المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أوليفيا.. البحث عن الزهرة التى قاومت النفى والفناء

حرف

- ظلّت كاتبة مستقلة تكافح فى مجالاتها الاجتماعية والفلسفية الخاصة

- الزهرة: لم أدرك إلا زورًا من العلم والمعرفة وإن كنت لا أدخر سعيًا فى التحصيل

عندما فاجأنى الحوار الذى أجرته الكاتبة صوفى عبدالله مع الباحثة والشاعرة الرائدة أوليفيا عويضة عبدالشهيد، فى مجلة «الحياة»، وذلك فى مطلع عقد الستينيات، وبالتحديد فى 23 مايو 1961، بعد أن فقدت الأمل فى التعرّف على مسيرتها الأدبية والفكرية، ولم أعثر على أثر لها بعد عام 1914 فى كل الدوريات الأدبية التى فى حوزتى، أو تلك التى أستطيع أن أطلّع عليها دون حيازتها، حيث إن وسائل البحث عن مثل هذه الأسماء والظواهر والأحداث العصيّة والصعبة تكاد تكون مسألة شبه مستحيلة، فى ظل انهيار وسائل الحفظ والفهرسة والتوثيق، وضياع الوثائق والكتب والمجلات، عبر عمليات سرقات صغيرة وغير مسئولة من متعاملين أفراد فى الدار القومية للوثائق، وذلك يتجلّى لأى باحث عندما يذهب إلى هناك، إما أن يقال له إن المصدر الذى يبحث عنه «فى الترميم»، وهذه إجابة شبه محفوظة تستخدم كأكليشيه، وإما ألا يجد المصدر بالفعل ولا يكون موجودًا من الأساس، وكثيرًا نجد أن صفحات وصورًا قد انتزعت عنوة لو أسعفه الحظ ووجد المصدر، وهذا يستدعى انقلابًا شاملًا فى إبداع طرق حفظ وتوثيق وتطوير الدار القومية للوثائق، حيث إن تلك الدار تعتبر بمثابة الذاكرة العظمى لتاريخ البلاد السياسى والثقافى والفنى والاجتماعى.

لم يكن الحوار مع أوليفيا بالنسبة لى سوى بوابة واسعة للبحث عن الرائدة المفقودة، والتى اختارت اسمًا غير اسمها، والحقيقة لم تكن مجلة «الحياة» هى التى انفردت بالكشف فقط عن ازدواجية الاسم، ولكننا عثرنا على مصدر آخر فى غاية الأهمية، ولكنه مصدر يكاد يكون مهملًا ومجهولًا فى عملية التأريخ الأدبى والثقافى، وهذا لا يعود لأهمية البحث من عدمه، ولكن البعد الأيديولوجى الذى ظهر على الباحث، وهو المؤرخ والأديب والكاتب أنور الجندى، الذى كتب عددًا من الكتب النقدية والأدبية، وكذلك فى التاريخ الثقافى، وفى كثير منها لم يفارقه ذلك البعد الأيديولوجى.

وتقريبًا لا يوجد غير أنور الجندى مَن ذَكَر أوليفيا عبدالشهيد، ففى كتابه «أدب المرأة العربية.. القصة العربية المعاصرة.. تطور الترجمة»، أفرد لها ثلاث صفحات كاملة!، وهذه- لو تعلمون- مساحة مبهجة للغاية بالنسبة لى، فى ظل ذلك الإبهام حول مسيرتها، والتجاهل التام وشبه المطلق لها ولجهودها المتنوعة والجادة، والحصار المضروب حول سيرتها ومسيرتها. صفحات تقول إن الشاعرة والكاتبة أوليفيا تعد بين المجهولات فقط، وتنفى فكرة أن تكون معدومة الذكر تمامًا كما ظننت، رغم أن الأستاذ الجندى جاء بمعلومات ناقصة، أو مغلوطة، وهذا وارد فى ظل غياب المصادر كما أسلفنا.

