المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أسطورة مستر«محمد عبدالله همفر».. تحقيق تاريخى فى أصل وفصل مؤامرة «تحطيم الإسلام»

حرف

- تجول همفر فى عدد من البلاد الإسلامية وأطلق على نفسه اسم «محمد عبدالله همفر»

- خطة شاملة وضعتها وزارة المستعمرات البريطانية لغزو العالم الإسلامى دينيًا

- لا يوجد أى مصدر إنجليزى لمذكرات الإنجليزى همفر بل لا توجد لها فى أى مكتبة أمريكية أو بريطانية نسخة بلغتها الأصلية التى ترجمت عنها إلى اللغة العربية

- هناك من يؤكد أن المذكرات كتبها محمد الشيرازى وهو عالم شيعى كان يعيش فى الكويت

- البعض يعتقد أن مؤلف هذه المذكرات هو أيوب صبرى باشا وهو كاتب عثمانى درس فى الأكاديمية البحرية

قال لى بيقين كامل: إنهم خططوا مبكرًا جدًا لتحطيم الإسلام؟ 

ولما قرأ على وجهى علامات الدهشة والاستنكار، قال بنفس اليقين: لا بد أن تكون قرأت مذكرات «مستر همفر» التى فضح فيها ما قامت به وزارة المستعمرات الإنجليزية فى بدايات القرن الثامن عشر؟ 

قلت له: لماذا تثق هذه الثقة فى كتاب «مستر همفر».. إنه كتاب لقيط تحيطه الشبهات ولا يمكن أن نعتمد عليه كمصدر من مصادر التاريخ؟ 

انتقل اندهاشى واستنكارى من وجهى إلى وجهه، وعاد ليقول: الكتاب خطير.. ولا يمكن التشكيك فيه. 

دفعنى هذا الحوار إلى أن أستخرج كتاب «مذكرات مستر همفر» من ركام الكتب التى ركنتها منذ سنوات. 

قلت لنفسى: طالما أن محدثى الذى أثق فى رجاحة عقله ينزل كتاب «همفر» هذه المنزلة، فلا بد أن آخرين يفعلون ذلك، وهو ما يحتم علىّ أن أزيل أسطورية الكتاب، الذى تحول إلى مصدر مهم من مصادر ترسيخ فكرة المؤامرة على الإسلام. 

أعدت قراءة الكتاب من جديد، وبدأت فى تحقيق ظروف ظهوره وكتابته ومن هو صاحبه، وكيف أصبحت له هذه المكانة لدى كثيرين ممن يعتقدون فى صوابيته الكاملة، ولا يقبلون فيه شكًا أو تشكيكًا، بل يعتبرونه دليلًا على أنه «مانفيستو الغرب» الذى يسعى إلى هدم الإسلام على رءوس أبنائه. 

 المعلومات المتاحة عن «مستر همفر» تقول إنه جاسوس بريطانى ظهر نشاطه مع بدايات القرن الثامن عشر

ما رأيكم أن نبدأ من «مستر همفر» نفسه؟ 

تقول المعلومات المتاحة عنه إنه جاسوس بريطانى ظهر نشاطه مع بدايات القرن الثامن عشر، وتحديدًا مع مطلع العام ١٧٠٠، وكان من بين ٥ آلاف جاسوس أطلقتهم وزارة المستعمرات البريطانية على البلاد الإسلامية لدراستها تمهيدًا لزرع الفتنة والشقاق بين أبنائها لإضعافها وتفتيتها، وكانت المهمة التى كُلف بها هى التجسس فى مصر والعراق والحجاز وإيران وإسطنبول مركز الخلافة، لجمع معلومات عن دول العالم الإسلامى وتحديد الثغرات التى يمكن الدخول إليها من خلالها. 

5 آلاف جاسوس أطلقتهم وزارة المستعمرات البريطانية على البلاد الإسلامية لدراستها تمهيدًا لزرع الفتنة

تجول همفر فى عدد من البلاد الإسلامية وأطلق على نفسه اسم «محمد عبدالله همفر» بعد أن أعلن اعتناقه الإسلام، وقد حاول الباحثون العثور على أى أثر يدل عليه أو على حياته أو ترقيه داخل وزارة المستعمرات البريطانية، لكنهم لم يعثروا على شىء ذى بال، وهو ما جعل الكثيرين ممن كتبوا عنه ينحازون إلى أنه شخصية وهمية لا وجود لها، وأن من اخترعه كان يهدف إلى تشويه حركة محمد بن عبدالوهاب، مؤسس الحركة الوهابية، انطلاقًا من الخصومة السياسية والفكرية معه. 

أما عن المذكرات نفسها، فالمعلومات المتاحة عنها تشير إلى أنها ظهرت للمرة الأولى باللغة التركية بعد عقود من وفاة مستر همفر، وتحديدًا فى العام ١٨٨٨، لا توجد بالطبع النسخة التركية من المذكرات، ولا يوجد دليل على ظهورها فى هذا التاريخ، اللهم إلا المعلومات المنشورة دون تحديد مصدر لها. 

النسخة المتاحة من المذكرات باللغة العربية تشير إلى أن من عرّبها هو الدكتور «ج. خ»، وهو ما زاد الغموض حولها، فمن قام بترجمتها بخل على قرائه بذكر اسمه صراحة، وهو ما يشير إلى أنه عمل تحيط به الشبهات. 

فى المكتبات العربية أكثر من نسخة من مذكرات مستر همفر، وهى نسخ فى الغالب ليست مكتملة، فهناك إشارات إلى أنها صدرت للمرة الأولى فى خمسة مجلدات، بينما المتاح منها باللغة العربية لا يتجاوز الـ٢٠ ألف كلمة، وهو ما يعنى أن ما نقل إلى العربية منها جزء صغير جدًا، وقد تمت ترجمته فى المقام الأول للإساءة إلى محمد بن عبدالوهاب وإلى حركته، وتشويهها بشكل كامل، على اعتبار أنها مجرد حركة صُنعت على عين الاستعمار لهدم الإسلام وتحطيمه. 

يهمنا فى هذه المذكرات كما نقلت إلى العربية ثلات محطات أساسية. 

المحطة الأولى هى ماذا كانت تريد وزارة المستعمرات البريطانية من بلاد العالم الإسلامى؟ 

والمحطة الثانية هى ما ذكره همفر عن محمد بن عبدالوهاب، وتأكيده أنه من قام بصناعته وتجنيده لتحقيق أهدافه وأهداف وزارة المستعمرات. 

والمحطة الثالثة هى ما ذكره عن كتاب «تحطيم الإسلام» الذى وضعته وزارة المستعمرات، وهو ما يمكننا اعتباره بروتوكولات بريطانية محددة لهدم الاسلام فى قلوب معتنقيه. 

تحت عنوان «المخططات البريطانية فى البلاد الإسلامية» يتحدث همفر.. 

