المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

إبداعات من الشرقية

حرف

-تعانى الساحة من سيولة كبيرة ليست فنية، وحتى الآن لا نعرف الدوافع وراء ذلك

تتشابه أجواء الحركة الأدبية فى محافظات مصر، وذلك لتشابه المقومات والدوافع فيها، حيث المؤسسات الرسمية والأهلية المتوافرة فى عواصمها ومراكزها، والتى ترعى حركة الأدباء والشعراء بنسب متفاوتة، أو غير مُرضية أو غير كافية؛ وفقًا للميزانية التى تتحكم فيها البيروقراطية فى الجهات الرسمية، أو العامل المادى فى الجهات الأهلية، باستثناء القاهرة والإسكندرية نظرًا للزخم المركزى فيهما، وفى كل الأحوال سيكون المعول كله على المبدع بقدر طموحه واستعداده وقدراته وأدواته الفنية التى اكتسبها؛ فالإبداع مجهود ذاتى فى الأساس، وإن كان لا غنى لصاحبه عن الرعاية العلمية والمادية والمعنوية.

ظل الأدباء والشعراء فى أقاليم مصر فى فترات قديمة نسبيًا؛ ربما حتى أوائل التسعينيات، يعانون معاناة نفسية موجعة، فلا مرايا؛ بمعنى قنوات متاحة يعرضون أمامها وفيها إنتاجهم الأدبى، فتستريح أنفسهم حين يعرفون أى أرض يقفون عليها إلى أن تشكلت نوادى الأدب فى المراكز وعواصم المحافظات، علاوة على فروع اتحاد الكتاب بها، فكانت تلك الجهات هى المُتنفس لهم، واستطاع روادها أن يستقطبوا النقاد من كليات الآداب الإقليمية والمركزية أحيانًا، فنشطت الحركة الإبداعية وتكونت لدى المبدعين ذائقة ورؤية نقدية يستطيعون بهما تقييم أعمالهم وأعمال غيرهم.

وحين نتعرض لعمل بانوراما شاملة وكاملة للخريطة الأدبية والثقافية فى محافظة الشرقية، فإن الأمر يحتاج إلى الغوص فى أغوار فترات بعيدة لها فرسانها الذين يحتاجون لمجلدات، لذا ستقتصر هذه الإضاءة- حسب ما هو متاح من مساحة هنا- على الفترات المتأخرة؛ بداية من أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضى وحتى السنوات القليلة الماضية، وضمنيًا سوف تضم الجيل الذى ظهرت مواهبه فى السبعينيات، لتتبلور فيما تلاها من سنوات، وقد صاروا أساتذة لمن تلاهم، وعلى التوازى سنجد من يسير بجوارهم وفى ظلالهم على الدرب، وهم الجيل الذى نبت بعدهم لتشتد الساق وتورق الأوراق فيما بعد وحتى الآن.. إلا أنه سيكون من الإجحاف ألا نلقى لمحة خاطفة عن جيل الآباء الأقربين؛ وهم أبناء النصف الأول من القرن العشرين ممن صالوا وجالوا فى الفترة بعد الحرب العالمية الثانية إلى ثورة يوليو ١٩٥٢ وحتى حرب أكتوبر ١٩٧٣؛ باعتبارهم الجيل المؤسس للحركة التى ندور فى فلكها الآن- ولا ندعى أننا سنذكرهم جميعًا- ومنهم شيوخ النقد العربى مثل «الدكتور محمد مندور والدكتور محمد الغنيمى هلال»؛ وهما عملاقان بارزان تعدى دورهما من النقد إلى التنظير، وقد رسَّخ «الغنيمى» الأدب المقارن فى النقد العربى.

كما نذكر علامات بارزة ومؤثرة فى حقول الآداب والفنون؛ الشعر الفصيح والعامى والمسرح والأغنية، ومنهم الشعراء عزيز أباظة، ومرسى جميل عزيز، وأحمد فؤاد نجم، وهاشم الرفاعى؛ الشاعر النابغ الذى قُتل فى شبابه، ود. محمد العلائى، ومحمد السنهوتى، ومحمد سليم الدسوقى؛ وهو من أوائل من كتب شعر التفعيلة فى محافظة الشرقية، وصلاح محمد على؛ وقد غنى من كلماته مطربون مشهورون، وحسنى هداهد، ومحمد سليم بهلول، ومأمون كامل، وأحمد الخولى، وبدر بدير. 

ولا تفوتنا الإشارة إلى أسماء من نبغوا فى مجال القصة والرواية والمسرح، فكيف نغفل الإبداع السردى لجيل مؤسس ومؤثر، ومنهم يوسف إدريس، وثروت أباظة، وصلاح جاهين، وفتحى قورة، والمحارب القديم بهى الدين عوض؛ أول من كتب أدب الحرب فى المحافظة، ونبيه الصعيدى، ويوسف أبورية، وعنتر مخيمر، وأحمد والى، وكامل الكفراوى؛ صاحب إصلاح أنف أبوالهول.