يقول الجندى فى كتابه: «الزهرة.. كاتبة مصرية من الأقصر، رمزت لنفسها بهذا الاسم، نشرت عشرات الفصول فى الصحف من وقت مبكر جدًا، وكان أبرز إنتاجها المترجمات عن الأدبين الإنجليزى والفرنسى (ترجمات رسائل آرثر مى)، ومن أول ما طالعناه لها فى مجلة الهلال عام ١٩١٧، كما ترجمت عام ١٩١٥ طائفة من مقالات للكاتبة الأمريكية السيدة فون، وصدرت فى القاهرة باسم (الاجتماعيات) بتوقيع أوليفيا عبدالشهيد الأقصرية، وذلك قبل أن تتخذ لنفسها لقب (الزهرة)».

إذن فالجندى يحدد أن أول ظهور للاسم المستعار «الزهرة» كان عام ١٩١٧، بينما كان آخر ظهور للاسم الحقيقى «أوليفيا» كان عام ١٩١٥، وربما- فى اعتقاد الجندى- الوحيد، وربما يكون ذلك أقرب إلى الصحة، ولكن الأكيد هو أن اسم «الزهرة» هو الاسم الذى صار معتمدًا بعد ذلك لأوليفيا عبدالشهيد، ولكن الذى ليس صحيحًا فيما جاء من معلومات عند الجندى قوله إنها لم تكتب كتابًا مؤلفًا باسمها، لأنه لم يصل إلى علمه ذلك الكتاب الأهم فى تاريخ الكتب الاجتماعية، وهو كتاب «العائلة» الذى نوهنا عنه فى الحلقة السابقة، والذى نأمل فى نشره قريبًا إن شاء الله، وقد نبّهت فيه لقضايا فى غاية الخطورة، وسط صراعات طائفية واجتماعية وثقافية محتدمة.

وكشف الجندى عن مشاركات الزهرة فى مجلتىّ الرسالة والثقافة بين عامى ١٩٤٣ و١٩٥٠، وهما المجلتان الأهم فى تاريخ الثقافة المصرية، إذ إن الأولى تأسست عام ١٩٣٣، وأسسها العلّامة أحمد حسن الزيات، وهى مجلة الرسالة، بينما مجلة الثقافة تأسست عام ١٩٣٩، وأسسها أحمد أمين، وقد كتب فى المجلتين كل نجوم الحياة الفكرية والأدبية والثقافية عمومًا، مثل الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد وإبراهيم عبدالقادر المازنى والدكتور محمد حسين هيكل وغيرهم، وقد بحثنا عن مشاركات الزهرة فى المجلتين، فوجدنا أنها بدأت قبل التاريخ الذى ذكره الجندى، أى منذ عام ١٩٣٩، حتى النهاية المعروفة للمجلتين عام ١٩٥٣، بعد قيام ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢، وكان الخطاب الثقافى قد تغيّر تمامًا، فكان من الطبيعى أن تبحث الأصوات الجديدة المعبرة عن مرحلة جديدة، وعن منابر أخرى، تحمل أشكالًا عميقة من الولاء للمرحلة الجديدة.

تتحدث «الزهرة» عن نفسها فى مقال لها بمجلة «الثقافة» فى ٢٥ أبريل ١٩٤٤، وكان عنوان المقال «عناصر إيمانى»، وهو مقال ينطوى بالفعل على الفلسفة التى تنظر من خلالها «الزهرة» للثقافة وللمعرفة وللحياة ككل، إذ تقول: «لا أتردد عن المجاهرة بأنى لم أدرك إلا زورًا من العلم والمعرفة وإن كنت لا أدخر سعيًا فى التحصيل، وأستقصى الذرائع كى أوفى على الغاية، أؤمن بأن الأسرة هى أعظم مقومات المجتمع، وأن الزواج فن عالٍ وقمة خطيرة، وأن الروابط الزوجية الصالحة تتطلب الإيثار والتضحية بالنفس والتساهل والتسامح..

أنا أحب الأطفال وأومن بأنهم ملائكة الأرض تنقصهم أجنحة

أنا أحب الحدائق من بدء الربيع إلى آخر الصيف

لا أميل إلى أهل الشكوك واللا إراديين ولا إلى الذين يغلّون أعناق كلامهم المدللة بالسلاسل الغليظة حتى يوثقونها فى حدائقهم الزهرية لحراستها..».