يقول: كانت دولة بريطانيا العظمى تفكر منذ وقت طويل حول إبقاء الإمبراطورية وسيعة كبيرة كما هى الآن من إشراق الشمس على بحارها حين تشرق، وغروب الشمس فى بحارها حين تغرب، فإن دولتنا كانت صغيرة بالنسبة إلى المستعمرات الكثيرة التى كنا نسيطر عليها فى الهند والصين وفى الشرق الأوسط، ورغم أننا لم نكن نسيطر سيطرة فعلية على أجزاء كبيرة من هذه البلاد لأنها كانت بيد أهاليها، إلا أن سياستنا فيها كانت سياسة ناجحة وفعالة، وكانت فى الطريق إلى السقوط بأيدينا كلية. 

كان من اللازم أن تفكر بريطانيا، كما يقول همفر، من أجل إبقاء السيطرة على ما تمت السيطرة عليه فعلًا، ومن أجل ضم ما لم تتم السيطرة عليه إلى مملكتها ومستعمراتها. 

كانت وزارة المستعمرات هى أداة تنفيذ هذا المخطط، وهو ما دفعها إلى تخصيص لكل قسم من أقسام هذه البلاد لجان خاصة لدراسة هذه المهمة. 

على هامش هذه الخطة يظهر مستر همفر الذى يقول عن نفسه إنه كان محل ثقة وزير المستعمرات البريطانية منذ دخلها. 

المستعمرات البريطانية فى عدن

لا يحدد همفر فى مذكراته موعد دخوله إلى وزارة المستعمرات البريطانية ولا ظروف ذلك، لكنه يشيرإلى أنه عُهد إليه بمهمة شركة الهند الشرقية التى كانت تجارية بحتة، لكنها فى الباطن كانت تقوم بتعزيز سبل السيطرة على الهند وعلى طرقها الموصلة إلى هذه الأراضى الشاسعة بشبه القارة. 

لم تكن بريطانيا قلقة من الهند، فبها قوميات مختلفة وأديان متشتتة، ولغات متباينة، ومصالح متضاربة. 

ولم تكن قلقة كذلك من الصين؛ حيث تنتشر فيها البوذية والكنفوشيوسية، وهما دينان ميتان يهتمان بجوانب الروح ولا صلة لهما بالحياة، فلا خوف من قيامهما أو أن يسرى الشعور بالوطنية فيمن يدينون بهما. 

لكن ما كان يقلق بريطانيا بشكل حقيقى هو البلاد الإسلامية. 

يعدد همفر أسباب هذا الخوف على النحو التالى: 

أولًا: قوة الإسلام فى نفوس أبنائه.. فالرجل المسلم يلقى قياده إلى الإسلام بكل صلابة، حتى إنك ترى الإسلام فى نفس المسلم بمنزلة المسيحية فى نفوس القساوسة والرهبان، وتزهق نفوسهم ولا تخرج منها المسيحية. 

ثانيًا: الإسلام دين حياة وسيطرة.. وقد تحققت له السيادة ذات يوم، ومن الصعب أن تقول للسادة أنتم عبيد، لأن نخوة السيادة تدفع بالإنسان إلى التعالى مهما كان ما عليه من ضعف وانحطاط، ولم يكن بالإمكان تزييف تاريخ الإسلام حتى نشعر المسلمين بأن السيادة التى حازوها كانت بفعل ظروف خاصة قد ولّت إلى غير رجعة. 

ثالثًا: تحرك الوعى الإسلامى.. فقد كان هناك تخوف من تحرك الوعى فى نفوس آل عثمان وحكام فارس، بما يوجب فشل الخطط الرامية إلى السيطرة على العالم الإسلامى، صحيح أن الحكومتين قد بلغتا من الضعف مبلغًا كبيرًا، إلا أن وجود حكومة مركزية يواليها الناس وبيدها المال والسلاح يجعل الإنسان غير آمن. 

رابعًا: القلق من علماء المسلمين.. فقد كانوا أمنع سدًا أمام آمال بريطانيا، لأنهم كانوا فى غاية الجهل بمبادئ الحياة العصرية، وقد جعلوا نصب أعينهم الجنة التى وعدهم بها القرآن، فكانوا لا يتنازلون قدر شعرة عن مبادئهم، وكان الشعب يتبعهم والسلطان يخشاهم خوف الفئران من الهرة، صحيح أن أهل السُّنة كانوا أقل اتباعًا لعلمائهم، وأهل الشيعة أكثر ولاء لهم، إلا أن هذا الفرق لم يكن ليخفف شيئًا من القلق الذى كان يساور وزارة المستعمرات بل كل حكام بريطانيا العظمى. 

عقدت وزارة المستعمرات البريطانية عدة مؤتمرات للبحث فى هذه المشكلات، وكانت تجد أن الطريق فى كل مرة مسدود، وكانت التقارير التى تأتيهم بانتظام من العملاء والجواسيس من البلاد الإسلامية مخيبة للآمال، كما كانت نتائج المؤتمرات لها صفرًا أو تحت الصفر. 

يقول همفر: عقدنا مؤتمرًا ذات مرة حضره الوزير بشخصه ومعه أكبر القساوسة، وعدد من الخبراء، كان عددنا جميعًا عشرين شخصًا، وطال النقاش أكثر من ثلاث ساعات، وانتهينا دون أى نتيجة، إلا أن القس قال: لا تنزعجوا.. فإن المسيح لم يصل إلى الحكم إلا بعد ثلاثمائة سنة من الاضطهاد والتشريد والقتل له ولأتباعه، وعسى أن ينظر إلينا المسيح نظرة من ملكوته، فيمنحنا إزالة الكفار عن مراكزهم ولو بعد ثلاثمائة سنة، فعلينا أن نتسلح بالإيمان الراسخ والصبر الطويل واتخاذا كل الوسائل والسبل للسيطرة، ولو وصلنا إلى النتيجة بعد قرون، فإن الآباء يزرعون للأبناء. 

المستعمرات البريطانية فى الهند

وفى أحد المؤتمرات التى حضرها «همفر» تمت مناقشة سبل تمزيق المسلمين وسلخهم عن عقيدتهم وإرجاعهم إلى حظيرة الإيمان، كما رجعت إسبانيا إليها بعد قرون من غزو المسلمين البرابرة لها، لكن النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب. 

كانت بداية المهمة التى كُلف بها مستر همفر فى العام ١٧١٠ عندما أوفدته وزارة المستعمرات البريطانية إلى كل من مصر والعراق وطهران والحجاز والأستانة، ليجمع معلومات كافية تعزز سبل تمزيق المسلمين ونشر السيطرة على بلاد الإسلام، كما يقول، وأرسلت فى الوقت نفسه تسعة آخرين من خيرة الموظفين لدى الوزارة ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والحماس، وزودتهم بالمال الكافى والمعلومات اللازمة والخرائط الممكنة وأسماء الحكام والعلماء ورؤساء القبائل. 

فى وداع الجواسيس العشرة قال لهم سكرتير وزارة المستعمرات: على نجاحكم يتوقف مستقبل بلادنا، فأبدوا كل ما عندكم من طاقات للنجاح. 

وصل همفر إلى الأستانة وأطلق على نفسه اسم «محمد». 

 

يقول: بدأت أتردد على المسجد، وفيه التقيت عالمًا طاعنًا فى السن اسمه أحمد أفندم، وقلت له: أنا شاب مات أبى وأمى وليس لى أخوة، وتركوا لى شيئًا من المال، ففكرت أن أكتسب وأن أتعلم القرآن والسنة، فجئت إلى مركز الإسلام لأحصل على الدين والدنيا. 

