المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

6 أعوام من العُزلة 

لولاكى.. هل قتلت أغنية الثمانينيات الأشهر الدكتور على حميدة؟

علي حميدة
علي حميدة

- قدم دراستين عن العود.. وله الكثير من التلاميذ فى معهد الموسيقى

- لأول مرة.. ننشر تفاصيل رسالتى الماجستير والدكتوراه للمطرب الشهير

- الألبوم الظاهرة صدرت منه 11 طبعة مختلفة وباع 40 مليون نسخة 

- «اختبار» حميد الشاعرى أسهم فى انطلاقته مع المنتح هاشم يوسف

ولد فى 1948، العام الذى اندلعت فيه حرب فلسطين ضد الكيان الصهيونى، أولى الحروب العربية الإسرائيلية، التى اندلعت عقب إنهاء الانتداب البريطانى على فلسطين، و«إعلان قيام إسرائيل»، فيما عُرف باسم «النكبة».

أما المكان الذى شهد ميلاده فهو محافظة مطروح، أبرز محافظات مصر فى مقاومة المحتل الإنجليزى، وهو ما يتجلى فى تاريخها الوطنى الناصع، الذى يعود إلى عام 1915، تاريخ موقعة «وادى ماجد» التى خاضها أبناء القبائل هناك بشجاعة وشهامة وشرف ضد المحتل الإنجليزى.

شخصية هذه السطور هو المطرب الراحل على حميدة، الذى شهد كل حروب التحرر الوطنى المصرية، بداية من حرب اليمن «1963- 1967» وحرب يونيو «1967»، اللتين عاصرهما فى مرحلة طفولته، مرورًا بحرب الاستنزاف «1968»، ثم انتصار السادس من أكتوبر «1973» وهو فى ريعان شبابه، وجميعها دفعت فيها محافظته مطروح الغالى والنفيس دفاعًا عن الأرض.

40 مليون نسخة

ما بين سنوات الميلاد والطفولة والشباب تشكلت شخصية على حميدة إنسانيًا وفنيًا؛ حتى جاء ١٩٨٨، العام الذى شهد مولده الفنى، وكانت القاهرة فيه على موعد مع العديد من الأحداث السياسية والفنية والثقافية، أبرزها صدور حكم دولى لصالح مصر باستعادة طابا، وفوز نجيب محفوظ بجائزة «نوبل» فى الأدب، كأول كاتب مصرى وعربى ينال هذا الشرف.

أما بالنسبة للأحداث الفنية فى هذا العام، فكانت الساحة الفنية منتعشة إلى حد كبير، وهو ما يبرز فى عدد وقيمة الأفلام المعروضة بدور العرض السينمائية آنذاك، وعلى رأسها «أحلام هند وكاميليا» و«زوجة رجل مهم» لمحمد خان، و«أرملة رجل حى» و«حالة تلبس» لهنرى بركات، و«أيام الرعب» لسعيد مرزوق، و«الدرجة الثالثة» لشريف عرفة، و«بطل من ورق» لنادر جلال، و«طير فى السما» لحسام الدين مصطفى، وغيرها الكثير.

فى هذا العام صدرت أغنية لمطرب جديد صوته أقرب إلى اللهجة الليبية. الأغنية هى «لولاكى» للمطرب الشاب على حميدة عبدالغنى عمر، وشهرته «على حميدة»، المولود فى ١٧ أبريل ١٩٤٨، والتى تصدرت اسم ألبومه الغنائى، الذى تضمن ٨ أغانٍ، ونجح فى بيع ٦ ملايين نسخة من خلال ١١ طبعة فى عامه الأول، إلى جانب الطبعات الموجّهة إلى الدول العربية.

ومع مرور الوقت استطاع ألبوم «لولاكى»، وهو الأول للمطرب الشاب آنذاك، الوصول إلى ٤٠ مليون نسخة مُباعَة، دفعت اسم على حميدة وبقوة لصدارة الساحة الغنائية، بعد سنوات عجاف من السعى مع شركات الإنتاج منذ بداية ثمانينيات القرن الماضى.

وجاء هذا النجاح الساحق لـ«حميدة» بعد سنوات من العمل، منذ مجيئه إلى القاهرة للدراسة فى معهد الموسيقى العربية، عام ١٩٧٣، ثم تخرجه بتفوق وتعيينه مُدرسًا للعود، وسفره للعمل فى معهد الموسيقى بالكويت لمدة ٣ سنوات، ومن ثم عودته للعمل بالمعهد العالى للموسيقى العربية فى القاهرة.