ويبدو أن هذا الكلام الشاعرى فى ظاهره بأنه بسيط وفضفاض، ولكننا ندرك ذلك البعد الصوفى فى التجربة الأدبية بالمعنى الإنسانى العام التى دفعت «أوليفيا- الزهرة» لكى تكتب هذا الكلام البسيط والبديهى، ولكنه عميق إلى حدود بعيدة، حيث إنها تقول فى هذا المقال الذى يشبه البيانات التى يكتبها المفكرون عن أنفسهم: «.. وأتمسك بعرى الإيمان الدنيوى الذى يقيّض ثقة بأخوتى البشر، ويبعثنى على أداء حقوقهم، لأن الإيمان هو الذى يؤكد لى أن جذوة الخير كامنة فى البشر..».

وللزهرة كتابات عديدة عن المرأة وحريتها وحقوقها المشروعة، وهى ترى أن المرأة مرّت عبر التاريخ البشرى بمجموعة مراحل مختلفة، وتكاد تكون متناقضة، أورثتها فى عصرنا الحديث بسلسلة من العوائق التى جعلتها ثائرة على الأوضاع العديدة والظالمة أيضًا، حيث تقول فى دراسة مهمة لها: «أردّ تصرفات المرأة إلى الأصول البدائية التى ركّزت فى نفسها مركبات قوية متناقضة، تكاد تكون من الغرائز النسوية، لأنها اندست فى أغوارها حقبًا طويلة دون أن تدريها، فطبعت سماتها على حياتها وإرادتها ووجهتها إلى نواحٍ متشعبة كانت مصدرًا خفيًا لأعمال تنفع وتضرّ على السواء..»، وهذا الرأى بالفعل يقترب كثيرًا من الصواب، لإدراك الموقع النفسى والاجتماعى الذى آلت إليه عبر أحقاب بشرية متعاقبة.

والذى لم يخبرنا به أنور الجندى، وربما عن عدم دراية وليس تعمدًا، هو الدور المهم الذى لعبته «الزهرة» فى تطوير مجلة «فتاة الشرق»، ذلك الدور الذى اختفى تمامًا فيما كتبه أنور الجندى، وربما عن عدم دراية، وهو الدور المهم الذى لعبته «الزهرة» فى تطوير وتثوير مجلة «فتاة الشرق»، وهى تعتبر المجلة النسوية الرابعة فى الترتيب الزمنى، والتى تأسست فى مصر والعالم العربى، إذ إنها جاءت بعد مجلات «الفتاة عام ١٨٩٢»، والتى أسستها هند نوفل، ومجلة «أنيس الجليس» التى أسستها اسكندرة أفرينو عام ١٨٩٨، ومجلة «السيدات والبنات» التى أسستها مارى فرح عام ١٩٠٣، ثم جاءت مجلة «فتاة الشرق» التى أسستها لبيبة هاشم عام ١٩٠٦، وجاءت بعدها مجلات نسائية عديدة، سوف نفرد لها حديثًا خاصًا، وكيف ساهمت هذه المجلات فى تطوير وتثوير أشكال الصحافة بشكل عام، وليست قضية المرأة فقط وحقوقها بشكل خاص.

وعندما انضمت «الزهرة» إلى مجلة «فتاة الشرق»، وكأنها وجدت لنفسها أرضًا خصبة، وحقلًا مناسبًا لزرع بذورها اليقظة والمفيدة، سوف نلاحظ أن القضايا التى كانت تتناولها «الزهرة» تتحدث عن الأسرة والزواج والعلاقات الاجتماعية العميقة مثل الحب والصداقة والزمالة، وما شابه ذلك، حتى الفصول والكتب التى كانت تترجمها كانت تعتنى بهذه القضايا، بعيدًا عن قضايا وإشكاليات السياسة ومطباتها ومنعرجاتها العبثية فى كثير من الأحيان.