ظل همفر فى الأستانة لمدة عامين. 

يقول: كان الرفاق التسعة الآخرون قد تلقوا أوامر من الوزارة لحضورهم إلى لندن كما تلقيت أنا أيضًا، لكن لسوء الحظ لم يرجع منا إلا ستة فقط، أما الأربعة الآخرون فقد صار أحدهم مسلمًا وبقى فى مصر، والتحق أحدهم بروسيا وظننا أنه كان جاسوسًا من قبل الروس فى وزارة المستعمرات، فلما انتهت مهمته رجع إلى بلاده، ومات الثالث فى العراق على إثر وباء اجتاح البلاد، ولم نعلم شيئًا عن مصير الرابع، رغم أن وزارة المستعمرات كانت تراقبه وهو فى اليمن، إلا أنه بعد عام انقطعت أخباره تمامًا عن الجميع. 

بعد ستة أشهر تم تكليف همفر بمهمة أخرى ولكنها هذه المرة كانت فى العراق. 

فى البصرة التقى همفر بمحمد بن عبدالوهاب. 

وهنا يمكننا أن نبدأ فى المحطة الثانية من المذكرات، عبر القصة التى رواها الجاسوس البريطانى عن علاقته بمؤسس الوهابية، وأعتقد أننا نحتاج إلى سماعه كما جاءت على لسانه دون مقاطعة، يقول همفر: 

تعرفت على شاب يعرف اللغات التركية والفارسية والعربية ويرتدى زى طلبة العلوم الدينية، وكان يسمى محمد بن عبدالوهاب، كان شابًا سموحًا للغاية عصبى المزاج، ناقمًا على الحكومة العثمانية، أما حكومة فارس فلم يكن له شأن بها، ولا أعلم من أين كان هذا الشاب يعرف اللغة الفارسية مع أنه كان من أهل السنة؟ 

كان محمد بن عبدالوهاب شابًا متحررًا لا يتعصب ضد الشيعة، كما أنه لم يكن يرى أى وزن لأتباع المذاهب الأربعة المتداولة بين أهل السنة، ويقول إنها ما أنزل الله بها من سلطان. 

صورة لعلماء سعوديين مجهولين من القرن التاسع عشر

وكان الشاب الطموح محمد يقلد فهم نفسه فى فهم القرآن والسنة، ويضرب بآراء المشايخ، لا مشايخ زمانه والمذاهب الأربعة فحسب بل بآراء أبى بكر وعمر، عرض الحائط، إذ فهم هو من الكتاب ما فهموه، وكان يقول: إن الرسول قال إنى تارك فيكم الكتاب والسنة، ولم يقل إنى تارك فيكم الكتاب والسنة والصحابة والمذاهب، ولذا فيجب اتباع الكتاب والسنة مهما كانت آراء المذاهب والصحابة والمشايخ مخالفة لذلك. 

 من أهم نقاط الضعف عند المسلمين الاختلاف بين السنة والشيعة وبين الحكام والشعوب وبين العلماء والحكومات

وجدت فى محمد بن عبدالوهاب ضالتى المنشودة، فإن تحرره وطموحه وتبرمه من مشايخ عصره ورأيه المستقل الذى لا يهتم حتى بالخلفاء الأربعة أمام ما يفهمه هو من القرآن والسنة كان أكبر نقاط الضعف التى تسللت منها إلى نفسه. 

كان الشيخ الشاب يزدرى أبى حنيفة، ويقول عن نفسه إننى أكثر فهمًا منه، وكان يقول إن نصف كتاب البخارى باطل. 

عقدت بينى وبين محمد أقوى الصلات والروابط، وكنت أنفخ فيه باستمرار، وأبين له أنه أكثر موهبة من على بن أبى طالب، ومن عمر، وأن الرسول لو كان حاضرًا لاختاره خليفة له دونهما، وكنت أقول له إننى أتمنى تجديد الإسلام على يدك، فأنت المنقذ الوحيد الذى يرجى به انتشال الإسلام من هذه السقطة. 

قررت أن نتناقش أنا ومحمد فى تفسير القرآن على ضوء أفكارنا الخاصة، لا على ضوء فهم الصحابة والمذاهب والمشايخ، وكنا نقرأ القرآن ونتكلم عن نقاط أقصد من ورائها إيقاعه فى الفخ، وكان يسترسل فى قبول آرائى ليظهر نفسه بمظهر المتحرر وليجلب ثقتى أكثر فأكثر. 

قلت له ذات مرة: الجهاد ليس واجبًا. 

قال: وكيف وقد قال الله جاهد الكفار؟ 

قلت: الله يقول جاهد الكفار والمنافقين، فإذا كان الجهاد واجبًا فلماذا لم يجاهد الرسول المنافقين؟ 

قال: جاهدهم الرسول بلسانه. 

قلت: إذن فجهاد الكفار أيضًا واجب باللسان. 

قال: لكن الرسول حارب الكفار. 

قلت: حرب الرسول كانت دفاعًا عن النفس، حيث إن الكفار أرادوا قتل الرسول فدفعهم، فهز محمد رأسه علامة الرضًا. 

وقلت له ذات مرة: متعة النساء جائزة، لأن الله يقول «فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن»، 

قال: عمر حرّم المتعة عندما قال «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما». 

قلت: أنت تقول أنا أعلم من عمر، فلماذا تتبع عمر؟ وإذا قال عمر إنه حرمهما وأن الرسول حللهما، فلماذا تترك رأى القرآن ورأى الرسول وتأخذ برأى عمر؟ 

أثرت فيه الغريزة الجنسية ولم تكن له إذ ذاك زوجة. 

قلت له: ألا نتحرر أنا وأنت ونتخذ متعة نستمتع بها؟

فهز رأسه موافقًا، فاغتنمت الفرصة وقررت موعدًا لآتى إليه بامرأة ليتمتع بها، وكان همى أن أكسر خوفه من مخالفة الناس، لكنه اشترط علىّ أن يكون الأمر سرًا بينى وبينه وألا أخبر المرأة باسمه. 

ذهبت إلى بعض النساء اللاتى كن مجندات من قبل وزارة المستعمرات لإفساد الشباب المسلم، ونقلت لإحداهن القصة، وجعلت لها اسم صفية، وفى يوم الموعد ذهبت بالشيخ محمد إلى دارها، وكانت الدار خالية إلا منها، فقرأنا أنا والشيخ صيغة العقد لمدة أسبوع، وأمهرها الشيخ نقدًا ذهبيًا، فأخذت أنا من الخارج وصفية من الداخل نتراوح على توجيه الشيخ الشاب. 

أخذت صفية من محمد كل مأخذ، وتذوق حلاوة مخالفة أوامر الشريعة تحت غطاء الاجتهاد والاستقلال فى الرأى والحرية. 