ورغم كل هذا السعى، لم ييأس على حميدة يومًا، وآمن بموهبته وتمسك بصوته، الذى ظل يدربه كل هذه السنوات، آملًا فى فرصة لإيصاله إلى آذان المصريين فى الميادين والشوارع والحوارى والأزقة، وهو ما تحقق له عندما التقى بالملحن سامى الحفناوى، الذى قدمه إلى المنتح الفنى هاشم يوسف، فما كان من الأخير إلا أن اختبر صوته عند مستشاره الفنى آنذاك، الفنان حميد الشاعرى، باعتباره أحد الذين سبقوه فى الغناء باللهجة الليبية، ويصبح فيما بعد الداعم الأول لظهور على حميدة فنيًا.

دكتور «لولاكى»

فى ذكرى رحيل مطرب «لولاكى»، الذى توفى فى ١١ من نفس الشهر الجارى لعام ٢٠٢١، توجهت «حرف» إلى المعهد العالى للموسيقى العربية، حيث التقينا الأستاذ الدكتور أحمد يوسف، عميد المعهد، الذى فتح لنا مكتبة المعهد للاطلاع على رسالتى الماجستير والدكتوراه لمطرب «لولاكى»، واللتين أنجزهما فى الفترة من ١٩٩٣ إلى ١٩٩٩، وهى الفترة التى شهدت سنوات عزلته فنيًا، وفق ما أعلنه وقتها فى تصريحات صحفية، بعد اتهامه بالتهرب من الضرائب، عام ١٩٩٧.

الرسالة الأولى التى أنجزها على حميدة، وتوجد فى مكتبة المعهد العالى للموسيقى العربية التابع لأكاديمية الفنون، كانت للحصول على «الماجستير» فى تخصص العود، وهى تحمل عنوان: «المدارس المختلفة لآلة العود فى مصر فى القرن العشرين»، وناقشها عام ١٩٩٣، تحت إشراف الأستاذة الدكتورة حنان محمد غفران، والأستاذ الدكتور جورج ميشيل.

الغريب اختيار على حميدة لآلة العود غير الموجودة فى بيئته المحلية، لتكون موضوعًا لرسالة «الماجستير» الخاصة به. 

وبحسب موقع «فلكلور»، يعود الغناء البدوى الصحراوى بأصوله إلى العصر الجاهلى، ومن أنواعه: «السامر» و«الحداء» و«الهجينى» و«الفاردة» و«المعيد» و«التراويد»، والتى توصف بأغانٍ قصيرة الألحان قليلة التزينات اللحنية، يعاد لحنها عند كل شطرة من الشعر، ويتبادل غناءها مغنٍ منفرد ومجموعة من المنشدين من أبناء القبيلة، إلى جانب أشكال متعددة من الغناء والرقص. وفيما يتعلق بالمقطوعات الغنائية البدوية لعُربان مصر تحديدًا، فهناك «المربوعة» أو «المجرودة»، التى تشبه الموال لكن بإيقاع سريع.

وتتضمن الآلات الموسيقية عند البدو: «الشُّبَّابَة»، وهى آلةٌ موسيقية نفخيّة، و«المقرونة»، وهى ناىٌ ذو أنبوبتين يُصنع من عيدان البوص المجوفة، و«الربابة»، وهى آلة موسيقية قديمة ذات وترٍ واحد عرفها العربُ فى صحرائهم منذ عصورٍ بعيدة، و«السمسمية»، التى تعد من الآلات الفلكلورية الشعبية الأولى فى تقديم الفنون البحرية، قبل أن تشارك باقى الآلات الشعبية البدوية فى تقديم غناء أهل الصحراء، وتحجز لنفسها مكانًا فى السامر البدوى، مع «الشبابة» و«الربابة» و«المقرونة».

أما آلة العود فلم تحظَ بحضور حقيقى على مستوى البيئة البدوية التى نشأ فيها على حميدة، ولعل هذا ما دفعه إلى دراستها، فى رسالته للحصول على «الدكتوراه»، التى ناقشها بعد ٦ سنوات من نيله درجة «الماجستير».

وحملت رسالة «الدكتوراه» لعلى حميدة عنوان: «أثر برنامج تجريبى مقترح مبنى على الألحان الشعبية فى مطروح لتعليم المبتدئين على آلة العود»، وذلك تحت إشراف كل من: الأستاذة الدكتورة إنعام محمد لبيب، والأستاذة الدكتورة سهير عبدالعظيم، إلى جانب عبدالمنعم عرفة، خبير آلة العود فى المعهد العالى للموسيقى العربية.

