدان صغير على الناحية اليمنى للمترو. 

لما وصلنا مصر الجديدة فوجئت بعدم وجود المترو، غامت من الذاكرة المدينة التى عشت فيها بعضًا من أيام دراستى؛ بل وتشوش بيت أمى فى ذاكرتى للحظة، وأيضًا المكان الذى خطفنا فيه وقت أحداث يناير. 

هذه التغييرات التى تحدث تطمس ذاكرتى، أحاول أن أتشبث بما تبقى، لكن لم؟ أى شىء سأجنى؟ أنا الآن تعديتُ سن الستين، خرجت على المعاش من عملى فى الكويت، جدد لى لفترة بسبب إتقانى عملى ورضاء المرضى عنى. شيخ هَرِم يسترجع ماضيًا لا محل له من الوجود بلا داع. 

طلبت من السائق لما وصلنا إلى مصر الجديدة أن يركن سيارته على جانب الطريق؛ فالملامح تشاكلت على. ويبدو أننى لن أألف الأماكن إلا إذا تركت نفسى للشوارع تدلنى. بادرنى سائق سيارة الأجرة قائلًا:

- أتريد رقم هاتفى المحمول؟

عبست قليلًا ولم أفهم معنى جملته ولِمَ قال هذا.

- إذا أردت أن تذهب لعناوين أخرى.

أجبته سريعًا: 

- نعم، هذا رائع. 

أعطانى الرقم وسجلته فى محمولى الذى قلما أستعمله. يتعجب أصدقائى فى المستشفى الذى كنت أعمل به لكرهى للمحمول، لكن فى النهاية تقبلوا الأمر. رغم أننى أحمله من أجل المرضى فقط، لكنى أفتحه فى أوقات معينة وأستريح منه باقى اليوم. 

فلا طالب لى من أهلى إلا لو كان يوم عيد أكون قد تغافلت عنه بالفعل أو حتى نسيته.

بعد عدة لفات خائبة على أرض مصر الجديدة فشلت مساعىّ الخائبة أيضًا، التى بدت دون هدف واضح. كان الجو أقرب للحرارة ولم أجد فى نفسى أى قدرة على البحث أكثر. أدرت رأسى فلمحت مقهى صغيرًا على ناصية الشارع التالى. تعجبت أن المكان غير مغلق رغم الوباء. قيل لى إن المقاهى التى بها شيشة فقط هى التى أقفلت، وإن المناضد قد فصلت بمسافات آمنة تحسبًا للعدوى. وكل منضدة عليها زجاجة الكحول الرشاش والأدوات الجاهزة للاستعمال لمرة واحدة فقط. جلست متهالكًا على إحدى مناضد الرصيف تحت مظلة مبهجة اللون. وقررت أن أقرأ الجزء الذى اُخْتُطِفْتُ فيه أنا ونادية فى الرواية.

بدأ الراوى الذى ينط كل فترة بين سطور الرواية يضايقنى وأشعر أن علىّ أن أحذف الفقرات كلها التى يتكلم فيها؛ هو يربك التتابع المنطقى فى الرواية، كما أنه ثقيل الظل. ويستخدم ألفاظًا غير لائقة فى بعض الأحيان. يكتب بالون ملعلط.. ما هذه الكلمة الملعلطة. ضحكت ثم رجعت إلى قاموس إلكترونى عن طريق هاتفى والإنترنت.

اللَّعْطُ: واحدُ الألْعاط، وهى خطوط تخُطّها الحبش فى وجوهها.. يقال: حبشىّ ملعوط.

كان عمى طاهر يعشق أكل السمك، فتقريبًا كل أسبوع يسافر بنا إلى الإسكندرية فى نهاية الأسبوع، نبات فى الشقة التى يمتلكها فى محطة الرمل، ومنها كل جمعة إلى حيث محل سمك شهير على أطراف الإسكندرية. مرة إلى (زفريون) بعلم اليونان الذى يرفرف أعلى المبنى واسمه المكتوب بحروف يونانية، ومرة إلى محل (لا بل فيستا) بعلم إيطاليا أعلى المبنى أيضًا وحروف اسمه المكتوبة بالحروف اللاتينية. أتذكر أمى وهى تحكى عن هذه الرحلات السمكية الهدف، وقد تهلل وجهها وبانت أسنانها الجميلة المتناسقة. كان شعاع شمس محب يلاعب شعرها الأشقر ويذهبه بشقاوة لعب الأطفال. أنظر إليها وأحاول أن أستعيد ذكريات تلك الرحلات التى تكررت كثيرًا، لكننى لا أستطيع أن أتذكر بشكل واضح هذه الأوصاف التى كانت تصفها. 