وفى اليوم الثالث من المتعة أجريت معه حوارًا طويلًا عن عدم تحريم الخمر، وكلما استدل بالآيات القرآنية والأحاديث زيفتها، وقلت له أخيرًا: لقد صح أن معاوية ويزيد وخلفاء بنى أمية وخلفاء بنى العباس كانوا يتعاطون الخمر، فهل من الممكن أن يكون كل أولئك على ضلال وأنت على صواب؟ 

 القرآن يقول «وأن تصوموا خير لكم» ولم يقل إنه واجب عليكم.. فالصوم بنظر الإسلام مندوب وليس بواجب

إنهم لا شك كانوا أفهم لكتاب الله وسنة الرسول، مما يدل على أنهم لم يفهموا التحريم وإنما فهموا الكراهة والإعافة، وفى الأسفار المقدسة لليهود والنصارى إباحة الخمر، فهل يعقل أن يكون الخمر حرامًا فى دين وحلالًا فى دين، والأديان كلها من عند إله واحد؟ ثم إن الرواة رووا أن عمر شرب الخمر حتى نزلت الآية «فهل أنتم منتهون»، ولو كانت الخمر حرامًا لعاقبه الرسول، فعدم عقاب الرسول دليل الحليّة. 

أخذ محمد يسمعنى بكل قلبه، ثم تنهد وقال: بل ثبت فى الأخبار أن عمر كان يكسر الخمر بالماء ويشربها، ويقول إن سكرها هو الحرام، وكان عمر صحيح الفهم فى ذلك، لأن القرآن يقول «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة»، فإذا لم تسكر الخمر لم تفعل هذه الأمور التى ذكرت فى الآية، وعليه فلا نهى عن الخمر إذا لم تكن مسكرة. 

أخبرت صفية بما جرى، وأكدت عليها أن تسقى الشيخ، ففعلت، وأخبرتنى بعد ذلك أنه شرب حتى الثمالة، وعربد معها فى تلك الليلة، ويالها من روعة تلك الكلمة الذهبية التى قالها وزير المستعمرات حين ودعته، قال: إننا استرجعنا إسبانيا من الكفار- يقصد المسلمين- بالخمر وبالبغاء، فلنحاول أن نسترجع سائر بلادنا بهاتين القوتين العظيمتين. 

وذات مرة تكلمت مع الشيخ عن الصوم. 

قلت له: إن القرآن يقول «وأن تصوموا خير لكم» ولم يقل إنه واجب عليكم، فالصوم بنظر الإسلام مندوب وليس بواجب، لكنه قاوم الفكرة، وقال: أنت تريد أن تخرجنى من دينى، فقلت له: يا وهاب إن الدين هو صفاء القلب وسلامة الروح وعدم الاعتداء على الآخرين، ألم يقل الله فى القرآن «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين»، فإذا حصل للإنسان اليقين بالله واليوم الآخر، وكان طيب القلب، نظيف العمل، كان أفضل الناس، لكنه هز رأسه علامة للنفى وعدم الارتياح. 

المستعمرات البريطانية فى مصر والعراق والحجاز وطهران

وهكذا أخذت أسحب رداء الإيمان عن عاتق الشيخ شيئًا فشيئًا، وأردت ذات مرة أن أناقشه حول الرسول، لكنه صمد فى وجهى صمودًا كبيرًا، وقال لى: إن تكلمت بعد ذلك حول هذا الموضوع قطعت علاقتى بك. وخشيت أن ينهار كل ما بنيته، فأحجمت عن الكلام حول الرسول، لكنى أخذت فى إذكاء روحه فى أن يكون لنفسه طريقًا ثالثًا غير السنة والشيعة، وكان يستجيب لهذا الإيحاء كل استجابة، لأنه كان يملأ غروره وتحرره.

كنت أكتب بالنتائج إلى الوزارة كل شهر مرة، وكان الجواب يأتينى بالتشجيع، فكنت أنا ومحمد نسير فى الطريق الذى رسمناه بخطة سريعة، ولم أكن أفارقه لا فى السفر ولا فى الحضر، وكانت مهمتى أن أربى فيه روح الاستقلال والحرية وحالة التشكيك، وكنت أبشره دائمًا بمستقبل زاهر وأمدح فيه روحه الوقادة ونفسه النقادة. 

ولفقت له ذات مرة حلمًا، وقلت له: إنى رأيت البارحة فى المنام رسول الله- ووصفته له بما كنت سمعته من خطباء المنابر- جالسًا على كرسى وحوله جماعة من العلماء لم أعرف أحدًا منهم، وإذا بى أراك قد دخلت ووجهك يشرق نورًا، فلما وصلت إلى الرسول قام إجلالًا لك، وقبّل بين عينيك، وقال لك: يا محمد أنت سميى ووارث علمى والقائم مقامى فى إدراة شئون الدين والدنيا، فقلت أنت: يا رسول الله إنى أخاف أن أظهر علمى على الناس؟ فقال لك: لا تخف إنك أنت الأعلى. فلما سمع منى كاد أن يطير فرحًا، وسألنى مكررًا: هل أنت صادق فى رؤياك؟ وكلما سأل أجبته بالإيجاب حتى اطمأن، وأظن أنه صمم من ذلك اليوم على إظهار أمره. 

تركت البصرة متجهًا إلى كربلاء والنجف، قضيت فيهما أربعة أشهر، كنت خلالها قلقًا أشد القلق على مصير محمد بن عبدالوهاب، حيث كنت لا آمن عليه من الانحراف عن الطريقة التى رسمتها له، لأنه كان شديد التلون عصبى المزاج، فكنت أخشى أن تنهار كل آمالى التى بنيتها عليه. 

حين فارقته قال لى إنه ينوى الذهاب إلى الأستانة ليتطلع إليها، لكنى منعته عن ذلك أشد المنع، وقلت له إننى أخاف أن تقول هناك شيئًا يوجب أن يكفروك ويقتلوك، ولكن كان فى نفسى شىء آخر، وهو أن يلتقى بعض العلماء هناك فيقوّمون معوّجه، ويرجعونه إلى طريق أهل السنة فتنهار كل آمالى. 

ولما كان الشيخ محمد لا يريد الإقامة فى البصرة، فقد أشرت عليه بأن يذهب إلى أصفهان وشيراز، لأن أهلهما من الشيعة ومن المستبعد أن يؤثروا فيه، وزودته بالمال واشتريت له دابة كهدية وفارقته. 

عدت إلى لندن، وقدمت تقريرًا كاملًا عما فعلته مع محمد بن عبدالوهاب، فأبدى وزير المستعمرات البريطانية ارتياحه الشديد من السيطرة على محمد، وقال لى: إنه ضالة الوزارة، ولو لم تحصل إلا عليه لكان جديرًا بكل ما بذلته من تعب.

عدت إلى بغداد مرة أخرى، لإكمال ما بدأته مع محمد بن عبدالوهاب، وأمرنى سكرتير الوزارة بألا أفرط فى حقه مقدار ذرة، فقد أكدت تقارير العملاء الذين تابعوه فى غيابى أن الشيخ أفضل شخص يمكن الاعتماد عليه ليكون مطية لمآرب الوزارة. 

قال السكرتير: تكلم مع الشيخ بصراحة، وقال إن عميلنا فى أصفهان تكلم معه بصراحة، وقبل الشيخ على شرط أن نحفظه من الحكومات والعلماء الذين لا بد وأن يهاجموه بكل السبل حينما يبدى آراءه وأفكاره، وأن يزوده بالمال الكافى والسلاح إذا اقتضى الأمر ذلك، وأن نجعل له إمارة ولو صغيرة فى أطراف نجد، وقد قبلت الوزارة ذلك. 