ثم نأتى إلى الأجيال التى تسلمت منهم الراية، وبعضهم جمع مع الشعر كتابات نثرية وأثْروا الحياة الأدبية كمًا وكيفًا- ليس فى الشرقية وحدها- بل فى مصر وفى الساحة العربية أيضًا، ومنهم الناقد والشاعر والمسرحى وكاتب القصة د. حسين على محمد- رحمه الله- والشاعر والناقد د. صابر عبدالدايم، والشاعر محمود عبدالحفيظ، والشاعر فريد طه. وفى مجال السرد صلاح والى- رحمه الله- ومحمد عبدالله الهادى؛ الحائز مؤخرًا على جائزة كتارا، ومحمد المسلمى. وفى مجال النقد الدكتور أحمد يوسف على؛ الحائز على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب ٢٠٢٣، والناقد الدكتور أحمد زلط.

وتتوالى أجيال الأدب من شعراء ونقاد وساردين، ولكل واحد منهم بصمته الخاصة فنجد فى مجال السرد «طه محمود مقلد- رحمه الله، ومجدى جعفر، والدكتور إبراهيم عطية، والدكتور كارم عزيز، وأحمد محمد عبده، ومبروك أبوالعلا».. ومن الشعراء «عطية شواش- رحمه الله، وعبدالعزيز رياض»، ومن النقاد د. عزازى على عزازى- رحمه الله، وإبراهيم زيد.

إذا ما أتينا إلى المشهد فى السنوات القليلة الماضية سنجد بعض التطوير والتحديث؛ إن لم يكن فى الشكل ففى اللغة، وإن لم يكن فيهما معًا سيكون فى الموضوعات، لنجد أسماء دشنت لها مكانًا مرموقًا فى عالم السرد، ومنهم: عزة رشاد، ونجلاء محرم، والعربى عبدالوهاب، ومحمود الديدامونى، وحامد حبيب؛ وهو أيضًا مترجم، ومحمد جابر الحديدى، وعبدالله مهدى؛ وهو أيضًا باحث فى التراث الفرعونى، وفاروق الحبالى، ومنى العساسى، وعبدالعزيز دياب، وأميمة عزالدين، وعبدالمنعم شرف، وهشام فياض، ومحمود أحمد على، ومحمد عجم، وياسر عبدالعليم، وهيثم القليوبى؛ من الشباب الواعد الفائز بجائزة نادى باريس، وأحمد عثمان، والمسرحى صادق إبراهيم- رحمه الله، والكاتب والمخرج المسرحى د. محمود كحيلة، وإيمان عامر.

وجنبًا إلى جنب تسير قاطرة الإبداع الشعرى فى الشرقية حاملة الجوقة التى تملؤنا طربًا وتأملًا حينما ننصت لموسيقاها، فندخل فى عوالم الشعراء نبيل مصيلحى؛ وله إنتاج قصصى أيضًا، وأحمد سامى خاطر؛ وله إنتاج روائى، وعبدالله عرايس، وإبراهيم حامد، وأحمد النحال- رحمه الله؛ وكان يوسف إدريس قد تنبأ له بالنبوغ، ورضا عطية، وعلاء عيسى، وحامد أنور؛ وهو باحث فى التراث أيضًا، وعزت إبراهيم، وحسن حجازى الشاعر والمترجم، وأحمد السلامونى- رحمه الله، ومحمد سمير عشرى، ومحمد أبوشادى، ورضا أبوالغيط، وأيمن سراج، ومحمد زكريا حبيشى؛ وله إنتاج روائى أيضًا، والسيد زكريا وله إنتاج مسرحى، ومحمود رمضان، ومحمد الخضرى، ومحمد فكرى، ومحمد الأطير، وليلى العربى، ومحمود هليل، ومحمود إبراهيم، وأحمد حسن، وهيثم منتصر، وخليل الشرقاوى ويكتب قصيدة النثر بجودة عالية، ومحمد سليم الديب، وأمل عامر، وحسام الكرار، ومحمد رجب، والشوادفى الباز، وحمدى عبدالستار، وهشام الصفتى، وهشام إبراهيم، وفتحى فرج، ورمضان السيد وفا.

وعلى ناصية الإبداع نجدهم يرمقون للجميع بعيون المحبة، لما يتمتعون به من حاسة النقد والتوجيه للأفضل؛ خصوصًا أن منهم شعراء وساردين ومترجمين ومسرحيين، فنجد د. أيمن تعيلب، وعلى مطاوع، وعزت جاد، ومحمد عبدالحليم غنيم، ونادر عبدالخالق، ومحمود سعيد، وصادق النجار.

أما عن الكيانات الأدبية والثقافية فنجد- وبدون أسبقية زمنية- فرع اتحاد الكتاب كمركز تتبعه محافظات القناة وسيناء، ونوادى الأدب فى كل مركز من مراكز المحافظة، وأحدث نادى منها هو نادى «العاشر من رمضان» الذى يأخذ زخم المدينة الصناعية، وقد سبق كل هذا مجلة صوت الشرقية ١٩٦٣، وكان للإبداع فيها ركن واسع، وعلى منوالها صحافة إقليمية مهنية قامت على يد الشاعر نبيل مصيلحى؛ مثل «أخبار الشرقية، وعيون الشرقية، وسلسبيل الأدب»، كما أسس الروائى إبراهيم عطية جريدة «الأجيال المصرية». 