ففى كتاب «سوانح فى السلام» لفردريك لى، وهو أحد الكتب المهمة التى نقلتها الزهرة إلى العربية، تقول فى مقدمته: «اللهم، علمنى أن الحياة تسع مرايا أعظم من البحث عن الصفقات الرابحة، والأزياء البارعة، والمشتريات الممتازة من المتاجر الكبيرة.. أعنى، لكى أعرف أن البيت أكبر من مسكن آوى إليه، أو مطعم أنشد فيه لقمتى وقيلولتى، ساعدنى لكى أوقن أن الحب يجاوز تخوم العاطفة المشبوبة، التى تلتمس الاغتباط والاستجمام فى المجتعات العالمية الساهرة والحفلات المرحة الحاشدة التى تولّد فى كثير من الأحيان الموّدة المنتحلة، والمجاملات المنافقة الكاذبة..»، وتستطرد الزهرة فى انتقاد أشكال الزيف والنفاق المجتمعى، ويبدو أن الكلام يأتى دون تلك الهتافات التى كانت ترفعها رائدات أخريات، وتلوكها ألسنة كثيرة مفعمة بالحسّ السياسى النفعى، وهذه الملحوظة لا تخص رائدات مخلصات كن فى الحركة النسائية، ولكننا نقصد السيدات اللائى جندن حركتهن لخدمة أغراض استعراضية خاصة، أو لرفعة أغراض سياسية عامة.

ولأن الزهرة كانت تستعين بالكتّاب الفرنسيين أو الإنجليز أو الأمريكان لإيضاح وتعضيد كل ما تكتبه هى، فقد ترجمت عددًا لا بأس به من الروايات الأدبية، والكتب الفكرية، وكلها كما أسلفنا تدور حول القضايا الاجتماعية، ففى دراسة تحت عنوان «الحب المفتقر» للكاتبة إيديت نيبيين، ترجمتها «الكاتبة المجيدة»- كما كانت تطلق عليها محررة المجلة- دارت الدراسة حول قضايا مثل «الخيال والحقيقة، النفس المنفردة الموحشة، تعويضات الحب، صنائع المعروف الشافية، بعض الحكم»، وتكتب الزهرة مقدمة ضافية لهذه الدراسة التى نشرت فى مجلة «فتاة الشرق» بتاريخ يناير ١٩٣٠، إذ جاء فى مستهل التقديم: «إذا كان لا يوجد فى الحياة قوة فيّاضة خيّرة مثل الحب، فكذلك لا يوجد على وجه البسيطة شىء أدعى إلى اليأس والقنوط مثل الحب إذا مُنح لمن لا يقدره قدره ويعرف قيمته، والحب هو نور الوجود الإنسانى، وهو نفحة من الألوهية فى جوهرها، والحب يفنى الأجيال لا يفنى ويهزأ بالزمن وتعاقب الصور»، وتستطرد الزهرة فى تقديمها لكى تقدم بانوراما روحية وتاريخية حول تطور أشكال وحالات وصور الحب.

ومن الواضح أن القضايا التى كانت تتناولها الزهرة قضايا ليست اشتباكية، رغم أنها قضايا شائكة فى العمق، وليست سطحية، ولكنها تعبّر عن فلسفة ودور أرادت الزهرة أن تقوم به فى مجتمعات غلبت عليها سمات العراك والصراعات المادية والسياسية.

واستكمالًا للمعانى والقضايا الروحية التى كانت تخوض فيها الزهرة، فهى لم تفلت مشهدًا طبيعيًا إلا وكتبت عنه، وتأملت تلك المشاهد، ففى كتاب لها عنوانه «البدائع والروائع»، وهو كتاب يشبه الكتب التراثية القديمة، أرادت فيه الكاتبة أن تجمع بعض ما كتبته أو ترجمته ونشرته فى مجلة «فتاة الشرق»، ويتعلق بالطبيعة وبدائعها، وتقول وتلخص فى المقدمة: «حقًا إن الأرض جميلة فى الصحو والغيم وأنا أتطلع إلى الوجود فى يوم من أيام الصيف... إننا نرى فى جمال الأرض المتنوع يد القدرة الإلهية التى تصبح أعظم نوابغ الأرض..»، «إننا نعيش ونتعلّم، والحياة مدرسة رافعة، ولا شك أن الأمل يعظم فى نفوسنا حين تبصر جمال الأكواخ المغطاة بمعارش الزهر متسربًا إلى الأحياء الكبيرة فى مدننا..»، وهكذا تحاول الزهرة أن تتأمل جمال الوجود فى مواجهة القبح الذى يطفح على وجه الحياة.