سنوات العزلة

فى فترة إعداد رسالتيه العلميتين فى تخصص آلة العود من ١٩٩٣ إلى ١٩٩٩، اُتهم على حميدة بالتهرب من الضرائب، تحديدًا فى عام ١٩٩٧، بعدما فُرضت عليه ضرائب بقيمة ١٣ مليون جنيه، عقب تحقيق ألبومه «لولاكى» مبيعات قُدرت بـ٤٠ مليون نسخة، ليتم بعدها الحجز على شقته، و٣ سيارات يملكها، وهو الاتهام الذى كان أحد أسباب ابتعاده عن الفن، خاصة بعدما ظل مهتمًا طوال الوقت بإثبات حصوله على ١٠ آلاف جنيه فقط مقابل الألبوم الشهير.

وبالنظر إلى رسالتيه العلميتين عن آلة العود، نجد أنه قد أهدى رسالته لـ«الماجستير» إلى «أمه القابعة فى قبرها فى صحراء مطروح، وأبيه الذى ضحى بكل شىء من أجل أبنائه، ومبروكة والتى تتجلى فيها البداوة الصادقة». و«مبروكة» هى شقيقة على حميدة التى كانت بمثابة قلبه النابض ورفيقة مشواره، ولم تظهر إعلاميًا من قبل، وفق ما نشره «حميدة» عنها بعد وفاتها بأيام، على صفحته الرسمية فى «فيسبوك». أما إهداء رسالته للحصول على «الدكتوراه» فكان «إلى روح أمى وأبى.. رحمهما الله، إخوتى وعشيرتى أبقاهم الله، تلاميذى فى كل مكان وفقهم الله».

وفى سنوات العزلة تلك أيضًا، انتقل على حميدة إلى عالم السينما، مُستفيدًا من شهرته الغنائية، فخاض بطولة فيلمه الأول «مولد نجم» عام ١٩٩١، وفيلمه الثانى «لولاكى»، الذى شاركته البطولة فيه الفنانة الكبيرة معالى زايد، وعُرض عام ١٩٩٣ من إخراج حسن الصيفى.

وبالنسبة للغناء، أكمل على حميدة نجاحاته فى عام ١٩٨٩، عندما أطلق ألبومه الثانى «كونى لى»، الذى تضمن ٨ أغنيات، أبرزها «كونى لى» و«زين على زين»، لكنه لم يحقق النجاح المرجو. وفى عام ١٩٩٠، أطلق ألبوم «ناديلى»، ثم كان الألبوم الرابع «احكيلى» فى ١٩٩٢، قبل أن ينهى مسيرته الغنائية عام ١٩٩٤ بألبوم «نن العين»، الذى صدر عقب مناقشة رسالته للحصول على «الماجستير».

ومع اتهامه بـ«الشذوذ الجنسى» فى قضية رسمية، قرر على حميدة أن يبتعد عن الفن تمامًا، ويخصص كل وقته للبحث العلمى، فبدأ فى إعداد رسالته للحصول على «الدكتوراه»، التى ناقشها فى عام ١٩٩٩، قبل أن يعود لجمهوره بألبوم غنائى بعد انقطاع طويل حمل عنوان «خان العشرة»، فى عام ٢٠٠١، لكنه لم يحقق أى نجاح يذكر.

وظهر «حميدة» بعد ذلك تليفزيونًا، فى «سيت كوم» يحمل عنوان «نسمة ونصيب»، فى عام ٢٠٠٩، وذلك كضيف شرف فى الأحداث، إلى جانب غناء المقدمة والنهاية، مرورًا بظهوره فى مسلسل «الهودج»، ثم مسلسل «ريّح المدام» كضيف شرف، ومسلسل «مملكة الغجر»، الذى سجل ظهوره الفنى الأخير، وأسدل الستار على تجربته الفنية كصاحب الأغنية الأكثر شهرة فى مصر، الذى تصدر ألبومه الغنائى الأكثر مبيعًا فى تاريخ الوطن العربى خلال العقود الأخيرة، وكأكاديمى تخصص فى العود وله تلاميذه.

وفى نهاية عمره، داهم المرض على حميدة جراء إصابته بـ«فيروس سى» الكبدى. ورغم أنه كان من أوائل الذين عولجوا بمبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى لعلاج هذا المرض، كانت للقدر كلمته الأخيرة، ليتوفى المطرب صاحب التجربة الثرية، يوم الخميس الموافق ١١ فبراير ٢٠٢١، عن عمر ناهز ٧٢ عامًا.