وكان من حظ الشرقية حصريًا أن تقيم فيها الثقافة الجماهيرية «قصور الثقافة حاليًا» أول مؤتمر لأدباء الأقاليم فى العام ١٩٦٩، وفى العام ١٩٨٠ تأسست «جماعة أصوات معاصرة» على يد حسين على محمد وصابر عبدالدايم وعبدالله السيد شرف- من طنطا، ومحمد سعد بيومى- من بور سعيد، وفى ١٩٨١ «جماعة رع الأدبية» بمجهود إبراهيم الدمرداش وصلاح شلبى ومأمون كامل، وهناك أيضًا الصالونات الأدبية، ومنها الصالون الذى أسسته الكاتبة نجلاء محرم، ويقوم منذ سنوات بدور فاعل ومستمر حتى الآن فى مناقشة القضايا الأدبية والفكرية.

فيما يتعلق ببعض الملامح الفنية فى إبداعات الشراقوة، ففى مجال الشعر نلمس وفرة فى أعداد شعراء العامية، ونُرجع ذلك إلى رواجها بين من يحلمون بغلاف أول ديوان، وهذا يطول فيه التفسير النفسى قبل الأدبى، ثم يأتى الشعر الفصيح فى المرتبة الثانية على مستوى الكم؛ وليس عن الأفضلية، فاللافت حقًا فى الشرقية ظهور طابور طويل من الشباب يكتبون قصيدة العامية، وأعتقد أنها ظاهرة منتشرة على مستوى الجمهورية، ومن المعلوم أن الراسخين فى الشعر العامى من الأجيال المختلفة- القدماء والوسط- كانوا قِلة قياسًا إلى نظرائهم من شعراء الفصحى، ومنهم أصوات فذة ممن تفوقوا على شعراء الفصحى، بينما المشهد الآن مزدحم بمن يكتبون شعر العامية، حيث تعانى الساحة من سيولة كبيرة ليست فنية، وحتى الآن لا نعرف الدوافع وراء ذلك؛ إن كانت نفسية- ليس بالمعنى الدارج للمزاج- أم اكتساب، أم هشاشة مراكز التوجيه؛ الجامعة أو وزارة الثقافة ومؤسساتها، لكننا مع ذلك نقول ربما تكون ظاهرة صحية قد تفرز يومًا ما خلفاء لكبار هذا الفن.

أما بالنسبة للسرد فنستطيع القول بتساوى عدد من يكتبون الرواية والقصة القصيرة مع من يُخلصون للقصة القصيرة فقط، ومن الرواد فى القصة القصيرة: نجد يوسف إدريس وهو أستاذ أجيال فى هذا الفن بلا منازع، علاوة على دوره البارز فى الإنتاج المسرحى، وفى الرواية ثروت أباظة، ويوسف أبورية، وكامل الكفراوى روائيًا ومسرحيًا، وصلاح والى، ومحمد عبدالله الهادى؛ الذى جاء مشروعه فى التعبير عن بيئته الريفية- شبه الصحراوية، وله كتابات فى أدب الحرب، وللكاتب مجدى جعفر كتابات فى السرد الريفى، والكاتب إبراهيم عطية أيضًا تناول قريته فى قصصه، كما لم تغادر إبداعات العربى عبدالوهاب الروائية والقصصية محيط قريته تقريبًا، ومن كتاب القرية أيضًا عبدالعزيز دياب، وأحمد محمد عبده؛ الذى جاءت كتاباته فى فرعين أساسيين؛ السردية الريفية، وأدب الحرب؛ إبداعًا وتأريخًا، علاوة على كتاباته السياسية.

ويبقى لى هنا أن أشير إلى أن ترتيب الأسماء الواردة بالملف لا يخضع لقصدية ما، وليغفر لى من سقط اسمه عن جهل أو سهو منى، كما لا تفوتنى الإشارة إلى أننى استعنت فى تلك المقالة ببعض ما جاء فى كتاب المؤتمر الأول لقسم اللغة العربية جامعة الزقازيق- مارس ٢٠٠٦، وما كتبه فى هذا المجال كل من الشاعر نبيل مصيلحى، والروائى إبراهيم عطية، فضلًا عن استعانتى بذاكرة الكاتب مجدى جعفر. 

وأخيرًا.. الشكر الجزيل لمؤسسة «الدستور» وجريدة «حرف» على اهتمامهما بمتابعة وتوثيق حركة الأدب والثقافة فى محافظات مصر، وإلقاء الضوء على المبدعين ممن يعيشون بعيدًا عن مركزية العاصمة، ويسهمون بجهود كبيرة ومتواصلة فى رفعة الثقافة المصرية من أماكنهم ومواقعهم.

اقرأ من إبداعات الشرقية: 

مجدى جعفر يكتب: قصص قصيرة جدًا

حسام الكرار يكتب: طفلة القدس

محمد الخضرى يكتب: يلّا نقيس