ولم تكتف الزهرة بكتابة الموضوعات الناعمة التى تعنى بالحب والصداقة والطبيعة فقط، بل إنها كانت تؤلف وتترجم كل المواد التحريرية بالمجلة المتعلقة بالرائدات فى كل أنحاء الأرض العربية وغير العربية، وهذا يعنى أنها كانت مدركة للحركة النسوية فى العالم، للدرجة التى دفعتها للكتابة عن رائدات نسويات فى إفريقيا، قبل أن يكون هناك حضور بارز للقارة الإفريقية على الخريطة، وكانت إفريقيا فى ذلك الوقت المبكر عبارة عن مجموعة غابات وأدغال، فنجدها تكتب فى بابها «شهيرات النساء» عن محاولات كثيرة لاكتشاف ميزات تلك القارة الإفريقية، وقامت بالتعريف بالذين ذهبوا إلى هناك للتعرّف على تلك القارة المجهولة والساحرة، فتقول فى إحدى دراساتها: «ولعل أول من يجب أن تضفر لهن أكاليل الغار هن طلائع الجيش النسائى المقدام الذى ارتاد مجاهل إفريقيا، وهو مؤلف من مارى موفات، ومارى بيكر، والآنسة مارى كنسجلى، أما مارى بيكر، قرينة سير صموئيل هوايت الرحالة المشهور فى إفريقيا، فكانت وباستمرار تلك الحلة البهية الخالدة التى تتغنى بذكر هنغارية الأصل، وذات مواهب عظيمة وإقدام هائل نحو التعلّم والتعليم..»، وعملت الزهرة فى هذا الباب على أن تعرّف بقدر كبير من رائدات «الآفاق» كما أطلقت عليهن، وشملت هذه المساحة التى كانت تكتبها كثيرًا من رائدات فى إنجلترا وأمريكا وفرنسا وبلاد عربية كثيرة، لتكون لدينا موسوعة للرائدات النسوية فى شتى أنحاء العالم.

الجدير بالذكر أن الزهرة مارست التحرير الصحفى فى المجلة زمنًا طويلًا، حتى إنه استدعتها مجلات أخرى، ولم تكن هى مشغولة بتصدير نفسها فى جمعيات نسائية، ربما تكون انضمت لهذه الجمعية أو تلك، ولكنها ظلّت كاتبة مستقلة، تكافح فى مجالاتها الاجتماعية والفلسفية الخاصة، وربما تكون قد هجرت الشعر، أو عزفت عن الانخراط فى كتابته، مكتفية بالترجمة لكتب رأت أنها أكثر فائدة للمجتمع والحركة الفكرية المجتمعية بشكل رئيسى، ولأنها لم تنخرط فى جمعية أو حركة نسوية ذات طابع سياسى، فقد تم إزاحتها، وتجاهلتها معظم المصادر والأبحاث التى تعلّقت بالحركة النسوية، لدرجة أننا لم نلحظ أن الجمعيات أو منظمات المجتمع المدنى الحديثة، والمعنية بجمع تراث الرائدات، لم تنتبه إلى كتابات أوليفيا «الزهرة»، ربما تكون هذه الجمعيات لم تدرك خبرًا يعلن عن وجود «الزهرة» فى تاريخ الحركة النسوية المصرية، وربما تكون بعض تلك الجمعيات أدركت ذلك، ولكن النزوع الأيديولوجى أيضًا منع تلك الجمعيات من الحماس لكاتبة معنية بغير ما يعنى تلك الجمعيات، فالزهرة لم تكن مشتبكة سياسيًا مع سلطة ما، سلبًا أو إيجابًا، فهى لم تخدم أى سلطة، كذلك لم نعثر على خبر يقول إنها احتجت على سلطة، ولكن كل كتاباتها انحصرت فى نقد الجوانب الاجتماعية والمجتمعية المشوهة، ومحاولة تقويمها، وبالتالى لديها برنامج فكرى استطاعت أن تنجزه عبر مسيرتها المجهولة، وبالتالى فهى أزيحت بقوة شديدة، ونأمل فى تدارك ذلك من قبل الجمعيات المهتمة بشأن تاريخ الحركة النسوية فى مصر والعالم العربى.