كدت أخرج عن جلدى من شدة الفرح بهذا النبأ، ثم قلت للسكرتير: إذن فما هو العمل الآن؟ وبماذا أكلف الشيخ؟ ومن أين أبدأ؟ 

قال السكرتير: لقد وضعت الوزارة خطة دقيقة لينفذها الشيخ، وهى: 

أولًا: تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم فى أسواق النخاسة وجعلهم عبيدًا وجوارى. 

ثانيًا: هدم الكعبة باسم أنها آثار وثنية إن أمكن، ومنع الناس عن الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم. 

ثالثًا: السعى لخلع طاعة الخليفة، والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك، ومن اللازم أيضًا محاربة أشراف الحجاز بكل الوسائل الممكنة والتقليل من نفوذهم. 

رابعًا: هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين فى مكة والمدينة وسائر البلاد، التى يمكنه ذلك فيها، باسم أنها وثنية وشرك والاستهانة بشخصية النبى محمد وخلفائه ورجال الإسلام مما يتيسر. 

خامسًا: نشر قرآن فيه التعديل الذى ثبت فى الأحاديث من زيادة ونقيصة. 

قال السكرتير لى بعدما بين البرنامج: لا يهولنك هذا البرنامج الضخم، فإن الواجب علينا أن نبذر البذرة وستأتى الأجيال الآتية لتكمل المسيرة، وقد اعتادت حكومة بريطانيا العظمى على النفس الطويل، والسير خطوة خطوة، وهل النبى محمد إلا رجل واحد تمكن من ذلك الانقلاب المذهل؟ فليكن محمد بن عبدالوهاب مثل نبيه؛ ليتمكن من هذا الانقلاب المنشود. 

بعد أيام استأذنت الوزير والسكرتير وعدت إلى البصرة، وعرفت أن الشيخ عاد إلى نجد، فسافرت ووصلت إليه بعد مشقة بالغة، فوجدته فى داره، اتفقنا أن أجعل نفسى عبدًا له اشتراه من السوق، وتلقانى الناس بهذه الصفة، وهيأنا الترتيب اللازم لإظهار الدعوة. 

وفى سنة ١١٤٣- وهى بين سنتى ١٧٣٠ و١٧٣١ ميلادية- قويت عزيمته، وجمع أنصارًا لا بأس بهم، فأظهر الدعوة بكلمات مبهمة وألفاظ مجملة لأخص خواصه، ثم جعل يوسع رقعة الدعوة، وألففت أنا حوله عصابة شديدة المراس، زودناهم بالمال، وكنت أشد عزيمتهم كلما أصابهم خور من أجل مهاجمة أعدائه له، وكلما أظهر الدعوة أكثر صار أعداؤه أكثر، وأحيانًا كان يريد التراجع من ضغط الشائعات ضده، لكنى كنت أشد من عزيمته، وأقول له: إن محمد النبى رأى أكثر من ذلك، وأن هذا هو طريق المجد، وأن كل مصلح لا بد أن يتلقى العنت والإرهاق. 

هكذا كنا مع الأعداء بين الكر والفر، ووضعت على أعداء الشيخ جواسيس اشتريتهم بالمال، فكلما أرادوا إثارة فتنة أخبرنا الجواسيس بقصدهم، فنتمكن من قلب اللحظة، وذات مرة أخبرت أن بعض أعدائه أرادوا اغتياله، فوضعت الترتيبات اللازمة لإفشال الخطة، ولما ظهر قصد أعدائه بإرادتهم اغتيال الشيخ، انقلبت الخطة عليهم وأخذ الناس ينفرون منهم. 

وعدنى الشيخ بتنفيذ الخطة، إلا أنه قال: لن أتمكن فى الحال الحاضر إلا على الجهر ببعضها، ولن أقدر على هدم الكعبة عند الاستيلاء عليها، ولن أستطيع الإعلان أنها وثنية، كما لن أستطيع صياغة قرآن جديد. 

كان أشد خوفه من السلطة فى مكة وفى الآستانة، وكان يقول: إذا أظهرنا هذين الأمرين لا بد وأن تجهز لنا جيوش لا قبل لنا بها، وقبلت منه العذر؛ لأن الأجواء لم تكن مهيأة. 

بعد سنوات من العمل تمكنت الوزارة من جلب محمد بن سعود إلى جانبنا، فأرسلوا رسولًا يبين لى ذلك، ويظهر وجوب التعاون بين المحمدين، فمن محمد بن عبدالوهاب الدين، ومن محمد بن سعود السلطة، ليستولوا على قلوب الناس وأجسادهم. 

كانت الوزارة تزود الحكومة الجديدة سرًا بالمال الكافى، كما اشترت الحكومة فى الظاهر عددًا من العبيد كانوا خيرة ضباط الوزارة الذين دربوا على اللغة العربية والحروب الصحراوية، فكنت أنا وإياهم نتعاون بوضع الخطط اللازمة، وكان المحمدان يسيران على ما نضع لهما من الخطط، وكثيرًا ما كنا نتناقش فى الأمر مناقشة موضوعية، إذا لم يكن الأمر خاصًا من الوزارة. 

انتهى حتى هنا ما رواه همفر عن علاقته بمحمد بن عبدالوهاب، وهو ما يقودنا إلى المحطة الثالثة، وهى الخطة الشاملة التى وضعتها وزارة المستعمرات البريطانية لغزو العالم الإسلامى دينيا. 

قبل أن يتوجه همفر إلى البصرة ليلتقى محمد بن عبدالوهاب لإطلاق الخطة، وضعت وزارة المستعمرات البريطانية بين يديه كتابًا من ألف صفحة، به خطة كاملة أطلقوا عليها «تحطيم الإسلام». 

استعرض همفر محتوى الكتاب فى مذكراته. 

يقول عنه: طالعت الكتاب بدقة وإمعان، وظهرت لى آفاق جديدة من المعرفة بأوضاع المسلمين، وعرفت كيفية تفكيرهم، ولماذا هم متأخرون؟ وما هى نقاط ضعفهم ونقاط قوتهم، وكيف يلزم العمل لهدمهم وتبديل نقاط القوة إلى نقاط ضعف؟ 

كانت نقاط الضعف عند المسلمين، كما ظهرت فى الكتاب، الاختلاف بين السنة والشيعة وبين الحكام والشعوب وبين العلماء والحكومات، والجهل والأمية التى تكاد تستوعب المسلمين إلا نادرًا، وخمول الروح وذبول المعرفة وفقدان الوعى، وترك الدنيا كلية والتعلق بالآخرة والعمل لها وحدها، وديكتاتورية الحكام والاستبداد الشامل، وعدم أمن الطرق وانقطاع المواصلات إلا بقدر قليل، وتدهور الصحة العامة حتى إن الطاعون والوباء يجتاحان البلاد بصورة مستمرة تقريبًا يجرفان عشرات الألوف فى كل وجبة. 