ربما كنت صغيرًا جدًا، ربما لم أكن أحب الأسماك ولم أرغب أن أنغص عليها النزهات. كل ما أتذكره تداخلات لديكورات وصوت البحر. ربما كانت هذه التداخلات بعدما كبرت وزرت أحد هذين المحلين مرة واحدة وتألمت جدًا حتى إننى تقيأت الوجبة التى أكلتها.. لا لأنها كانت فاسدة بل كانت ممتازة لكن.. وآه من لكن أو من- لااكين- كما كانت أمى تنطقها دائمًا. 

كان المحلان متواجهين كل منهما على ناصية نفس الشارع، وكل منهما يقدم نفس الأطباق والاثنان يطلان على شط بحر جميل واحد وبأجواء متقاربة، يفصل فقط بينهما موسيقى وأغنيات كل بلد منهما. وكنا- كما تتذكر نادية- عندما نأتى إلى أحدهما نركن السيارة الشيفروليه الزرقاء زرقة البحر- بجناحيها الفضيين- بعيدًا حتى لا يلمحها عمال المحل الثانى الذى لن نأكل فيه؛ فكان صاحب محل زفريون اليونانى صديقًا لعمى، وهكذا كان أيضًا الإيطالى صاحب محل (لا بل فيستا)، فكلاهما وعمالهما يعرفوننا بحكم التردد المستمر لتلك الأسرة السعيدة المشرقة الألوان كما وصفها أحدهما لعمى مرة، وأيضًا من طريقة عمى المرحة فى انتقاء الأسماك الطازجة وحواراته مع القائمين على المحل واستعراض معلوماته عن كل صنف وأفضل طريقة لطهيها. 

يأتينا الصيادون بلباسهم المميز، السراويل السوداء الواسعة المنتفخة والصديرية اللامعة الفضية مع مشنة السمك بأجود أنواع الأسماك الخارجة للتو من بحرها.

أتذكر كلمة يلعلط؟ السمك حى يلعلط. وربما سألت أمى ما معنى يلعلط التى كان عمى يرددها. 

نظل أنا وأخى نضحك على هذه الكلمة ونرددها.. سمك يلعلط سمك يلعلط. 

وذات مرة فى سهرة فى بيتنا رأينا ضيفة تلبس فستان سهرة يلمع كالسمكة، فهتف أخى بصوت عال الست سمكة بتلعلط، وظللنا نضحك ولم تردعنا حتى نظرة أمى الغاضبة المحرجة. 

وفى الليل عندما نرجع إلى القاهرة أو إذا بتنا (عند أحد أصدقاء أبى) من ساكنى المعمورة أظل أهمس لأخى فى أذنه كى أسمع صوت ضحكته المكتومة، وأرى أسنانه الجميلة التى تكاد تشع فى الظلام: تلعلط تلعلط، وأخى يضحك ويضحك.

كانت أمى عندما تجد رغيفى خبز فينو ملتصقين معًا تنادى علينا كى تفرقهما فوق رأسينا. كانت لعبة جميلة جدًا لنا. عندما يأتى الخادم بأرغفة العيش كنت أأمل دائمًا أن تحدث هذه اللحظة الجميلة. رأسانا أنا وأخى- جمال وشكرى- ملتصقتان ببعض تحت يدى أمى المنحنية قليلًا علينا كأننا تمثالان للتوأم الذى يتلقى كل المنح والهدايا من ربة من ربات السماء. هذا الشعور الرائع الذى لا يدوم سوى لبرهة، كل القرب منها ومنه وصوت أبى ينادينا حتى لا يبرد الطعام.. أين ذهبت هذه الأيام؛ بل أين ذهبت هذه المشاعر؟ 

على فكرة، أبى أيضًا كان يعشق أكل الأسماك بكل أنواعها مثل عمى تمامًا. 

لم أرث منهما- أبى وأمى- أى حب للأسماك، بعيونها الميتة ورائحتها سواء الخارجة للتو من البحر أو بعد الطبخ. 

أكملت قراءة الرواية ورأفت بحال الراوى وتركت له الكلمة الملعلطة ولم أحذفها إكرامًا لذكريات عائلتى السعيدة على شط الإسكندرية، لكننى مللت سريعًا من القراءة؛ بل ومن مصر الجديدة كلها، كل تلك التفاصيل أرهقتنى.. صحيح أنهم يقولون التفاصيل الصغيرة هى التى تصنع الحياة. رفعت رأسى عاليًا وتذكرت الهلال الذى يبزغ فجأة بين العمارتين التوأم فى شارع هدى شعراوى الذى رأيته منذ قليل، نعم هذه التفصيلة الصغيرة جعلت للعمارتين وجودًا مختلفًا فى نظرى. 