ومن نقاط الضعف أيضًا: خراب البلاد وانسداد الأنهار وقلة المزارع، والفوضى فى كل شئون الإدارة، فلا نظام ولا مقاييس ولا موازين ولا قوانين، وهم وإن كانوا كثيرى الاعتزاز بالقرآن، إلا أن العمل بقوانينه يكاد يكون معدومًا، وتدهور الاقتصاد تدهورًا مشينًا، فالفقر ضارب بجذوره فى كل مكان، وعدم وجود جيوش نظامية وعدم السلاح الكافى ورداءة الموجود منه، واحتقار المرأة وهضم حقها، والوساخة والقذارة فى الأسواق والشوارع والأجسام. 

أما نقاط القوة كما جاءت فى الكتاب، فهى أن المسلمين لا يعيرون الاهتمام بالقوميات والإقليميات واللغات وسوابق البلاد، ويحرمون الربا والاحتكار والبغاء والخمر والخنزير، ويتعلقون بعلمائهم أشد التعلق، وتحترم طائفة كبيرة من السنة الخليفة ويعتبرونه مثالًا للرسول تجب طاعته كما تجب طاعة الله والرسول، ويوجبون الجهاد، ويعتقدون أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ويمارسون العبادات ممارسة شديدة، ويتمسكون بالعقيدة تمسكًا شديدًا، ويربون أولادهم تربية دقيقة على طريقة الآباء والأجداد حتى يستحيل الفصل بينهم. 

ومن نقاط القوة أيضًا أن فى أوساط المسلمين كثرة من المنتسبين إلى الرسول، وعند أهل الشيعة الحسينيات التى تجمعهم فى مواسم خاصة فيقوى الواعظ الدينى الإيمان فى نفوسهم ويحرضهم على العمل الصالح، وعندهم يجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، واستحباب الزواج وكثرة النسل، ولديهم تقييم كبير للقرآن والحديث، واتباعهما يوجب الجنة والثواب. 

ويضع الكتاب دليلًا للعمل من أجل توسيع نقاط الضعف بين المسلمين، وذلك من خلال الآتى: 

أولًا: تكثير سوء الظن بين الفئات المتنازعة، ونشر الكتب التى تطعن فى هذه الفئة وتلك، وبذل المال الكافى فى سبيل التخريب والتفرقة. 

ثانيًا: الإبقاء على الجهل بمنع فتح المدارس، وإحراق ما يمكن إحراقه من الكتب، وصرف الناس عن إدخال أولادهم فى المدارس الدينية بتلفيق الاتهامات ضد رجال الدين. 

ثالثًا: إبقاؤهم فى حالة اللا وعى بتزيين الجنة أمامهم، وتوسيع حلقات أدعياء التصوف، وترويج كتب الخوارج وكتابات ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من دعاة السلفية. 

رابعًا: تقوية ديكتاتورية الحكام ببيان أنهم ظل الله على الأرض. 

خامسًا: الإبقاء على عدم أمن السبل بإلهاء الحكام عن معاقبة اللصوص، وتقوية جانب اللصوص وإعطائهم السلاح وإغرائهم بالعمل المستمر فى طريق اللصوصية. 

سادسًا: الإبقاء على حالتهم اللا صحية بنشر مذهب القدر فيهم، وأن كل ذلك من الله، فلا فائدة فى العلاج، فالشفاء بيد الله، والموت بيد الله، فلا سبيل للشفاء إلا بإرادته ولا مهرب من الموت الذى هو قضاء الله وقدره. 

سابعًا: الإبقاء على الخراب والفوضى ببيان أن الإسلام دين العبادة ولا نظام فيه، فلم يكن لمحمد أو خلفائه وزراء ولا إدارات ولا قوانين. 

ثامنًا: الإمعان فى تدهور الاقتصاد بزيادة إحراق المحاصيل وإغراق البواخر التجارية، وإحراق الأسواق وكسر السدود، وإلقاء السم فى المشارب العامة.

تاسعًا: إلهاء الحكام بالفساد والخمر والقمار، وتبذير الأموال فى الأمور الشخصية، لكى لا يبقى المال الكافى للسلاح ورواتب الجنود فى الجيوش. 

عاشرًا: إشاعة أن الإسلام احتقر المرأة. 

ويضع الكتاب كذلك دليلًا لطمس قوة المسلمين على النحو التالى: 

أولًا: إحياء النعرات القومية والإقليمية واللغوية واللونية. 

ثانيًا: إشاعة الخمر والقمار والبغاء ولحم الخنزير إن جهرًا أو سرًا، والتعاون الوثيق مع اليهود والنصارى والمجوس والصابئة الذين يقطنون بلاد المسلمين فى سبيل إحياء هذه الأمور. 

ثالثًا: نشر الربا بكل صوره، وتوضيح أن الحرام هو الربا المضاعف. 

رابعًا: إضعاف صلة المسلمين بعلمائهم، بإلصاق التهم بالعلماء، وإدخال بعض العملاء فى زى العلماء، ثم يرتكبون الجرائم ليشتبه كل رجل دين عندهم، هل هو عالم أو عميل؟ وإدخال أمثال هؤلاء فى الأزهر والآستانة والنجف وكربلاء، وفتح مدارس بواسطة العملاء؛ ليربوا أطفال المسلمين على كره العلماء. 

خامسًا: التشكيك فى أمر الجهاد، وأنه كان أمرًا وقتيًا انقضى لانقضاء زمانه. 

سادسًا: صرف المسلمين عن العبادات والتشكيك فى جدواها، لأن الله غنى عن طاعة الناس، وصرفهم عن الحج وصلاة الجماعة والحسينيات، ومنع بناء المساجد والمشاهد. 

سابعًا: التشكيك فى الخمس، وأنه خاص بالغنائم المتحصلة من دار الحرب، والتأكيد على أن العلماء يشترون الدور والقصور والدواب والبساتين بأموال الناس، فلا يجوز شرعًا دفع الخمس لهم. 

ثامنًا: التشكيك فى العقيدة، واتهام الإسلام بأنه دين التخلف والفوضى، لذلك تخلفت بلاد الإسلام وكثر فيها الاضطراب والسرقة. 

تاسعًا: الفصل بين الآباء والآبناء؛ حتى يخرج الأبناء عن طاعة الآباء، ونقوم نحن بتربيتهم فينفصلوا بذلك عن العقيدة والتوجيه الدينى والصلة بالعلماء. 

عاشرًا: إغراء المرأة بإخراجها عن العبادة، بحجة أن الحجاب عادة ليست من الإسلام. 

حادى عشر: هدم مقابر الرسول والخلفاء، بحجة أنها لم تكن فى عصر النبى، والتشكيك فى نسب من ينتمون إلى الرسول، وهدم الحسينينات واتهام أصحابها بالبدع والضلال، ومنع الناس عن ارتيادها بكل الوسائل. 

ثانى عشر: الدعوة إلى الحرية، فلكل إنسان أن يفعل ما يريد من الأعمال، فلا يجب الأمر بالمعروف أو النهى عن المنكر. 

ثالث عشر: الدعوة لتحديد النسل. 

رابع عشر: منع التبشير بالإسلام، وإشاعة أن الإسلام دين قومى، وأن القرآن يقول «وإنه لذكر لك ولقومك». 

خامس عشر: تضييق السنن الحسنة، وجعل أمرها بيد الدولة، فلا يحق لأحد أن يبنى مسجدًا أو مدرسة. 

سادس عشر: التشكيك فى القرآن ونشر قوانين مزيفة فيها زيادات ونقائص، وإسقاط الآيات التى تسب اليهود والنصارى والكفار، وإسقاط آيات الجهاد والأمر بالمعروف، وعدم ترجمة القرآن، ومنع الأذان والصلاة والدعاء باللغة العربية فى غير بلاد العرب، والتشكيك فى الأحاديث المروية، وألا يعمل بها كما يعمل بالقرآن لما فيها من التحريف. 

قرأ همفر الكتاب، فوجد سكرتير الوزارة يقول له: اعلم أنك لست وحدك فى الميدان، بل هناك جنود مخلصون يعملون نفس عملك، والذين جندتهم الوزارة إلى الآن لهذه المهمة أكثر من خمسة آلاف شخص، وتفكر الوزارة فى أن تزيد عددهم إلى مائة ألف.

وأضاف السكرتير: وإنى أبشرك أن أقصى مدة تحتاجها الوزارة لإكمال هذه الخطة هى قرن من الزمان، ولو لم نصل نحن إلى ذلك الزمان، فإن أبناءنا سوف يرون ذلك بأعينهم، وما أروع مثل القائل: غيرى زرع فأكلت.. وأنا أزرع حتى يأكل غيرى. 

لم يكن هذا الكتاب وحده ما وضعته وزارة المستعمرات البريطانية لتحطيم الإسلام كما خططت، كانت هناك وثيقة أخرى من خمسين صفحة اطلع عليها همفر أيضًا، وهى الوثيقة التى كانت موجهة إلى الرؤساء العاملين فى الوزارة، وهى من أربعة عشر بندًا، وكانت هناك توجيهات بعدم إفشائها وكتمان أمرها أشد الكتمان، حتى لا يطلع عليها المسلمون، وجاء فيها الآتى: 

أولًا: التعاون مع قياصرة روسيا للاستيلاء على المنطقة الإسلامية من بخارى وطاجكستان وأرمينيا وخراسان، وأطراف بلاد الترك المحاذية لروسيا. 

ثانيًا: التعاون مع فرنسا وروسيا لوضع خطة شاملة لتحطيم العالم الإسلامى من الداخل والخارج. 

ثالثًا: إثارة النزاعات والخلافات الشديدة بين الدولتين التركية والفارسية، وإذكاء الطائفية والعرقية بين الجانبين، وإشعال النزاعات بين كل متجاورين من القبائل والشعوب الإسلامية.

رابعًا: إعطاء قطع من البلاد الإسلامية لغير المسلمين، يثرب لليهود والإسكندرية للمسيحيين ويزد للزرادشت البارسيين، وعمارة للصابئة وكرمانشاه لمن يؤلهون على بن أبى طالب، والموصل لليزيدية وخليج فارس للهندوك وطرابلس للدروز وقار للعلويين ومسقط للخوارج، وتقوية هؤلاء بالمال والسلاح والخطط، ليكونوا شوكة فى جسم الإسلام. 

خامسًا: التخطيط لتبضيع حكومتى الإسلام التركية والفارسية إلى أكبر عدد ممكن من الحكومات المحلية الصغيرة المتنازعة. 

سادسًا: زرع الأديان والمذاهب المزيفة فى جسم بلاد الإسلام، والتخطيط الدقيق الذى يلائم كل دين من تلك الأديان مع هوى جمع من أهل البلاد، وجعل المذاهب الأربعة السنية أديانًا مستقلة لا ارتباط بينها، وإعادة الخلافات الدموية بينها، والدس فى كتبها حتى يرى أصحاب كل فئة منهم أنهم المسلمون فقط، وأن ما عداهم كفار يجب قتلهم وإبادتهم. 

سابعًا: نشر الفساد بين المسلمين، وأفضل وسيلة لذلك هم أصحاب الأديان السابقة الباقية فى هذه البلاد، ولا بد من تكوين جيش كثيف لهذه الغاية. 

ثامنًا: تمرير الخطط من خلال الحكام، وإن أمكن أن يكون الحاكم غير مسلم، فهو المفضل، ومن الضرورى إدخال أفراد فى الإسلام صورة، ثم إيصالهم إلى مراكز الحكم لتطبيق الخطط بواسطتهم. 

تاسعًا: منع اللغة العربية، حسب الإمكان، وتوسيع اللغات غير العربية، وإحياء اللغات الأصلية الدائرة فى البلاد العربية، وتوسيع نطاق اللهجات المحلية المتفرعة عن العربية، التى توجب قطع العرب عن اللغة الفصيحة التى هى لغة القرآن. 

عاشرًا: زرع العملاء حول الحكام وإيصالهم إلى رتبة المستشارين، ومن أفضل السبل إلى ذلك العبيد والجوارى أصحاب الكفاءات العالية، وتربية هؤلاء ثم بيعهم فى أسواق النخاسة إلى المقربين من الحكام حتى يتقربوا إليهم تدريجيًا. 

حادى عشر: توسيع نطاق المبشرين من كل صنف خصوصًا المحاسبين والأطباء والمهندسين، وزرع الكنائس والمدارس والمصحات ودور الكتب والجمعيات الخيرية ونشر ملايين الكتب المسيحية فى أوساط المسلمين مجانًا، والاهتمام بوضع التاريخ المسيحى إلى جانب التاريخ الإسلامى، وزرع الجواسيس والعملاء فى الأديرة والصوامع باسم الرهبان والراهبات، ومهمتهم تسهيل الاتصالات والتحركات المسيحية، واستطلاع حركات المسلمين أوضاعهم وشئونهم. 

ثانى عشر: تمييع شباب المسلمين بناتًا وأولادًا، وتشكيكهم فى دينهم وتفسيد أخلاقهم عن طريق المدارس والكتب والنوادى والنشرات والأصدقاء من غير المسلمين، ومن الضرورى تكوين جمعيات سرية من شباب اليهود والنصارى وغيرهما من أجل أن يكونوا مصائد لصيد شباب المسلمين بكل الطرق. 

ثالث عشر: إشعال الحروب والثورات الداخلية والحدودية بين المسلمين وغير المسلمين، وبين المسلمين وأنفسهم على طول الزمان لتستنفد قواهم وتشغلهم عن التفكير فى التقدم وتوحيد الصف، ولتستنزف طاقاتهم الفكرية ومواردهم المالية وتفنى شبابهم وذوى النشاط فيهم، وتنشر الفوضى والشغب فيهم.

رابع عشر: تحطيم كل أنواع اقتصاداتهم من مزارع ومعايش وسدود وطمس الأنهار والسعى لتفشى البطالة فيهم بتنفيرهم عن العمل وتكثير مستعملى الأفيون وسائر المواد المخدرة. 

يصدق كثيرون كل ما جاء فى هذا الكتاب، وأغلب الظن أنهم يفعلون ذلك لأسباب نفسية. 

فالتراجع الشديد الذى نعانى منه، والانحطاط الأشد الذى يحيط بنا من كل مكان، لابد أن تكون وراءهما أسباب، ولأننا لا نريد أن نعترف بأننا السبب الرئيسى فى تخلفنا وانحطاطنا، فإننا نصدق كل من يقول لنا إن هناك مؤامرة علينا. 