ظللت شاردًا أتخيل هلال العمارتين لكن لدهشتى وقعت عينى على سيدة عجوز بوجه مألوف إلى حد ما تجلس بعد مسافة صغيرة، لم تسعفنى الذاكرة بمعرفة من هى. كان معها طفلان، حفيداها كما يبدو. ظلت تحدق بى ثم ابتسمت فابتسمت، أرسلت لى أحد الطفلين فقال بخجل:

- هل حضرتك د. جمال؟ 

هززت رأسى وأنا أرفع عينى تجاهها. 

- تيتا تسلم عليك. 

ابتسمت لها ولكن لم أتحرك من مكانى. هل كانت قلة ذوق منى وعدم كياسة؟ ثم بزغت الذكرى سريعًا.

يا للهول! هذه ياسمين.. وكما الشىء بالشىء يذكر، فى الرواية كنت أحكى لنادية ما حدث بيننا، ومشروب فلوريدا من عهد بائد. ياسمين التى ذات يوم تعرفت علىّ من وراء أخى كريم صديقها الجديد، وبدأت تصده هو دون أن يعرف أننى أنا صديقها الجديد، وبدأ يشتكى لى أنها لم تعد تتجاوب معه مثلما كان يحدث من قبل فى زوايا المعمورة. تأكدتُ أنها هى رغم أنها قدمت لى نفسها باسم آخر. فى قرارة نفسى كنت أعرف أنها دون شك صديقته التى يحكى لى عنها، ولكنى لم أرتدع بل وشعرت بالفخر أنها فضلتنى أنا عليه رغم أنه هو من كان يمدحنى أمامها ويؤكد لها خبرتى فى غزو البنات. ولما واجهتها بعدما رأيتها تشرب الفلوريدا بطريقة وصفها لى كريم بالحرف. ظنت أننا- الأخين- من يلعبان عليها، وأننا نتشارك فيها عن علم. كريم أبسط من هذا، لم أبح له أبدًا بما حدث، وظن هو أنها اختفت بسبب تعرفها على كائن خرافى أخذها واختفى. مسكينة أنت يا ياسمين فَضَحكِ حبك لشرب كوكتيل فلوريدا. 

وها أنا أراها اليوم أمامى. هل تلعب بنا الأقدار بكل تلك البساطة وعدم المبالاة؟ 

لكن علينا أن نعتبر كل ما حدث فى الماضى ما كان سوى لعب عيال. 

قمت من مكانى وتقدمت حيث تجلس وحييتها قائلًا: 

- يا لها من صدفة! 

لم أنتبه لما تقول وتفعل لأن شعورًا غريبًا فاجأنى بأننى رأيت هذا المشهد من قبل، ولكن ليس بنفس التفاصيل الصغيرة. هو نفس المشهد العام لكن التفاصيل تختلف؛ بل وتتناقض فى بعض الأحيان. تذكرت فيلمًا من كوريا رأيته السنة الماضية اسمه 

Boeing

محرف عن كلمة 

Burning

كما ينطقها أهل شرق آسيا خصوصًا اليابانيين الذين يفقدون حرف الراء فى لغتهم.

وبينما أشاهد الفيلم كانت مناظره مألوفة لى جدًا، وخط الأحداث أعرفه جيدًا رغم أننى لم أشاهده من قبل، وخصوصًا مشاهد حريق هناجر القمح، لكن من المؤكد أنها لم تكن بهذه الأشكال التى كانت تتتابع على الشاشة، ولا كان شكل الحرائق بهذا المنظر.. كدت أجن؛ من المؤكد أننى رأيت نسخة أخرى من هذا الفيلم، ثم فى مشاهد أخرى أجد نفسى لا أعرف أى شىء عن بقية أحداثه. أوقفت الفيلم وعدت أراجع المعلومات عنه فى النت، فاكتشفت أن الفيلم عن قصة قصيرة للكاتب اليابانى هاروكى موراكامى كنت قد قرأتها منذ فترة طويلة، ولذلك كان خيالى هو الذى عرضها لى على شاشة عينى بأشكال مختلفة لكنها كانت تتحقق أمامى على الشاشة برؤية شخص آخر. 

وانتبهت إلى كلام ياسمين. نعم، كان عالمًا آخر، وبشرًا غير البشر وأرواحًا أخرى. ولما سألتنى بضحكة صاخبة عن كريم، أجبتها هو الآن إما فى كوريا أو ربما اليابان، ثم استأذنت وتركتها مع صخب أحفادها وأوهام الذكريات.