لا يعنى ذلك أننى أنفى وجود مؤامرة، فطول الوقت هناك مؤامرة فى التاريخ، لكننى أستبعد أن يكون الأمر تم بهذه الصورة التى جاءت فى مذكرات الجاسوس البريطانى همفر، التى يؤكد كثيرون أنها ليست حقيقية، وأن من كتبوها ونسبوها إليه فعلوا ذلك للإساءة إلى الحركة الوهابية ومؤسسها محمد بن عبدالوهاب، دون النظر إلى نشأة هذه الحركة وظهورها للنور فى هذه الفترة التاريخية. 

ولأننا نحقق سويًا فيما جرى، فلا بد أن نتوقف عند إشارات مهمة. 

فالمدعو محمد همفر ظهر مع السنوات الأولى للقرن الثامن عشر، وطبقًا للمذكرات المنتشرة فإنه زار البصرة فى العام ١٧١٢، حيث التقى هناك بمحمد بن عبدالوهاب، وأنه كان وقتها يتحدث التركية والفارسية إلى جانب لغته العربية. 

المفاجأة أن محمد بن عبدالوهاب من مواليد العام ١٧٠٣، وهو ما يعنى أن عمره كان ٩ سنوات فى الفترة التى قال همفر إنه قابله فيها فى البصرة. 

ثم وهذا هو المهم أن محمد عبدالوهاب، وطبقًا لسيرته الرسمية فإنه لم يغادر نجد حتى العام ١٧٢٢، ولم يخرج وقتها إلى البصرة، بل سافر إلى مكة لأداء فريضة الحج، وهو ما يستحيل معه أن يكون التقى بهمفر أو غير همفر. 

الكتاب نفسه يثير الشك والريبة، فاسم المؤلف ليس كاملًا، واسم المترجم مكتوب بالحروف الأولى، لا يوجد اسم لدار النشر، ولا للمطبعة، وكأنه طفل لقيط ألقاه والده على قارعة الطريق، وهو ما كان سببًا فى البحث عن أصله وفصله. 

وهنا يمكننا أن نستعين بكتاب سليمان بن صالح الخراشى الصادر فى العام ٢٠١٠ وعنوانه «أكذوبة مذكرات الجاسوس البريطانى همفر»، الذى عدد أسبابه للتأكيد على أن هذه المذكرات مختلقة تمامًا، وقد جاءت أسبابه على النحو التالى: 

أولًا: لا يوجد أى مصدر إنجليزى لمذكرات الإنجليزى همفر، بل لا توجد لها فى أى مكتبة أمريكية أو بريطانية نسخة بلغتها الأصلية التى ترجمت عنها إلى اللغة العربية. 

ثانيًا: همفر اسم وهمى لا توجد عنه معلومات تفصيلية، من حيث اسمه ورتبته وما يتعلق بوظيفته ومهمته من كتب ووثائق الحكومة البريطانية. 

ثالثًا: النسخة العربية المطبوعة من هذه المذكرات لم يذكر فيها أى معلومات عن مصدرها أو مؤلفها، والنسخة الأصلية التى ترجمت عنها، وهل هى مطبوعة أم مخطوطة؟ وبأى لغة؟.

رابعًا: فى نهاية المذكرات المنشورة ورد تاريخ ٢ أكتوبر ١٩٧٣، فما المقصود به؟ هل هو تاريخ كتابة همفر مذكراته، وهو الذى عاش فى القرن الثامن عشر؟ أم تاريخ ترجمة المذكرات؟ أم أنه تاريخ اختلاقها من الأساس؟ 

ويتوقف مؤلف الكتاب عند ثلاثة ملامح أساسية تنسف هذه المذكرات من الأساس. 

الملمح الأول فى وصف همفر بريطانيا فى بداية مذكراته بأنها الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس، ففى تلك الفترة لم يكن هناك وجود لشىء اسمه الإمبراطورية البريطانية التى لا تغيب عنها الشمس، فقد احتلت بريطانيا الهند سنة ١٨١٩، واحتلت بورما سنة ١٩٢٤، واحتلت الصين سنة ١٨٤٢، واحتلت مصر سنة ١٨٢٤، فكيف يصفها بوصف لم تستحقه إلا بعد أعوام؟ 

الملمح الثانى كان وصفه الدولة العثمانية بأنها الرجل المريض، مع أن إطلاق هذا الوصف على الدولة العثمانية بدأ مع بدايات القرن العشرين، مع ظهور بوادر ضعفها وتفككها، أما فى زمن همفر وهو بداية القرن الثامن عشر فقد كانت الدولة العثمانية إمبراطورية ضخمة تحارب فى عدة جبهات. 

الملمح الثالث هو تأكيده أنه كان يعمل لصالح وزارة المستعمرات البريطانية، وأن ذلك تم من العام ١٧٠٠، وفى هذا الوقت لم تكن هناك وزارة مستعمرات بريطانية من الأساس، وكل ما كان هناك شركات تجارية استعمارية استغلت التجارة فى غزو البلاد.

إذا كانت المذكرات مختلقة، وهو ما أميل إليه، فمن الذى كتبها؟ 

هناك أكثر من رأى. 

الرأى الأول يميل إلى أن مؤلف هذه المذكرات هو أيوب صبرى باشا، وهو كاتب عثمانى درس فى الأكاديمية البحرية وحصل على رتبة ضابط وخدم لفترة فى الحجاز واليمن، وكتب العديد من الأعمال التاريخية حول الدولة السعودية، وتوفى فى العام ١٨٩٠، وهدف من ورائها إلى تشويه الدعوة الوهابية والكيد للدولة السعودية. 

وهناك من يؤكد أن المذكرات كتبها محمد الشيرازى، وهو عالم شيعى كان يعيش فى الكويت، ثم انتقل بعد ذلك إلى إيران بعد ثورة الخومينى فى العام ١٩٧٩، وأن هناك من شهد عليه، بل ورأى نسخًا من الكتاب تصدر وتباع فى إيران لدى أتباع محمد الشيرازى. 

السعى وراء حقيقة هذه المذكرات ليس دفاعًا عن أحد، ففى المكتبة العربية، وتحديدًا السعودية كتابات كثيرة تفند أكذوبتها الكبرى، وتكشف من وقفوا وراءها للإساءة إلى الدولة السعودية، وليس الحركة الوهابية فقط. 

كل ما أريده هو تبديد وهم ما جاء فى هذه المذكرات. 

فالواقع الآن أن هناك من يتبنون ما جاء فيها بعيدًا عن الخلاف مع محمد بن عبدالوهاب أو الحركة الوهابية، ويعتبرون ما قاله همفر خطة لا تزال قائمة أو أنها على الأقل هى الخطة التى أوصلت العالم الإسلامى إلى ما أصبح عليه الآن، رغم أننا وعندما نتأمل ما جرى سنكتشف أننا من تآمرنا على أنفسنا، وأن من كتب المذكرات لم يفعل أكثر من رصد دقيق لما قمنا به، ثم لفقه بعد ذلك باسم جاسوس بريطانى؛ لسبب سياسى هو محاربة الدعوة الوهابية والدولة السعودية، ولسبب نفسى يسعى من خلفه لبراءة المسلمين مما ألحقوه بأنفسهم.